Skip to main content

Full text of "كتب - مكانة السنة النبوية"

See other formats


| 0 1 E مز‎ 
SS : ۰ 2 3 3 VT 3 10 5 a 3 8 5 ١ 9 3 : ١ pO 


x 0 


20 


SAIR ER (OA ERÊ ۱ 





a |‏ 
1 ( ه هه ا 
7 حص 7 ع 7 


ومک نلھا في النشرئع الاسلاعی 


200170 | 


7 حص 7Ş‏ عیں 


ومکا نھان الشرع 


0 


2 


0 


م سس 


٠ الإسلاعي‎ 


ج 


ر کت ب کیا کک کار کے ر 


ma 


لوک( 


3 ا 1 


ل 

من حباني من حنانه ما نعمت به وأنا وليد. 

ومن إرشاده ما قوّمني وأنا غصن رطيب . 

ومن عونه على تحصيل العلم ما مكنني من أن أجدَّ في طلب المعرفة 
واا 

ومن تأييده لدعوة الإصلاح ما هون علي تحمل الأذى في سبيل الله. 

ومن صبره على الشدائد ما حبّب إليّ التضحية وأنا مشرّد»ء أو موثق 
بأغلال السجون والمعتقلات . ٠‏ 

ومن خفقات قلبه الرحيم ما خففت عني الالام» وأنا طريح العلل 
والأمراض . 

إلى : 

من كان كل أمله أن أكون حلقة فى سلسلة بيتنا العلمىّ منذ مئات 
السنين» وكل طلبته من ربه: أن يجعلني 5 حسناته يوم eT‏ 

إلى أبي الشيخ الجليل 

حسني السباعي(* 
أهدي أول مؤلفاتي العلمية» اعترافاً بفضله وحسن توجيهه. راجيا 


( 


(*) هو المجاهد الشيخ حسني السباعي» خطيب الجامع الكبير في حمص» كما كان أبوه 
وأجداده منذ أجيال كثيرة. وکان رحمه الله ممن يدرس الفقه مع الأدلة في حلقات 
عدد من إخوانه علماء حمص بعيدا عن التعصب المذهبي كما كان مقاوما للمستعمر 
الفرنسي» بشخصه وماله وجهده. وكان أحد ركائز تأسيس الجمعيات الخيرية 
الإسلامية» والميتم الإسلامي . 


من الله جل شأنه أن يبارك لی فى حياته: ويجزل له من مثوبته» ويتقبل 
دعاء ولد بار لأب كريم» استجابة لأمره تعالى : اوقل بًَ أرحمهما َ رياني 


صَعِيرا 4 . 


ب 


= وكان ‏ رحمه الله المشجع الأول لأستاذنا الشيخ مصطفى على خطته ومنهجه في 
الجهاد والإصلاح» ومحاربة البدع. ومن ذلك: 
عندما قام أستاذنا الدكتور الشيخ مصطفى بالدعوة لإلغاء خميس المشايخ الذي يقام في 
وخزعبلاتهم ويرتكبون باسم الدين» المنكرات والفضائح › ودعوة غير الله » زاعمين أن 
هذا من الدين وإحياء أمجاد الإسلام!! وسّمّي يومها أستاذنا الشيخ مصطفى «ابن تيمية 
الصغير» لأنه قام بخطبه ومحاضراته ويده لمنع هذه المنكرات مثلما فعل شيخ الإسلام 
أبن تيمية ر حمه أللّه . 
اك من مرة. وكان لموقف والده معهم الأثر الطيب قن محاربة البدعة . 
وكذلك كان لوالده الموقف المشرف فى معركة فلسطين سنة ١95/8‏ عندما قاد الأستاذ 
مصطفى كتيبة الإخوان» للدفاع عن إسلام وعروبة فلسطين» وقد اشترك معه أخوه 
عبد الرحمن ولم 06 يومها يتجاوز عمره السادسة عشرة سئة . ثم مات بعد ذلك 
شابا فى الستينات . 
وقد كان الشيخ حسني ينظر لإخوان ابنه وتلامذته نظرته للشيخ مصطفى ويمنحهم ‏ 
العطف والود. وكانت وفاة الشيخ حسئى فى جمادى الآخرة سنه ۱۳۸۱١‏ ۔ کانون 
الأول .١1957‏ 
كما كانت وفاة أستاذنا الشيخ مصطفى سنة ١955‏ ومولده سنة 2١4١5‏ رحم الله 
الجميع . 

زهيرالشاوس 





عم 


الحمد لله الذي له ما فى السماوات والأرض وهو على كل شىء 
تدير». الا وال على فع الاس ال حح من عبد الله الي 
أوتي القرآن ومثله معه» وجعل الله طاعته من طاعته هو سېحانه» فکانت 
سنته صلوات الله عليه وسلامه بيان الكتاب الكريم» والمصدر الثاني من 
مصادر شريعة الإسلام. وكان من قبل عن رسول الله فعن الله قبل. 

أا › 

فالبحث في سنة النبي عليه الصلاة والسلام» أمر على غاية الأهمية 
في بنية الإسلام الفكرية» ومصادر التشريع فيه» خصوصاً إذا وضعنا في 
الحسبان ما ينصب لأمتنا من أحابيل ومكائدء وما يراد لها من إعراض عن 
هدي النبوة» وتشكك فيما يصل الأجيال بنبيها عليه الصلاة والسلام. 

ومن خلال ذلك ينظر إلى الفراغ الذي ملأه في هذا الميدان كتاب 
«السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي» للأستاذ الدكتور مصطفى السباعي 
رحمه الله الذي كان الميدان العلمى واحدا من الميادين التى خاضها دفاعا 
عن دعوة الإسلام وشريعة اا ا 

وعلى بركة الله تصدر الطبعة الثانية لهذا الكتاب القيّم والحمد لله. وإذ 
توافر للمؤلف القدرة على البحث العلمي وتتبع الأمور في مظانهاء بجانب 


۷ 


الغيرة الصادقة على دين الله. إن هذا الكتاب صورة حية لهاتين المكرمتين» 
فأنت واجد أن المضمون منطبق تمام الانطباق على العنوان» مع رد المفتريات 
والشبه» واقتحام معاقل العادين على السنة من حيث المتن أو السند . 

وإذا كان قد تناول بعض المباحث برفق وإيجازء فإنما كان ذلك لأنها 
ليست من صلب الموضوعء فأعطاها بقدر ما لها من علاقة فحسب. 


وكم أحسن - رحمه الله - صنعاً في ذلك التتبع التاريخى للأدوار التى 
مرت بها السنة» ووضع الأصبع على مكمن الداء في الماضي والحاضرء 
وموائف العلماء الت ردت الا وق ال نصابها . 

وبطريقة منهجية جامعة فئد آراء المخالفين قديماً وحديثاً» وعرض 
كله موقف العالم الداعية المجاهدء الذي يقدم لك الفكرةء مؤيداً ما 
يجنح إليه بالحجة من مظانها. . وتلمس من وراء بحثه ‏ كما أسلفنا ‏ الغيرة 
الصادقة على السنة أن يعدى عليها باسم العلم وتحت عناوين المعرفة . 

ولعل من الإنصاف أن أشير إلى أن الأستاذ رحمه الله قد ألف الكتاب 
فى ظروف قاسية شهدها الذين كانوا يسكئون معه فى القاهرة من إخوانه. 
حين اضطرته تلك الظروف وهو يجمع المادة العلمية للموضوع أن يغادر 
الشقة إلى مكان آخر حيث لا يجد المراجع إلا بصعوبة» ويتصل ببعض 
عناية الله. .. ولم يطبع الكتاب طباعة رسمية» وإنما خرج رسالة للأستاذية 
يومذاك ‏ الدكتوراه ‏ فى الأزهر على الآلة الطابعة. 

وشغلت مؤلفنا شؤون الدعوة والقضايا العامة. ومهمات الجامعة والتدريس 
في كليتي الشريعة والحقوق.» مع إدارة كلية الشريعة عن البدء بطبع الكتاب . 

ويشاء الله أن يفجأه المرض العضال.. وصدرت الطبعة الأولى وهو 
على حالة صحية غاية فى الإرهاق» وإن كان الرضى عن الله» والطمأنينة 


۸ 


لنعمة الابتلاءء مما كان يزين حياته في تلك الفترة رحمه الله. 

وكات الأقبال على الكعاب» ددا سخصوضا فخ أولتكة: التية يقدروة 
هذه الموضوعات حق قدرها وشرع ‏ على قسوة المرض - في تنقيحه وزيادة 
با يراه من التعليقات: تمهيدا لافعة إلى المنطيعة: . .. عن :وافقه المدة:. 
غفر الله له - وأصول الكتاب هي شغله الشاغل» ويرى القارئ ملحقين في 
عله لفكي :لقا EN Slee Eloy ya‏ 

وختاماً: إن كتاب 

١‏ الشّنة وَمَكانئهافيالشرئعالإسلابي » بما يشتمل عليه من حقائق 
علمية تضع السنة موضعها من شريعة الإسلام» وما يقع عليه القارئ البصير 
من نفس طويل في تحليل المواقف من السنة في القديم وفي العصر 
الحاضرء وما يلمسه من تلك الجولات الموفقة مع أهل الانحراف من 
مستشرقين وغيرهم من دعاة التغريب . 

إن ذلك كله يجعل الكتاب جديراً ‏ إن شاء الله بأن يؤدي الغرض 
في خدمة الرسالة التي كان يحملها المؤلف رحمه الله.. وأن يحظى بالكثير 
من اعاب الان في وت جد د لان اا وت اون مو 
مؤامرات الدس على أصولنا ومصادرنا وخصوصاً السنة المطهرة. . مما تشم 
منه رائحة التضليل في بناء الجيل لإبعاده عن مقومات الوجود الحقيقي لاأمته 
في كتاب ربها وسنة نبيها عليه الصلاة والسلام . 


رحم الله الأستاذ السباعي وأجزل مثوبته في الآخرين» ونفع بآثاره 
الطيبة التى ضربت فى كل ميدان من ميادين الدعوة» وكان من عيونها هذا 
الكتاب في طبعته الثانية ‏ التي يخرجها المكتب الإسلامي ‏ استجابة طبيعية 
للقراء والباحثين الذين طال انتظارهم له بخاصة ‏ ونرجو أن يكون ذلك 
أيديهم وبأيمانهم. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين . 





]م تل مر هه 
کے 





2 ا 
الحمد لله الذي شرع الأحكام لعباده بکتاب مبین › وأناط تفصيل أحكامه 
وعلى آله وص حبه ) نقلة لو والأمناء على الحق» والدعاة ا الله على 


وبعد: فنحن في عصر اضطربت فيه النظم العالمية المتعددة» وعجزت 
عن إيجاد السلام والرخاء لشعوب العالم» ومهما يكن في قادة الأمم 
المسيطرة من عيوب أدت إلى هذا الاضطراب» فإن الذي لا ريب فيه عندنا 
أن الأسباب المباشرة لشقاء العالم هي تلك النظم التي لم تثبت حتى الآن 
صلاحها لحل مشاكل الإنسانية على وجه يريحها من الحروب والمنازعات› 
ويبعدها عن جو القلق الذي تعيش به في أعقاب الحروب العالمية الداميةء 
بعد أن كانت تعيش خلال الحروب في جو قاتم من الدماء والدمار 
الراب 

وعقيدتناء نحن المسلمين» أن لا مناص لهذا العالم ‏ إن أراد لنفسه 
السعادة والسلام من الرجوع إلى تعاليم الله الصافية الخالصة من التحريف 
والتلاعب والتبديل والتغيير» والتى جاءت رسالة الإسلام متممة لها ومعبرة 
غترورومتالكينا أون: تخبير .وادثة وأوشعة» ,وأكتره هرانا ومصبائرة: لالغصيور: 
و لحاجة بني الإنسان على اختلاف ديارهم وأزمانهم . 


١١ 


وشريعة الإسلام ت في مصادرها الأولى» وفي بحوث فقهائها وأئمتها 5 
رحبة الفناء» واسعة النهج» تتسع لكل حادثة» وتحل كل مشكلة» وتقيم 
موازين القسط بين الأفراد والجماعات والحكومات» وتحقق للشعب الطائع 
اليقظ الراقى المتحفزء وللدنيا فى مختلف أقطارهاء الدولة العادلة المسالمة 
التي تجنح للسلم حين يجنح له غيرهاء وتذود عن كرامة العقيدة والأخلاق 
والحرية الصادقة» حين يميل إلى العدوان عليها معتد أثيم أو باغ ماكر . 

ومصادر التشريع الإسلامي معروفة لائ لمسلمين موتوقة محفوظة. 
ولا شك فى أن السنة المطهرة» وهى ثانية هذه المصادرء أوسعها فروعاً. 
العامة في التشريع وللأحكام الكلية في الغالب» مما جعله خالداً خلود 
الحق» بيد أن السنة الكريمة عنيت بشرح هذه القواعد» وتثبيت تلك النظم» 
وتفريع الجزئيات على الكليات» مما يعرفه كل من درس السنّة دراسة 
على السنة» واللجوء إليها والعناية بها والاسترشاد بأحكامها المنصوصة على 
أحكام الحوادث الطارئة . 


ولقد تعرضت السنة في القديم لهجمات بعض الفرق الإسلامية 
الخارجة على سنن الحق لشبهات طارئة لم تجد في نفوس أتباعها ما 
يدفعهاء كما تعرضت في العصر الحاضر لهجمات بعض المستشرقين 
المتعصبين من دعاة التبشير والاستعمارء ابتغاء الفتنة وابتغاء هدم هذا الركن 
المتين من أركان التشريع الإسلامي الوارف الظلال وتابعهم على ذلك بعض 
المؤلفين من أبناء أمتناء اغتراراً بما يضفيه أولئك المستشرقون على بحوثهم 
من زخارف علمية لا تثبت أمام النقد العلمي النزيه أو اندفاعا وراء ميول 
نفسية وشبهات فكرية لم يحاولوا تمحيصها على ضوء ما بين أيديهم من 
تراث السلف وبحوث العلماء الراسخين» فصادف رَأَيُ المستشرقين في السنة 
هوى كامنا في نفوس هؤلاء» فضربوا على الوتر» وغنوا بذلك الحداء. 

أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى تا ا اا تسكن 


١ ؟‎ 


وقد سبق لي في عام 708١ه‏ أن عانيت مع بعضهم بعض الشيء في دفع 
أوهامهم والرد على ما علق بأذهانهم من تخرصات الو ل ا 
أن أبحث في هذه الرسالة عن السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي» مبينا 
الأدوار التاريخية التي اجتازتهاء وجهود علماء الإسلام في صيانتها وتمحيصها. 
مناقشاً ما أورد المتحاملون عليها في القديم والحديث بروح علمية هادئة» 
يستبين بها وجه الحق» وتتضح بها طلعة السنة المطهّرة بيضاء مشرقة . 

وقد ختمتها بشذرات من تاريخ أشهر علماء الإسلام من مجتهدين 

ومحدثين ممن لهم دور بارز في حفظ السنة وتدوينهاء أو في الرجوع إليها 
في استنباط الأحكام الشرعية من مصادرها. 

وقد قسمت الرسالة إلى ثلاثة أبواب وخاتمة : 

الباب الأول: في معنى السنة ونقلها وتدوينهاء وفيه فصول : 

الفصل الأول: في معنى السنة» وتعريفهاء وموقف الصحابة من 


الفصل الثاني : كيف نشأ الوضع فيها؟ ومتى؟ وأين؟ 
الفصل الثالث: في جهود العلماء لتنقيتها وتصحيحها. 
الفصل الرابع : في تمان جحهوة: الخلماء: وتتاتتحها «النسية . للسئة: 
الباب الثاني: فيما تعرضت له السنة من شبه وخصومة وفيه سبعة 
فصول : ۰ 

الفصل الأول: السنة مع الشيعة والخوارج . 

الفصل الثاني : السنة مع المعتزلة والمتكلمين. 

الفصل الثالث: السنة مع من ينكر حجيتها قديماً. 

الفصل الرابع : السنة مع من ينكر حجيتها حديثا. 

الفصل الخامس: السنة مع من ينكر حجية خبر الأحاد. 

الفصل السادس: السنة مع المستشرقين. 

الفصل السابع : السنة مع بعض الكاتبين حديثا. 


١ 


الباب الثشالث: في مرتبة السنة في التشريع الإسلامي» وفيه ثلاثة 
فصول: 

الفصل الأول: في مرتبتها بالنسبة إلى الكتاب. 

الفصل الثاني : كيف اشتمل القرآن على السنة؟ 

الفصل الثالث: نسخ السنة بالقرآن» أو القرآن بالسنة . 

الخاتمة: في تراجم بعض كبار علماء الإسلام من مجتهدين ومحدثين 
وهم عشرة: 

١‏ الإمام أبو حنيفة. 

۲ الإمام مالك. 

۳ الإمام الشافعي . 

٤‏ - الإمام أحمد. 

© _ البخاري . 

5 - مسلم. 

- النسائي . 

۸ - أبو داود. 

8 الترمدى: 

٠‏ ابن ماجه. 

والله أسأل أن يجتبني العثار ويلهمني الرشدء ويفتح لي خزائن 
رحمته» ویجعلنا ممن فتمعون القول فون اة 

والحمد لله رب العالمين . 
القاهرة ٦‏ رجب "اه 


؛ أيار (مايو) ٩٤۱۹م‏ 


اروم صط طا باعي 





الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله 
وصخبه وحملة سنته والمدافعين عنها إلى يوم الدين» وبعد فهذا الكتاب 
الذي أقدمه اليوم للطبع» هو الرسالة التي تقدمت بها لنيل الشهادة «العالمية 
ير درجة أستاذ» ف الفقه والأصول وتاريخ التشريع الإسلامي من کاله 
الشريعة في الجامع الأزهر عام 1758١ه‏ 1154١م2‏ وقد رغبت عن نشره منذ 
ذلك الحين حتى الآن لعوامل كثيرة» من أهمها أني ألفت هذا الكتاب في 
ظروف صعبة كانت تضطرني إلى الإيجاز في كثير من الأبحاث» وكنت أرى 
من تمام الفائدة التوسع فيها والإكثار من الشواهد لتَتّضح معالمهاء وإضافة 
أبحاث أخرى متعلقة بالموضوع. ولم يتح لي الوقت الكافي لتحقيق ما كنت 
أرجو من ذلك. 

ثم إن بعض أبحاث هذا الكتاب كانت قد نشرت بصورة موجزة في 
بعض المجلات العلمية الإسلامية في القاهرة ودمشق وغيرهما"» وكانت 
تردني الرغبة من كثير من القارئين بطبع هذه الأبحاث» ولكنني كنت أرجئ 
ذلك إلى وقت أتفرغ فيه لتحقيق ما كنت أمل من التوسع والإفاضة» حتى 
ظهر كتاب «أضواء على السنة المحمدية» لمحمود أبى رية» وفيه ما فيه من 
تحقيق «غير علمي» حول السنة ورواتهاء فألحٌ ع الأصدقاء الكرام 
بطبع الكتاب لشدة الحاجة إلى أبحاثه» وها أنا أقدمه كما كتبته من قبلء 
إلا ما أضفته على البحث المتعلق بأبي هريرة رضي الله عنه من تعليق موجز 


)۱( وا القاهرة مجلة «الفتح) للأستاذ الكير محب الدين الخطيب» وفى دمشی ميجلة 
(المسلمون). 


١ 6 


على ما جاء به كتاب «أبي رية» بحق أبي هريرة وإني لأرجو ‏ حين تتيح 
لي حالتي الصحية ‏ أن أتمكن من تحقيق ما كنت آمل إن شاء الله تعالى. 
ملاحظات حول كتاب أبى رية : 


وهنا أجد أنه لا بد لي من إثبات الملاحظات الآتية حول كتاب «أبي 


رية؛ . 


نات 

لا تخفى مكانة السنة النبوية «الحديث» في التشريع الإسلامي وأثرها 
فى الفقه الإسلامى منذ عصر النبى به والصحابة حتى عصور أئمة الاجتهاد 
واستقراز ات الاجتهادية. 5 جعل الفقه الإسلامي ثروة تشريعية لا 
مثيل لها في الثروات التشريعية لدى الأمم جميعها في الماضي والحاضرء 
ومن يطلع على القرآن والسنة يجد أن للسنة الأثر الأكبر في اتساع دائرة 
التشريع الإسلامي وعظمته وخلوده» مما لا ينكره كل عالم بالفقه ومذاهبه. 

هذا التشريع العظيم الذي بهر أنظار علماء القانون والفقه في جميع 
أنحاء العالم» وسيزيد إعجابهم به حين اطلاعهم عليه كله مبسطا معروضا 
بإسلوب يألفه أبناء هذا الجيل ‏ و«موسوعة الفقه الإسلامي» في كلية الشريعة 
بجامعة دمشق دائبة على تحقيق هذا الغرض ‏ هو ما د در أعداء 
الإسلام في الماضي والحاضر على مهاجمة السنة والتشكيك في حجيتها 
وصدق جامعيها ورواتها من أعلام الصحابة والتابعين فمن بعدهم. وعلى 
هذا الغرض التقى أعداء الإسلام من زنادقة الفرس وغيرهم في عصور 
الحضارة الإسلامية الزاهرة» مع أعداء الإسلام اليوم من المستشرقين ومن 
لف لفهم في الحضارة الغربية الحاضرة . 

إنها سلسلة متتابعة من الجهودء لم تنقطع منذ أربعة عشر قرناً. 
وستظل قائمة ما دام للإسلام والحق أعداء يغيظهم ويعشي أبصارهم ضوء 
الإسلام الباهرء فيندفعون بعصبية عمياء حمقاء لتهديم كل ما يتصل به من 
قرآن وسنة واجتهادء ولتشويه كل من حمل لواءه من رسول الله وَل 


١1 


وصحابته» إلى حملته من أعلام السنة والتشريع» ولإفساد الحقائق المتصلة 
به من حضارة وتاريخ . 

ونحن لا نشك في أن هذه المعارك المتصلة بين الإسلام وخصومه. 
ستنتهي معركة اليوم منها ‏ كما انتهت معارك الأمس - إلى هزيمتهم وكشف 
مقاصدهم الخبيئة الخبيثة» وبقاء الإسلام كالطود الشامخ ترتد على سفوحه 
الرمال والأعاصير لأن المعركة بين الإسلام وخصومه» معركة بين الحق 
والهوى» وبين العلم والجهل» وبين السماحة والحقدء وبين النور والظلمة: 
ومن سنة الله ف الحياة أن يمير في هذه المعارك. الحق 0 والسماحة 
والنور دائما وأبدا بل نَمَف الي عل البطل فيدمغم قإذا هو E‏ 
[الأنبياء: .]١8‏ 


E 

ومن المؤسف أن يسير وراء أعداء الإسلام في الحاضرء فئة ممن 
لا نشك في صدق إسلامهم من .٠‏ العلماء والكتاب» ولكنهم رار 
التحقيق العلمى «الكاذب» الذي يلبسه هؤلاء الأعداء من المشتشرقين فين 
والمؤرخين والغربيين عن حقيقة أهدافهم ومقاصدهمء فإذا هم وهم 
مسلمون - ينتهون إلى الغاية التي يسعى إليها أولئك - وهم يهود أو مسيحيون 
أو استعماريون ‏ من إشاعة اك والريبة فو الإسلام وحملته من حيث 
يدرون أو له يدرول» فالتقى أعداء الإسلام وبعض أبنائه على صعيدل واحد يا 
يشرف هؤلاء ولا أولئك» لا في ميدان العلم» ولا في سجل التاريخ . 

ومن الملاحظ أن هؤلاء الذين ينخدعون من المسلمين بالمستشرقين 
والمؤرخين والكاتبين من أعداء الإسلام الغربيين» لا يوقعهم في الفخ الذي 
نصبه لهم هؤلاء إلا أحد أربعة أمور غالبا : 
١‏ إما جهلهم بحقائق التراث الإسلامي وعدم اطلاعهم عليه من ينابيعه 

الصافية . 
؟ - وإما انخداعهم بالأسلوب العلمي «المزعوم» الذي يدعيه أولئك الخصوم . 


۷ 


۳ - وإما رغبتهم في الشهرة والتظاهر بالتحرر الفكري من ربقة التقليد كما 
يدعو 


5 - وإما وقوعهم تحت تأثير «أهواء» و«انحرافات» فكرية» لا يجدون 

مجالاً للتعبير عنها إلا بالتستر وراء أولئك المستشرقين والكاتبين. 

E E 

في هذا الجو النفسي الذي ذكرناه» أخرج «أبو رية» ‏ على ما يبدو 
كتابه «أضواء على السنة المحمدية»» وقد تصفحت كتابه عند العزم على 
طبع هذا الكتاب» فرأيت مصادره الأصلية فى كل ما خرج به علي راي 
جمهور المحققين من علماء السلف والخلف» لا تتعدى المصادر التالية : 
١‏ - آراء أئمة الاعتزال التي نقلت عنهم في الكتب. 
را غلاة الشيعة التي جهروا بها في مؤلفاتهم . 
٣‏ - آراء المستشرقين التي بثوها في كتبهم و«دائرة معارفهم». 
٤‏ - «حكايات» تذكر في بعض كتب الأدب التي كان مؤلفوها موضع 

الشبهة فى صدقهم وتحرّيهم للحقائق 
كه - «أهواء» دفينة للمؤلف ظلت تحوك في صدره سنين طويلة . 

أما ما ذكره خلال كتابه من نقول عن مصادر محترمة فى الأوساط 
العلمية الإسلامية» فإنها لا تعدو أن تكون وردت في تلك المصادر في 
مورد غير الذي أورده المؤلف فوضعها في غير مواضعهاء أو أن تكون هي 
فى حد ذاتها حقائق ق مسلّمة لدى المحققين ولكنهم لا يقصدون منها ما 
قصده المؤلف» فيذكرها إيهاماً للقارئ بأن أصحابها يلتقون معه في فكرته 
رأفراته او نزن فصو صا (مبتورة» انتزع منها ما يرد على ال لب ولم 
يذكر منها إلا ما يريد أن يثبته في البحث الذي يتناوله - وسترى نموذجا 
O‏ لكو قو انون يعسن عنما لكايه 
E‏ ا هؤلاء العلماء أنفسهمء كما فعل فيما نقل عن | 


۱۸ 


قتيبة» وبالجملة فإن أصحاب هذه المؤلفات والنصوص التي نسبها إليهم لا 
يلتقون معه في اراتكه ونزعاته . 

وأخطر من ذلك أنك بينما تراه ينسب إلى عمر الغفلة مع كعب 
الأحبار حين أخذ يخبره عن قرب مقتله» يستدل بما نسب إلى عمر من 
يقظته حول أحاديث أبي هريرة ليشكك فيهاء وبينما تراه يتظاهر باحترام 
الأئمة والعلماء والمحققين» ينسب إليهم الغفلة والتقصير في التحقيق في 
السنة على الأسلوب الذي يدعو إليه . 

وأكثر من تستر بأسمائهم وتظاهر بالنقل عنهم - تأييداً منهم في زعمه 
لفكرته التي يدور حولهاء كشيخ الإسلام ابن تيمية» والشيخ طاهر الجزائري 
والإمام محمد عبده» والسيد رشيد رضا ‏ رحمهم الله جميعا ‏ لم يقل واحد 
منهم بما انتهى إليه» بل إنهم ليّبرؤون جميعا مما قاله» وخاصة من الكلام 
«البذيء» في حق أبي هريرة» ومن النتائح الخطيرة التي انتهى إليها بحثه . 

ومن الملاحظ أنه أكثر من «ثبت» المصادر التي رجع إليها في بحثه. 
ليوهم قرّاءه بأهمية كتابه» ومنها كتب في التفسير والحديث والفقه» وعلوم 
القرآن والسنة» ليس فيها كلمة واحدة من نتائج بحثه الذي انتهى إليه. 
وكلها تكذبه في دعاويه» ومنها مصادر تاريخية ليست من المصادر التي 
يعتبرها العلماء مرجعا للتحقيق في تدوين السنة ورواتها وعلمائهاء ومن 
المصادر التاريخية مصادر لا يوثق بها أبداً لدى جمهور المحققين› 
كتب في الأدب واللغة والنحو والشعر لا رابطة بينها وبين هذا الموضوع 
ال 

بقي أن نذكر المصادر الجديرة بالاهتمام عنده» وهي التي تدلنا على 
و ا#اتحقيقه العلمي» ومصادر وحيه في هذا التحقيق 9 سيين يوون 
إل رايهم يوه 4 [الأنعام : 11[ وإليك هي : ظ 
١‏ «تاريخ التمدن الإسلامي» لجرجي زيدان. 


۲ - «(العرب قبل الإسلام» لجرجي زيدان. 


15 


۳ - «دائرة المعارف الإسلامية» للمستشرقين . 

٤‏ - «الحضارة الإسلامية» لكريمر. 

ه ‏ «السيادة العربية» لفلوتن . 

خان السام في وار اللبللامة الإبراهيم البازتجى + 

۷- «تاريخ العرب المطول» لفيليب حتي» وإدوار جرجس» وجبرائيل 
جبور. 

6 - تاريخ الشعوب الإسلامية» لكارل بروكلمان. 

4 - «المسيحية في الإسلام» للقس إبراهيم لوقا. 

٠‏ -«وجهة الإسلام» لجماعة من المستشرقين. 

١‏ «العقيدة والشريعة في الإسلام» لجولدتسيهر. 
ومع ذلك فهو يدعي في آخر كتابه أنه أيد بحوثه بأقوم البراهين 

وأقوى الأسانيد (ص54”) وأنه رجع إلى مصادر ثابتة لا يرقى الشك إليها 

ولا يدنو الريب منها! (ص997١).‏ 


ننتقل بعد ذلك إلى إلقاء نظرة على مصادره الرئيسية الخمسة التى 

ذكرناها آنفاً. ٠‏ 
- 

أما آراء أئمة الاعتزال ‏ وقد سماهم بأرباب العقول الصريحة ‏ فقد 
حققنا في بحث موقف المعتزلة من السنة - في هذا الكتاب - أنهم ما بين 
منكر للسنة كلهاء وما بين مشترط في قبولها شروطاً لا يمكن أن تقع› 
ووا أن رؤساء الاعتزال - وخاصة الذين طعنوا منهم في الصحابة - كانوا 
من الرقة في الدين بحيث يصف أحدهم ‏ ثمامة بن أشرس ‏ جمهور 
المسارعين إلى الصلاة بأنهم «حمير»! وكانوا من الشعوبية والكره للعرب 
بحيث يقول ثمامة نفسه: انظر إلى هذا العربى يعنى (محمداً كَلِِ) ماذا فعل 
بالناس؟ فماذا ننتظر من. هذا الشعوبيٌ الوا أن يقول عن صحابة 


۰ 


رسول الله يَلَهِ؟ وماذا ننتظر أن يكون رأيه في السيئة التي حققها أئمة 
الحديث ومحققوهم؟ 

والمعتزلة قوم فتنتهم الفلسفة اليونانية والمنطق اليوناني» وما نقل من 
الفلشفة الهندية والأدب الفارسي. وقد كانوا كلهم أو جمهورهم ممن يمتون 
إلى أصل فارسي فأوّلوا القرآن لينسجم مع الفلسفة اليونانية» وكذبوا 
الأحاديث التي لا تتفق مع هذه العقلية اليونانية الوثنية» واعتبروا فلاسفة 
اليونان أنبياء العقل الذي لا خطأً معه» هؤلاء هم الذين قامت المعركة 
الفكرية بينهم وبين جمهور علماء المسلمين. وهم الذين يسميهم «أبو رية) 
بالعلماء وأصحاب العقول الصريحة» في مقابلة آئمة الحديث وفقهاء الإسلام 
كمالك والشافعي والبخاري ومسلم وابن المسيب وغيرهم! 

ومن المعلوم أن أصحاب العقول الراجحة عند «أبي رية» الذين 
استغلوا سلطة الدولة وحملوا الخلفاء على التنكيل بأئمة المسلمين وتعذيبهم 
وسجنهم بضعة عشر عاماء واستقاء «أبي رية» من آراء هؤلاء واضح في كل 
ما نقله عن ابن قتيبة في «تأويل مختلف الحديث» ومن يرجع إلى ما كتبه 
ابن قتيبة في كتابه هذاء يجد أن ما نقله أبو رية عن ابن قتيبة إنما هو كلام 
أئمة الاعتزال ضد الصحابة والمحدثين» نقله ابن قتيبة عنهم ثم رد عليهم 
بما هو موضوع كتابه كله!! ولكن «أبا رية» نسب أقوالهم إلى ابن قتيبة» 
وهكذا يكون «التحقيق الغلمىّ» و«الأمانة العلمية»! . 

۵0 

وأما اعتماده على مصادر الشيعة» فأحب أن أمهد لذلك بكلمة صريحة 
قبل مؤاخذته على الاعتماد على مصادرهم» نحن نقرأ بالألم الممزوج 
بالحسرة ما كان من الفتن الدموية بين علىّ ومعاوية حول الخلافة» ثم ما 
جرت وراءها من ذيول لا نزال نلمس آثارها حتى اليوم» وأنا لا أشك في 
أن أعداء الله اليهودء وكثيراً من الأعاجم الذين استولى الإسلام على 
بلادهم» كان لهم أثر كبير في إيقاد نار تلك الفتن» ثم في توسيع شقة 
اللات مين الان بالك والتاساتسن وان الاكادينة علي 


۲١ 


مسحي 


1 1 

Û 
ا مم‎ 
چ‎ 


کی س 


٤ RF که‎ f 
م وا ل‎ 


7 
# 

وق 6 

3 


رسول الله ية في أحاديث ينسبونها إليه» وأعتقد أن جمهور المسلمين - 
وهم أهل السنة ‏ كانوا أكثر إنصافاً وتأدباً مع صحابة رسول الله بيا وهم 
الذين أثنى الله عليهم في كتابه ورضي عنهم ونوّه بفضلهم في الهجرة 
والنصرء فليس من الجائز ولا المعقول ولا اللائق بكرامة دين الله ورسوله ٠‏ 
أن ينقلب هؤلاء الأصحاب بعد وفاة الرسول إلى الحالة التي تصورهم بها 
مصادر الشيعة» ولو أنك قرأت وسمعت ما يكتبونه ويقولونه في مجالسهم 
في حق هؤلاء الأصحاب» لقلت: إنهم أشبه ما يكونون بعصابة من 
اللصوص وقطاع الطرق» لا دين لديهم ولا ضمائر عندهم تردعهم عن 
الكذب والتآمر والتهالك على الدنيا وحيازة أموالها ولذائذها: (لَشِدّ ما تحلبا 
شطريها)'“. مع أن الثابت الصحيح من تاريخهم أنهم كانوا أتقى لله وأكرم 
في السيرة من كل جيل عرفته الإنسانية في القديم والحديث» ومع أن 
۴ لم ينت ينتشر في ا إلا على - وبجهادهم ومفارقتهم الأهل 


4 
4 نظي‎ ٍ F a2 2T le : 5 


e 5‏ الواضح م أن اا الذي ات به الفرقةء وهو النزاع حول 
الأحق بالخلافة ورئاسة الدولة. لم يعد ودا في عصرنا هذاء 3 منذ 
عصور كثيرة» فقد أصبحنا جميعاً تحت سلطة المستعمرين» فلم 
ملك نتقاتل عليه» ولا خلافة نختلف من أجلهاء وذلك مما يقتضي جمع 
الشمل وتقريب وجهات النظر» وتوحيد كلمة. المسلمير 
وإعادة النظر في كل ما خلفته تلك المعار ad‏ 








e‏ | في aE.‏ ودعوة i‏ يهم إلى ا وخ 5 ا 





` بالتقازرب لاء فاتجهوا إلى درا فقه الشيعة ومقارنته بالمذاهب المعتبرة 


)غ0 كلمة نسيها صاحب «نهح البلاغة) إلى علي رضي الله عنه في حق أبي بكر وعمر 


۲ 


عند الجمهورء وقد أدخلت هذه الدراسة المقارنة في مناهج الدراسة في 
الكليات وفي كتب المؤلفين في الفقه الإسلاميّ» وإنني شخصياً ‏ منذ بدأت 
التدريس في الجامعة ‏ أسير على هذا النهج في دروسي ومؤلفاتي. 


ولكن الواقع أن أكثر علماء الشيعة لم يفعلوا شيئاً عملياً حتى الآنء 
وكل ما فعلوه جملة من المجاملة في الندوات والمجالس» مع استمرار كثير 
منهم في سب الصحابة وإساءة الظن بهم» واعتقاد كل ما يروى في كتب 
أسلافهم من تلك الروايات والأخبارء بل إن بعضهم يفعل خلاف ما يقول 
في موضوع التقريب» فبينما هو يتحمس في موضوع التقريب بين السنة 
والشيعة» إذا هو يصدر الكتب المليئة بالطعن في حق الصحابة أو بعضهم 
ممن هم موضع الحب والتقدير من جمهور أهل السنة. 


في عام ۳١۱۹م‏ زرت عبد الحسين شرف الدين في بيته بمدينة 
«(صور» في جبل عامل» وكان عنده بعض علماء الشيعة» فتحدثنا عن 
ضرورة جمع الكلمة وإشاعة الوئام بين فريقي الشيعة وأهل السنة» وأن من 
أكبر العوامل في ذلك أن يزور علماء الفريقين بعضهم بعضاء وإصدار 
الكتب والمؤلفات التي تدعو إلى هذا التقارب. وكان عبد الحسين 
رحمه الله متحمساً لهذه الفكرة ومؤمناً بهاء وتم الاتفاق على عقد مؤتمر 
لعلماء السنة والشيعة لهذا الغرض» وخرجت من عنده وأنا فرح بما حصلت 
عليه من نتيجة» ثم زرت في بيروت بعض وجوه الشيعة من سياسيين وتجار 
وأدباء لهذا الغرض» ولكن الظروف حالت بيني وبين العمل لتحقيق هذه 
الفكرة» ثم ما هي إلا فترة من الزمن حتى فوجئت بأن عبد الحسين أصدر 
كتاباً في أبي هريرة مليئاً بالسباب والشتائم!! ولم يتح لي حتى الآن قراءة 
هذا الكتاب الذي ما أزال أسعى للحصول على نسخة منه؛ ولكنى علمت 
ينا فيه هما ناد فى E a e ES aE‏ 
عليه» لأنه يتفق مع رأيه في هذا الصحابي الجليل”"' . 


_ ذكرت هنا في هذه المقدمة التمهيدية للطبعة الأولى أني لم أكن حين كتابتها أملك‎ )١( 


Y۳ 


ا 
رمس 


ا لف ضارا اريت 
را ديوع 


لفن جيف ی مرت د الین کے کات و اه ا ذلك 
الموقف الذي لا يدل على رغبة صادقة في التقارب ونسيان الماضي» وأرى 
اا ا رد و ا ی ا E‏ 
يقيمون لهذه الدعوة الدور» وينشئون المجلات في القاهرة» ويستكتبون فريقا 
من علماء الأزهر لهذه الغايةء لم نر أثرا لهم في الدعوة لهذا التقارب بين 
علماء الشيعة في العراق وإيران وغيرهماء فلا يزال القوم مصرين على ما 
في كتبهم من ذلك الطعن الجارح والتصوير المكذوب لما كان بين الصحابة 
من خلافء كأن المقصود من دعوة الريب هى ربب ال اا الى 
مذهب الشيعة» 0 تقريب المذهيين 3 منهما إلى الآخر. لم معو ي مت ما 


بر لهي ع 2 ا اننم 4 أ تحر ES‏ کے 


ومن الأمور الجديرة بالاعتبار أن كل بحث علمي في تاريخ 3 أو 
المذاهب الإسلامية مما لا يتفق مع وجهة نظر الشيعة» يقيم بعض علمائهم 
النكير على من يبحث في ذلك» ويتسترون وراء التقريب» ويتهمون صاحب 
هذا البحث بأنه متعصب معرقل لجهود المصلحين في التقريب» ولكن كتابا 
ككتاب المرحوم الشيخ «عبد الحسين شرف الدين» في الطعن بأكبر صحابي 
موثوق في روايته للأحاديث في نظر جمهور أهل السنة» لا يراه أولئك 
العاتبون أو الغاضبون عملا معرقلا لجهود الساعين إلى التقريب! . 


|| لمغا هي 0 


ولشيك أحصر بحتاب “ا هريرة) المذكور. فهنالك كتب تطبع 
في «العراق» وفي «إيران» وفيها من التشنيع على عائشة أم المؤمنين وعلى 
جمهور الصحابة ما لا يحتمل سماعه إنسان دو وضمير › ار 


كد 3 عم لإا 8 u‏ ا شي ای ا :. 3 ا 
ب ساك 


= نسخة من كتاب «أبو هريرة) له شرف الدين. ولكني بعد ذلك 
استطعت شراء نسخة من الكتاب المذكور فى طبعته الثانية التى تمت فى حياة 
اة و آنا قراتة: كله تاكن لى ا ك ده ع عا الكاب فهو الد 
ا ی کی ا و ی کے ا ھر 
رضى الله عنه كان منافقاً كافراً وأن الرسول قد أخبر عنه بأنه من أهل النار!». ولما 
كان انوي قن الاق .على عا ااب ووا اه کو راا تو اك 
النهاية التى انتهى إليها رأيه فى أبى هريرة.. ونعوذ بالله من الخذلان وسوء 
sS‏ ا 


۲¢ 


الناس بآثار الماضي» ويؤجج نيران التفرقة من جديد» وكتاب «أبي رية» هو 
من هذه الكتب التي إن رضي الشيعة عما جاء فيه بحق الصحابي الجليل 
أبي هريرة رضي الله ع فإنه - بلا شك سبب لفتح أبواب العداوة من 
جديده- أو.على الأقل سيت الأخل.زالرة بوتذكر موف الشيعة من صا 
رسول الله صلى الله عليه وسلم . 

فإذا كنا نأخذ عليه اعتماده على مصادر الشيعة فى كتابه المذكورء 
O E OT‏ 

أولاً: في حدود النطاق العلمي التاريخيّ» وحقائق التاريخ لا مجاملة 
في الحديث عنها حين يكون المجال مجال علم ودراسة وتحقيق. 

وثانيً: لتصحيح الأخطاء التاريخية التي استمدها من كتب الشيعة. 

ولقد كنت كتبت بحث موقف الشيعة من السنة في هذا الكتاب - وهو 
أطروحة علمية تقدم إلى علماء في معهد علمي لنيل شهادة علمية - ومع 
ذلك فلقد كنت أرجئ نشر هذا الكتاب ‏ المقدم للطبع الآن ‏ لأسباب 
عدیده : 

منها أنني أريد أن أقدم لبحث ذاك بتمهيد أوضح فيه رأيي بضرورة 
التقارب بين السنة والشيعة في هذا العصر الذي نعيش فيه» وأنني لم أقصد 
ببحشي الإساءة إلى شعور الشيعة أو استثارة عداوتهم» لا لشيء إلا لأني 
کت وها ازاك من دعاة التقارب الصحيح وتصفية آثار الماضي . 

ولما أخذت إحدى المجلات العلمية مني النسخة الوحيدة التي عندي 
من کتابى هذا رغبة فى نشر بعض أبحاثه» لفت نظر المسؤول عنها إلى أن 
e Lec a‏ 
وأنا فى روت ا أن عله المعخلة: تثيرت. العف الجتعاة بموقف 
e‏ ال رانلاك ترا او غر سححي شن:.الأوساط ااي 
وعلقت عليه بعض مجلاتهم› أخبرني بذلك الشاعر ا الأستاذ «أحمد 
الصافي النجفي» الذي أقذر فضله وأدبه» فأوضحت له موقفي من هذا 
الموضوع وأنه نشر بغير علمي. 


Y0 


وهكذا أريد أن ألفت النظر الآن مرة أخرى إلى أن كل ما جاء في 
هذا الكتاب إنما هو عرض تاريخي لا بد منه لكل من يؤرخ للسنة ويتحدث 
عن مراحل جمعها وتدوينها. ولا يستطيع أن يغفل ذلك عالم يحترم نفسه 
ويريد من العلماء أن یحترموا کتابه» ولم أكتب فيه إلا ما أعتقد أن البحث 
العلمي يؤيده ويثبته . 

ومع هذا فليس فيما كتبته ما يسيء إلى أية شخصية يحترمها الشيعة 
ويجلونها كما يفعلون هم بالنسبة إلى جمهور الصحابة» ذلك أنّا نحب علياً 
رضي الله عنه ونجله ونعرف مكانته من الإسلام والعلم والفضل»؛ كما نحب 
أئمة أهل البيت من ذرية على رضي الله عنه ونحترم علمهم وفضلهم. 
وحبذا لو يفعل الشيعة كما نفعل» فنلتقي على كلمة سواء! 

وأعود فأكرر دعوتي للمخلصين من علماء الشيعة» وفيهم الواعون 
الراغبون في جمع كلمة المسلمين» أن نواجه جميعا المشاكل التي يعانيها 
العالم الإسلامي اليوم؛ من انتشار الدعوات الهدامة التي تجتث جذور 
العقيدة من قلوب شباب السنة وشباب الشيعة على السواءء بل هي أقوى 
على ذلك بالنسبة لقلوب شباب الشيعة» ولعل في الحوادث لجار ا 
في بعض بلادنا العربية ما يؤكد ما أقول به» وأكرر دعوتي بوضع أسس 
التقارب الصحيح العملي لا القولي. 

وفى مقدمة ذلك الاتفاق على تقدير صحابة رسول الله ية الذين 
على أيديهم انتقل هذا الدين إليناء وبواسطتهم أخرجنا الله من الظلمات إلى 
5 

E EF 

أما المستشرقون الذين اتخذ منهم أبو رية تكأة لآرائه» فقد كتبت 
عنهم كلمة موجزة في كتابي هذاء قبل أن أزوز أكثر جامعات أودوبا عام 
75م وأختلط بهم وأتحدث إليهم وأناقشهم . 


. أي في سنة ٠155م عند ظهور الطبعة الأولى للكتاب‎ )١( 


۲٦ 


فلما تم لے دلت ارددت انمانا هاا که عنهم واقتناعاً بخطرهم على 
تراثنا الإسلامي كله سواء كان تشريعياً أم حضارياً. لما يملا نفوسهم من 
عصبية تأكل قلوبهم حقداً ضد الإسلام والعرب والمسلمين. 


كان أول من اجتمعت بهم هو البروفسور «أندرسون» رئيس فسم 
قوانين الأحوال الشخصية المعمول بها في العالم الإسلامي ‏ في معهد 
الدراسات الشرقية في جامعة لندن ‏ وهو متخرج من كلية اللاهوت في 
جامعة كمبردج» وكان من أركان حرب الجيش البريطاني في مصر خلال 
الحرب العالمية الثانية - كما حدثني هو بذلك عن نفسه ‏ تعلم اللغة العربية 
من دروس اللغة العربية التي كان يلقيها بعض علماء الأزهر في الجامعة 
الأميركية في القاهرة ساعة في كل أسبوع لمدة سنة واحدة. كما تعلم ‏ 
العامية المصرية من اختلاطه بالشعب المصري حين توليه عمله العسكري 
الآنف الذكر» وتخصص في دراسة الإسلام من المحاضرات العامة التي كان 
يلقيها المرحوم «أحمد أمين» والدكتور «طه حسين» والمرحوم الشيخ «أحمد 
إبراهيم». . . . وبهذه الدراسات العميقة! في اللغة والإسلام استحق لقب 
ابروفسور» وانتقل من الخدمة العسكرية بعد الحرب إلى رئاسة قسم قوانين 
الأحوال الشخصية في جامعة «لندن» كما ذكرنا. 


لا أريد أن أذكر أمثلة عن تعصبه ضد الإسلام» وقد حدثني كثيراً عن 
ذلك المرحوم الدكتور «حمود غرابة» مدير المركز الثقافي الإسلامي في لندن 
- حينذاك - ولكني أكتفي بأن أذكر ما حدثني به البروفسور «أندرسون» نفسه 
من أنه أسقط أحد المتخرجين من الأزهر الذين أرادوا نوال شهادة الدكتوراه 
في التشريع الإسلامي من جامعة لندن لسبب واحد هو أنه قدم أطروحته عن 
حقوق المرأة في الإسلام وقد برهن فيها على أن الإسلام أعطى المرأة 
حقوقها الكاملة» فعجبت من ذلك وسألت هذا المستشرق: وكيف أسقطته 
ومنعته من نوال الدكتوراه لهذا السبب» وأنتم تدعون حرية الفكر في 
جامعاتكم؟ قال: لأنه كان يقول: الإسلام يمنح المرأة كذاء والإسلام قرر 
للمرأة كذاء فهل هو ناطق رسمي باسم الإسلام؟ هل هو أبو حنيفة أو 


۷ 


الشافعي حتى يقول هذا الكلام ويتكلم باسم الإسلام؟ إن آراءه في حقوق 
المرأة لم ينص عليها فقهاء الإسلام الأقدمون. فهذا رجل مغرور بنفسه حين 

هذا هو كلام هذا المستشرق الذي لا يزال حيأ يرزق» ولا أدري إن 
كان لا يزال في عمله في جامعة لندن أم أحيل إلى التقاعد (المعاش) . 


وزرت حامعة أدنبرة «أسكتلندا») فكان اللسستفرفق الذي یران 
الدراسات الإسلامية فيها قسيساً بلباس مدني وقد وضع لقبه الديني مع اسمه 


وفى جامعة «جلاسكو» (أسكتلندا أيضا) كان رئيس الدراسات العربية 
نبوا تيبا عاش ا الإرسانة البغيزية فى الکن اه رین م ج 
اف ككل بتاعي N O CS‏ 
وكنت قد اجتمعت به قبل ذلك في المؤتمر الإسلامي المسيحي الذي انعقد 
فى ابحمدون» (لبنان) عام 1905م. 


وفي جامعة أكسفورد وجدنا رئيس قسم الدراسات الإسلامية والعربية 
فيها يهودياً يتكلم العربية ببطء وصعوبة وكان أيضاً يعمل في دائرة 
الاستخبارات البريطانية في ليبيا خلال الحرب العالمية الثانية» وهناك تعلم 
العربية العامية» وتلك هي مؤهلاته التي بوأته هذا القسم» ومن العجيب أني 
رأيت في منهاج دراساته التي يلقيها على طلاب الاستشراق: تفسير آيات من 
القرآن الكريم من الكشاف للزمخشري (إي والله وهو لا يحسن فهم عبارة 
سيطة ف جريدة عادية) ودراسة أحاديث من البخاري ومسلم. وأبواب و 
الفقه في أمهات كتب الحنفية والحنابلة» وسألته عن مراجع هذه الدراسات» 
فأخبرني أنها من كتب المستشرقين أمثال: جولد تسيهر» ومرجليوث»› 
aN ESE E Ee oe‏ 
الموجهة ضد الإسلام والمسلمين. 


أما في جامعة كمبردج فكانت رئاسة قسم الدراسات العربية والإسلامية 


۲۸ 


وقد قال لي خلال أحاديثي معه -: إننا - نحن المستشرقين - نقع 
في أخطاء كثيرة في بحوثنا عن الإسلام» ومن الواجب أن لا نخوض في 
هذا الميدان لأنكم - أنتم المسلمين العرب - أقدر منا على الخوض في هذه 
الأبحاث . 


وفي مانشستر (إنكلترا) اجتمعت بالبروفسور «روبسون» وكان يقابل 
سكن أبن داود على نسخة مخطوطة. وله كتابات في تاريخ الحديث» يتفق 
فيها غالباً مع آراء. المستشرقين المتحاملين» وقد حرصت على أن أبيّن له أن 
الدراسات الاستشراقية السابقة فيها تحامل وبعد عن الحقيقة» وتعرضت 
لآراء جولد تسيهر وأثبتٌ له أخطاءه التاريخية والعلمية» فكان مما أجاب به 
عنه: «لا شك أن المستشرقين في هذا العصر أكثر اطلاعاً على المصادر 
الإسلامية من جولد تسيهر نظراً لما طبع ونشر وعرف من مؤلفات إسلامية 
كانت غير معلومة في عصر جولد تسهيرء فقلت له: أرجو أن تكون 
أبحائكم ‏ المستشرقين ‏ في هذا العصر أقرب إلى الحق والإنصاف من 
جولد تسيهر» ومرجليوث» وأمثالهماء فقال: أرجو ذلك. 

وفي جامعة «ليدن» بهولندا اجتمعت بالمستشرق اليهودي «شاخت» 
وهو الذي يحمل في عصرنا هذا رسالة «جولد تسيهر» في الدس على 
الإسلام والكيد له وتشویه حقائقه» وباحثته طويلا في أخطاء رل تسيهرا 
وتعمده تحريف النصوص التي ينقلها عن كتبناء فأنكر ذلك أول الأمرء 
فضربت له مثلا واحدا مما كتبه جولد تسيهر في تاريخ «السنة») ‏ وهو ما 
نقلناه عنه فى هذا الكتاب ‏ وكيف حرف قول الزهري: (إن هؤلاء الأمراء 
أكرهونا عن كتابة «الأحاديث» إلى لفظ «على كتابة أحاديث» فاستغرب 
ذلك» ثم راجع كتاب جولد تسيهر - وكنا نجلس في مكتبته الخاصة - 
فقال: مغك الح أن جو لد تس أخطأ] هناء قلت له: هل هو مجرد 
خطأ؟ فاحتد وقال: لماذا تسيئون به الظن؟ فانتقلت إلى بحث تحليله 
لموقف الزهري من عبد الملك بن مروان» وذكرت له من الحقائق التاريخية 


۲۹ 


مناقشة فى هذا الموضوع قال: وهذا خطأ أيضاً من جولد تسيهر ألا يخطئ 
العلماء؟ قلت له: إن جولد تسيهر هو مؤسس المدرسة الاستشراقية التى تبني 
حكمها في التشريع الإسلامى على وقائع التاريخ نمسه ) فلماذا لم يستعمل 
مبدأه هنا حين تكلم عن الزهري؟ وكيف جاز له أن يحكم على الزهري بأنه 
وضع حديث فضل المسجد الأقصى إرضاء لعبد الملك ضد ابن الزبير» مع 
اصمْرٌ وجه «شاخت» وأخذ يفرك يدأ بيد» وبدا عليه الغيظ والاضطراب› 
فأنهيت الحديث معه بأن قلت له: لقد كانت مثل هذه «الأخطاء» كما تسميها 
أنت» تشتهر في القرن الماضي› ويتناقلها مستشرق منكم عن آخر على أنها 
حقائق علمية. قبل أن نقرأ - نحن المسلمين ‏ تلك المؤلفات إلا بعد موت 
مؤلفيهاء أما الآن فأرجو أن تسمعوا منا ملاحظاتنا على «أخطائكم) 
لتصححوها في حياتكم قبل أن تتقرر كحقائق علمية عندكم . 


ومن الملاحظ أن هذا المستشرق كان يدرس في جامعة القاهرة ‏ فؤاد 
أمتلوتن أستاذه جولد تسيهر . 


a {f 


وفي جامعة «أبسلا» (السويد) التقيت بالشيخ المستشرق انيبرج» وهو 
الذي كان قد أشرف على طبع كتاب «الانتصار لابن الخياط» ‏ على ما 
أظن ‏ وطبعته قديماً «لجنة التأليف والترجمة في القاهرة» وجرى بيني وبينه 
حديث طويل كان أكثره حول أبحاث المستشرقين ومؤلفاتهم عن الإسلام 
وتاريخه» وجعلت «جولد تسيهر» محور الحديث عن المستشرقين» وذكرت 
له أمثلة من أخطائه وتحريفه للحقائق». فكان مما قاله بعد ذلك: إن جولد 
تسيهر كان في القرن الماضي ذا شهرة علمية ومرجعاً للمستشرقين» أما في 
هذا العصر - بعد انتشار الكتب المطبوعة في بلادكم عن العلوم الإسلامية - 
فلم يعد جولد تسيهر مرجعا كما كان في القرن الماضي. . لقد مضى عهد 
جولد تسيهر في رأينا! . . 


وقد أتيح لي خلال تلك الرحلة أن أواصل زيارة الجامعات عدا ما 
ذكرته منها 7 عواصم كل من «بلجيكا» و«الدانمرك) و«النرويج» و«فنلندا» 
و«ألمانيا» واسويسرا» واباريس» واجتمعت بمن كان E‏ حينئذ من 
المستشرقين فيها. 

ومما ذكرته آنفاً وما دونته في مذكراتي عن المستشرقين الذين لقيتهم 
خلال تلك الرحلة» اتضحت لى الحقائق التالية : 

أولا: إن المستسر قي في جمهورهم 5 لا يخلو أحدهم من أن يكون 
فنا أو ا أو ودا وقد يشذ عن ذلك أفراد . 

ثانياً: إن الاستشراق في الدول الغربية غير الاستعمارية ‏ كالدول 
السكندنافية - أضعف منئه عند الدول الاستعمارية. 

ثالقاً: إن المستشرقين المعاصرين فى الدول غير الاستعمارية يتخلون 
عن جولد تسيهر وآرائه بعد أن انكشفت أهدافه الخبيثة. 

رابعاً: إن الاستشزاق بصورة عامة ينبعث من الكنيسة» وفي الدول 
الاستعمارية يسير مع الكنيسة ووزارة الخارجية ا إلى جنب » يلقى منهما 
كل تأييد. 

خا إن الول الاستسياورة وط انا وا فا ال ج ع 
توجيه الاستشراق وجهته التقليدية من كونه أداة هدم للإسلام وتشويه لسمعة 
المسلمين: 

ففي فرنسا لا يزال «بلاشير» و«ماسينيون'''» وهما شيخا المستشرقين 
الفرنسيين في وقتنا الحاضر يعملان في وزارة الخارجية الفرنسية كخبيرين في 
شؤون العرب والمسلمين. 

وفى إنجلترا رأينا - كما ذكرت - أن الاستشراق له مكان محترم في 


)١(‏ كان هذا وقت الطبعة الأولى التى كتب المؤلف رحمه الله هذه المقدمة لهاء أما الآن 


فماسيئيون فى عداد الأموات منذ سنوات . 


۲١ 


جامعات لندن وأكسفورد وكمبردج وأدنبره وجلاسكو وغيرهاء ويشرف عليه 
يهود وإنجليز استعماريون ومبشرون» وهم يحرصون على أن تظل مؤلفات 
جولد تسيهر ومرجليوث ثم شاخت من بعدهماء هي المراجع الأصلية 
لطلاب الاستشراق من الغربيين» وللراغبين فى حمل شهادة الدكتوراه عندهم 
من العرب والمسلمين وهم لا يوافقون أبدا على رسالة لطلب الدكتوراه 
يكون موضوعها إنصاف الإسلام وكشف دسائس أولئك المستشرقين . 

وقد حدثنا الدكتور محمد أمين المصري ‏ وهو خريج كلية أصول 
الدين في الأزهر وكلية الآداب ومعهد التربية في جامعة القاهرة ‏ عما لقيه 
من عناء في سبيل موضوع رسالته التي أراد أن يتقدم بها لأخذ شهادة 
الدكتوراه في الفلسفة من جامعات إنجلترا . 

لقد ذهب إليها (في عام 15/8١م)‏ لدواسة: القلسفة واخل شهادة 
الدكتوراه بهاء وما كاد يطلع على برامج الدراسة - وخاصة دراسة العلوم 
الإسلامية فيها ‏ حتى هاله ما راه من تحامل ودس في كتب المستشرقين» 
وخاصة «شاخت» فقرر أن يكون موضوع رسالته هو نقد ا 

تقدم إلى البروفسور «أندرسون» ليكون مشرفاً على تحضير هذه الرسالة 
وموافقاً على موضوعهاء فأبى عليه هذا المستشرق أن يكون موضوع رسالته 
نقد كتاب «شاخت»»› وعبغاً حاول أن يوافق على ذلك» فلما يئس من 
جامعة لندن» ذهب إلى جامعة كمبردج وانتسب إليها وتقدم إلى المشرفين 
على الدراسات الإسلامية فيها برغبته في أن يكون موضوع رسالته للدكتوراه 
هو ما ذكرناه» فلم يبدوا رضاهم عن ذلك» وظن أن من الممكن موافقتهم 
أخيراًء ولكنهم قالوا له بصريح العبارة: إذا أردت أن تنجح في الدكتوراه 
فتجنب انتقاد شاخت» فإن الجامعة لن تسمح لك بذلك» وعندئذ حول 
موضوع رسالته إلى «معايير نقد الحديث عند المحدثين)» فوافقوا» ونجح 
في نوال الدكتوراه - وهو الان مدرس في كلية الشريعة ‏ بجامعة دمشق . 

هذه كلمة موجزة عما تحققته بنفسى عن المستشرقين» وخاصة كتب 
جولد تسيهر وآرائه» وقد أفردت E‏ في هذا الكتاب بينت 


۲ 


فيه تحامل هذا الحستشرق اليهودي› وتشويهه للحقائق . وتحريفه للنصرص › 
وتأويله للوقائع التاريخية وفق هدفه الذي سعى إليه» واعتماده على مصادر 
لا قيمة لها في نظر العلمء وتكذيبه للمصادر العلمية المعترف بها عند آئمتنا 
وعلمائنا المحققين . 

ومن المؤلم أن طلاب العالم الإسلامي الذين يدرسون باللغة 
الإنجليزية في بلادهم لا يزالون مضطرين إلى دخول الجامعات الإنجليزية. 
فلا يجد طلاب الدراسات الإسلامية أمامهم مراجع لدراساتهم التي ينالون 
بها الدكتوراه غير تلك المراجع المسمومة» وهم لا يعرفون اللغة العربية» 
فيتقرر عندهم أن تلك الدسائس حقيقية مأخوذة من كتب الفقهاء والعلماء 

إن هذا مما يدعو جامعاتنا العربية للتفكير في إنشاء أقسام لفروع 
شهادة الدكتوراه باللغة الإنجليزية. وأعتقد أن ذلك من شأنه أن يحول أنظار 
كثيرين من طلاب العالم الإسلامي عن جامعات الغرب إلى بلادنا العربية . 
فنصون ف لاعد هن العائز اسان الفيكدرنية المتتضبية «الانتجما دي 

ومن جهة أخرى فقد خدع ببحوث المستشرقين وخاصة المستشرق 
اليهودي ولك تمسهر د عادد فن كتابنا الفضلاء::. أمثال الذكعون الجهد 
أمين» رحمه الله» والدكتور «على حسن عبد القادر) . 

أما الأستاذ «أحمد أمين» فقد أفردت له بحثاً خاصاً في هذا الكتاب. 
وشت اخطاءة التي وفع فيها نتيجة نشته ب(جولد تسا وتا بارائه . 


وأما الدكتور «على حسن عبد القادر» (مدير المركز الثقافي الإسلامي 
بلندن - في عام 1951م - على ما بلغني) فإني ‏ قبل أن أروي قصتي مغه - 
أحب أن أعترف بفضله ودماثة خلقه واعترافه بالحق حين يظهر له. 

تجا كنا طلا ى ال ا راا ى ف تت الما في 
الفقه والأصول وتاريخ التشريع «العالمية من درجة أستاذ» في كلية الشريعة» 
وكان ذلك عام 1974م عينت مشيخة الأزهر في عهد الشيخ المراغي 


5 


-رحمه الله» الدكتور علي حسن عبد القادر أستاذاً لنا يدرس تاريخ التشريع 
الإسلامي. وكان قد أنهى دراسته في ألمانيا حديثا - وهو مجاز من كلية 
أصول الدين في قسم التاريخ» ومكث في ألمانيا أربع سنوات حتى آخذ 
شهادة الدكتوراه في قسم الفلسفة على ما أذكر. 


كان أول درس تلقيناه عنه أن بدأه بمثل هذا الكلام : 


«إني سأدرس لكم تاريخ التشريع الإسلامي» ولكن على طريقة علمية 
لا عهد للأزهر بهاء وإني أعترف لكم بأني تعلمت في الأزهر قرابة أربعة 
عشر عاماً فلم أفهم الإسلام» ولكني فهمت الإسلام حين دراستي في 
ألمانيا»» فعجينا ‏ نحن الطلاب ‏ من مثل هذا القول وقلنا فيما بيننا: 
لنستمع إلى أستاذنا لعله حقا قد علم شيئا جديراً بأن نعلمه عن الإسلام مما 
لا عهد للأزهر بهء وابتدأ درسه في تاريخ السنة النبوية ترجمة حرفية عن 
كتاب ضخم بين يديه»ء علمنا فيما بعد أنه كتاب جولد تسيهر «دراسات 
إسلامية» وكان أستاذنا ينقل عب :ته ويتبناها على أنها حقيقة علمية» واستمر 
في دروسه نناقشه فيما يبدو لنا - نحن الطلاب - أنه غير صحيح» فكان يأبى 
أن يخالف جولد تسيهر بشىء مما ورد فى هذا الكتاب» حتى إذا وصل فى 
دوا ل الت ن الي ر ا بوظيى الأ حادية ا و ا 
في ذلك بحسب معلوماتي المجملة عن الزهري من أنه إمام في السنةء 
وموضع ثقة العلماء جميعاً ‏ فلم يرجع عن رأيه» مما حملني على أن 
أطلب منه ترجمة ما قاله جولد تسيهر عن الزهري تماماء فترجمه لي في 
ey,‏ يدو ريداق ادح إلى :المكنيات العافة [السحد يد e‏ 
الزهري وفي حقيقة ما اتهمه به هذا المستشرق. ولم أترك كتابا مخطوطاً في 
مكتبة الأزهر وفي دار الكتب المصرية من كتب التراجم إلا رجعت إليها 
ونقلت منها ما يتعلق بالزهري» واستغرق ذلك ثلاثة أشهر كنت أشتغل فيها 
منذ مغادرتى كلية الشريعة بعد الدروس حتى أواخر الليل» فلما تجمعت 
لذى السداوداف اله اه عن الور عة فار لقن تين ل 
أن جولد تسيهر قد حرّف نصوص الأقدمين فيما يتعلق بالزهري, فأجابني 


€ 


بقوله: لا يمكن هذاء لأن المستشرقين - وخاصة جولد تسيهر ‏ قوم علماء 
منصفون لا يحرّفون النصوص ولا الحقائق ! . 


عندئذ أزمعت على إلقاء محاضرة في الموضوع في دار جمعية الهداية 
الإسلامية - قفرت شراق عابدين قديما -.وأرسلت: إدارة: الجمعية بطاقات 
الدعوة لهذه المحاضرة إلى علماء الأزهر وطلابه» فاجتمع يومئذ عدد كبير 
منهم ما بين أساتذة وطلاب» ومن بينهم أستاذنا الدكتور ‏ عيد القادر ‏ 
الذي رجوته حضور هذه المحاضرة» وإبداء رأيه فيما أقول» فتفضل مشكوراً 
بالحضورء وأصغى إلى المحاضرة كلها التي كانت تدور حول ما كتبه جولد 
تسيهر عن الإمام الزهري» وختمتها بقولي: هذا هو ما أراه في هذا 
الموضوعء وهذا هو رأي علمائنا في الزهريء فإن كان لأستاذنا الدكتور 
عبد القادر مناقشة حول هذا الموضوع إن لم يقتنع بما ذكرتهء فأرجو أن 
يتفضل بالكلام» فنهض الدكتور حفظه الله» وقال بصوت سمعه الحاضرون 
جميعاً: إني أعترف بأني لم أكن أعرف من هو الزهري حتى عرفته الآنء 
وليس لي اعتراض على كل ما ذكرته» وانفض الاجتماع» ثم دخلنا إلى 
غرفة الأستاذ السيد محمد الخضر حسين رحمه الله رئيس الجمعية الأستاذ 
الأكبر للجامع الأزهر فيما بعد فكان مما قاله لي أستاذنا الدكتور حفظه الله 
- وكان ذلك بحضور السيد الخضر حسين رحمه الله -: إن بحثك هذا فتح 
جديد في بحوث المستشرقين» وأرجو أن تعطيني نسخة من هذه المحاضرة 
لأبعث بها إلى المجلات العلمية التي تعنى ببحوث المستشرقين في ألمانياء 
وإنى أعتقد أنها ستحدث دوياً في أوساط المستشرقين» فشكرته ذلك 
زه ج ا لتلميدة 

وبعد أيام دعاني لزيارته في البيت» فكان مما اتفقنا عليه أن نتفرغ معاً 
في الصيف لترجمة كتاب جولد تسيهر والرد عليه» ولكني اعتقلت بعد ذلك 
من قَبّل السلطات العسكرية الإنجليزية في القاهرة في بدء قيام الحرب 
العالمية الثانية وأقصيت عنها سبع سئوات» وفي خلال هذه الفترة أصدر 
الدكتور عبد القادر كتابه «نظرة عامة في تاريخ الفقه الإسلامي» ولم يتح لي 


0 


الاطلاع عليه إلا بعد ثلاث سنوات حين أفرج عني في أواسط الحرب 
الأخيرة . 


هذه هي قصتي مع الدكتور علي حسن عبد القادر وهي التي كانت 
سبباً في تأليف هذا الكتاب. لم أجد مانعاً من ذكرها لما فيها من العبرةء 
وأظن أن الدكتور عدل عن رأيه السابق في المستشرقين وخاصة جولد 
تسيهر» وبدل رأيه في أمانته وإخلاصه للحق وعدم تحريفه للنصوص . 


و«أبو رية» هو ثالث من رأيتهم من الباحثين في تاريخ السنة النبويةء 
المتأثرين بجولد تسيهر ودائرة. المعارف الإسلامية وغيرهاء وإني لأرجو أن 
يقرأ ما كتبته الآنء وما أوردته في ثنايا الكتاب من مناقشة له وللمستشرقين 
وللأستاذ أحمد أمين» قراءة من يريد أن يصل إلى الحق. فلعله يرجع عن 
كثير من آرائه التي أنشأ من أجلها كتابه «أضواء على السنة المحمدية» ولعله 
فاعل ذلك إن شاء الله . 


وكلمة أخيرة أقولها بصدد الحديث عن المستشرقين : 


منذ أن انتهت الحروب الصليبية بالفشل من الناحية العسكرية 
والسياسية» لم ينقطع تفكير الغرب في الانتقام من الإسلام وأهله بطرق 
أخرى» فكانت الطريقة الأولى هي دراسة الإسلام ونقده» وفي جو هذا 
التفكير الذي ساد البيئة المسيحية في الغرب خلال القرون الوسطى نشأت 
فكرة الاستيلاء على البلاد الإسلامية عن طريق القوة والغلبة حين بدأ العالم 
الإسلامي يتدهور سياسياً وعسكرياً واقتصادياً وثقافياً» وأخذ الغرب يسطو 
افا على بلد بعد بلد في العالم الإسلامي» وما كاد ينتهي للغرب 
استيلاؤه على أكثر أقطار العالم الإسلامي حتى بدأت الدراسات الغربية عن 
الإسلام وتاريخه تنمو وتتكاثر بقصد تبرير سياستهم الاستعمارية نحو هذه 
الشعوب» وقد تم لهم في القرن الماضي دراسة التراث الإسلامي من جميع 
نواحيه الدينية والتاريخية والحضارية» ومن الطبيعي أن تكون الدراسة 
محجوبة عن إصابة الحق فيها بحاجبين : 


75 


(الأول)ة المعضي الى اللذى ابتعير لذئ اة ورا وتادتي 
العسكريين حتى إذا دخلت جيوش الحلفاء في الحرب العالمية الأولى بيت 
المقدس» قال اللورد «اللنبى» ا : «الآن انتهت الحروب 
اعاعا ىسن الات اة أا الب الي ف رل ادبا 
في كثير مما يكتب الغربيون عن الإسلام وحضارته» وأكثر ما نجد إنصاف 
الإسلام ورسوله عند العلماء والأدباء الغربيين الذين تحللوا من سلطة 
ديانتهم» ونضرب لذلك مثلا بكتاب «حضارة العرب» لمؤلفه «غوستاف 
لوبون» فإنه أعظم كتاب ألفه الغربيون في إنصاف الإسلام وحضارته. 


هذاء لأن «غوستاف لوبون» فيلسوف مادي لا يؤمن بالأديان قطعاًء 
من أجل هذا ومن أجل إنصافه للحضارة الإسلامية» لا ينظر إليه الغربيون 
فى أوساطهم العلمية نظر التقدير الذي يستحقه علمه. 


فهو بلا شك من أعظم علماء الاجتماع والتاريخ في القرن التاسع 
عشر » ومع هذا فقد تحامل عليه الغربيون - وخاصة الفو شد لها دکرناه. 


(الثاني): أن القوة المادية والعلمية التي وصل إليها الغربيون في 
القرنين الثامن عشر والتاسع عشر أدخلت في نفوس علمائهم ومؤرخيهم 
وكتابهم تزا كرا عن الخرون ضفي أفكقدوا أن الغربيين أصل جميع 
الحضارات في التاريخ ‏ ما عدا المصرية ‏ وأن العقلية الغربية هي العقلية 
الدقيقة التأمل التي تستطيع أن تفكر تفكيراً منطقياً سليماً. أما غيرهم من 
الشعوب ‏ وخاصة الإسلامية ‏ فإن عقليتهم بسيطة ساذجة» أو بالأصح 
«ذرية» كما عبر بذلك المستشرق جب“ في كتابه «وجهة الإسلام» ويقصد 
بذلك أن العقلية الإسلامية تدرك الأمور بواسطة الجزئيات ولا تدركها إدراكا 

وهم لم يحكموا بذلك إلا على ضوء ما رأوه بأعينهم من ضعف 
الشعوب التي استعمروها وما سادها من جهل وما شملها من تأخر في كل 
نواحي الحياة. 


۳۷ 


فلما بدأ اتصالنا بالحضارة الغربية في أوائل هذا القرن» وانتشرت 
الثقافة بينناء لم يجد المثقفون ‏ من غير علماء الشريعة - أمامهم طريقاً 
ممهداً للحديث عن تراثنا المبعثر في كتب قديمة غير منظمة تنظيما يتفق 
وتنظيم الكتب العلمية عند الغربيين» إلا كتب المستشرقين الذين أفنوا 
أعمارهم في دراسة ثقافتنا وتتبع مصادرها في خزائن الكتب العامة عندهم. 
حتى ليظل أحدهم عشرين عاماً في تأليف كتاب عن ناحية من نواحي 
ثقافتناء يرجع فيه إلى كل ما وصلت إليه يده من مصادر قديمة من كتب 
فلا اول 

وبهذا الدأب المتواصل عند علمائهمء والتفرغ الكامل له والرغبة 
الاستعمارية والدينية التى ألمحت إليهاء استطاعوا أن ينظموا الحديث عن 
افا ا مر اعا ا ورال عل الام وات جا قار 
بين أسلوبهم وبين أسلوب كتبنا العلمية القديمة» فاندفعوا إلى الاقتباس من 
كتب المستشرقين معجبين بعلمهم وسعة اطلاعهم» ظانين أنهم لا يقولون إلا 
الحق» وأنهم ‏ فيما خالفوا فيه الحقائق المقررة عندنا ‏ أصح حكماء 
وأصوب رأياء لأنهم يسيرون وفق منهج علمي دقيق لا يحيدون عنه. 

ومن هنا نشأت الثقة ببحوث هؤلاء الغربيين والاعتماد على آرائهم . 

ولم يتح لهؤلاء المثقفين أن يرجعوا إلى المصادر الإسلامية التي 
استقى منها المستشرقون وغيرهم من الباحثين الغربيين» إما لصعوبة الرجوع 
إلى مصادرناء أو للرغبة في سرعة الإنتاج العلميّ؛ أو لشهوة الإتيان بحقائق 
مخالفة لما هو سائد في أوساطنا العلمية والدينية وغيرها. 

وكانت فترة من الزمان طغى علينا هذا الشعور بالنقص والضعف 
وعدم الثقة بأنفسنا إزاء الباحثين الغربيين» وإعظامهم وإكبارهم وعدم سوء 
الظن بهم» حتى إذا بدأت حركات الوغي السياسيّ وبدأ استقلالنا السياسيّ 
عن سيطرة الغربيين» ابتدأ عندنا الشعور بوجوب الاستقلال الفكري» الشعور 
بشخصيتنا وقيمة حضارتنا وتراثناء الشعور بالخجل لموقفنا السابق من اتكالنا 
على المستشرقين في معرفة ما عندنا من تراث وعقيدة وتشريع» وانتشر هذا 


۳۸ 


الوقن :فقن أوساطنا المثقفة من دينية وغيرهاء فبدأنا نكتشف الحقيقة. 
ولا ا في أبحاثهم وأهدافهم الدينية والاستعمارية من ورائها. 
وما زلنا نسير في هذا الاتجاه الذي لم يستكمل قوته واستقلاله الذاتي بعد» 
لأنها سنة الله فى الأشياء. ولكنا واصلون إلى هذه المرحلة بإذن الله» حتى 
يأتى يوم يستغرب فيه أبناؤنا وأحفادنا كيف كنا بسطاء مخدوعين بهؤلاء 
المستشرقين إلى هذا الحد. 

سيأتي يوم ننقلب فيه نحن إلى دراسة تراث الغربيين ولق ما عندهم 
من دين وعلوم وحضارة› وسيأتي اليوم الذي يستعمل فيه أبناؤنا وأحفادنا 
مقاييس النقد التي وضعها هؤلاء الغربيون» فى نقد ما عند هؤلاء الغربيين 
أنفسهم من عقيدة وعلوم. فإذا هي ا تهافتاً. وک ضعفاً مما يلصقونه 
اليوم بعقيدتنا وعلومنا. 

تَُى لو استعمل المسلمون معايير النقد العلميّ التي يستعملها 
المستشرقون في نقد القرانا ول قن که کر لات وزیی 
الموروثة» ماذا كان يبقى لهذه الكتب المقدسة والعلوم التاريخية عندهم من 
قوة؟ وماذا يكون فيها من «ثبوت»)؟ 

ترق لو استعمل لم ا ال العلميّ التي 
يزعم المستثير فون أنهم يأخذون ها كلك تفن تاويكنا واتمضاء فى نقد تاريخ 
هذه الحضارة الأوربية ومقدساتها -وفاتحيها ورؤسائها وعلمائهاء ألا يخرجون 
بنتيجة من الشك وسوء الظن أكبر بكثير مما يخرج به المستشرقون بالنسبة 
إن حضارتنا وعظمائنا؟ ألا تبدو هذه الحضارة مهلهلة رثة الثياب؟ وألا 
بدو ترجا كلم الحتتارة :مو علماك وما دافا ضور اة الارن لا 
ثر فيها لكرامة ولا خلق ولا ضمير؟ 

كثيراً ما أتمنى أن يتفرغ منا رجال للكتابة عن هذه الحضارة وتاريخ 
علمائها بنفس الأسلوب الذي يكتب به المستشرقون من تتبع الأخبار 
الساقطة» وفهم النصوص على غير حقيقتهاء وقلب المحاسن إلى سيئات» 
والتشكيك في كل خير يصدر عن هؤلاء الغربيين» ولو حصل هذا لخرجت 


۳۹ 


منه صورة لهذه الحضارة ولرجالها مضحكة مخزية ينكرها المستشرقون قبل 
غيرهم!! أثرى أحداً ينهض منا لهذا العبء» عبء استعمال المقاييس النقدية 
عند الغربيين بالأسلوب الذي ذكرناه لإعطاء صورة عنهم وعن عقائدهم وعن 
حضارتهم لقواها المسكتير نون بأنفسهم . > فيروا كيف عادت هذه الطريقة التي 
زعموا أنهم يستخدمونها لمعرفة «(الحقيقة» في تاريخنا ودينناء ا عليهم : 
لعلهم يخجلون ‏ بعد بعدئل - من استمرارهم في التحريف والتضليل والهدم! . 
وبعد فإني أعتقد أنه قد انقضى ذلك العهد الذي كنا فيه نعتمد في 
مصادر معرفتنا بعلومنا وتاريخنا على هؤلاء الغربيين» مع أنهم ليست لهم 
مصادر إلا كتبنا ومدوناتناء ولئن كنا بها جاهلين من قبل» فلقد آن الأوان 
أن لمر عع جياه خري ى الجهالة بمصادرناء وعار الاتكال في فهمها على 
فهم الغرباء عن لغتناء ونزيل وصمة الاعتقاد بديننا وعلمائنا ما يريد منا 
00 المستشرقون المتعصبون أن نعتقده في ذلك من شك وسوء ظنء 
ولقد آن الأوان أن نفعل ذلك بما نفضنا عنه الغبار ونشرناه من كنوزنا 
العلمية الدفينة» وبما ملا نفوسنا من وَعْي كريم وشعور باستقلال الشخصية . 
ولئن بقي بعد الآن من يحسن الظن بفهمهم أو رأيهم في علومناء 
فليقرأ ‏ إن شاء ‏ هذا الكتاب وغيره من الكتب التي تكشف عن دسائس 
هؤلاء المستشرقين» فينكشفون على حقيقتهم كما هم في الواقع. وكما 
أرادوا لأنفسهم أن يكونوا. 
وإذا كنا نشتد هذه الشدة في حق المحرفين والمضللين أمثال جولد 
تسيهر» فإننا لا نغمط غيرهم جات اي دي و بر E‏ کا 
القديمة. ودأبهم في البحث عن الحقيقة› فليس العلم محتکراً لأمة دون أمة . 


والإسلام - وهو دين الله للعالم كله لا يمكن أن يستأثر بفهمه قوم 
دون فوم. فليفهم منه من شاء ما شاء» ا ال و الها 
ی الإنصاف والإخلاص للحقء والبعد عن العصبية والهوى . 


وأرى أخيراً أن أختم هذه الكلمة عن المستشرقين بكلمة للعلامة 


٤۵ 


«غوستاف لوبون»» يحلل فيها سر تحامل العلماء الغربيين على تراثناء 

قال العلامة «غوستاف لوبون» في كتابه «حضارة العرب» بعد أن أقام 
الأدلة على تأثير الحضارة العربية الإسلامية فى الغرب» وأثرها فى نشوء 
الحضارة الغربية الحديثة . 

«وقد يسأل القارئ بعدما تقدم: لماذا ينكر تأثير العرب علماء الوقت 
الحاضر الذين يضعون مبدأ حرية الفكر فوق كل اعتبار ديني كما يلوح؟ 

لا أرى غير جواب واحد عن هذا السؤال الذي أسأل نفسي به أيضاء 
وهو أن استقلالنا الفكري لم يكن في غير الظواهر بالحقيقة» وأننا لسنا من 
أحرار الفكر في بعض الموضوعات كما نريد. 

فالمرء عندنا ذو شخصيتين: (الشخصية العصرية) التى كونتها 
الدراسات الخاصة والبيئة الخلقية والثقافية» (والشخصية القديمة) غير الشاعرة 
التى جمدت وتحجرت بفعل الأجداد فكانت خلاصة لماض طويل . 

فالشخصية غير الشاعرة وحدهاء ووحدها فقط» هى التى تتکدم عند 
أكثر الناس وتمسك فيهم المعتقدات نفسها مسماة بأسماء مختلفة» وتملى 
عليهم آراءهم. فيلوح ما تمليه عليهم من الآراء حراً في الظاهر فيحترم. 

فالحق أن أتباع محمد يياه ظلوا أشد من عرفته أوروبا من الأعداء 
إرهاباً» عدة قرون» فهم عندما كانوا لا يرعدوننا بأسلحتهم كما في زمن 
شارل مارتل والحروب الصليبية» أو يهددون بعد فتح القسطنطينية» كانوا 
يذلوننا بأفضلية حضارتهم الساحقة» فلم نتحرر من نفوذهم إلا بالأمس . 

لقد تراكمت أوهامنا الموروثة ضد الإسلام والمسلمين في قرون 
كثيرة» فصارت جزءاً من مزاجنا. فأضحت طبيعة متأصلة فينا تأصل حفد 
اليهود على النصارى» الخفى أحياناً» والعميق دوما. 

فإذا أضفنا إلى أوهامنا الموروثة ضد المسلمين» وهمنا الموروث الذي 


٤١ 


زاد مع القرون بفعل ثقافتنا المدرسية البغيضة القائلة: إن «اليونان واللاتين 
وحدهم منبع العلوم والآداب فى الزمن الماضى). أد ركنا - بسهولة - سر 
جحودنا العام لتأثير العرب العظيم في تاريخ حضارة أوربا. 


ويتراءى لبعض الفضلاء أن من العار أن يفكر فى أن أوربا النصرانية 
مدينة في خروجها من دور التوحش لأولئك الكافرين (أي المسلمين كما 
كان الغربيون يلقبونهم) فعار ظاهر كهذاء لا يقبل إلا بصعوبة». 

ثم ذكر في هامش هذا الكلام مثلا لالتقاء الأوهام الموروثة مع الثقافة 
في العالم الفاضل فيضطرب في حكمه على الأشياء» بالخطبة التى ألقاها 
مسيو ارينان» في «السوربون» عن الإسلام" . فقد اضطرب فيها بين 
الاعتراف بفضل العرب في تقدم العلوم ستمائة سنةء وبين زعمه بأن 
الإسلام اضطهد العلم والفلسفة وقضى على الروح في البلاد التى دانت له 
وأمثلة من هذه المتناقضات في خطابه الذي ختمه «رينان» بقوله: «إنني لم 
الحسرة على أننى لست مسلما»" . 


وأما «الحكايات» التى نقلها أبو رية من بعض كتب الأدب» فهى 
أغرب ما رأيناه فى دعوى «التحقيق العلمى». 


إن «أبا رية» يرفض كل ما رواه أئمة الحديث المتثبتون وأئمة الفقه 
المجتهدون» من حقائق لا تعجبهء ثم يأتي إلى كتب لم تؤلف لتاريخ 
الرجال» ولم تصنف للتحقيق في سيرتهم وأحوالهم» وإنما ألفت لجمع 
النوادر والحكايات التي يتفكه بها الناس في مجالسهم» ويتزيدون بما شاءت 
لهم أهواؤهم وخيالاتهم. يأتي إلى هذه الكتب فيستخرج من «حكاياتها) 
الأدلة والشواهد لدعوى خطيرة تذهب بكيان السنة كلها إن صحت. 


)21 وهی ال رد عليها کی وقتها الإمام ((معحمد عبذه)ا رحمه الله رده المشهور. 
(؟) حضارة العرب ترجمة الأديب الكبير الأستاذ «عادل زعيتر» رحمه الله. ص 588‏ 440 


من الطبعة الثانية . 


۲ 


فهل هذا هو سبيل التحقيق العلمي إلا أن يكون على سنة جولد 
نهو الد يكذب ما جاء فى «موطأ» مالك» ويؤيد ما جاء فى «حياة 
الحيوان» للدميري؟ ! 

إن من الجا به عند علمائنا «غير المحققين» تحقيق «أبي د ان 
علم الحديث لا يؤخذ من كتب الفقه. وعلم التفسير لا يؤخذ من كتب 
اللغة» لأن كل علم له مصادره التي يعرف منها حقائقه وقضاياه. 

ومن المسلّم به في علم التاريخ الحديث أن حقائقه لا تؤخذ إلا من 
مصادر التاريخ الثابتة الموثوقة» فمن استمد وقائعه من مصادر غير موثوقة. 
لم يكن لبحثه أية قيمة علمية» ولا لمن يفعل ذلك مكان بين العلماء 
ال 

فماذا نقول عن «أبي رية» الذي أخذ يخوض في موضوع خطير جد 
الخطورة ويهدم رجلا له في تاريخ السنة خلال أربعة عشر قرنا» وعند مئات 
ألوف الملايين منذ عصر الصحابة حتى عصرنا هذاء مكانة مرموقة هى 
ران الق وال رالا ا ا ت مه قار را ي الخطير فيد 
وفي هجومه الكبير كتباء ككتاب «ثمار القلوب للثعالبي» و«مقامات بديع 
الزمان الهمذاني» وأسانيد تالفة في كتاس «الحلية» لم نعيم ) وهو الكتاب 
الذي ألفه لرجال التصوف والزهد من رجال الإسلام» وفي سنده ما هو غير 
صحیح› ولم يدّع - رحمه الله أنه ألفه ليكون مرجعاً في تاريخ الرجالء 
ومن قرأه وتتبع أسانيده» علم صحة ما نقول. ) 

ماذا نقول عن صنيع «أبي رية» هذا؟ إن كان يعلم أن هذا صنيع غير 
المحققين» فقد وضع نفسه بينهمء وإن كان لا يعلم» فقد حكم بنفسه على 
قيمة تحقيقه «العلمي» الذي لم يقم به أحد من المسلمين منذ ألف سنة ! ؟ 

تلك هي حقيقة المصادر التي خرج منها «أبو رية» برأيه الذي يخالف 
آراء جمهور العلماء والمحدثين. وما عدا ذلك من المصادر الموثوقة التى 
رهاق الع ور احعه E N‏ 
رادها في غر مارد و ا مال بردت ارقا رك براعة ل 


۲ 


يحسد عليهاء وخصلة لا يمدح فاعلهاء وأقل ما يقال فيه: إنه «دلس» على 
القراء. وسن .لسن ولو مرة واحدة لا يقبل قوله كما زعم في نقله عن 
الشافعى ر ححمه الله . 

أما رأبى و نتائج البحث الذي تضمنه کتابه › فإنهاأ تتلخص فيما 1 

(أولا): إنه يذهب إلى أن السنة لم تدون في عهد النبي بي وأنه يرى 
كما يرى جمهور العلماءء من أن سبب ذلك هو نَهْىُ النبي ياء وهذا ما 
يتمق مع جمهور الباحثين قديماً وحديثاً. 

(ثانياً): أنه يرى أن عدم تدوين السنة في عهد النبي يَكلةٍ أدَى إلى 
وجود الخلاف بين فرق المسلمين» كما أدى إلى الوضع والكذب في 
الحديث مما كان له أكبر الضرر في ضياع السنة الحقيقية . 

ويؤدي هذا إلى أن النبي كيه هو سبب هذه الأضرار في رأيه. ويلزم 
من هذا أن النبي عليه الصلاة والسلام لو كانت له مثل هذه الفطنة التى 
وصل إليها «أبو رية» فى تحقيقه «العلمى» لما نشأت هذه الأضرار!! ولا 
أدري إن كان «أبو رية) يرضى بهذه النتيجة الفجة! ولا أظن فيليا يؤمن 
بالله واليوم الآخر وبرسوله ية يذهب به الغرور إلى هذا الحد. 

ونحن نعتذر له بأن «لازم المذهب ليس بمذهب» كما قال علماؤنا 
الف 
فحسب - ليست ديئاً عاماً يلزم المسلمون باتباعه» وأن الدين العام هو ما 
جاء فى القرآن» لأنه متواتر» وفى السنة العملية» لأنها من حيث العمل بها 
صخت متواترة . 
وما عدا ذلك - وهي السنة القولية - فليس يلزم العمل بهاء بل لكل 
إنسان أن يأخذ ما يشاء ويدع ما يشاء» ذلك لأن تركها ليس بكفرء وما كان 


كذلك فكل مسلم في سعة من العمل به أو هجره!! 


٤٤ 


وعدا ما فى هذا الرأي الخطير من مخالفة صريحة لكتاب الله» ومن 
قضاء على اشرات التشريعي الإسلامي كلهء. فإنه دعوة إلى فوضى في 
العقيدة والتشريع لا يقول بها رجل يحترم نفسه» ويحترم شريعته» ويحترم 
كيان أمته الاجتماعي . 

أما ما استند إليه في ذلك من كلام الإمام محمد عبده» وتلميذه السيد 
رشيد رضا رحمهما الله» فلنا فيهما رأي لا نلزم به أحداء ولا ينتقص من 
قدرهما وجهادهما في شيء. 

أما الشيخ محمد عبده رحمه الله» فلا شك أنه كان من أكبر رواد 
الإصلاح في عصرنا الحديث» وأنه كان في عصره فيلسوف الإسلام ولسانه 
الناطق وعقله المفكر وسلاحه الذائد عن حماه كل عدو وكل مفتر من 
الفربيق ا یرن ا ووو المعرق تجا امود الل رالا 
على العالم الإسلامي وذ ا ا 

ولكنه ‏ مع هذا كان قليل البضاعة من الحديثء وكان يرى في 
الاعتماد على المنطق والبرهان العقليين خير سلاح للدفاع عن الإسلام» 
ومن هذين العاملين» وقعت له آراء فى السنة ورواتها وفى العمل بالحديث 
والاعتداد به» ما صح أن يتخذه مثل «أبي وا اة يفك غلبي ليخرج 
على المسلمين بمثل الآراء التي خرج بها. 

أما السيد رشيد رضا رحمه الله» فيظهر أنه كان في أول أمره متأثرا 
بوجهة أستاذه الشيخ محمد عبده رحمه الله» وكان مثله في أول الأمر قليل 
البضاعة من الحديث قليل المعرفة بعلومه» ولكنه منذ استلم لواء الإصلاح 
بعد وفاة الإمام محمد عبده» وأخذ يخوض غمار الميادين الفقهية والحديثية 
وغيرهما وأصبح مرجع المسلمين في أنحاء العالم في كل ما يعرض لهم 
من مشکلات» كثرت بضاعته من الحديث وخبرته بعلومه حتى غدا آخر 
الأمر حامل لواء السنة» وأبرز أعلامها في مصر خاصة» نظرأ لما كان عليه 
علماء الأزهر من إهمال لكتب السنة وعلومهاء وتبحرهم في المذاهمب 
الفقهية والكلامية واللغوية وغيرها. 


0٥0 


لقد أدركته رسحمه الله فى آخر حباته › وکت ات دد على بمنة ) فأستفيد 
من علمه وفهمه للشريعة ودفاعه عن السنة ما أجد من حق تاريخه على أن 
أشهد بأنه كان من أشد العلماء أخذاً بالسنة (القولية) وإنكاراً لما يخالفها فى 
المذاهب الفقهية. وإنى على ثقة بأنه لو كان حياً حين أصدر «أبو رية) 
كتابه» لكان أول من يرد عليه في أكثر من موضع في ذلك الكتاب . 

(رابعاً) : إن الا عنوا بالتشريع من أئمة الإسلام وفقهائه. لم يكونوا 
الكلام من المعتزلة. هم أهل لذلك» وحسبنا أن نحکی عنه رأيه هذا 
للتدليل على حقيقة غيرته على السنة. وورعه في دين الله عز وجل . 

(خامساً): إن الصحابة والتابعين وفقهاء الإسلام وأئمة الحديث ثلاثة 
عشر قرناً كاملة قد خدعوا بأبى هريرة رضي الله عنه» ولم يفطنوا إلى 
«تفاهة أمره») و«حقارة منبته» وجرأته في الكذب إرضاء للأمويين! إنهم لم 
يفطنوا لما فطن إليه «أبو رية» فيا لسوء حظ المسلمين الذين حرموا من رأي 
(أبي رية) الصائب وبصيرته النافذة خلال هذه القرون كلها! 

ويا لسوء حظ الإسلام» اررق ادل هله العصوور أئمة وعلماء: ثلها 
مغفلين يعتمدون في كتبهم وفقههم واجتهادهم على رجل (-حقير › أكول» 
كذاب» كل همه جمع المال وأكل الطعام!. . ٠.‏ كما يصفه اليوم انو رية . 

(سادساً): إن السنة بما دخلها من الوضعء وبما أدرجه رواة السنة 
الموثوقون من كلامهم في فن الحديث» وما لحق الحديث من «شذوذا 
و«اضطراب» و«رواية بالمعنى» وغير ذلك جعل السنة كلها في موضع الشك 
والريبة فيها وفى مدوناتها الصحيحة. بحيث لم تعد محلا للثقة والاعتماد. هذه 
من النتائج التي يخرج بها قارئ كتابه ممن لا علم له بالسنة وعلومهاء وهذا هو 
ما سعى ويسعى إليه المستسر فون المتعصبون قديماً وحديثاً» ثم يزعم مع ذلك 
«أبو رية» أنه إنما ألف كتابه «للدفاع عن السنة القولية وحياطتها مما يشوبها» لا 
يبتغى إلا وجه الله وابتغاء مرضاته!! ولم أكن أدري من قبل» أن دعم الشىء 
يكون بالتشكيك فيه» وخدمة الشريعة بالالتقاء مع أعدائها والساعين إلى هدمها! 


٤٦ 


(سابعاً): أنه شكك فى كل الأحاديث والآثار الصحيحة التى تحدثت 
عن اء موجودة فى التب ا بين أيديئا لليهود والنصاری › وأن ذلك 
دليل على اليد اليهودية أو المسيحية» في الدس على الحديث. 

أما ما جاء فى الآثار والأحاديث من نقول عن التوراة» لا نجدها الآن 
فى التوراة» فذلك دليل على كذب تلك الأحاديث! 

وهذا ‏ لعمري ‏ موقف متناقض لا يصير إليه عالم «محقق» . 

إن الله تعالى نص على حقيقتين واضحتين بالنسبة إلى التوراة والونجيل 

الأولى: أن الله أنزلها على الأنبياء» ومبادؤها واحدة في جميع 
الديانات . 

الثانية : أن اتباع هذه الديانات بدّلوها وحدّفوها #عَرَفْوَْت الكر 
عن مَوَاضِعِهء # [المائدة: .]١١‏ 

فسبيل المؤمن العالم إذا روي له حديث صح سنده أن يعرضه على 
كتاب الله فإن توافق معه اطمأن قلبه إليه واعتقدهء وإن خالفه ‏ وهذا ما لا 
وجود له فى الأحاديث الصحيحة قطعاً ‏ جاز له رده مهما كانت الثقة 
برجاله . 

وعلى هذا الذي سار علماؤنا رحمهم الله منذ الصحابة حتى من 
بعدهم. يأخذون عن أهل الكتاب ما لا يتعارض مع القرآن الكريم» ومع 
الثابت عندهم من قول رسول الله اا وقواعد الدين › وردوا كل ما يخالف 
ذلك . 

ولكن «أبا رية» اتخذ مبدءاً آخرء وهو أن كل حديث عن التوراة 
والإنجيل هو مدسوس على الإسلام من قبل اليهود أو النصارى . 

وعلى هذا كلتك ما رواه أبو هريرة وغيره عن کچ من أن التوراة 
في عصر الرسول» ومن أسلم بعذه. 


۷ 


0 و نه 0 وهو العالم «المحقق لمحقق»! مع أن 
لایب يتوت اسول آل الأمح الى جَدُوتَمٌ مَكَنُونا عِندَهُمٌ في 
لتَوَرسنةَ والانجيل* [الأعراف: /ا6١].‏ 


لذ قال عسى ابن مركم يلبق إسرویل إن رس 
ا و أ 


يدى من النورئة ومبشرا درسو 


امه 
3 
Sg‏ 


ر 
بعدی 


ا 
اَن 

دع چ یې رر مص واس وروا رر وو و 
ا 


مد سول ا نين أَشِدَاء على الكفار راء ينهم ترنهم ر 
شيا يب لا من لله ورضرتا يتام ف رمه تن أ امود لد 
َم فى الود وَمَكلمُمٌ فى 2 کزدع اخ ملعم اررق فاط 
سکوی ڪل سوقوء يعَجِب لزاع ل ا الكتار 4 [الفتح : ۲۹]. 

فهذه آيات من كتاب الله صريحة الدلالة على أن اسم الرسول يله قد 
جاء ذكره صراحة في التوراة والإنجيل» وجاء ذكره وذكر صحابته عن طريق 
التشبيه والتمثيل في التوراة والإنجيل أيضاً. 

فأية غرابة وأية مناقضة» وأي شيء فيه يستنكره عقل المسلم إذا روى 
أهل الكتاب ممن أسلموا أن اسم النبي أو وصف صحابته أو بعضهم 
مكتوب في التوراة؟ 

وإذا كان ما روي عنهم لا نجده الآن في التوراة والإنجيل المعترف 
بهما لدى اليهود والنصارى في عصرنا هذاء فهل يكون ذلك دلي على 
كذب تلك الأخبارء أم يكون ناشئاً مما أخبر الله عنهم أنهم حرّفوا هذه 
الكتب وبدلوها؟ 


كس 
ل 

لله 

عم 


كل ما جاء من الأخبار مما لا يجده اليوم فيهماء وإما أن يعترف بتبديلهما 
فيعترف بما صح من تلك الأخبار ولو لم نجدها فيهما. 


أما أن يقول: إن ما جاء في تلك الأخبار متفقا مع ما في التوراة 


۸ 


والإنجيل فذلك دليل على أن واضعيها يهود أو نصارى» وما جاء في تلك 
الأخبار مما لا وجود له فيهما فذلك دليل على كذب تلك الأخبار لأنا لا 
نجدها فيهماء فهذا هو التناقض» والتحكم بالهوى» والمجازفة لا 
«التحقيق) . ) 

(ثامئاً): إنه ‏ بعد كل ما انتقده على السلف ‏ في تقصيرهم في 
تمحيص الحديث» وضع لنا قاعدة لتلافي ذلك التقصير أو تلك «الغفلة» 
وهي عرض الحديث على «العقل الصريح» فما وافقه قبله» وإلا فلا. 

وحكاية عرض الحديث على «العقل» حكاية قديمة نادى بها بعض 
المعتزلة وطبقها فعلاء فرفض كل حديث لا يرتضيه «عقله». 

ونادى المستشرقون حديثاًء وتابعهم فيها الأستاذ أحمد أمين 
رحمه الله وضروف: لذلك: أمثلة مين الأحاديث الصحيحة وهى فى رأيه: 
غير مقبولة للعقل» وناقشناه فى هذه الدعوى وفى الأمثلة ال ذكرها 
وأفردنا لمناقشته فصلا خاصاً في هذا الكتاب. 

وينادي بها اليوم الأستاذ «أبو رية» ويجعلها هي الأساس فيما ينبغي 
أن يقبل أو يرد من الأحاديث» ويقول: إن علماءنا الأقدمين لو علموا بها 
لَتَقُوا السنة من كثير مما علق بها. 

وهذه الدعوة تبدو مقبولة لدى كثير من «المثقفين» الذين يهتم بهم 
كثيراً «أبو رية» ولكنها ‏ عند التدقيق - لا تعني شيئا ولا تتح شيئا في علوم 
الشريعة» بل لا تنتج إلا الفوضى في قبول الأحاديث ورفضها. 

ما هو العقل الصريح الذي يريده «أبو رية»؟ وما حدوده» وما مدى 
الاتفاق عليه؟ 

لئن كان يريد من العقل الصريح ما يقبله العقل من بدهيات الأمورء 
فهذا أمر واقع في تاريخ السنة» فقد وضع أئمة النقد من علماء الحديث 
علامات لمعرفة الحديث الموضوعء منها: «أن يكون متنه مخالفاً لبداهة 
العقول وللمقطوع به من الدين أو التاريخ أو الطب أو غير ذلك» وعلى هذا 
نفوا آلافاً من الأحاديث وحكموا عليها بالوضع . 


۹ 


ولئن كان يريد غير هذا مما يستغربه «العقل»» فإن «استغراب» العقل 
شيئاً أمر نسبي يتبع الثقافة والبيئة وغبر ذلك هفنها لا يضيطه ضائط .ولا 
يحدده مقياس. وكثيرا ما يكون الشيء مستغرباً عند إنسان» طبيعياً عند 
العاف لخر .ولا .يرال اتو مھ اا ی ا 
يروهاء لأنها تسير من غير خيول تقودها» في حين كانت عند الخربيين أمرا 
مألوفاً عادياً. والبدوي في الصحراء كان «يستغرب» ما يقولونه عن المذياع 
«الراديو» في الف و كذبة من أكاذيب الحضريين. فلما سمع الراديو 
لأول مرة ظن أن «الشيطان» هو الذي تكلم فيه» كما يظن الطفل أن الذي 
يتكلم إنسان ثاو فيه. 

ومن المقرر في الإسلام أنه ليس فيه ما يرفضه» العقل ويحكم 
باستحالته» ولكن فيه كما في كل دين سماوي - أمور قد «يستغربها» العقل 
ولا يستطيع أن يتصورهاء ا الراك نو ايحي :و التقتوة: والحنة :والنان . 
وشأن المسلم إذا سمع خبرأً ماء أن يرفض ما يرفضه العقل» ويتأنى فيما 
ايستغربه) حتى يتيقن من صدقه أو كذبه. 

وطريق التيقن (أو العلم) في الإسلام أحد ثلاثة أمور: 
١‏ - إما الخبر الصادق الذي يتيقن السامع من صدق مخبرهء كأخبار الله 

في كتبه وأخبار الأنبياء . 


- وإما التجربة والمشاهدة بعد التأكد من سلامة التجربة فيما يقع تحت 


التجربة والاختبار. 
E 5‏ 
ومن إعجاز القرآن أله وضع هذه الثلاثة لتحقق ححص الع أو 


اليقورنء > في هذه ا الكريفية: #ولا قف 3 ا لَك يه ا لم إن لسَّمَعَ 
ابص وَالْمْوَادَ کل الیک کن عله فا €6 [الإسراء] . 

ومن تمام الإعجاز فى هذه الآية أنها حاءت مرتبة هكذأ: الخبر 
الصادق (السمع) ثم التجربة (البصر) ثم المحاكمة العقلية (الفؤاد) على أنها 


0 + 


هي (العناصر) الثلاثة التي سا عنها كل علمء ولن تجد في النحاة لها 
لا ينشأ من عنصر من هذه العناصر. 

والقرآن يعتبر أن ما يقوم على غير هذه العناصر. لا يسمى «علماً) بل 
هو إما الظن «غلبة احتمال الشيء»» وإما الوهم والخيال. 

ونصوص الشريعة» ما كان منها من أصول العقيدة فلا بد فيها من 
العلم وهو «التيقن الجازم المطابق للواقع عن دليل» كالإيمان بالله وصفاته. 
والنبوات والأنبياء» والملائكة» والجنة والنار. 

وما كان منهاء من فروع الشريعة (الأحكام العملية) فيكفي فيها الظن» ‏ 
لأن اشتراط العلم فيها غير متحقق في كثير منهاء وهذا مسلم به لدى 
الدارسين للشريعة وعلومها. 

والأحاديث التي صححها علماؤنا رحمهم الله ليس فيها ما يرفضه 
العقل أو يحيله لأنها إما أن تتعلق بأمور العقيدة» وهذه يجب أن تتفق مع 
القرآن» وقد قلنا بأننا نقطع أن ليس في القرآن شيء يحكم العقل بفساده أو 
بطلانه أو استحالته» وإما أن تتعلق بالأحكام الشرعية من عبادات ومعاملات 
وآداب وغيرها» وليس في حديث من هذه الأحاديث التي صححها علمافنا 
ما يرفضه العقل أو Ce‏ نام العف .واه أن تكون أخيارا عن الأمم 
الماضية أو أخبارا عن عالم الغيب مما لا يقع تحت النظر كشؤون 
السماوات والحشر والجنة والنار» وهذه ليس فيها ما يحكم العقل ببطلانه 
وقد يكون فيها ما لا يدركه العقل فيستغربه. 

فإذا جاءت عن طريق ثابت يفيد القطع فيجب اعتقادهاء وإن جاءت 
عن طريتق يفيد غلبة الظن فليس من شأن المسلم أن يبادر إلى تكذيبها. 

وبهذا نرى أن فريقاً كبيراً من الناس لا يفرقون بين ما يرفضه العقل» 
وبين ما يستغربه» فيساوون بينهما في سرعة الإنكار والتكذيب» مع أن حكم 
العقل فيما يرفضه» ناشئ من استحالته»ء وحكم العقل فيما يستغربه» ناشئ 
من «عدم القدرة على تصوره» وفرق كبير بين ما يستحيل وبين ما لا يدرك . 

على أننا نرى من الاستقراء التاريخيّ» وتتبع التطور العلمي والفكري› 


6١ 


أن كثيراً مما كان غامضاً على العقول أصبح مفهوماً واضحأء بل إن كثيراً 
مما كان يعتبر حقيقة من الحقائق أصبح خرافة من الخرافات» وما كان 
مستحيلاً بالأمس أصبح اليوم واقعاً. ولا تحوجنا الأمثلة لذلك» فنحن نعيش 
في عصر استطاع فيه الإنسان أن يكتشف القمر بصواريخه. وهو الآن يستعد 
للنزول فيه”'' وفي غيره من الكواكب» ولو أن إنسانا فكر في مثل هذا في 
القرون الوسطى أن لق عانة: مق و اا ا ا 

والذين ينادون بتحكيم العقل في صحة الحديث أو كذبه» لا نراهم 
يفرقون بين المستحيل» وبين «المستغرّب» فيبادرون إلى تكذيب كل ما يبدو 
غريباً في عقولهم. وهذا تهور طائش ناتج عن اغترارهم بعقولهم من جهة. 
ومن اغترارهم بسلطان العقل» ومدى صحة حكمه فيما لا يقع تحت سلطانه 
من جهة أخرى . ؤ 

ونحن نرى أن أكثر ما يستندون إليه فى تكذيب ما صححه الجمهورء. 
ابا ا ا 0 

ون ل الك قات ا کک او ر ھا ع ا روا او 
هريرة ليؤكد دعواه كذب أبي هريرة في الحديث» ونسبته ما أخذه من 
الإسرائيليات إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم : 

أخرج مسلم عن ا هريرة» عن رسول الله وَلةِ: «إن في الجنة 
لشجرة يسير الراكب في ظلها مائة سنة). 

هذا مما استغربه» بل مما ادعى «ضمناً» كذبهء لأنه من رواية أبي 
هريرة عن الرسول» وقد كان أبو هريرة ‏ في زعمه ‏ ينسب ما سمعه من 
كعب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم. 

ولك أن تسأل آنا ربة“ ما وجه الغرابة ف هذا الحديت؟ آلأنه. ذكر أن 
ا ر a‏ 
اا ا ن مرا ا إا رة ا ورسر ك ا الین 


0 و 


0۲ 


في عالم الشهادة ما استطاع العلم أن يكشف من عظمته» واتساعه ما لا 
يكاد يتصوره العقل؟ ألا يحدثنا علماء الفلك الآن عن كبر حجم الشمس 
بالنسبة إلى أرضنا أكثر من مليون مرة» والشمس إحدى ملايين الشموس 
التي تكبر شمسنا هذه بملايين المرات؟ ألا يحدثنا هؤلاء العلماء عن 
شموس في هذا الفضاء الرحيب» لم يصل إلى الأرض نورها حتى الآن منذ 
مليون أو أكثر من السنوات الضوئية؟ أيصدق العقل مثل هذه الأمور العلمية 
التى يكشف عنها العلماء فى هذا العصرء لولا أنها مما يذيعه أولئك 
العلماء؟ فيا عجباً كيف E‏ «أبو رية» أن يعرف العلماء سعة هذا الكون 
العجيب إلى حد لا يصل إليه خيال أكبر عقل إنساني على وجه الأرض؟ ثم 
هو لا يصدق أن الرسول - المتصل بوحي السماءء المستمد علمه من 
علم الله خالق هذا الكون العجيب ‏ يقول: إن في الجنة شجرة يسير 
الراكب في ظلها مائة سنة؟ 

وما هي هذه السنون المائة بجانب هذه الملايين من السنين الضوئية؟ ! 

ليست المشكلة مع «أبي رية» وأضرابه مشكلة استعمال العقل أو 
تركه»ء ولا هى مشكلة تأليه العقل المخلوق» أو عبوديته للخالق؟ إن هؤلاء 
«الأحرار»» «العباقرة) في الشريعة يريدون أن «يؤلهوا» عقولهم معهاء 
ويتخلوا عن عقولهم مع غيرها؟ 

وخذ لذلك مثلا آخر مما أنكره على أبي هريرة» وقد رواه البخاري. 
ومسلم: «تحاجت الجنة والنارء فقالت النار: أوثرت بالمتكبرين 
والمتجبرين» وقالت الجنة: ما لي لا يدخلني إلا ضعفاء الناس» وسَقَطَهمِ؟ 
قال الله تعالى للجنة: أنت رحمتي أرحم بك من أشاء من عبادي» وقال 
لتنا زتها ات عذابي أعذب بك من أشباء من عبادي» ولكل واحدة منكما 
ملؤهاء فأما النار فلا تمتلئ حتى يضع الله رجله فتقول: قط قط. فهنالك 
تمتلئ» ويُّزوى بعضها إلى بعض)"''. 


(۱) آخرجه البخاري ۱۲۲/۸ بشرح ابن حجر» ومسلم ۱۸١/۱۷‏ بشرح النووي. 


or 


ونحن لا ندري ما وجه الاستنكار لهذا الحديث؟ 

إن كان وجه الإنكارء هو أن الله يضع «رجله» ففي القرآن جاء إثبات 
اليد» والوجهء والعين» والمجيء وغير ذلك لله تعالى» ومذاهب العلماء 
معروفة في مثل هذه الألفاظء فالسلف يقولون بها من غير تأويل مع 
تنزيه الله عن مشابهته للبشر في شيء ماء والخلف يذهبون إلى تأويل اليد 
بالقدرة مثلاء تمشياً مع مبدإ تنزيه الله عن مشابهة البشرء وهو المبدأ الذي 
يسلم به الجميع. فما يقال في القرآن يقال مثله في الحديث . 

وإن كان الاستنكار لتكلم الجنة و فقد جاء فى القرآن أن الله قال 
للسماوات والأرض : انتا طَوْعًا أو كرما 6آ آنا أبينَ 09> [فصلت]. 


وإن كان وجه الإنكارء أو «الاستغراب» أن يأتي الله إلى النارء فإن 
القرآن أثبت المجيء يوم القيافة. بقولهة نة ف والماك. ا ذا 49 


وفي القرآن الکريم أيضاً: يم فول ِجَهُمّ عَلٍ لات وقول هَل ين ' 
A‏ ف 
49> ق]. 


وبالجملة» فإن تحكيم العقل في مسألة الألوهية» وصفاتها من سخافة 
العقل نفسهء ولا تؤدي عند هؤلاء المغتري' ن بعقولهمء إلا إلى الإلحاد 
غالياء فخير للعقل أن يفكر فيما يستطيع التفكير فيه› وإذا كان العقل لا 
يزال عاجزاً عن معرفة سر الحياة في الإنسان نفسه» وعن الإحاطة بجزء 
كحبة الرمل من صحراء هذا الكون العجيب» فكيف يستطيع أن يعلم حقيقة 
خالق هذا الكون كله؟ أترى تستطيع النملة التي تدب في سفح جبال هملايا 
أن تحيط بارتفاع هذه الجبال وسعتها وقطرها؟ رضي الله عن الشاعر أحمد 
الصافي النجفي» حين يقول فيما سمعته منه: 
يعترض العقل على خالق 2 من بعض مخلوقاته العقل 
ولننظر إلى المسألة من ناحية أخرى . 





0 


لنفرض أن تحكيم العقل في الأحاديث هو الصواب» فنحن نسأل : 
أي عقل هذا الذي تريدون أن تحكموه؟ 

أعقل الفلاسفة؟ إنهم مختلفون» وما من متأخر منهم إلا وهو ينقض 
قول من سبقه . 

أعقل الأدباء؟ إنه ليس من شأنهمء فإن عنايتهم ‏ عفا الله عنهم ‏ 
بالنوادر والحكايات . 

أعقل علماء الطب آم الهندسةء أم الرياضيات؟ ما لهم ولهذا؟ 


أعقل المحدثين؟ إنه لم يعجبكم.ء بل إنكم تتهمونهم بالغباوة 
والبساطة . 


أعقل الفقهاء؟؟ إنهم مذاهب متعددة» وعقليتهم - في رأيكم كعقلية 
المحدثين . 
وخرافة . 

أعقل المؤمنين بوجود الله؟ تعالوا نرَى طوائفهم : 


إن منهم: من يرى أن الله يحل في إنسان فيصبح إلهاً! 


3 


غ¿ یری أن روح الله تتقمص في جسدء فيكون إلها! 


يرى أن الله ومخلوقاته فى وحدة كاملة! 


ومنهم : 
ومنهم : 
ومنهم . يرى أن الله ذو ثلاثة أقانيم في ذات واحدة! 

ومنهم: من يرى البقر والفأر والقرد يجب أن يتوجه إليها بالعبادة! . 
ستقولون: إننا نريد تحكيم عقل المؤمنين بإله واحد في دين الإسلام. 
فنحن نسألكم: عقل أي مذهب من مذاهبهم ترتضون؟ 

أعقل أهل السنة والجماعة؟ هذا لا يرضي الشيعة» ولا المعتزلة. 


CEE‏ ا 


00 


أم عقل الشيعة؟ هذا لا يرضي أهل السنة» ولا الخوارج . 

أم عقل المعتزلة؟ إنه لا يرضي جمهور طوائف المسلمين! 

فأي عقل ترتضون؟ 

سيقول أبو رية: (إنني أرتضي عقل المعتزلة» لأنهم أصحاب العقول 
الصريحة) . 
حل 

يحكى ابن شتيبة 52 کتابه «تأويل مختلف الحديث» أن مما رده 
المعتزلة حديث : «أن رسول الله يد توفي ودرعه مرهونة عند يهودي بأصواع 
من شعير» فقد قالوا فيه بأنه حديث يكذبه النظر”' (أي النظر العقلي) ثم 
شرح ابن قتيبة رأيهم هذا بما تستطيع الرد عليه بأيسر الرد وأقربه إلى العقل 
والنظر .نه 

فما رأي «أبى رية» وأضرابه في إنكار عقل المعتزلة لمثل هذا 
الحديث؟ 

على أن ابن قتيبة تتبع كل ما أنكرته عقولهم من الأحاديث» وأجاب 
عنها بأجوبة حالفه التوفيق في أكثرها. وللأحاديث التى نرى أنه لم يوفق في 
ا اة غا اة اللا ووا ما ران ساد لار ستل عه 
هذا النقاش الذي دار بين عقل ابن قتيبة «المحدثكء وبين عقل فلان 
«المعتزلى» . 

قال ابن قتيبة : 

قالوا (أي المعتزلة): حديث يفسد أوله آخره» رويتم عن النبي ييه أنه 
قال: «إذا قام أحدكم من منامه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثا 
فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده» قالوا: وهذا الحديث جائز لولا قوله: 


.۱۷٦ص‎ )1١( 


0٦ 


«فإنه لا يدري أين باتت يده) وما منا من أحد إلا وقد درى أن يذه باتت 
حيث بات بدنه وحيث باتت رجله وأذنه وأنفه وسائر أعضائه» وأشد الأمور 
أن يكون مس بها فرجه في نومه» ولو أن رجلا مس فرجه في يقظتهء لما 
قو لله من ها نه مكرث: بأن بعس وهو لا يعون وال لاوح 
الناس بما لا يعلمون» فإن النائم قد يهجر (أي يهذي) في نومه فيُطلق 
ويكفر ويفتري» ثم لا يكون بشيء من ذلك مؤاخذاً في أجكام الدنيا ولا 
في أحكام الآخرة. 


فأجاب ابن قتيبة بقوله: ونحن نقول: إن هذا النظار علم شيئاً وغابت 
عنه أشياءء أما علم أن كثيراً من أهل الفقه قد ذهبوا إلى أن الوضوء يجب من 
مس الفرج في المنام وفي اليقظة بهذا الحديث وبالحديث الآخر: «من مس 
فرجه فليتوضأ» وإن كنا نحن لا نذهب إلى ذلك» ونرى أن الوضوء الذي أمر 
به من مس فرجه» غسل اليد لان الفروج مخارج الحدث والنجاسات . إلى 
أن يقول: فإذا كان الوضوء من مس الفرج هو غسل اليدين تبين أن 
رسول الله با أمر المستيقظ من منامه أن يغسل يده قبل أن يدخلها الإناء لأنه 
لا يدري أين باتت يدهء يقول: لعله في منامه مس بها فرجه أو دبره. . 
وليس يؤمن أن يصيب يده شيء من النجاسات. . وخص النائم بهذاء لأن 
النائم قد تقع يده على هذه المواضع وهو لا يشعرء فأما اليقظان فإنه إذا 
لمس شيئاً من هذه المواضع فأصاب يده منه أذى علم به ولم يذهب عليه 
فيغسلها قبل أن يدخلها في الإناء أو يأكل أو يصافح» اھ . 


هذا مثل العقل المعتزلي «الصريح» وعقل المحدث «الضعيف». 


٠١١ - ٠٠١ص )١(‏ باختصار بسيطء ويلحظ أيضاً أن كلام المعتزلة في هذا الحديث يفيد 
أنهم فهموا أنه يوجب اعتبار يد النائم نجسة» وهذا سوء فهم منهمء فالأمر النبوي 
بغسلها ليس لنجاستهاء بل للنظافة احتياطاً ضد القذارة التي يحتمل أن تلحق النائم 
بلمسها أو حكها بعض أماكن قذرة من بدنه» ولا يحتمل مثل ذلك فى بقية أعضاء 
يدنه 6 وال ها لي اا للع واه ل اال کی ج 
لرل الصويكة) :الى ا رين اله وااشارالين ي هنا اناا - 


/ا6 


وأزيد على ذلك أن مبادئ الصحة العامة تجعل عقل الطبيب فى هذه 
المسألة يؤيد عقل المحدثء لا عقل المعتزلي. ۰ 

وقصارى القول أن أئمة الحديث وفقهاء المسلمين لم يلغوا عقولهم 
عند تصحيح الأحاديث» وإنما أوقفوها عند الحد الذي يجب أن تقف عنده 
بحكم الشرع» وبحكم العقلاء غير «المغرورين» بعقولهم. 

وأخيراً أذكر رأبي في المؤلف نفسه (أبي رية)؛ والله يعلم أني لا أريد 
أن أغمطه حقه. 

أول نت أخاول أن ادق الا فاد مد اوو 
آخره من أنه عُنِيَ بهذه الأبحاث دفاعاً عن سنة ا سمعة لذ 
من تشويه الكذابين وغيرهم. إذ لا يجوز لي أن أتحكم في نيته وغرضه 
وأن أكذبه فيما اذعى من حسن النيةء ولكنه في رأبي كانت له مع هذه النية 
«رغبات نفسية» فأخذ في البحث على هدى هذه الرغبات» ولو تخلى عنها 
وتجرد منهاء لأداه بحثه المجرد إلى غير ما انتهى إليه. 

ثانياً: إنه ذكر ما عاناه في سبيل بحثه من تتبع للكتب وتنقيب عن 
الأخبار خلال سنين طويلة» ولا شك أن جهد العالم في البحث والتنقيب 
يستحق الشكر والأجرء ولكنه بجانب هذا أنكر جهود جميع علماء السنة من 
صحابة الرسول بيا حتى عصرنا هذاء أنكره من حيث نعى عليهم تقصيرهم 
في تمحيص الأحاديث» وغفلتهم عن تحكيم «العقل» في النقد.ء ومن حيث 
اعتبر جهودهم في معرفة المدرج في الحديث» والمضطربء والشاذ. 
والمعلل» وغير ذلك مما هو من مفاخر اليقظة العلمية في ميادين العلم, 
لقد اعتبر ذلك كله مدعاة للشك في الحديث بدل أن يكون مدعاة للثقة به 
وإن فى إنكاره لجهود هؤلاء العلماء خلال ثلاثة عشر قرناً أو تزيد - وهى 
ا التى لا مثيل لها ولا لعشر معشارها لدى أمة من الأمور عة 
للعبرة والعظة» فإذا كان جهد أبي رية في بضع سنوات» وهو في بلده 
يقلب صحائف الكتب» ثم تعبه في «تبويب كتيبه الصغير» إذا كان هذا 
الجهد مما يستحق أن يمن به على العلم والمثقفين والمعتنين بالدراسات 


0۸ 


الدينية. وأن يرجو من الله أجره وثوابه» فهل يعد هذا شيئاً بجانب جهود 
أولئك العلماء الذين كان أحدهم يمشي آلاف الأميال على قدميه» ويطوف 
بأقطار العالم الإسلامي عشرات السنين» ويسهر الليالي على ضوء الشمعة 
والقنديل؟ هذا مع أنهم لم يمنُوا بجهودهم تلك على المسلمين وإنما كانوا 
يرجون رضى الله وحده» أفيكون من عرفان جميلهم أن يأتي مثل أبي رية 
فيتهمهم بالتقصير لأنهم كان يجب عليهم أن يؤلفوا مثل كتابه منذ ألف 
سئنة؟. . إن كان قارئ لكتابه يستطيع أن يجيب على هذا السؤال. 

الثاً: إنه أطرى كتابه بقوله: «وهذه الدراسة الجامعة التي قامت على 
قواعد التحقيق العلمىّ» هي الأولى في موضوعها. لم ينسج أحد من قبل 
على منوالها. .» وقوله: «وبخاصة لأن هذا المصنف لم يكن له من قبل 
مثال نحتذيه» ولا طريق عبّده لنا أحد ممن سبقنا فنتبعه ونسير عليه». وقد 
كان يجب أن يؤلف مثله منذ ألف سنة. 

ونحن نعلم أن من أبرز صفات العالم تواضعه» ومن أبغخض صفاته 
عند الله وعند الناس تفاخره بعلمه وجهوده» ومن قواعد شريعتنا أن تفاخر 
الإنسان بعمله يحبط أجره» ومن أخلاق علمائنا أن يعترفوا في مقدمة كتبهم 
باحتمال الخطأ والزلل» وأن يطلبوا ممن يطلع على خطأ في كتبهم أن 
يصلحها ويستغفر لمؤلفهاء ولا أريد أن أتحدث عن مغزى إطراء المؤلف 
لكتابه من الناحية النفسية. فهو على ما يظهر ‏ عليم بالتحليل النفسي 
أيضاً! ولكني أذكر هنا كلمة لابن عطاء الله السكندري رحمه الله: «لأن 
تخب افلا لأ برضن .عن تنسنة خر للك فن أن تخي عالما برضي 
عن نفسه» وأي علم لعالم يرضى عن نفسه؟ وآي جهل لجاهل لا يرضى 
عن نفسه؟). 

رابعاً: إنه كان قاسياً مع من يظن أنهم سيتولون الرد عليه» فقال في 
حقهم: «وقد ينبعث له من يتطاول إلى معارضته ممن تعفنت أفكارهم 
وتحجرت عقولهم' وقال في آخر كتابه بعد أن تفاخر بجهوده في هذا 
الكتاب: «وأن تضيق به صدور الحشوية وشيوخ الجهل من زوامل الأسفارء 


05 


الذين يخشون على علمهم المزور من سطوة الحق» ويخافون على كساد 
بضاعتهم العفنة التي يستأكلون بها أموال الناس أن يكشفهم نور العلم 
الصحيح» ويهتك سترهم ضوء الحجة البالغة» فهذا لا يهمناء إذ ليس لمثل 
هؤلاء خطر عندناء ولا وزن في حسابنا» . 

رسير الف تنقيا نا على .با اح O‏ 
هريرة رضي الله عنه» أنه وصفه بألفاظ نابية بذيئة يترفع عنها السوقة» ولم 
يقل في حقه مثلها المستشرقون من اليهود والنصارى! ! 

ولآ أدرق إن كان من فرعن التتحقيق العلمى الى ال يشتيج اجن عن 
قبل على منوالها أن يكون مدعي العلم قليل الأدب بذيء الكلام» شنيع 
التهجم على من يتصدى لتاريخهم أو على من قد يتصدون للرد عليه في 
المستقبل؟ ولكن الذي أدريه أن رسول الله ييه قال: «الحياء من الإيمانء 
والإيمان فى الجنةء والبذاء من الجفاءء والجفاء فى النار» ولا أدري إن كان 
«أبو رية) ا فى هذا الحديث لأنه مما رواه أو هريرة رضى الله عنه» 
فإليه حديثاً آخر o‏ زيد بن طلحة بن ركانة عن النبي وكة: إن لكل دين 
خلقاًء وخلق الإسلام الحياء؛ وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم . 

أما بعد» فهذا تعليق إجمالى على كتاب «أبى رية»» وكنت أود لو 
أتمكن من التعليق التفصيلي على هذا الكتاب» ولكن حالتي الصحية التي 
a‏ عدن 36 E Sg‏ 
ا ن الان 0 عد امل الل في رح ال ودرا و 
رد واضح على ما جاء في كتاب «أبي رية) من الأباطيل» واكتفاء بما صدر 
من رد بعض العلماء الأفاضل على هذا الكتاب”'' . 


0010 صدر في الرد عليه كتابان. 
أحدهما: «ظلمات أبي رية أمام أضواء السنة المحمدية» لفضيلة الأستاذ الشيخ محمد 
عبد الرزاق حمزة» وهو كتاب قيم وإن كنت أتمنى أن لو أنه خلا من الألفاظ القاسية . 
(والثاني): «الأنوار الكاشفة لما في كتاب أضواء السنة» من الزلل والتضليل والمجازفة» 
ل ا ل ل يي يي وقد أطلعت عليهما منذ 
هور ريا فحز اهما الله عخيرا . 


والله أسأل: أن يهدينا للحق..ويقيعنا علية»: وأن يجنينا الزلل والخطأًء 
وأند شي ا م امنا بركيدا : 

دمشق 

6 من شعبان 1/94اه. 


۲ من شباط ام. 
اللتوومصط لماعي 
رتس قلس اله وملاس وملام جاه فيان 


وأستاذ الأحوال الشخصية في كليتي الشريعة والحقوق 


1۱ 


رک (ازرل 


وفيه أربعة فصول 


القصتل الأول مىفخالشدة وت رط 
النمل الكاين فالوضع و الحديث زفيه مَبَاحِثْ 
الن بل التالك 3 هود العاناء لمقاومة حركة اوضع 


الفصّلالراع و متشحكارهذه اهود 








السنة في اللغة: الطريقة محمودة كانت أو مذمومةء ومنه قوله كَل : 
ت . : : به )| (Drm‏ 
سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة») ‏ 8 


حديك + الین سنن من افلكم شرا شر ودراعا بذرات . 


وهي في اصطلاح المحدثين: ما أيْرَ عن النبي بي من قول أو فعل 
أن را ا0 ا ا ا ا و و ن هة ا 
ا وهي بهذا ترادف الحديث عند بعضهم . 

وفى اصطلاح الأصوليين : ما نقل عن النبي ية من قول أو فعل أو 
تقرير . ظ 

فمثال القول: ما تحدث به النبى ىة فى مختلف المناسبات مما 
ان ر ااا رل عله الم رل : ا العا 
بالنيات» . وقوله: «البيعان بالخيار ما لم تفر قا» . 

ومثال الفعل: ما نقله الصحابة من أفعال النبى بي ففى شؤون العبادة 
وغيرهاء كأداء الصلوات» ومناسك الحج. وآداب الا وقضائه بالشاهد 
واالبعية» 


)١(‏ أخرجه مسلم عن جرير بن عبد الله البَجَلى. 

(۲) اخرجه البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري . 
(۳) قواعد التحديث ص٥"‏ - ۳۸ وتوجيه النظر ص7. 
(5) أخرجه البخاري ومسلم عن عمر. 

(5) أخرجه البخاري ومسلم عن ابن عمر. 


5060 


ومقال التقريرء ما أقره الرسول يه من أقعال صدرت عن يحض 
أصحابه بسكوت منه مع دلالة الرضى» أو بإظهار استحسان وتأييد. 

فمن الأول: إقراره عليه الصلاة والسلام لاجتهاد الصحابة في أمر 
صلاة العصر في غزوة بني قريظة حين قال لهم: «لا يصلين أحدكم العصر 
إلا في بني قريظة»“ فقد فهم بعضهم هذا النهي على حقيقته فأخرها إلى 
ما بعد المغرب» وفهمه بعضهم على أن المقصود حث الصحابة على 
الإسراع فصلاها في وقتهاء وبلغ النبي ما فعل الفريقان فأقرهما ولم ينكر 
عليهما . 

وو ااي ما روي أن خالد بن الوليد رضي الله عنه أكل ضباً قُدَمَ 
إلى النبي كلل دون أن يأكله» فقال له بعض الصحابة: أو يحرم أكله يا 
وول ا فال .وله لیس کی ارک قومي فأجدني أعافه'”'" . 


وقد تطلق السنة عندهم على ما دل عليه دليل شرعي» سواء كان 
ذلك في الكتاب العزيز» أو عن النبي اة أو اجتهد فيه الصحابة» كجمع 
المصحف وحمل الناس على القراءة بحرف واحد» وتدوين الدواوين»› 
ويقابل ذلك «البدعة» ومنه قوله 44: «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين 


ss 


وفي اصطلاح الفقهاء: ما ثبت عن النبي ية من غير افتراض ولا 
وجو »6 وتقابل الواجب وغيره من الأحكام اللخمسة› وقد تطلق عندهم 
على ما يقابل البدعة» ومنه قولهم: طلاق السنة كذاء وطلاق البدعة 
CE) ey‏ ْ 
كلا : 





)١(‏ أخرجه البخاري ومسلم عن ابن عمر. 

(؟) أخرجه البخاري ومسلم عن ابن عباس . | 
(۳) الموافقات 1/٤‏ والحديث أخرجه أبو داود والترمذي» عن العرباض بن سارية» وقال: 
)€( إرشاد الفحول صن :١ ١‏ 


11 


ومرد هذا الاختلاف في الاصطلاح إلى اختلافهم في الأغراض التي 
يعني بها كل فئة من أهل العلم . 
فعلماء الحديث إنما بحثوا عن رسول الله كيه الإمام الهادي الذي 


أخبر الله عنه أنه أسوة لنا وقدوة. فنقلوا كل ما يتصل به من سيرة وخلق 
وشمائل وأخبار وأقوال وأفعال» سواء أثبت ذلك حكماً شرعياً أم لا. 


وعلماء الأصول إنما بحثوا عن رسول الله المشرع الذي يضع القواعد 
للمجتهدين من بعذه) ويبين للدامن دستور الحياةء فعئوا بأقواله وأفعاله 


وعلماء الفقه إنما بحثوا عن رسول الله كلا الذي لا تخرج أفعاله عن 
الدلالة على حكم شرعي» وهم يبحثون عن حكم الشرع على أفعال العباد 


وجوباً أو حرمة أو إباحة أو غير ذلك. 


ونحن هنا نريد بالسنة ما عناه الأصوليون» لأنها ‏ بتعريفهم ‏ هي التي 
يبحث عن حجيتها ومكانتها في التشريع» وإن كنا تعرضنا لإثبات السنة 
تاريخياً بالمعنى الأعم الذي عناه المحدثون. 


وجوب طاعة الرسول في حياته: ؤ 

كان الصحابة في عهد رسول الله ية يستفيدون أحكام الشرع من 
القرآن الكريم الذي يتلقونه عن الرسول با وكثيراً ما كانت تنزل آيات 
القرآن مجملة غير مفصلة» أو مطلقة غير مقيدة» كالأمر بالصلاة» جاء 
مجملا لم يبين في القرآن عدد ركعاتها ولا هيئتها ولا أوقاتهاء وكالأمر 
بالزكاة» جاء مطلقاً لم يقيد بالحد الأدنى الذي تجب فيه الزكاة» ولم تبين 
مقاديرها ولا شروطهاء وكذلك كثير من الأحكام التي لا يمكن تنفيذها 
دون الوقوف على شرح ما يتصل بها من شروط وأركان ومفسدات». فكان 
لا بد لهم من الرجوع إلى رسول الله يو لمعرفة الأحكام معرفة تفصيلية 
واضحة . 


1¥ 


القران»› فلا بد من بيان حكمها عن طريقه عليه الصلاة والسلام» وهو مبلغ 
عن ربهء وأدرى الخلق بمقاصد شريعة الله وحدودها ونهجها ومراميها. 


وقد أخبر الله في كتابه الكريم عن مهمة الرسول بالنسبة للقرآن أنه 

ن ل ونر را ر ا ت رل ساني ي اه وا 

إ زكر لمي لاس ما رد ليم مهم بكرو . [النحل: ]٤٤‏ 

كما بين أن مهمته إيضاح الحق حين يختلف فيه الناس: #وما ألا عك 

الكسبَ إلا لبن مث الى أختلفوا يا وشكى وة إقور بيرت 39> 

[النحل]. وأوجب النزول على حكمه في كل خلاف: #قلا وَرَيْكَ لا 
14 ب > 


وھ لر ص ر رسس ر کے 3 کر 4 ر٥‏ ر کے م 2 ٠‏ 7 عم م ر کر 
ۇمنوت حى يحكموك فيما شجر بلنهم نم ل عدوا 3 | فيس هسه حرجا 


E EE E ROT E‏ 49 [النساء]. وأخبر أنه أوتى القرآن والحكمة 
ليعلم الناس أحكام دينهم فقال: طلْقَدَ مَنّ ألَهُ عَلَ الْمُؤْمِننَ إِدْ بعك فيم 
کے و e‏ ر 


س و 2 K‏ وي صر رک راد و سے سے ت کے کر ر همي اس 
وسو من أنفيم تلو علم عاينجةفء رڪم ويعلمهم ا والحكمة وإن 
ج 4غ 0 . Beg‏ 7 1 4 جد 5 

کاو ین مَبَلُ كنى صَكلٍ من 49 [آل عمران]. 


وقد ذهب جمهور العلماء والمحققين إلى أن الحكمة شيء آخر غير 


العلماء عنها بالسنةء قال الشافعي رحمه الله: «فذكر الله الكتاب وهو 
القرآن» وذكر الحكمة فسمعت من أرضى من أهل العلم بالقرآن يقول: 
الحكمة سنة رسول اللهء وهذا يشبه ما قال والله أعلم. لأن القرآن ذكرَ 
أَنْبعَنْه الحكمةٌء وذكر الله مَنَهُ على خلقه بتعليمهم الكتاب والحكمة» فلم 
يجز ‏ والله أعلم ‏ أن يقال الحكمة هنا إلا سنة رسول الله» وذلك أنها 
مقرونة مع الكتاب» وأن الله افترض طاعة رسوله» وحتم على الناس اتباع 
أمره» فلا يجوز أن يقال لقولٍ فُرض إلا لكتاب الله وسنة رسوله لما وصفناه 


مه أن اله جل الان بوسولة مقرو بالإيمان به . 





)١(‏ الرسالة ص۷۸. 


1A 


وواضح مما ذكره الشافعي هنا رحمه الله أنه يجزم بأن الحكمة هي 
السنةء لأن الله عطفها على الكتاب» وذلك يقتضي المغايرة» ولا يصح أن 
تكون شيئاً غير السنة» لأنها في معرض المنّة من الله علينا بتعليمنا إياهاء 
ولا يمن إلا بما هو حق وصواب» فتكون الحكمة واجبة الاتباع كالقرآنء 
ولم يوجب علينا إلا اتباع القرآن والرسول» فتعين أن تكون الحكمة هي ما 
صدر عن الرسول من أحكام وأقوال في معرض التشريع . 


وإذا كان كذلك» كان رسول الله ية قد أوتى القرآن وشيئاً آخر مما 
00000 وقد جاء ذلك مصرحاً في قوله تعالى في وصف 
الرسول :يام هم لون َيَنلُمْ عَنِ الشكر وَخِلٌ لَهُمُ لطبت 
ورم يهد ا" ميَضَعٌ عَنْهُمَ إِصْرَهُمْ الال آل كات مد4 
[الأعراف: ]١57‏ وما دام اللفظ عاماً فهو شامل لما يحله ويحرمه مما 
مصدره القرآنء أو مصدره وَحَىٌ يوحيه الله إليه»ء وقد روى أبو داود عن 
المقدام بن معد يكرب عن رسول الله هة قوله: «ألا إني أوتيت الكتاب 
ومثله معه). 


ويدل على ذلك أن الله أوجب على المسلمين اتباع الرسول فيما 
يأمر وينهى فقال: ويا عا اسول دوه وما تنک عند اھا 
[الحشر: ۷] وقرن طاعة الرسول بطاعته في آيات كثيرة من القرآن فقال: 
#وأطيعوا أله والرسولً کڪ ورک © 49 [آل عنمران] ونخت: على 
الاستجابة لما يدعوء فقال: i‏ للبت اما اس ل وال 5 


0 تمه [الأنفال: 5”] واعتبر طاعته طاعة لله واتباعه حباً لله : 


6 ةا 


لکن بطم السرل مم اا أله [النساء: .]۸٠‏ وقال أيضاً: فل إن 
رع 5 7 رن وو 4 وير لكر َ کک 4 [آل عمران : [۳١‏ ن 


وحذر من a,‏ ا تدر لذن يالف عن اسيو أن بم تة 
و ی دان ب الور ا ول أشان إلى أن اة كر 


قل أطيعواً ند وااو إن ووا فَإنَّ لَه لا يحب الكفرنٌ 4 [آل 
عمران]. ولم يبح للمؤمنين مطلقاً أن يخالفوا حكمه أو أوامره #ومًا كان 


14 


ومن ولا موم لذا تى الله وسو اما أن يکن م ابره من أمرهم ومن 
يعص 2 کک ا صللا متا 209 [الأحزاب]. وا هب 
علامات النفاق الإعراض عن تحكيم الرسول في مواطن الخلاف: 

قوت امتا یاه ویالرشول عتا ر وَل فق نم ن بد كلك ويا 
لبك بالنؤييت 69 ولا هنا ِل آل وشو یک م إا من نم 
س ... إِنَمَا كنَ کول لوین إا دغوا إلى أله وروي لک بن 
لوازم الإيمان ألا يذهبوا حين يكونون مع رسول الله دون أن يستأذنوا منه: 
«إثنا الثؤيثت اي امنا به سول وڌا ڪاو مم ع أنر جايع لز يدعبا 


ص سه صا کر م 2 سم سم م 7 م - و 80 و rl‏ ور 3 - 7 
حول سستتزنوه إن أأنين ستئزنوتك اوليك الذين يؤمنوست يلله ورسول فإذا 
مل ساح ب 7 


عَتُورٌ يَصِمٌٌّ 469 [النور]. قال ابن القيم: «فإذا جعل الله من لوازم 
الإيمان أنهم لا يذهبون مذهباً إذا كانوا معه إلا باستئذانه» فأولى أن يكون 
من لوازمه ألا يذهبوا إلى قول ولا مذهب علمي إلا بعد استئذانه» وإذنه 
يعرف بدلالة ما جاء به على أنه أذن فيه)”'' . 


من هذا كله كان لا بد للصحابة من الرجوع إلى الرسول مء يفسر 
لهم أحكام القرآن ويبين لهم مشكلاته» ويحكم بينهم في المنازعات ويحل 
بينهم الخصومات» وكان الصحابة رضوان الله عليهم يلتزمون حدود أمره 
ونهیه» ويتبعونه في أعماله وعباداته ومعاملته ‏ إلا ما علموا منه أنه خاص 
به - فكانوا يأخذون منه أحكام الصدلاة,وأركاتها .وهقاتها “تولك عند 
أمره يلِ: «صلوا كما رأيتموني أصلي”' ويأخذون عنه مناسك الحج 
وشعائره امتثالاً لأمره أيضاً: «خذوا عني مناسككم»" وقد يغضب إذا علم 
أن بعض صحابته لم يتأسٌ به فيما يفعله» كما روى مالك في الموطأ عن 





)۱( أعلام الموقعين .0٥۸/١‏ 
)۲( أخرجه البخاري عن مالك بن الحويرث . 
(۳) أخرجه مسلم عن جابر. 


Vo 


عطاء بن يسار: أن رجلاً من الصحابة أرسل امرأته تسأل رسول الله كاز 
عن حكم تقبيل الصائم لزوجته» فأخبرتها أم سلمة رضي الله عنها أن 
رسول الله كل كان يقبل وهو صائم» فرجعت إلى زوجها فأخبرته» فقال: 
لست مثل رسول الله» يحل الله لرسوله ما يشاءء فبلغ قوله ذلك 
رسول الله ية فغضب وقال: إني أتقاكم لله وأعلمكم a‏ ا 
غضب حين أمر الصحابة بالحلق والإحلال من الإحرام في صلح الحديبية 
فلم يفعلواء إذ شق ذلك عليهم حتى بادر بنفسه فتحلل فابتدروا يقتدون 
به . 

وقد بلغ من اقتدائهم به أن كانوا يفعلون ما يفعل ويتركون ما يترك› 
دون أن يعلموا لذلك سبباً أو يسألوه عن علته:وحكمته» فقد أخرج 
البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهماء قال: اتخذ رسول الله كك خاتما 
من ذهب» فاتخذ الناس رك من اذهب ته اليذه الب +وقال :إن لن 
ألبسه أبداً» فنبذ الناس خواتيمهم» وروى القاضي عياض في كتابه «الشفاء» 
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنهء قال : بينما رسول الله ود يصلي 
بأصحابه إذ خلع نعليه فوضعهما عن يساره» فلما رأى القوم ذلك ألقوا 
نعالهم› فلما قضى صلاته قال: «ما حملكم على إلقائكم نعالكم؟» قالوا: 
رأيناك ألقيت نعليك» فقال: «إن جبريل أخبرني أن فيهما قذراً» وذكر ابن 
سعد في الطبقات. أنه ية صلى ركعتين من الظهر في مسجده 
E‏ ثم أمر أن يتوجه إلى المسجد الحرام فاستدار إليه ودار 
ا 

بل بلغ من امتثالهم أمر النبي ييه أن فعلوا ذلك حتى في شؤون 
الدنياء فقد أخرج أبو داود وابن عبد البر في «جامع بيان العلم وفضله» عن 
ابن مسعود رضي الله عنه: أنه جاء يوم الجمعة والنبي يخطب فسمعه 
)١(‏ أخرجه مسلم عن عمر بن أبي سلمة» وأخرجه الشافعي أيضا في الرسالة: ص٤٠٤‏ 

مرسلاً عن عطاء. 


(؟) الطبقات الكبرى لابن سعد: ؟//. 


۷۱ 


يقول: «اجلسوا» فجلس بباب المسجد أي حيث سمع النبي يقول ذلك» 
فرآه النبيى عليه الصلاة والسلام فقال له: «تعال يا عبد الله بن مسعود)». 

وهكذا كان الصحابة مع الرسول عليه الصلاة والسلام في حياته» 
يعتبرون قوله وفعله وتقريره حكما شرعيا لا يختلف في ذلك واحد منهم. 
ولا يجيز أحدهم لنفسه أن يخالف أمر القرآن» وما كان الصحابة يراجعون 
رسول الله في أمر إلا إذا كان فعله أو قوله اجتهاداً منه في أمر دنيوي› 
كما في غزوة بدر حين راجعه الحباب بن المنذر في مكان النزول» أو إذا 
کان اکا م ن بے د کل رر ا ار کے عه كما راجعه 
عمر في أسرى بدر وصلح الحديبية» أو إذا كان غريباً عن عقولهم 
فيناقشونه لمعرفة الحكمة فقطء أو كانوا يظئون فعله خاصا به فلا يلزمون 
أنفسهم اتباعه. أو إذا أمرهم بأمر فظنوا أنه للإباحة وأن غير المأمور به 
أولى. أما ما عدا ذلك فكان منهم التسليم المطلق والاتباع التام والالتزام 
الكامل . 


وكما وجب على الصحابة بأمر الله في القرآن اتباع الرسول وطاعته في 
حیاته » SS GG GE‏ اتباع سنته بعد وفاته» 
لان النصوص التي الوحت طاعته عامة لم تقيد ذلك بزمن حياته» ولا 
بصحابته دون غیرهم› ولأن العلة جامعة بينهم وبين من بعدهم» وهي نهم 
أتباع لرسولٍ أمر الله باتباعه وطاعته» ولأن العلة أيضاأ جامعة بين حياته 
ووفاته» إذ كان قوله وحكمه وفعله ناشئأ عن مُشَرع معصوم أمر الله بامتثال 
آمره» فلا يختلف الحال بين أن يكون خا أو عد وفاته» وقد أرشد علا 
إلى وجوب اتباع سنته حيث يغيب المسلم عنه حين بعث معاذ بن جبل, إلى 
اليمن. فقال له: «كيفف تقضي إذا عرض لك قضاء؟» قال: أقضي 
بكتاب الله» قال: «فإن لم يكن في كتاب الله؟» قال: فبسنة رسول الله 
قال: «فإن لم يكن في سنة رسول الله؟» قال: أجتهد رأبي ولا آلوء فضرب 
رسول الله يلك على صدرهء وقال: «الحمد لله الذي وفق رسول 


V۲ 


رسول الله لما يرضى رسول اللّه ) وأخرجه اخ وانو داود» والترمذي» 
والدارمي› والبيهقي في «المدخل»)» وابن سعد في «الطبقات»» وابن 
عبد البر في «جامع بيان العلم وفضله». 


گا خت عل .وجرت العم تسكتة بعد وفاته فى أحادييت كثيرة جدا 
بلغت حد التواتر المعنوي» منها ما رواه الحاكم وابن عبد البر عن كثير بن 
غبك الله بن عمرؤ بن عوف عن أبية عن جده أن رسول الله یه قال: 
اتركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما كتاب الله وسنتي»“ وأخرجه 
أيضا البيهقيى عن أبي هريرة رضي الله - 2 وأخرج البخاري والحاكم عن 
ا هريرة عن رسول الله او قال : «كل أمتين يدخلون الجنة إلا من أبى) 
الوا يا وسول الله رزميق يان ؟ قال : «من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني 
في خطبة الوداع : «إن الشيطان قد يئس أن يعبد بأرضكم ولكن رضي أن 
يطاع فيما سوى ذلك مما تحقرون من أعمالكم فاحذرواء إنى قد تركت 
فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلوا.أبداً: كتاب الله وسنة نبيه» وأخرج ابن 
عبد البر عن عرباض بن سارية قال : صلی بنا رسول الله َة صلاة الصبح. 
فوعظنا موعظة بليغة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب فقيل : يا 
رسول الله كأنها موعظة مودع فأوصناء قال: «عليكم بالسمع والطاعة وإن 
كان عدا حا فإنه- من .رعش :نكم افسيرى: اخدلانا كيرا معليكو بسي 
الأمور فإن كل بدعة ضلالة» . 


من أجل هذا عني الصحابة رضوان الله عليهم بتبليغ السنة لأنها أمانة 


11 الك‎ O 


(۲) جامع بيان العلم 87/57 وأخرجه الترمذي أيضاً وأبو داود والإمام أحمد وابن ماجه. 


VY 


رسول الله کیا في تبليغ العلم عنه إلى من بعده بقوله: اا 

سمع مقالتي فأداها كما سمعهاء > ورب ملغ أوعی من سامع» 
كيف كان الصحابة يتلقون سنة الرسول؟: 

کان رسول الله ی يعيش بين أصحابه دون أن يكون بينه وبينهم 
حجاب» فقد كان يخالطهم في المسجد والسوق والبيت والسفر والحضرء 
وكانت أفعاله وأقواله محل عناية منهم وتقديرء حيث كان يي محور حياتهم 
الدينية والدنيوية» منذ أن هداهم الله به وأنقذهم من الضلالة والظلام إلى 
الهداية والنورء ولقد بلغ من حرصهم على تتبعهم لأقواله وأعماله أن كان 
بعضهم يتناوبون ملازمة مجلسه یوما بعد يوم» فهذا عمر بن الخطاب 
رضي الله عنه يحدثنا عنه البخاري بسنده المتصل ا ول ن ا 
وجار لي من الأنصار في بني أمية بن زيد - وهي من عوالي المدينة - وكنا 
نتناوب النزول على رسول الله ينزل يوماً وأنزل يوماء فإذا نزلت جتته بخبر 
ذلك اليوم» وإذا نزل فعل مثل ذلك» وليس هذا إلا دليلا على نظر الصحابة 
إلى رسول الله نظرة اتباع واسترشاد برأيه وعفلةة. لها فت عندهم من 
وجوب اتباعه والنزول عند أمره ونهيه» ولهذا كانت القبائل النائية عن 
المدينة ترسل إليه بيه بعض أفرادها ليتعلموا أحكام الإسلام من رسول الله 
ثم يرجعون إليهم معلمين ومرشدين. 

بل كان الصحابي يقطع المسافات الواسعة ليسأل رسول الله كَل عن 
حكم شرعي» ثم يرجع لا يلوي على شيء» أخرج البخاري في صحيحه 
عن عقبة بن الحارث أنه أخبرته امرأة بأنها أرضعته هو وزوجه فركب من 
فوره ‏ وكان بمكة ‏ قاصداً المدينة حتى بلغ رسول الله بيا فسأله عن 
حكم الله فيمن تزوج امرأة لا يعلم أنها أخته من الرضاع ثم أخبرته بذلك 
من أرضعتهماء فقال له النبي مَلِْة: «كيف وقد قيل؟!2 ففارق زوجته لوقته 


فر و جحت بعيره. 


(۱) جامع بيان العلم ۳۹/۱ وأخرجه ابن حبان في صت حه ولو داود والترمذي و سخسئه ٠‏ 
والنسائي» وابن ماجه» والبيهقي بتقديم وتأخير وزيادة عند بعضهم دون بعض . 


Vé 


وكان من عادتهم أن يسألوا زوجات النبي بيه فيما يتعلق بشؤون 
الرجل مع زوجته لعلمهن بأحوال رسول الله العائلية الخاصة» كما قدمنا من 
قصة الصحابي الذي أرسل امرأته تسأل عن تقبيل الصائم لزوجته فأخبرتها أم 
سلمة أن رسول الله َة کان يقبل وهو صائم. 


كما كانت النساء تذهب إت زوجات الک اانا تا رسول الله 
ما يشأنَ.السؤال عنه من أمورهن» فإذا كان هنالك ما يمنع النبي من 
التصريح للمرأة بالحكم الشرعي أمر إحدى زوجاته أن تفهمها إياه» كما 
جاء أن امرأة سألت النبى ية كيف تتطهر من الحيض؟ فقال عليه الصلاة 
والسلام : «خذي فرصة لوسك ة فتو ضئي بها» فقالت : يأ رسول الله كيف 
أتوضأ بها؟ فأعاد كلامه السابق عليها فلم تفهمء فأشار إلى عائشة أن 
تفهمها ما يريد» فأفهمتها المراد» وهو أن تأخذ قطعة قطن نظيفة فتمسح 
بها أثر الده“. 


غير أن الصحابة لم يكونوا جميعاً على مبلغ واحد من العلم 
بأحوال الرسول كَلِ وأقوالهء فقد كان منهم الحضري والبدوي» ومنهم 
التاجر والصانع. والمنقطع للعبادة الذي لا يجد عملاء ومنهم المقيم في 
المدينة» ومنهم المكثر من الغياب عنهاء ولم يكن رسول الله كو يجلس 
للتعليم مجلساً عاماً يجتمع إليه فيه الصحابة كلهم إلا أحيانا نادرة» وإلا 
أيام الجمعة والعيدين وفي الوقت بعد الوقت. أخرج البخاري عن ابن 
مسعود قال: «كان النبي كَل يتخولنا بالموعظة تلو الموعظة في الأيام 
كراهة السآمة علينا»» ومن هنا يقول مسروق: لقد جالست أصحاب 
محمد بي فوجدتهم كالإخاذ (الغدير) فالإخاذ يروي الرجل» والإخاذ 
يروي الرجلين» والإخاذ يروي العشرة» والإخاذ يروي المائة» والإخاذ لو 
نزل به أهل الأرض لأصدرهمء وطبيعي أن يكون أكثر الصحابة علما 


Vo 


بسنة الوسول. هم الذين كانوأ أسبقهم إسلاماً كالخلفاء الأربعة وعبد الله بن 
مسعودء أو أكثرهم ملازمة له وكتابة عنه كأبي هريرة وعبد الله بن 
عمرو بن العاص وغيرهم. 


لماذا لم تدون السنة في عهد الرسول؟ وهل كتب منها شيء في حياته؟: 
لا يختلف اثنان من كتاب السيرة وعلماء السنة وجماهير المسلمين 
في أن القرآن الكريم قد لقي من عناية الرسول ية والصحابة ما جعله 
محفوظاً في الصدور ومكتوباً في الرقاع والسعف والحجارة وغيرهاء حتى 
إذا توفي رسول الله كان القرآن محفوظا مرتبا لا ينقصه إلا جمعه في 


مصحف وأحدل . 


أما السنة فلم يكن شأنها كذلك» رغم أنها مصدر هام من مصادر 
التشريع ف عهد الرسول» ولا يختلف أحد 5 أنها لم تون اونا :شيا 
كما دون القرآن» ولعل مرجع ذلك إلى أن الرسول بء عاش بين الصحابة 
ثلاثاً وعشرين سئة» فكان تدوين كلداتة. و أعمالة و معام تدوينا طا 
في الصحف والرقاع من العسر بمكانء لما يحتاج ذلك إلى تفرغ أناس 
كثيرين من الصحابة لهذا العمل الشاق» ومن المعلوم أن الكاتبين كانوا من 
القلة في حياة الرسول بحيث يعدون بالأصابع» وما دام القرآن هو المصدر 
الأساسي الأول للتشريع» والمعجزة الخالدة لرسول الله كلو فليتوفر هؤلاء 
الكتاب على كتابته دون غيره من السنة. حتى يؤدوه لمن بعدهم ورا 
يوط تاماً لم ينقص منه حرف واحد. 


وشيء آخر أن العرب لأميتهم كانوا يعتمدون على ذاكرتهم وحدها 
فیما يودون حفظه واستظهاره» فالتوفر على حفظ القرآن مع نزوله منجما 
على آيات وسور صغيرة» ميسور لهم وداعية إلى استذكاره والاحتفاظ به في 
صدورهم» فلو دوّنت السنة كما دوّن القرآن وهي واسعة كثيرة النواحي 
شاملة لأعمال الرسول التشريعية وأقواله منذ بدء رسالته إلى أن لحق بربه. 
للزم إكبابهم على حفظ السنة مع حفظ القرآنء وفيه من الحرج ما فيه» عدا 


۷٦ 


خوف اختلاط بعض أقوال النبي الموجزة الحكيمة بالقرآن سهوأ من غير 
عمدء وذلك خطر على كتاب الله يفتح باب الشك فيه لأعداء الإسلام» مما 
يتخذونه ثغرة ينفذون منها إلى المسلمين لحملهم على التحلل من أحكامه 
والتفلت من سلطانه» كل ذلك وغيره - مما توسع العلماء في بيانه - من 
أسرار عدم تدوين السنة في عهذ الرسول» وبهذا نفهم سر النهي عن كتابتها 
الوارد في ميم مسلم عن أبي ۰ الخدري عن رسول الله اا : ر 
تكتبوأ عني» ومن كتب عني غير القران فليمحه» . 


على سبيل التدوين الرسمي كما يدون القرآن؛ وهناك آثار ضح ل على 
أنه قد وقع كتابة شيء من السنة في العصر النبوي. فقد أخرج البخاري في 
صح حه) في کات العلم عن إلى هريرة : أن خزاعة قتلوا من بلى 
ليث عام فتح مكة بقتيل منهم قتلوه. فاخبر بذلك النبي ييو فركب راحلته 
فخطب فقال: (إن الله حيس عن مكة القتل ‏ أو الفيل شك من البخاري ‏ 
وسلط عليهم رسول الله ميو والمؤمنون» وإنها لم تحل لأحد قبلي وه' تحل 
لأحد بعديء, ألا وإنها أحلت لى ساعة من نهارء ألا وإنها ساعتي هذه 
حرام» لا يُختلى شوكهاء ولا يُعضد شجرهاء ولا تلتقط ساقطتها إلا 
لمنشد» فمن فتل له قتيل فهو بخير النظرين: إما أن يعقل وإما أن يقاد أهل 
القتيل»“ فجاء رجل من أهل اليمن فقال: اكتب لى يا رسول الله» فقال 
عليه الصلاة والسلام: «اكتبوا لأبي شاه . 


كحاا نيت أن رسول الله كيد كتب إل ملوك عصره وأمراء جزيرة 
1 هة | )۳( 1 6 5 3 
العرب كتبا يدعوهم فيها إلى الإسلام ا ل سرايأه 
كتباً ويأمرهم أن لا يقرؤوها إلا بعد أن يجاوزوا موضعا معينا. 


.١76/١7 أي يقاد لهم من القاتل كما في فتح الباري‎ )١( 
أخرجه البخاري» والدارمي» والترمذي» والإمام أحمد.‎ )۲( 


(۳) انظر طبقات ابن سعد ۲۲/۲ ۔ .٥٦‏ 


V۷ 


كما ثبت أن بعض الصحابة كانت لهم صحف يدؤنون فيها بعض ما 
سمعوه من رسول الله 6ه كصحيفة عبد الله بن عمرو بن العاص التي كان 
يسميها بالصادقة › فقد أخرج حول والبيهقى فى «المدخل» عن أبى هريرة 
رضي الله عنهء قال: «ما كان أحد أعلم بحديث رسول الله كله مني إلا 
استرعت أنظار بعض الصحابة الذين قالوا: إنك تكتب عن رسول الله كل ما 
يقول» ورسول الله قد يغضب فيقول ما لا يتخذ شرعاً عاماء فرجع ابن 
عمرو إلى رسول الله طيخ فال له : «اكتب عني فوالذي نفسي بيذه ما حرج 
و ی ا 
العاقلة: وغیرھا ‏ كما تبث آن النی كله كتيب لبعض ماله كتا حددت 
فيها مقادير الزكاة في الإبل والغنم”" . 


ظ وقد اختلف العلماء في التوفيق بين أحاديث النهي عن الكتابة وبين 
هذه الآثار الكو تدل على الإذن بهاء فالأكثرون على أن النهى منسوح 
بالإذن» ومن قائل بأن النهى خاص بمن لا يؤمن عليه الغلط والخلط بين 
القرآن والسنةء أما الإذن فهو خاص بمن أمِنَ عليه ذلك» وأعتقد أنه ليس 
هنالك تعارض حقيقي بين أحاديث النهي وأحاديث الإذن» إذا فهمنا النهي 
على أنه نهى عن التدوين الرسمى كما كان يدوّن القرآن» وأما الإذن فهو 
الصحابة الذين كانوا يكتبون السنة لأنفسهه”*' والتأمل في نص حديث النهي 
قد يؤيد هذا الفهم. إذ جاء عاماً مخاطباً فيه الصحابة جميعاً. لا يقال: إن 


)١(‏ أخرجه ابن عبد البر في جامع بيان العلم ۷٦/١‏ عن ابن عمرو. 

(۲) المصدر السابق والرقم السابق. 

(۳) المصدر والرقم السابقان. 

(4) ويؤكده ما أخرجه الخطيب في تقييد العلم: ص١٤‏ عن الضحاك من قوله: لا تتخذوا 
للحديث كراريس ككراريس المصاحفا. 


VA 


ذلك في أن يكون الحكم باقياً على الحرمة ما دام السماح لظروف 
خاصة ولأشخاص معينين» لأننا نقول: إن سماح الرسول لعبد الله بن عمرو 
كا وه اسر ا ف الكعارة جخ .وناة الرسول»: .وليل على أن 
الكتابة مسموح بها في نظر السا إذا لم يكن تدويناً عامّاً كالقرآن» ويؤكد 
الإذن بالكتابة» ما جاء في البخاري عن ابن عباس أنه لما اشتد بالنبي كَل 
وجعه قال: «إيتوني بكتاب أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده؛ ولكن عمر حال 
دون ذلك بحجة أن النبي قد غلبه الوجع». وهذا مما يؤيد الرأي القائل بأن 
آخر الأمرين كان هو الإذن» لا كما ذهب إليه المرحوم رشيد رضا من أن 
الإذن وقع أولاً ثم نسخ بالنهي”'". 
موقف الصحابة من الحديث بعد وقاة الرسول: ظ 

قدمنا لك" ما رواه أبو: داود والترمذي عن رسول الله يكل من رواية 
زيد بن ثابت: «نضر الله امرءاً سمع مقالتي فحفظها ووعاها فأداها كما 
سمعها فَرْبَ مبلغ أوعى من سامع» وفي حديث آخر: «ألا ليبلغ الشاهد 
منكم الغائب»"» وهكذا أوصى رسول الله بيا صحابته بتبليغ السنة إلى من 
وراءهم مع التثبت فيما يروون: «كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما 
سمغ فلم يكن بد من أن يصدع الصحابة بالأمر ويبلغوا أمانة الرسول 
إلى المسلمين» وخصوصاً وقد تفرقوا في الأمصار وأصبحوا محل عناية 
التابعين والرحلة إليهم» فكان التابعون يتتبعون أخبارهم ومواطنهم فيرحل 
إليهم من يرحل على بُعْد الشقة وعناء الأسفار. 

هذا كله كان عاملاً في انتشار الحديث وانتقاله إلى جمهور المسلمين. 


000 مجلة المنارء مجلد ١٠ء‏ ج١٠.‏ 
(۲( ص٤‏ ۷. 


(۳) أخرجه ابن عبد البر في جامع بيان العلم عن أبي بكرة .4١/١‏ 
)0 أخرجه مسلم عن أبي هريره . 


۷۹ 


وكثرة» فمن المقلين: الرفوة وريد بن أرقم» وعمران ین خخصين ٠‏ 


عن رسول الله ي كما يحدث فلان وفلانء فقال: أما إني لم أفارقه ولكن 
سمعته يقول: «من كذب على فلیتبواً مقعده من الا 


ويروي. ابن ماحه في سننه أن رید بن أرقم کان يقال ل حذثناء 
كل ميت سعد أن يالف "أ يرن المادينة: إلى فا سی اف غ 
النبي يله حديثاً واحداء وكان أنس بن مالك يُتْبِعُ الحديث عن النبي َل 
بقوله: «أو كما قال» حذراً من الوقوع في الكذب عليه. فما صنعه الزبيرء 
وزيد بن أرقم وأمثالهما من المقلين» إنما كان خوفا من الوقوع في خطأ لم 
يمصلوه. ويظهر أن داکرتهم لم تكن من شأنها أن تسعفهم بإيراد الحديث 
على لفظه أو وجهه الذي سمعوه من النبي كيا فكان من الاحتياط فى 
دين الله عندهم أن لا پکونوا من المکرین: 


ولقد أضيف إلى هذا رغبة عمر رضي الله عنه ألا يكثروا من التحديث 
عن الرسول عليه الصلاة والسلام كي لا ينشغل الناس بالحديث عن القرآن» 
والقرآن غض طريٌ. فما أحوج المسلمين إلى حفظه وتناقله» والتثبت فيه 
والوقوف على دراسته!! روى الشعبي عن قرظة بن كعب قال: خرجنا نريد 
العراق فمشى معنا عمر إلى صرار فتوضأ فغسل اثنتين ثنتين ثم قال : آتدرون لِم 
مشيت معكم؟ قالوا: نعم نحن أصحاب رسول الله يكل مشيت معناء فقال: 
إنكم تأتون أهل فرية لهم دوي بالقرآن كدوي النحل فلا تصدوهم بالحديث 
فتشغلوهم. ن وا ا ع وميك اله وو و 
شريككم» فلما قدم قرظة قالوا: حَدثناء قال: نهانا عمر بن الخطاب”" . 


)١(‏ أخرجه البخاري في صحيحه» في كتاب العلم. 
(۳) جامع بیان العلم .٠١١/۲‏ 


زميق الميحانة هج كان بكر البنديق عر الرسول و كر د ا 
فأبو هريرة رضى الله عنه كان من أوعية الحديث التى فاضت على المسلمين 
فملأت بأخبار رسول الله ية وأحاديثه صدورهم ومجالسهم. وعبد الله بن 
عباس كان يطلب الحاءيث عند كبار الصحابة ويتحمل في سبيل ذلك عناء 
ومشقة› أخرج اين عبد البر عن ابن شهاب أن ابن عباس قال: كان يبلغنا 
الحديث عن رجل من أصحاب ال ا فلو أشاء أن أرسل إليه حتى 
يجيئنى فيحدثنى فعلت» ولكنى كنت أذهب إليه فأقيل على بابه حتى يخرج 
إِليّ فيحدثني”'' . 

وهكذا لقى فى سبيل الحديث من العناء ما لقى إلى أن استوعب ما 
ويظهر أنه أقل من التحديث بعد ذلك حين بدا الوضع في الحديث» فقد 
أخرج مسلم في, مقدمة صحيحه أن بشير بن كعب جاء إلى ابن عباس 
ما أدري أعرفت حديثي كله؟ أم أنكرت حديثي كله وعرفت هذا؟ فقال ابن 
عباس : إنا كنا نحدث عن رسول الله بيه إذ لم يكن يكذب عليهء فلما 

ومهما يكن من إكثار بعض الصحابة التحديث عن رسول الله » فك 
كان ذلك قليلاً في عصري الشيخين أبي بكر وعمرء إذ كانت خطتهما حمل 
بالقرآن أولا من جهة اخ فيل ا هريره : آکتت. ذف في رمن عمر 
هكذا؟ قال: لو كنت أحدث فى زمن عمر مثل ما أحدثكم لضربني 
د 000 ١ ١‏ 
بالدره . 

وهنا لا بد من التعرض لبحثين يتعلقان بموقف عمر من الحديث 
وموقف غيره كذلك . 


.45/١ جامع بيان العلم‎ )1١( 
3/١ لكر الان‎ © 


۸١ 


الأول: هل حبس عمر أحداً من الصحابة لإكثاره من الحديث؟ . 


الثاني : هل كان الصحابة يشترطون شروطا لقبول خبر الصحابي؟ . 





هل حبس عمر أحدا من الصحابة لإكثاره الحديث 

المقهون الترده على .يعضن الال أن قمر رض اه عله نخس لاه 
من كبار الصحابة لإكثارهم الحديث» وهم ابن مسعودء وأبو الدرداءء وأبو 
ذرء وقد حاولت أن أعثر على هذه الرواية من كتاب معتبر فلم أجدهاء 
ودلائل الوضع عليها ظاهرة» فإن ابن مسعود كان من كبار الصحابة وأقدمهم 
إسلاماًء وله مقام كبير في نفس عمر رضي الله عنه» حتى إنه حين أرسله 
إلى العراق امْتَنّ عليهم بإرساله إذ قال لهم: «ولقد آثرتكم بعبد الله على 
نفسي» وكان مقامه خلال خلافة عمر في العراق» وإنما أرسله إليها ليعلم 
أهلها الدين والأحكام» ومن الأحكام ما يؤخذ من القرآن» وأكثرها أخذ من 
السنة» فكيف يحبسه عمر لتحديثه وهو إنما أرسله: لهذا الغرض؟ أما أبو ذر 
وأبو الدرداء فلا يعلم عنهما كثير حديث. نعم كان أبو الدرداء معلم 
المسلمين بالشام» كما كان ابن مسعود في العراق» والغرابة فى حبس عمر 
لابن مسعود تأتي أيضاً في أبي الدرداء»ء فكيف يحبسه وهو معلمهم 
ومفقههم في دينهم؟ وهل كان عمر يريد منه ومن ابن مسعود أن يكتما 
بعض الحديث فيكتما بعض أحكام الدين عن المسلمين؟ . 


هريرة» فلماذا يحبسه ولا يحبس أبا هريرة؟ 

ولئن قيل: إن أبا هريرة لم يكن يكثر الحديث في عهد عمر خوفا 
منه» قلنا لماذا لم يخفه أبو ذر كما خافه أبو هريرة؟ 

والحاصل أن الذين غرفوا بكثرة الحديث من الصحابة كابن عباس 
وأبي هريرة وعائشة وجابر بن عبد الله» وابن مسعود معهم. لم يرو عن 
عمر أنه تعرض لهم بشيء بل روي أنه قال لأبي هريرة حين بدأ يكثر من 
الحديث: أكنت معنا حين كان النبي كله فى مكان كذا؟ قال: نعم» سمعت 


AY 


النبي ييه يقول: «من كذب على متعمدأ فليتبواً مقعده من النار» فقال له 
عمر: أما إذا ذكرت ذلك فاذهب فحدث. فكيف يعقل أن يترك أبا هريرة 
أقل من أبي هريرة حديثاً: أو مثل أبي الدرداء وأبي در» وهما لم يعرفا بسن 
الصحابة بكثرة الحديث مطلقاً. 


لقد لبثت كثيراً أشك في هذه الرواية وأقلبها على جميع وجوه النظرء 
حتى قرأت في كتاب «الإحكام» لابن حزم ما يلي: «وروي عن عمر أنه 
حبس ابن مسعود من أجل الحديث عن النبى بيه وأبا الدرداء وأّبا ذر» 
وطعن ابن حزم في هذه الرواية بالانقطاع» لأن إبراهيم بن عبد الرحمن بن 
عوف راويه عن عمر لم ي مه ) وقد وافقه البيهقي على هذاء ولكن 
يعقوب بن شيبة والطبري وغيرهما أثبتوا سماعه من عمرء والظاهر أنه لم 
يسمع منه فإنه مات سنة 14 أو 405 وعمره (0/ا سنة) فيكون قد ولد سنة 
٠‏ من الهجرة فى أواخر خلافة عمر. فلا يتصور سماعه منه فى مثل تلك 
الد وعلى ذلك فلا تكون الرواية حجة ولا يۇ خذ بها.. ثم قال ابن 
حزم : إن الخبر في نفسه ظاهر الكذب والتوليدء لأنه لا يخلو عن أن يكون 
اتهم الصحابة» وفي هذا ما فيه» أو يكون نهى عن نفس الحديث وعن 
تبليغ السنة» وألزمهم كتمانها وجحدهاء وهذا خروج عن الإسلام» وقد 
أعاذ الله أمير المؤمنين من كل ذلك» وهذا قول لا يقوله مسلم أصلاء ولئن 
كان حبسهم وهم غير متهمين. قد ظلمهم فليختر المحتج لمذهبه الفاسد 
بمثل هذه الروايات الملعونة أي الطريقين الخبيثين شاء. اه . 


هل كان الصحابة يشترطون لقبول الحديث شينا؟: 

١‏ قال الحافظ الذهبي في «تذكرة الحفاظ) في ترجمة أبي بكر 
الصديق: كان أول من احتاط في قبول الأخبار. ثم روى الذهبي من طريق 
ابن شهاب عن قبيصة أن الجدة جاءت إلى أبي بكر تلتمس أن تورث. 


.191 الإحكام ؟/‎ )١( 


AY 


قال: ما أجد لك في كتاب الله شيئاً وما علمت أن رسول الله كه ذكر لك 
ا سال الناس فقام المغيرة فقال: كان رسول الله ية يعطيها 
السدس» فقال له: هل معك أحد؟ فشهد محمد بن مسلمة بمثل ذلك 
فأنفذه لها أبو بكر. 


؟ - وروى أيضاً من طريق الجريري عن أبي نضرة عن أبي سعيك: أن 
اا سے مل على فر د وراء الباب ثلاثاً فلم يؤذن له فرجع» فأرسل 
عمر في أثره فقال: لِم رجعت جعت؟ قال: سمعت رسول الله َو يقول: «إذدا 
سلم أحدكم ثلاثاً فلم يجب فليرجع» قال: لتأتيني على ذلك ببينة أو لأفعلن 
بك فجاءنا أبو مرسى ممتقعاً لونه ونحن جلوس فقلنا: ما شأنك؟ فأخبرنا 


وقال: فهل 9 اخ منكم؟ فلا : نعم“ كلنا سمعه» فارشلږا مه رجالا 
منهم فأخبره"'. 

 "“‏ وروى أيضاً من طريق هشام بن عروة بن الزبير عن أبيه عن 
المغيرة بن شعبة أن عمر استشارهم في إملاص المرأة فقال المغيرة: قضى 
فيه رسول الله كلل بُّدة9"© فقال له عمر: إن كنت صادقاً فائت واحداً يعلم 
ذلك. قال: فشهد محمد بن مسلمة أن رسول الله مَك قضى به. 


٤‏ - وروى أيضاً بسنده إلى أسماء بن الحكم الفزاري أنه سمع عليا 
رضي الله عنه يقول: كنت إذا سمعت من رسول الله بيه حديثاء نفعني الله 
بما شاء أن ينفعنى به. وكان إذا حدثني غيره استحلفته فإذا E‏ 
وحدثني أبو بكر وصدق أبو بكر - قال: سمعت النبي وه يقول: ما من 


ا 





. والحديث فى «الصحيحين) عن أبي سعيد الخدري‎ )١( 

6 العُرّة : هى دية الجنين : عبد أو أمة. 

(۳) «تذكرة الحفاظ» ۲/١‏ و5 ولا و٠٠»‏ وهذه الآثار ذكرها ا الحاكم في «المدخل إلى 
أصول الحديث» ص٤".‏ 


4م 


'فهم بعض الباحثين من هذه الآثار أن خطة أبي بكر وعمر في 
الحديث ألا يقبلا حديثاً إلا ما رواه اثنان فأكثرء وأن خطة علي تحليف 
غيرهاء وممن ذهب إلى هذا أساتذتنا الأجلاء مؤلفو «مذكرة تاريخ التشريع 
الإسلامي» في كلية الشريعة بالأزهرء فقد ذكروا في باب شروط الأئمة 
بالحديث . 

والواقع أن بناء هذه القاعدة أو النظرية على تلك الآثار خطأ علمى 
ترده الآثار الأخرى التي تشهد بأن عمر أخذ بأحاديث لم يروها له إلا راو 
واحدء وأن عليّاً قبل حديث بعض الصحابة دون أن يستحلفه. وأن أبا بكر 
روي عنه مثل ذلك . وإليكم هذه الآثار: 

١‏ أخرج البخاري ومسلم من طريق ابن شهاب عن عبد الله بن 
عامر بن ربيعة أن عمر خرج إلى الشام فلما جاء «سرغ» بلغه أن الوباء قد 
وقع بالشام» فأخبره عبد الرحمن بن عوف أن النبي بيه قال: «إذا سمعتم 
به بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فراراً منه» فرجع عمر من «سرغ» قال ابن 
شهاب: وأخبرنا سالم بن عبد الله بن عمر أن عمر إنما انصرف بالناس من 
حديث عبد الرحمن بن عوف. 
المرأة من دية زوجها شيئاًء حتى أخبره الضحاك بن سفيان أن رسول الله 
كتب إليه أن يورث امرأة أشيم الضبي من ديته فرجع إليه د 

١‏ ت وزو یضرا أن مر قال كر الله امرأأ سمع من النبي في 
ااج ا فقام حمل بن مالك بن النابغة فقال: كنت بين جاريتين لي› 





. الرسالة للشافعى ص٦٤٤ من الطبعة الحديثة وأخرجه أحمد» وأبو داود والترمذي‎ )١( 


Ao 


يعني ضرتين» فضربت إحداهما الأخرى بمسطه'"'" فألقت جنيناً ميتاء 
فقضى فيه رسول الله يله بعُرّة (وهي العبد أو الأمة) فقال عمر: لو لم 
a‏ 
٤‏ رى ا أن عمر ذكر المجوس» فقال: ما أدري كيف أصنع 
في أمرهم؟ فقال له عبد الرحمن بن عوف: : سمعت رسول الله ب يقول: 
سوا بهم سنئة أهل الكتاب»”" . 

ه ‏ وأخرج البيهقي عن هشام بن يحيى المخزومي أن رجلا من 
ثقيف أتى عمر بن الخطاب فسأله عن امرأة حاضت وقد كانت - 
البيت» ألّها أن تنفر قبل أن تطهر؟ فقال: لاء فقال له الثقفي: 
رسول الله أفتاني في مثل قلة: العراة. بغين ها أافقيت» فقام | ليه عمر فضربه 
بالدرة وهو يقول: لم تستفتوني في شيء ا د و 

5 وروي أن عمر رضي الله عنه قضى في الإبهام بخمس عشرة وفي 
التي تليها بعشر. وفي الوسطى بعشرء وفي التي تلي الخنصر بتسع» وفي 
الف بسع فلا روق لد كعاب مو س جزم النى دقر نيه أن 
النبي بيه قال : «وفي كل إصبع مما هنالك عشر من الإبل؛ رجع عن قوله 
وصار إليه. هكذا جاء في بعض كتب الأصول و الملهم شرح 
صحيح مسلم) لشيخ الإسلام شدي اين ا الهندي”” ا ولكن الذي 
يفهم من «الرسالة» للشافعي أن الضحاءة أطله) على .هذا الكات عند ال 
عمرو بن حزم بعد وفاة عمر فعملوا به وتركوا قول عمر. 


فا ج 2 ب 1 .۰ 000 





)١(‏ آلة يسطح بها الخبز أي: يبسط 

(۲) الرسالة للشافعي ص"57. 

(۳) الرسالة للشافعي ص٬"٤.‏ 

(:) مفتاح الجنة للسيوطي ص١".‏ 

(5) فتح الملهم 7/١‏ وذكر ذلك ابن حزم اشنا في الإحكام ؟/ .١7‏ 


69 فتح الملهم .//١‏ 


A۸٦ 


6 وأراد عمر رجم مجئونة حتى أعلم بقول رسول الله كَةِ: «رفع 
القلم عن ثلاثة» فأمر ألا تع 

هزه الآثار مستفيضة صحيحة رواها الأئمة الأثبات» وفيها.ما يدل 
دلالة لا تقبل الجدال أن عمر رضي الله عنه أخذ بحديث رواه صحابي 
واحد دون توقف أو تشكك» وهي في العدد أكثر من تلك التي روت أنه 
طلب راوياً آخر ولا تقل في الصحة والثبوت عنهاء ولما كان عمل الصحابة 
جميعاً على الاكتفاء بخبر صحابى واحدء كان لا بد من تأويل ما روي عن 
عمر مخالفاً لعمله في الروايات الأخرى» ولعمل الصحابة الآخرين» 
وبالرجوع إلى تلك الروايات نجد أن رواية المغيرة بن شعبة في الإملاص 
قد رويت من طريق حمل بن مالك أيضاء وأن عمر قبل خبره من غير 
تروف ولي يبق إلا رواية استئذان أبي موسى» والاستئذان أمر يتكرر 
فالمعهود أن تعرف أحكامه وتشيع › فلما أخبره أبو موسى بما لا يعرفه أراد 
أن يتثبت» فلا بد من حملها على ما عرف عن عمر من التثبت في رواية 
الأخبار وحمل الصحابة على ذلك» فيكون عمر في قضية أبي موسى وفي 
نع el EE a lS A‏ 
وبخاصة صغارهم درساً في التثبت في قبول الأخبار وروايتهاء فإذا كان مثل 
أبي موسى والمغيرة - وهما من هما في جلالة قدرهما بين الصحابة - يطلب 
منهما عمر أن يأتياه براو آخرء كان مَنْ دون أبي موسى والمغيرة من 
الصحابة وغيرهم من التابعين أحق بالتثبيت وأجدر بالتروٌي في نقل الأخبار 
وروايتها. هذا هو المحمل الصحيح لما صنع عمرء ويدل عليه قوله لأبي 
وى :أن اث لم أتَهمك لكنه الحديث عن رسول الله مَلِةِ. وفي رواية 
أخرى أن أبياً عاتبه فقال له: «إنى أردت أن أتثبت» وهذا هو ما راه 
الشافعي رحمه الله في «الرسالة» في صنيع عمر حين طلب راوياً آخر بعد 
أن ذكر الروايات الثابتة عنه أنه كان يقبل حديث صحابي واحد. قال 


رحمه الله : أماأ فى خبر أبى موسى فإلى الاحتياط. لأن أبا موسى ثقة اقب 





.٠١/۲ الإحكام لابن حزم‎ )١( 


AY 


عنده إن شاء الله» فإن قال قائل : ما دل على ذلك؟ قلنا: قد رواه مالك بن أنس 
عن ربيعة عن غير واحد من علمائهم من حديث أبي موسى» وأن عمر قال لأبي 
موسى : أما إني لم أتهمك ولكني -خشيت أن يتقوّل الناس على رسول اش . 

هذا ما يتعلق بعمر رضي الله عنه. 

أما موقف أبي بكر فلم يرو عنه أنه طلب راوياً آخر إلا في تلك 
الحادثة”'' وهذا لا يبرر القول بأن مذهبه أن لا يقبل خبراً إلا إذا رواه اثنان. 
ولقد عرضّت على أبي بكر حوادث كثيرة رجع فيها إلى سنة رسول الله كَل 
ولیس فيها أنه طلب ممن أخبره عن رسول الله راويا آخر يشهد له إلا هذه 
الحادثة» بل ذكر الرازي في «المحصول» أن أبا بكر قضى بقضية بين اثنين 
فأخبره بلال أنه عليه السلام قضى فيها بخلاف قضائه فرجع”" فإن صحت 
هذه الرواية كان ذلك مؤكداً لما ذهبنا إليه» وقد ذكر ابن القيم عن أبي بكر 
خطته في القضاء فقال: «كان أبو بكر إذا ورد إليه حكم نظر في كتاب الله 
تعالى» فإن وجد فيه ما يقضي به قضى به. وإن لم يجد في كتاب الله نظر 
في سنة رسولهء فإن وجد فيها ما يقضي قضى فيهء فإن أعياه ذلك سأل 
الناس: هل علمتم أن النبي كَل قضى فيه بقضاءء فربما قام إليه القوم 
فيقولون: قضى فيه بكذا وكذاء وإن لم يجد سنة سنها النبي يي جمع رؤساء 
الناس فاستشارهم» فإذا اجتمع رأيهم على شيء قضى به)“. 

والحاصل أنا لا نجد في نص من النصوص أن أبا بكر طلب ممن 
ی ی ای ران اخ ا راجت بهذا يمل أن 
يكون من أبى بكر زيادة فى الاحتياط والتثبت فقط» خصوصاً وأن توريث 
ا اتناك تدك لع .يري في القران تفتكا و و ا 


)١(‏ الرسالة للشافعي ص٤٤‏ ويرى ابن حزم أن عمر كان يرى ذلك أول الأمر فلما عاتبه 
أبّي رجع عن ذلك وأصبح يقبل خبر صحابي واحد. انظر الإحكام ۲/ .٠٤٠١‏ 

(۲) وقد أعلها ابن حزم في الإحكام ١5١/7‏ بأنها منقطعة فلا تصح . 

(۳) المحصول للرازي مخطوط . 

(:) أعلام الموقعين 2.0١/١‏ 


AA 


والتوقي» لا سيما أن أكثر أحكام المواريث شرعت بنصوص من القرآن لا 
أن ذلك خطة دائبة له وطريقة درج عليها أن لا يقبل حديثا إلا إذا رواه 
اثنان. قال الغزالي في «المستصفى»: «أما توقف أبي بكر في حديث المغيرة 
ف توريث الجدة فلعله كان هناك وجه اقتضى التوقف› وربما لم يطلع عليه 
أحدء أو لينظر أنه حكم مستقر أو منسوخ» أو ليعلم هل عند غيره مثل ما 
عنده ليكون الحكم أوكد» أو خلافه فيندفع› أو توقف في انتظار استظهار 
بزيادة» كما يستظهر الحاكم بعد شهادة اثنين على جزم الحكم إن لم 
يصادف الزيادة» لا على عزم الردء أو أظهر التوقف لئلا يكثر الإقدام على 
الرواية عن تساهل» ويجب حمله على شيء من ذلك» إذ ثبت منه قطعا 
ل کو الاد ووك الاكار عل القائلين جيه : 


أما خطة علىّ» فإن صح ما روي عنه من أنه كان يستحلف الراوي”") 
فلا كلام لنا فيه. وإلا فهو في ذلك كبقية الصحابة» بل لقد نقل عن 
وا ال 0 أنه قبل 'زوايةة ا ی الأضوى ا 
أي من غير تحليف» على أنه في النص الذي روي عنه لم يستحلف أبا 
بكر بل قال... وصدق أبو بكرء فلا تكون قاعدته عامة. 


والخلاصة أن الثابت الصحيح من عمل أبي بكر وعمر وعليّ عملهم 
بخبر الراوي الواحد فقط وأنه في الحالات التى اقتضت طلب راو آخر أو 
امتعالؤنه ey a E E a‏ 
والتحقيق يلتقي عمل هؤلاء الصحابة الثلاثة الكبار مع عمل الصحابة 
الآخرين من حيث اكتفاؤهم براو واحد. وسيأتي نقل الشافعي لذلك في 
موضعه عند الكلام على حجية خبر الاحاد. 


.١165/١ المستصفى‎ )١( 

(۲) كان في الطبعة الأولى بعد هذه العبارة: «وأنا أستغرب ذلك» ثم تبين أن هذا القول 
المنسوب إل على م أخرجه عه انو داود والترمذي وابن ماجه . ولذلك ذكره 
صاحب «ذخائر المواريث» ٠٤١١/۳‏ فى مرويات أبى بكر الواردة فى الكتب الستة. 

(۳) المحصول للرازي (مخطوط). 


۸۹ 


رحلة الصحابة طلبا للتحديث إلى الأمصار: 


انقضى عصر الشيخين والسنة محفوظة في صدور الصحابة غير شائعة 
الانتشار كثيراًء لا في الأقطارء لأن عمر رضي الله عنه منع أكثر الصحابة 
من مغادرة المدينة إلا لأفراد اقتضت المصلحة خروجهم» ولا في المدينة 
نفسها لأن سياسته كما رأيت كانت تقوم على توفر العناية بالقرآن وتقليل 
الحديث عن رسول الله با منعأً للتزيد فيه واحتراساً من الخطأ والوهم في 
روايته» فلما كان عهد عثمان سمح للصحابة أن يتفرقوا في الأمصارء 
واحتاج الناس إلى الصحابة وخاصة صغارهم» بعد أن أخذ الكبار يتناقصون 
يوماً بعد يوم» فاجتهد صغار الصحابة بجمع الحديث من كبارهم فكانوا 
يأخذونه عنهم» كما كان يرحل بعضهم إلى بعض من أجل طلب الخديث . 


فقد أخرج البخاري في «الأدب المفرد» وأحمد والطبراني والبيهقي 
واللفظ له عن جابر بن عبد الله قال: بلغني حديث عن رجل من أصحاب 
النبي ية عن رسول الله ية لم أسمعه منهء تاعبت مدر | وت ع 
رحلي» ثم سرت إليه شهراً حتى قدمت الشام» فإذا هو عبد الله بن أنيس 
الأنصاري» فأتيته فقلت له: حديث بلغني عنك أنك سمعته من 
رسول الله ية في المظالم لم أسمعه فخشيت أن أموت أو تموت قبل أن 
أسمعه» فقال: سمعت رسول الله ييه يقول: «يحشر الناس غرلا ھا" 
قلنا: وما بهم؟ قال: ليس معهم شيء.ء فيناديهم نداء يسمعه من يَعَدَ كما 
يسمعه من قَرُبَ: أنا الديان لا ينبغي لأحد من أهل النار أن يدخل النار 
وأحد من أهل الجنة عنده مظلمة حتى أقصها منه. ولا ينبغى لأحد من أهل 
الج ان يسن لعن a N ND OG‏ 
اللطمةء قلنا: كيف؟ وإنما نأتي الله عراة عُرلاً بُهْماً؟ قال بالحسنات 
والسيئات» . 


)01 «غُر لا بضبم الغين وسكون الراء جمع «أغرل» وهو الذي لم يختن› وابهماً) أي لون 
معهم شيء كما جاء تفسيرها في الحديث نفسه. انظر الأدب المفرد ص107١.‏ 


46 





وأخرج البيهقي وابن عبد البر عن عطاء بن أبي رباح أن أبا أيوب 
لأساف رسن إل قاين عا لعي اله EE‏ 
رسول الله كَلِِ لم يبق أحد سمعه منه غيره. فلما قدم إلى منزل مسلمة بن 
مخلد الأنصاري ‏ وهو أمير مصر ‏ فخرج إليه فعانقه ثم قال له: ما جاء 
بك يا أبا أيوب؟ قال: حديث سمعته من رسول الله كه فى ستر المؤمن 
فقال: نعم» سمعت رسول الله مَك يقول: «من ستر مؤمناً في الدنيا على 
كربته ستره الله يوم القيامة» ثم انصرف أبو أيوب إلى راحلته فركبها راجعا 
إلى اللملكة aE‏ عرو مد 

زيذلك ادات رواية الخديت تاخدذ فى السعة :والانتشار» وبدات 
o‏ اكت من قال إلى مان ويك الك ل ار مين 
التابعون على لقياهم ونقل ما في صدورهم من علمء» قبل أن ينتقلوا إلى 
الرفيق الأعلى» ولقد كانت زيارة الصحابى لمدينة من المدن الإسلامية كافية 
لأن تجمع أهل المدينة كلها حوله 050 الزحام ساغة وضو لةه وت 
الأصابع أن هذا صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم. 

وقد اشتهر عدد من الصحابة بأنهم أكثر الصحابة رواية عن الرسول 
عليه الصلاة والسلام إما لقدم صحبتهم له كعبد الله بن مسعود» أو 
لملازمتهم خدمته كأنس بن مالك» أو لإحاطتهم بأحواله الداخلية كعائشة» 
أو لعنايتهم بحديثه كعبد الله بن عمرء وعبد الله بن عمروء وأبي هريرة رعم 
صغر الأوليْن وتأخر إسلام الثالث. والناس في كل هذا يأخذون عن 
الصحابة لا يشكون ولا يترددون» والصحابة يأخذ بعضهم عن بعض لا 
يكذب بعضهم بعضاً ولا يتحرجون» ولم يكن قد دسّ على حديث الرسول 
أو وجد الكذابون حتى وقعت الفتنة» فكانت مبدأ تحول فى حياة المسلمين 
الدينية كما كانت بدء تحول في حياتهم السياسية . ا 


.9"/١ «جامع بيان العلم»‎ )١( 


۹۱ 





الفضّل الختان 
فِالوَصْع ف التديث وفيه مَبَاحِثْ 





متى بدأ الوضع؟: 

كانت سنة أربعين من الهجرة هى الحد الفاصل بين صفاء السنة 
وخلوصها من الكذب والوضع» وبين التزيد فيها واتخاذها وسيلة لخدمة 
الأغراض السياسية والانقسامات الداخلية» بعد أن اتخذ الخلاف بين على 
وفيعا ودة جا سالت به دماء وأزهقت منه أرواح» وبعد أن اذ 
المسلمون إلى طوائف متعددة: فالجمهور مع على في خلافه مع معاوية» 
والخوارج ينقمون على علىّ ومعاوية معاً بعد أن كانوا من شيعة عليّ 
المتحمسين لهء وآل البيت وفريق منهم أخذوا بعد قتل عليّ رضي الله عنه 
وخلافة معاوية يطالبون بحقهم في الخلافة» ويشقون عصا الطاعة على 
الدولة الأموية» وهكذا كانت الأحداث السياسية سبباً في انقسام المسلمين 
إلى شيع وأحزاب» ومع الأسف أن هذا الانقسام اتخذ شكلا دينيا كان له 
أبلغ الأثر في قيام المذاهب الدينية في الإسلام» فلقد حاول كل حزب أن 
يؤيد موقفه بالقرآن وبالسنةء» وطبيعي ألا يكونا مع كل حزب يؤيدانه في كل 
ما يدعي» فعمل بعض الأحزاب على أن يتأولوا القرآن على غير حقيقتهء 
وأن يُحَمَلوا نصوص السنة ما لا تتحملهء وأن يضع بعضهم على لسان 
الرسول أحاديث تؤيد دعواهم» بعد أن عر عليهم مثل ذلك في القرآن 
لحفظه وتوفر المسلمين على روايته وتلاوته» ومن هنا کان وضع الحديث 
واختلاط الصحيح منه بالموضوع . 


اول معنلى طَرَقّه الؤضاع في الحديث هو فضائل الأشخاص› فقد 


۹۲ 


وضعوا الأحاديث الكثيرة في فضل أئمتهم ورؤساء أحزابهم» ويقال: إن 
أول من فعل ذلك الشيعة على اختلاف طوائفهم» كما قال ابن أبي الحديد 
في «شرح نهج البلاغة»: «اعلم أن أصل الكذب في أحاديث الفضائل جاء 
من جهة الشيعة. . . إل . وقد قابلهم جهلة أهل السنة بالوضع أيضاً . 


ليس من السهل علينا أن نتصور صحابة رسول الله ييا الذين فَدَوا 
الرسول بأرواحهم وأموالهم وهجروا في سبيل الإسلام أوطانهم وأقرباءهم. 
وامتزج حب الله وخوفه بدمائهم ولحومهم: أن نتصور هؤلاء الأصحاب 
يقدمون على الكذب على رسول الله بيه مهما كانت الدواعي إلى ذلك 
بعد أن استفاض عندهم قول حبيبهم ومنقذهم كَللِةِ: «إنَّ كذباً علىّ ليس 
کات فل اعا .ومن كديع غا خا فلضوا مقعة ره لقان" ولف 
دنا Ma aol e‏ 
وتقی يمنعهم من الافتراء على الله ورسوله أنهم كانوا على حرص شديد 
على الشريعة وأحكامها والذبٌ عنها وإبلاغها إلى الناس» كما تَلَقَّوْها عن 
رسوله» يتحملون في سبيل ذلك كل تضحية» ويخاصمون كل أمير أو 
خليفة أو أيّ رجل يرون فيه انحرافاً عن دين اللهء لا يخشون لوماًء ولا 
موتأًء ولا أذىء ولا اضطهادا. 


هذا عمر يخطب الناس فيقول: أيها الناس لا تغالوا فى مهور 
السا لر كان ذتك مكرنة عكد هه الكات أزلاكم يها رسو اه 
إلخ. . فتقوم إليه امرأة فتقول له على مسمع من الصحابة جميعاً: مهلا 
يا عمر! يعطينا الله وتحرمنا أنت؟ أليس يقول الله عز وجل: ##وَءَاتَيَسُمَ 
ِحَدَسْهَنَ قِنطارًا. . .# [النساء: ]٠١‏ فيقول عمر: (امرأة أصابت ورجل 
)١(‏ شرح نهج البلاغة .١74/7‏ 
(؟) حديث مشهور ادعى بعض العلماء أنه متواتر رواه سبعون صحابيأء وادعى غيرهم أكثر 


وقد خرجته كتب السنة كلها. 


۹۳ 


الا وها هو يجادل أبا بكر حين صمم على قتال أهل الردة ومانعى 
الزكاة» فلا يرى عمر قتالهم أخذاً بقوله كَلِةِ: «أمرت أن أقاتل الناس 
حتى يقولوا لا إله إلا اللهء فإذا قالوها فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم 
إلا بحقها وحسابهم على الله”''» فيقول أبو بكر: أليس يقول الرسول: 
إلا بحقها»؟ ومن حقها الزكاة. هذا مع أن عمر كان ول من بادر إلى 
مبايعة أبي بكر يوم السقيفة معترفاً له بالفضل والأولوية» ومع ذلك فلم 
يمنعه حبه وتقديره له من أن يجادله في أمر يرى ند الحق ويرى سق 
بكر خلافه. 

وهذا على يخالف عمر في أمره برجم الزانية الحبلى وينكر عليه 
بقوله: «لئن جعل الله عليها سبيلا فإنه لم يجعل لك على ما في بطنها 
سبيلا» فيرجع عمر ويقول: لولا على لهلك عمر. 


e: a A A a e e 


اا الحك ما اة الف ال وهيل قير نا كان يعمئلة وسول: الله 
صلى الله عليه وسلم. ظ 

وها هو ابن عمر ‏ كما يروي لنا الذهبي في «تذكرة الحفاظ» - يقوم - 
والحجاج يخطب - فيقول: (أي ابن عمر متكلماً عن الحجاج): عدو الله 
استحل حرم الله وخرب بيت الله وقتل أولياء الله» وروي عنه أن الحجاج 
خطب فقال: إن ابن الزبير بدّل كلام الله» فقال ابن عمر: كذبت لم يكن 
ابن الزبير يستطيع أن يبدل كلام الله ولا أنت. قال الحجاج: أنت شيخ 
خرفء» فقال ابن عمر: أما إنك لو عدت لعدتث. 


مثل هذه الأخبار ومئات أمثالها قد استفاضت بها كتب التاريخ» وهي 
)1( أخرج خبر خطبة عمر الإمام أحمد في مسنده » وأصحاب السنن من طريق محمد بن 


سيرين عن أبي العجفاء السلمي. أما خبر رد المرأة عليه فقد أخرجه أبو يعلى 
الموصلي في مسنده» وفه راو ضعيف» وله طرق اخرى منقطعة . 


2 أخر جه البخاري ومسلم عن اف هريرة . 


1 


تدل دلالة قاطعة على أن هؤلاء الصحابة كانوا من الجرأة في الحق والتفاني 
في الدفاع عما يعتقدون أنه حق» ومن تغليبهم الحق على كل صديق 
وصاحب وقريب» بحیث يستحیل علیهم أن یکذبوا على رسول الله لا 
تباعاً لهوى أو رغبة في دنياء إذ لا يكذب إلا الجبان» كما يستحيل عليهم 
أن يسکتوا عمن يكذب على رسول الله با وهم الذين لا يسكتون عن 
اجتهاد خاطئ يذهب إليه بعضهم بعد فكر وإمعان نظر. 

واسمع ما يقوله الصحابة أنفسهم في هذا الموضوع : 

أخرج البيهقي عن البراء: «ليس كلنا كان يسمع حديث النبي لاف 
كانت لنا ضيعة وأشخالء ولكن كان الناس لم يكونوا يكذبون فيحدث 
الشاهد الغائب» . 

وأخرج عن قتادة: أن أنساً حدّث بحديث فقال له رجل: أسمعتَ 
هذا من رسول الله يَلِِ؟ قال: نعمء أو حدثني من لم يكذبء والله ما كنا 
داه بول كنا درك ها الكل 

لا يبقى بعد هذا شك في أن الكذب لم يكن على عهد رسول الله 
من الصحابة ولا وقع منهم بعده. وأنهم كانوا محل الثقة فيما بينهم لا 
يكذب بعضهم بعضاء وكل ما كان بينهم من خلاف فقهي لا يتعدى 
اختلاف وجهات النظر في أمر ديني وكل منهم يطلب الحق وينشده. 

أما عصر التابعين فلا شك أن الكذب كان في عهد كبارهم أقل منه 
في عهد صغارهمء إذ كان احترام مقام رسول الله كَل وعامل التقوى 
والتدين أقوى في ذلك العصر منه في العصر الثاني» وأيضاً فقد كان 
الخلاف السياسي في أول عهده» فكانت البواعث على الوضع في الحديث 
ضيقة بالنسبة للعصور التالية» ويضاف إلى ذلك أن وجود الصحابة وكبار 
التابعين المشهورين بالعلم والدين والعدالة واليقظة» من شأنه أن يقضي على 
الكذابين ويفضح نواياهم ومؤآمراتهم. أو أن يحد نشاطهم في الكذب . 


0 


البواعث التى أدت إلى الوضع والبيئات التى نشأ فيها: 

قدمنا أن الخلافات السياسية التي ذرٌ قرنها بين المسلمين في أواخر 
خلافة عثمان» وفي اانه عاني» كانت سيا ارا ان وفع الحديف 
وقدمنا قول من قال: إن أول من تجرّأ على ذلك» هم الشيعة» فيكون 
العراق أول بيئة نشا فيها الوضع› وقد أشار إلى هذا أئمة الحديث حيث 
كان الزهري يقول: «يخرج الحديث من عندنا شبرا فيرجع إلينا من العراق 
ذراعا»“ وكان «مالك» يسمي العراق (دار الضرب) أي تضرب فيها 
الأحاديث وتخرج إلى الناس» كما تضرب الدراهم وتخرج للتعامل» وإذا 
كان السبب المباشر في وضع الحديث الخلافات السياسيةء فلا شك أنه 
حدث بعد ذلك أسباب أخرى كان لها أثر في اتساع دائرة الأخاديث 
الموضوعة» ونستطيع أن تُجمل فيما يلي جميع الأسباب التي أدت إلى 
الوضع في الحديث موجزين بذلك ما استطعنا : 


أولاً: الخلافات السياسية: 

ات الت ااا ف جا اكاب عل رل ا © 
كثرة وقلة» فالرافضة أكثر هذه الفرق كذباء سئل مالك عن الرافضة فقال: 
لا تكلمهم ولا تزو عنهم فإنهم يكذبون”'' ويقول شريك بن عبد الله 
القاضي» وقد كان معروفا بالتشيع مع الاعتدال فيه: «احمل عن كل من 
لقيت إلا الرافضة» فإنهم يضعون الحديث ويتخذونه دين" وقال حماد بن 
سلمة: حدثني شيخ لهم يعني الرافضة ‏ قال: كنا إذا اجتمعنا فاستحسنا 
شيعا جعلناه حديثا““ وقال الشافعي: «ما رأيت في أهل الأهواء قوماً أشهد 


بالزور من الرافضة» . 


. ابن عساكر مخطوط‎ )١( 

(۲) منهاج السئة 7/1 17. 

(۳) منهاج السنة أيضا. 

)٤(‏ منهاج السنة أيضا. 

(5) اختصار علوم الحديث لابن كثير ص9١٠١.‏ 


01 


ويستشهد أهل السنة لما وضعته الرافضة من الأحاديث بحديث: 
«الوصية في غدير خم» وخلاصته أن النبي كله في رجوعه من حجة الوداع 
جمع الصحابة في مكان يقال له «غدير خم» وأخذ بيد عليّ رضي الله عنه 
ووقف به على الصحابة جميعاً وهم يشهدون وقال: «هذا وصيي وأخي 
والخليفة من بعدي فاسمعوا له وأطيعوا». قال أهل السنة: إنه حديث 
مكذوب بلا شك» وضعته الرافضة وسيأتي بيان كذبه» ومن ذلك: «من أراد 
أن ينظر إلى آدم في علمه وإلى نوح في تقواه وإلى إبراهيم في حلمه وإلى 
موسى في هيبته وإلى عيسى في عبادته فلينظر إلى عليّ» و«آنا ميزان العلم» 
وعلئٌ كفتاه» والحسن والحسين خيوطه» وفاطمة علاقته» والأئمة منا عمود 
توزت افيه اعمال الي 0ا را ن لاا وف عا حب ل يضر 
معها سيئة» وبغضه سيئة لا ينفع معها حسنة» ومثل ما وضعوا في حق 
فاطمة رضي الله عنها «لما أسرى بالنبي أتاه جبريل بسفرجلة من الجنة 
فأكلهاء فعلقت السيدة خديجة بفاطمة» فكان إذا اشتاق إلى رائحة الجنة شم 
فاطمة». وأمارات الوضع ظاهرة على هذا الخبرء فإن فاطمة ولدت قبل 
الإسراء» كما أن خديجة ماتت قبل أن تفرض الصلاة» وقد كان فرضها ليلة 
الإسراء بالإجماع.. 

وكما وضعوا الأحاديث في فضل علي وآل البيت» وضعوا الأحاديث 
في ذم الصحابة وخاصة الشيخين وكبار الصحابة» حتى قال ابن أبي 
الحديد: «فأما الأمور المستبشعة التي تذكرها الشيعة من إرسال قنفذ إلى 
بيت فاطمة وأنه ضربها بالسوط فصار في عضدها كالدملج» وأن عمر 
ضغطها بين الباب والجدار» فصاحت: يا أبتاه وجعل في عنق علي حبلا 
يقاد به» وفاطمة خلفه تصرخ» وابناه الحسن والحسين يبكيان»» ثم أخذ ابن 
أبي الحديد في ذكر الكثير من المثالب» ثم قال: «فكل ذلك لا أصل له 
عند أصحابناء ولا يثبته أحد منهم. ولا رواه أهل الحديث ولا يعرفونهء 
وإنما هو شيء تنفرد الشيعة بنقله"'' وكذلك وضعوا الأحاديث في ذم 


(۱) شرح نهج البلاغة ١70/١‏ هذا مع العلم بأن ابن أبي الحديد شيعي معتزلي. 


۹۷ 


معاوية: (إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه» وفي ذم معاوية وعمرو بن 
العاص: «اللهم أركسهما في الفتنة ودُعَهما في النار دعَا». 

وهكذا أسرفت الرافضة في وضع الأحاديث بما يتفق مع أهوائهاء 
وبلغت من الكثرة حداً مزعجأًء حتى قال الخليلي في «الإرشاد»: «وضعت 
الرافضة في فضائل علي وأهل بيته نحو ثلاثمائة ألف حديث» ومع ما في 
قوله من المبالغة فإنه دليل على كثرة ما وضعوا من الأحاديث» ويكاد 
المسلم يقف مذهولاً من هذه الجرأة البالغة على رسول الله كَل لولا أن 
يعلم أن هؤلاء الرافضة أكثرهم من الفرس الذين تستروا بالتشيع لينقضوا 
عرى الإسلام» أو ممن أسلموا ولم يستطيعوا أن يتخلوا عن كل آثار ديانتهم 
القديمة» فانتقلوا إلى الإسلام بعقلية وثنية لا يهمها أن تكذب على صاحب 
الرسالة» لتؤيد حباً ثاوياً في أعماق. أفتدتهاء وهكذا يصنع الجهال والأطفال 
حين يحبون وحين يكرهون. 

وقد ضارعهم الجهلة من أهل السنةء فقابلوا ‏ مع الأسف ‏ الكذب 
بكذب مثله وإن كان أقل منه دائرة وأضيق نطاقاء ومن ذلك: ما في الجنة 
شجرة إلا مكتوب على ورقة منها لا إله إلا الله محمد رسول الله أبو بكر 
الصديق عمر الفاروق عثمان ذو النورين». 

كذلك قابلهم المتعصبون لمعاوية والأمويين فوضعوا أحاديث مثل 
قولهم: «الأمناء ثلاثة: أنا وجبريل» ومعاوية» «أنت مني يا معاوية وأنا 
منك» «لا أفتقد في الجنة إلا معاوية فيأتي آنفاً بعد وقت طويل» فأقول: من 
أين يا معاوية؟ فيقول: من عند ربى ا وأناجيه» فيقول: هذا بما نيل 
من عرضك في الدنيا» . 1 ا 

وكذلك فعل المؤيدون للعباسيين فوضعوا إزاء حديث وصاية علي 
المكذوب وصاية العباس ونسبوا إلى النبي قوله: «العباس وصيي ووارثي» 
زل س كلق" الكل الب حا اللحديك المكدومه الثالن أن الي 
ا ا :إذا كان بسنة کی وان وا ف للك واه اید 
والمنصور والمهدي» . 


۹۸ 


هل كان الخوارج يكذبون في الحديث؟: 

وقد ذكر العلماء هنا بأن أقل الفرق الإسلامية كذباً هي فرقة الخوارج 
رول كفن یکت الكبيرة على ما هو المشهور عنهم » أو مرتكبي الذنوب 
N ENE EUS‏ وقد 
كانوا من التقوى على جانب عظيم» ومع ذلك فلم يسلم بعض رؤسائهم 
من الكذب على الرسول» فقد روي عن شيخ لهم أنه قال : إن هذه 
الأحاديث دين فانظروا عمن تأخذون دينكم فإنا كنا إذا هوينا أمراً صيرناه 
حديثا"“ ويقول عبد الرحمن بن مهدي: إن الخوارج والزنادقة قد وضعوا 
هذا الحديث: «إذا أتاكم عني حديث فاعرضوه على كتاب الله فإن وافق 
كتاب الله فأنا قلته». . إلخ. 


هكذا قال الكاتبون في هذا الموضوع من القدامى والمحدثين» ولكني 
لم أعثر على حديث وضعه خارجي» وبحثت كثيرا في كتب الموضوعات› 
فلم أعثر على خارجي عد من الكذابين والوضاعين» أما النص السابق الذي 
يذكرونه عن شيخ للخوارج» فلا أدري من هو هذا الشيخ؟ وقد سبق مثل 
هذا التصريح يرويه حماد بن سلمة عن شيخ رافضي › فلماذا لا تكون نسبته 
إلى شيخ خارجي خطأ؟ خصوصاً ولم نعثر لهم على حديث واحد 
م 

أما قول عبد الرحمن بن مهدي عن حديث: «إذا أتاكم . . إلخ». إنه 
وضعته الزنادقة والخوارج› فلا آدري مدی صحته بالنسبة لابن مهدي؟ بل 
هو قول لا دليل عليه» إذ لم يذكر لنا من هو واضعهء ومتى تم هذا 
الوضع؟ ومما يؤكد شَّكنا في هذه النسبة أنه أضاف هذا الحديث أيضاً إلى 
الزنادقة» فكيف اتفق الخوارج والزنادقة على وضعه؟ هل وضعوه في وقت 
)١(‏ الفرق بين الفرق ص٥٤.‏ 
(؟) السيوطي في اللآلئ المصنوعة 545/7 نقلا عن ابن الجوزي في مقدمة كتابه 


الموضوعات . 


۹۹ 


واحد؟ أم سبق الخوارج إلى ذلك أم الزنادقة؟ على أن المنقول عن غير ابن 
مهدي لفظ «الزنادقة» فقط. قال شمس الحق العظيم آبادي : فأما ما رواه 
بعضهم أنه قال: «إذا جاءكم الحديث فاعرضوه على كتاب الله فإن وافق 
فخذلوه» فإنه حديث ا أصل د وقل حكى زكريا الساجى عن يحيى بن 
معين أنه قال: «هذا حديث وضعته الزنادقة» ونقل الفَتَئّى/'' عن الخطابي أنه 
قال أيضاً: «وضعته الزنادقة» وليس في هذين النصين ذكر للخوارج بحال. 
على أنه سيأتي معك أن بعضهم حكم على هذا الحديث بالضعف فقط. 
وسر ی هناك تمام البحث فيه . 


لقد حاولت أن أعثر على دليل علمي يؤيد نسبة الوضع إلى الخوارج» 
ولكني رأيت الأدلة العلمية على العكس» تنفي عنهم هذه التهمة» فقد كان 
الخوارج كما ذكرنا يكفرون مرتكب الكبيرة أو مرتكب الذنوب مطلقاًء 
الاك ا غي ل ا يشول» لتم 775 : 
«والخوارج في جميع أصنافها تبرأ من الكاذب ومن ذوي المعصية الظاهرة» 
وكانوا في جمهرتهم عرباً أقحاماً فلم يكن وسطهم بالوسط الذي يقبل 
الدسائس من الزنادقة والشعوبيين كما وقع ذلك للرافضة» وكانوا في العبادة 
على حظ عظيم شجعانا صرحاء لا يجاملون ولا يلجئون إلى التقية كما 
يفعل الشيعة. وقوم هذه صفاتهم يبعد جداً أن يقع منهم الكذب» ولو كانوا 
يستحلون الكذب على رسول الله 85د لاستحلوا الكذب على من دونه من 
الخلفاء والأمراء والطغاة كزياد والحجاج» وكل ما بين أيدينا من النصوص 
التاريخية يدل دلالة قاطعة على أنهم واجهوا الحكام والخلفاء والأمراء 
بمنتهى الصراحة والصدق فلماذا يكذبون بعد ذلك؟ 


)۲( تذكرة الموضوعات ص8١.‏ 
(۳) الكامل فى الأدب .٠١١/۲‏ 


على أنهم ممن وضعوا الحديث› وهذا ما لم أعثر عليه حتى الآن. كيف 
وقد قال أبو داود: «ليس في أهل الأهواء أصح حديثا من الخوارج» ويقول 
ابن تيمية: «ليس في أهل الأهواء أصدق ولا أعدل من الخوارج» ويقول 
عنهم أيضا: «ليسوا ممن يتعمدون الكذب بل هم معروفون بالصدق حتى 
يقال: إن حديثهم من أصح الحديث»'. 


ثانياً: الزندقة: 

ونعني بها هنا كراهية الإسلام ديناً ودولة» فقد اكتسحت دولة الإسلام 
عروشا وإمارات وزعامات كانت قائمة على تضليل الشعوب في عقائدهاء 
وإذلالها في كرامتهاء وتسخيرها للأهواء والمغانم الخسيسة» وقذفها في 
أتون الحرب التي كانت تثيرها رغبات الفتح والتوسع في نفوس الملوك 
والقواد» ورأى الناس في ظلال الإسلام كرامة للفرد» واحتراما للعقيدة» 
وتحريراً للعقل» وقضاء على الأوهام والأضاليل والشعوذة والتدجيل» فأقبلوا 
عليه يدخلون فيه أفواجاً أفواجاً. لقد كانت قوة الإسلام السياسية والعسكرية 
غالبة قاضية لم تبق لدى أولئك الزعماء والأمراء والقواد أملا ما في استعادة 
سلطانهم الزائل ومجدهم المنهارء فلم يجدوا أمامهم مجالا للانتقام من 
الإسلام إلا إفساد عقائده» وتشويه محاسنه» وتفريق صفوف أتباعه وجنوده. 
وكان التزيد في السنة أوسع ميادين الدس والإفساد لديهم» فجالوا فيه 
وصالواء متسترين بالتشيع أحياناًء وبالزهد والتصوف أحياناء وبالفلسفة 
والحكمة أحياناًء وفي كل ذلك إنما يتوخون إدخال الخلل في بناء ذلك 
الصرح الشامخ الذي أقامه محمد ية وقضى الله أن يظل أبد الدهر قائما 
سليماء يعارك الحوادث وترتد معاول الهدامين في أساسه إلى نحورهم خزايا 
نادمين . 

ومن أمثلة ما وضعوه ليفسدوا به الدين» ويشوهوا كرامته لدى العقلاء 
والمثقفين» ولينحدروا بعقيدة العامة إلى درجة من السخف تثير سخرية 


."31١/7 منهاج السنة‎ )١( 


الملحدين» مثل هذه الأحاديث المكذوبة الآتية: «ينزل ربنا عشية عرفة على 
جمل أورق يصافح الركبان ويعانق المشاة» «خلق الله الملائكة من شعر 
ذراعيه وصدره» «رأيت ربى ليس بينى وبينه حجاب فرأيت كل شىء منه 
حتى رأيت تاجاً مخوصاً من اللؤلؤة «إن الله اشتكت عيناه فعادته الملائكة) 
«إن الله لما أراد أن يخلق نفسه خلق الخيل وأجراها فعرقت فخلق نفسه 
منها» «إن الله لما خلق الحروف سجدت الباء ووقفت الألف» «النظر إلى 
الوجه الجميل عبادة» «الباذنجان شفاء من كل داء». 

وهكذا دس هؤلاء الزنادقة آلافاً من الأحاديث فى العقائد والأخلاق 
والطب والحلال والحرام» وقد أقر زنديق أمام االمهدي» بأنه وضع مائة 
حديث تجول في أيدي الناس» ولما فم عبد الكريم بن أبي العوجاء للقتل 
اعترف بأنه وضع أربعة آلاف حديث يحرم فيها الحلال ويحلل فيها الحرام» 
وقد لمس بعض خلفاء بني العباس ما وراء حركة الزنادقة من خطر على 
كيان الإسلام السياسي» فتعقبوهم قتلا وتشتيتاًء وأشهر من أعمل في رقابهم 
سيف التأديب الخليفة المهدي الذي أنشأ ديواناً خاصا للزندقة» تتبع فيه 
أوكارهم ورؤساءهم من شعراء وأدباء وعلماء ومن أشهر هؤلاء الزنادقة 
الوضاعين: عبد الكريم بن أبي العوجاءء قتله محمد بن سليمان بن علي 
أمير البصرة» وبيان بن سمعان المهدي قتله خالد بن عبد الله القسري»› 
ومحمد بن سعيد المصلوب قتله أبو جعفر المنصور. 
ثالثاً: العصبية للجنس والقبيلة واللغة واليلد والإمام: 

كما وضع الشعوبيون حديث: (إن الله إذا غضب أنزل الوحي بالعربية 
وإذا رضي أنزل الوحي بالفارسية» فقابلهم جهلة العرب بالمثل فقالوا: 
«إن الله إذا غضب أنزل الوحي بالفارسية وإذا رضي أنزل الوحي بالعربية» 
وكما وضع المتعصبون لأبي حنيفة حديث: «سيكون رجل في أمتي يقال له 
أبو حنيفة النعمان هو سراج أمتى» وضع المتعصبون على الشافعي: «سيكون 
في أمتي رجل يقال له محمد بن إدريس هو أضر على أمتي من إبليس» 
ومثل هذا يقال في الأحاديث الموضوعة في فضائل بعض البلدان والقبائل 


۰۲ 


والأزمنةء» وقد بينها العلماء وميزوها من الأحاديث الصحيحة في هذا 
الموضوع . 


رابعاً: القصص والوعظ: 

فقد تولى مهمة الوعظ قصاص أكثرهم لا يخافون الله» ولا يهمهم سوى 
56 التي الل a‏ 5 الثاني القصاص 
فإنهم يميلون وحه العوا م إليهمء ويشيدون ما عندهم الاک وال كاذب من 
الأحاديث» ومن شأن العوام القعود عند القاص ما كان حديثه عجيباً خارجاً عن 
نظر العقول› أو كان رقيقاً درن القلب» فإدا ذكر الجنة قال : فيها الحوراء من 
سك أو :زغفروان: وعجيزتها ميل في ميل › ويبوئ الله وليه قصرا من لؤلؤة 
بيضاء فيها سبعون ألف مقصورة» في كل مقصورة سبعون ألف قبة فلا يزال 
هكذا في السبعین ألفاً لا ي e‏ 

ومن أمثلة هذا القسم: «من قال لا إله إلا الله خلق الله من كل كلمة 
طيراً منقاره من ذهب وريشه من مرجان» ومن عجيب أمر هؤلاء القصاص 
جرأتهم على الكذب ووقاحتهم فيه؛ فقد صلى أحمد بن حنبل ويحيى بن 
ويحيى بن معين» قالا: حدثنا تل الرزاق عن فتادة عن انش قال : قال 
ورقة» فجعل اعد ينظر إلى يحيى» ويحيى ينظر إلى اخ ا ا 
حدثت بهذا؟ فقال: والله ما سمعت بهذا إلا الساعة» فلما انتهى أشار له 
يحبى فجاء متوهماً نوالً» فقال له يحيى: من حدثك بهذا؟ قال: أحمد بن 
بهذا قط فى حديث رسول اللّه . فإن كان ولا بد فعلى غيرنا . فقال القاص : 





.١ الحديث ص07‎ E EE تأويل‎ 000) 


لم أزل أسمع أن يحيى بن معين أحمق ما تحققته إلا الساعة. فقال له 


ومن المؤسف أن هؤلاء القصاص - على جهلهم وجرأتهم في الكذب 
على الله ورسوله ‏ قد لقوا من العامة آذاناً صاغية ولقي العلماء منهم عنتاً 
كبيراً حتى ليروي السيوطي في «تحذير الخواص من أكاذيب القصاص»: أن 
أحد هؤلاء القصاص جلس ببغداد» فروى تفسير قوله تعالى: #عَمَىَ أن 
و مقاما مود [الإسراء: ۷۹] وزعم أن النبي ييا يجلس مع الله 
على عرشه فبلغ ذلك محمد بن جرير الطبري فغضب من ذلك» وبالغ في 
إنكاره؛ وكتب على باب داره «سبحان من ليس له أنيس» ولا له على 
عرشه جليس» فثارت عليه عوام بغداد ورجموا بيته بالحجارة حتى استد بابه 
بالحجارة وعلت عليه" . 


خامسا: الخلافات الفقهية والكلامية: 

فقد نزع الجهال والفسقة من أتباع المذاهب الفقهية والكلامية إلى تأييد 
مذهبهم بأحاديث مكذوبة. من ذلك: «من رفع يديه في الصلاة فلا صلاة 
له» «المضمضة والاستنشاق للجنب ثلاثا فريضة» «أمّني جبريل عند الكعبة 
فجهر ب: بسم الله الرحمن الرحيم) من قال: «القرآن مخلوق فقد كفر») «كل 
من في السماوات والأرض وما بينهما فهو مخلوق غير الله والقرآن. 
وسيجيء أقوام من أمتي يقولون: القرآن مخلوق فمن قال ذلك فقد كفر بالله 
العظيم وطلقت منه امرأته من ساعتها». 


سادساً: الجهل بالدين مع الرغبة في الخير: 


. تحذير الخواص من أكاذيب القصاص للسيوطي‎ )١( 
.009/7 (؟) الإسلام والحضارة‎ 


وضعهم للأحاديث في الترغيب والترهيب» ظنأ منهم أنهم يتقربون إلى الله 
ويخدمون دين الإسلام. ويحببون الناس في العبادات والطاعات» ولما أنكر 
العلماء عليهم ذلك وذكروهم بقوله كلِ: «من كذب عليّ متعمداً فليتبوأ 
مقعده من النار» قالوا: نحن نكذب له ية لا عليه» وهذا كله من الجهل 
بالدين وغلبة الهوى والغفلةء ومن أمثلة ما وضعوه في هذا السبيل. حديث 
فضائل القرآن سورة سورة» فقد اعترف بوضعه نوح ابن أبي مريم: واعتذر ‏ 
لذلك بأنه رأى الناس قد أعرضوا عن القرآن واشتغلوا بفقه أبي حنيفة ومغازي . 
ابن إسحاق» ومن هؤلاء الوضاعين غلام خليل» وقد كان زاهداً متخلياً عن 
الدنيا وشهواتهاء منقطعا إلى العبادة والتقوى» محبوبا من العامة» حتى إن 
بغداد أغلقت أسواقها يوم وفاته حزناً عليه» ومع ذلك فقد زين له الشيطانِ 
وضع أحاديث في فضائل الأذكار والأوراد حتى قيل له: هذه الأحاديث التي 
تحدّث بها من الرقائق؟ فقال: وضعناها لنرقق بها قلوب العامة . 


سابعا: التقرب للملوك والأمراء بما يوافق أهواءهم: 

ومن أمثلة ذلك ما فعله غياث بن إبراهيم» إذ دخل على المهدي وهو 
يلعب بالخمام فروى له الحديث المشهور: «لا سبق إلا في نصل أو خف 
أو حافر»"“ وزاد فيه: «أو جناح؟ إرضاء للمهدي» فمنحه المهدي عشرة 
آلاف درهم» ثم ئل أن ولي اهو كناك اننا ااب على 
رسول الله ياء وأمر بذبح الحمام». 

وهنالك أسباب أخرى للوضع كالرغبة في الإتيان بغريب الحديث من 
متن وإسناد»ء والانتصار للفتياء والانتقام من فئة معينة» والترويج لنوع من 
المآكل أو الطيب أو الثياب» وقد توسع العلماء في ذكرها وضربوا لها 
الأمثال. 

ونتيجة لما ذكرناه من بواعث الوضع» نذكر فيما يلي أشهر أصناف 
الوضاعين وهم: 


)١(‏ أخرجه الإمام أحمد وأصحاب السنن الأربعة» ورواه الشافعي والحاكم وصححه. 


1۰0 


١‏ - الزنادقة ۲ - أرباب الأهواء والبدع 7 الشعوبيون 4 المتعصبون 
لجنس أو بلد أو إمام 5 المتعصبون للمذاهب الفقهية مع جهل وقلة دين 
- القصاص ۷ - الزهاد والمغفلون من الصالحين ۸ - المتملقون للملوك 
والطالبون الزلفى لفى إليهم 4 المتطفلون على الحديث ممن يفاخرون بعُلوٌ 
الإسناد وغريب الحديث. 

ولا بد لي في ختام هذا البحث من إبداء ملاحظةء كثيراً ما ترددت 
على الخاطرء ثم قويت أثناء كتابة هذا الفصل» وهي ما كان لتساهل 
الخلفاء والأمراء مع الوضاعين من أثر سيئ جرّ على الدين كثيراً من البلا 
ولو وقفوا منهم موقف الجدء وقضوا على رؤسائهم» كما هو حكم الله في 
مثل هذه الحالة» لما انتشرت هذا الانتشارء بل رأينا مع الأسف أن خليفة 
0 رغماً عن اعترافه بكذب غياث بن إبراهيم وزيادته في الحديث 

تقرباً إلى هواهء كافأه بعشرة آلاف درهم. . . وما تقوله الرواية من أنه أمر 
2 الحمام لأنه كان 057 في هذه الكذبة. فهو مدعاة للعجب... إذ كان 
خيراً للمهدي أن يؤدب هذا الكاذب ر ويترك الحمام من غير ذبح» 
يدلا من أن يذبح الحمام ويترك من يستحق الموت حراً طليقاً ينعم بمال 
المسلمين» بل نحن نرى للمهدي مان كن وهو «مقاتل 
ابن سليمان البلخي» فقد قال له مقاتل: «إن شئت وضعت لك أحاديث فى 
العباس وبنيه» فقال له المهدي : لا حاجة لي فيها... E‏ 
ا بل نجد أنهم ذكروا عن الرشيد وقد روى له أبو البختري الكذاب 
حديثاً مكذوباً أن النبي كان يطير الحمام! لا يزيد في تأنيب أبي البختري - 
وقد أدرك كذبه ‏ على أن يقول له: «اخرج عنيء لولا أنك من قريش 
لعزلتك» وقد كان هذا الكذاب قاضياً للرشيد... إن هذه المواقف مما 
يحاسب الله عليها هؤلاء الخلفاء إن صحت عنهم تلك الروايات» وإذا كنا 
نذكر لهم فضل تعقبهم للزنادقة الذين أفسدوا دين الإسلام» فإننا لا نتكر أن 
من الدوافع التي حملتهم على تعقبهم بالقتل هو أنهم كانوا خارجين على 
حكمهم بدليل أننا لم نرهم فعلوا بالكذابين والوضاعين الذين تقربوا إليهم 
بالكذب على رسول الله إرضاء لأهوائهم» عشر ما فعلوه مع الخارجين على 


۱۹٦ 


حكمهم. ولقد كان القصاص يملأون المساجد بأكاذيبهم على مسمع من 
الأمراء والملوك. وكان الكذابون من الزهاد وغيرهم يسرحون ويمرحون دون 
أن يجدوا من يضرب على أيديهم ويوقفهم عند حدهم› ولولا أن هيأ الله 
لدينه العلماء الأثبات والأئمة الحفاظ في كل مصر وعصرهء يَذَّبُونَ عن 
شريعة الله تحريف المحرفين» ويجردون سنة رسول الله من كل ما خالطها 
من دس وتحريف» لكانت المصيبة شاملة» ولكانت معالم الحق في دين الله 
مدروسة مطموسةء لا نستطيع أن نهتدي إليها إلا بشق الأنفسء وهيهات أن 
نصل إلى لباب الحق لولا نهضة السلف الجبارة التي قاوموا بها الوضع 
والوضاعين» وحفظوا بها حديث رسول الله من الكذب والكذابين إلى يوم 
الدين . 








E E) 
يود ا لعماءلمقاومة حَرَكَة الوضع‎ 5 


٠ 
>» 





لا يستطيع من يدرس موقف العلماء ‏ منذ عصر الصحابة إلى أن تم 
تدوين السنة ‏ من الوضع والوضاعين وجهودهم في سبيل السنة وتمييز 
صحيحها من فاسدهاء إلا أن يحكم بأن الجهد الذي بذلوه في ذلك لا 
مزيد عليه» وأن الطرق التي سلكوها هي أقوم الطرق العلمية للنقد 
والتمحيص» حتى لنستطيع أن نجزم بأن علماءنا رحمهم الله هم أول من 
وضعوا قواعد النقد العلمي الدقيق للأخبار والمرويات بين أمم الأرض 
كلهاء وأن جهدهم في ذلك جهد تفاخر به الأجيال وتتيه به على الأمم. 
وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم. 

وإليك بيان الخطوات التي سّاروها في سبيل النقد حتى أنقذوا السنة 
مما دُبّر لها من كيدء ونظفوها مما علق بها من أوحال. 

أولاً: إسناد الحديث: لم يكن صحابة رسول الله كل بعد وفاته يشك 
بعضهم في بعض كما رأيت» ولم يكن التابعون يتوقفون عن قبول أي 
حديث يرويه صحابي عن رسول الله» حتى وقعت الفتنة وقام اليهودي 
الخاسر عبد الله بن سبأ بدعوته الآثمة التى بناها على فكرة التشيع الغالي 
اف فا ری اھ عه رات ا عل ال برو قفر ب 
عصر» عندئد اال من الصحابة والتابعين يتحرون في نقل الأحاديث 
ولا يقبلون منها إلا ما عرفوا طريقها ورواتهاء واطمأنوا إلى ثقتهم 
وعدالتهم. يقول ابن سيرين فيما يرويه عنه الإمام مسلم في مقدمة 
(اصحيحه): «لم يكونوا يسألون عن الإسنادء فلما وقعت الفتنة قالوا: سَمُوا 
لنا رجالكم». فينظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم» وينظر إلى أهل البدع 


١٠١ 


فاا يؤخذ حديثهم) وقد ابتدأ هذا الا منذ عهد صغار الصحابة الدين 
تأخرت وفاتهم عن زمن الفتنة» فقد روى مسلم في مقدمة (صحيحه» عن 
رسول الله كلِ كذاء وقال رسول الله كل كذا فجعل ابن عباس لا يأذن 
لحديثه ولا ينظر إليه. فقال: يا ابن عباس ما لي أراك لا تسمع لحديثي» 
أحدثك عن رسول الله كَل ولا تسمع؟ فقال ابن عباس: إنا كنا مرة إذا 
سمعنا رجلا يقول: قال رسول الله ابتدرته أبصارنا وأصغينا إليه باذانناء فلما 
التابعون فى المطالبة بالإسناد حين فشا الكذب يقول أبو العالية: «كنا نسمع 
الحديث من الصحابة فلا نرضى حتى نركب إليهم فنسمعه منهما ويقول ابن 
المبارك: «الإسناد من الدين» ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء» ويقول 
ابن المبارك أيضاً: «بيننا وبين القوم القوائم» يعني الإسناد”'' . 


ثانياً: التوثق من الأحاديث وذلك بالرجوع إلى الصحابة والتابعين 
وأئمة هذا الفن» فلقد كان من عناية الله بسنة نبيه أن مد في أعمار عدد من 
أقطاب الصحابة وفقهائهم ليكونوا مرجعاً يهتدي الناس بهديهم» فلما وقع 
الكذب لجأ الناس إلى هؤلاء الصحابة يسألونهم ما عندهم أولاء ويستفتونهم. 
فيما يسمعونه من أحاديث وآثار. روى مسلم في مقدمة «صحيحه» عن ابن 
أبي مليكة قال: «كتبت إلى ابن عباس أن يكتب لي كتابا ويخفي عني 
فقال : ولد ناصح أنا أختار له« الأمون اعتشارا وأخفي عن قال فدعا بقضاء 
على فجعل يكتب منه أشياء ويمر بالشيء فيقول: والله ما قضى بهذا علي 
إلا أن يكون قد ضل» ولهذا الغرض أنه كثرت رحلات التابعين بل بعض 
الضنفابة ايشا من مضير :إلى امن السديعوا الأحافية الفا من الزواة: الثقاة 
وقد تقدم لك سفر جابر بن عبد الله إلى الشام» وأبي أيوب إلى مصر 
لسماع اليه ورل سا ن الست إلى اكنت: لاير اللبالي. والاياء 


.٠١/١ مقدمة صحيح مسلم‎ )١( 


في طلب الحديث الواحد''؟ وحدث الشعبي مرة بحديث عن النبي ييه ثم 
قال لمن حدثه به: «خذها بغير شيء قد كان الرجل يرحل فيما دونها إلى 
المدينة»”"' ويقول بشر بن عبد الله الحضرمي: «إن كنت لأركب إلى المصر 
من الأمصار في طلب الحديث الواحد لأسمعه»". 


ثالثاً: نقد الرواة» وبيان حالهم من صدق أو كذب» وهذا باب عظيم 
وصل منه العلماء إلى تمييز الصحيح من المكذوب والقوي من الضعيف. 
وقد أبلوا فيه بلاءَ حسناًء وتتبعوا الرواة ودرسوا حياتهم وتاريخهم وسيرتهم 
وما خفي من أمرهم وما ظهرء ولم تأخذهم في الله لومة لائمء ولا منعهم 
عن تجريح الرواة والتشهير بهم ورع ولا حرج. قيل ليحيى بن سعيد 
القطان: «أما تخشى أن يكون هؤلاء الذين تركت حديثهم خصماءك عند الله 
يوم القيامة؟ فقال: لأن يكون هؤلاء خصمي أحب إليّ من أن يكون 
خصمي رسول الله ييه يقول: لِم لم تذب الكذب عن حديثي؟1. 


وقد وضعوا لذلك قواعد ساروا عليها فيمن يؤخذ منه ومن لا يؤخذء 


0 أهم أا المتروكين الذين لا يؤخذ حديثهم . 


يؤخذ حديث من كذب على النبي» كما أجمعوا على أنه من أكبر الكبائر 
واختلفوا في كفره: فقال به جماعة» وقال آخرون بوجوب قتله .واختلفوا في 
توبته هل تقبل أم لا؟ فرأى أحمد بن حنبل وأبو بكر الحميدي شيخ 
البخاري أنه لا تقبل توبته أبدأء واختار النووي القطع بصحة توبته وقبول 
روايته كشهادته» وحاله كحال الكافر إذا أسلم. وذهب أبو المظفر السمعاني 


.45/١ جامع بيان العلم‎ )١( 
۹۲/١ (؟): شن المصدر‎ 
.٠١/١ المصدر السابق‎ )۳( 


۲ - الكذابون في أحاديثهم العامة: ولو لم يكذبوا على الرسول ما 
وقد اتفقوا على أن من عرف عنه الكذب ولو مرة واحدة ترك حديثه» قال 
نالك رعمة: 4 :الآ ااا غو اد رل ان اله وة كان 
أروى الناس» ورجل يكذب في أحادية القامن وان ك ل امان 
يكذب على رسول الله يله وصاحب هوى يدعو الناس إلى هواه» وشيخ 
له فضل وعبادة إذا كان لا يعرف ما يحدث بها. 

أما إذا تاب من كذبه وعرفت عدالته بعد ذلك» فالجمهور على قبول 
توبته وخبره» وخالف أبو بكر الصيرفي فقال: كل من أسقطنا خبره من آهل 
النقل بكذب وجدناه عليه لم نعد لقبوله بتوبة تظهر. 

“' - أصحاب البدع والأهواء: وكذلك اتفقوا على أنه لا يقبل حديث 
صاحب البدعة إذا كفر ببدعته» وكذا إذا استحل الكذب وإن لم يكفر 
ببدعته» أما إذا لم يستحل الكذب فهل يقبل أم لا؟ أو يرق بين كونه داعية 
أو غير داعية؟ قال الحافظ ابن كثير: «في ذلك نزاع قديم وحديث» والذي. 
غليه الأكقروة العقضها: سن القاضية غير" ونه كی فن ا 
الشافعي» eng NNE es‏ 
أئمتنا قاطبةء لا أعلم بينهم خلافاً. ويظهر أن هذا ليس موضع اتفاق كما 
ادّعى ابن حبان» فقد أخرج البخاري لعمران بن حطان الخارجي مادح 
عبد الرحمن بن ملجم وقد كان من أكبر الدعاة إلى رأي الخوارج» وأيضا 
فقد قال الشافعي: أقبل شهادة أهل الأهواء إلا الخطابية من الرافضة» لأنهم 
يرون الشهادة بالزور لموافقيهه”'". وقد نقل الإمام عبد القادر البغدادي في 
كتابه : «الفرق بين الفرق» أن الشافعى عدل أخيراً عن رأيه فى قبول شهادة 
أهل الأهواء وزاد في الاستثناء ال والذي يظهر لي انيب يرفضون 
رواية المبتدع إذا روى ما يوافق بدعتهء أو كان من طائفة عرفت بإباحة 


. فالداعية إلى بدعته لا تقبل روايته: وغير الداعية تقبل‎ )١( 
١ اختصار علوم الحديث ضن 7غ‎ )۲( 
۰۲ الفرق بين الفرق جن‎ (۳) 


١١١ 


الكذب ووضع الحديث في سبيل أهوائهاء ولهذا رفضوا رواية الرافضة“ 
وقبلوا رواية بعض الشيعة الذين عرفوا بالصدق والأمانة» كما قبلوا رواية 
المبتدع إذا كان هو أو جماعته لا يستحلون الكذب كاعمران بن حطان». 

؟ - الزنادقة» والفساق. والمغفلون الذين لا يفهمون ما يحدثونء 
وكل من لا تتوفر فيهم صفات الضبط والعدالة والفهمء قال الحافظ ابن 
كثير: «المقبول الثقة الضابط لما يرويهء وهو المسلم العاقل البالغ سالماً من 
أسباب الفسق وخوارم المروءة» وأن يكون مع ذلك متيقظاً غير مغفل. 
حافظاً إن حَدّث من حفظه؛ فاهماً إن حدث عن المعنى» فإن اختل شرط 
میا د کنا ردت روا . ظ 

والرواة الذين يتوقف في قبول روايتهم أصناف» من أهمهم : 
| من اختلف في تجريحه وتعديله. 
۲ - من كثر خطؤه وخالف الأئمة الثقات في مروياتهم. 
٣‏ - من کثر نسیانه. 
٤‏ - من اختلط آخر عمره. 
۵ - من ساء حفظه. 
بع .قن “كان يأخذ عن الثقات والضعفاء ولا يتحرى . 

راا وضع قواعد عامة لتقسيم الحديث وتمييزه: وذلك أنهم قسموا 
الحديث إلى ثلاثة أقسام: صحيح» وحسن» وضعيف . 

حد الصحيح: أما الصحيح فهو ما اتصل سنده بنقل العدل الضابط 
عن مثله حتى ينتهي إلى رسول الله یاف أو إلى منتهاه من صحابي أو من 
دونه» ولا يكون ادا ول مردوداً ولا معللا بعلة اد واحترزوا باتصال 


)١(‏ يقول يزيد بن هارون: نكتب عن كل صاحب بدعة إذا لم يكن داعية إلا الرافضة 
فإنهم يكذبون. منهاج السنة .٠١/١‏ 

(؟) اختصار علوم الحديث ص۸٠.‏ 

(۳) اختصار علوم الحديث ص"1. 


1۲ 


السند عن انقطاع سلسلته فإن سقط منه الصحابي كان مرسلاء وهو عند جمهور 
ا ونازل عن مرتبة الصحيح وفيه خلاف بين الفقهاء . 


الحسن: واختلفوا في حد الحسن لأنه كما قال الشيخ ابن الصلاح: 
نما "كان وسطا: بين الصحيح والضعيف في نظر الناظر لا في نفس الآمرء 
ل نه له رن كد ين اذل هه المنامة وذلك لأنه أمر 
نسبيّ » شيء ينقدح عند الحافظ ربما تقصر عنه عبارته» ثم اختار التعبير عنه 
بقوله: «الحديث الحسن قسمان: (أحدهما) الحديث الذي لا يخلو رجال 
إسناده من مستور لم تتحقق أهليته غير أنه ليس مغفلا كثير الخطأء ولا هو 
متهم بالكذب» ويكون متن الحديث قد روي مثله أو نحوه من وجه آخر» 
(الثاني) أن يكون راويه من المشهورين بالصدق والأمانة ولم يبلغ درجة 
رجال لصحا اليد والإتقان ول تعن ما مره يه كرا ولا يكون 
الف شاذاً ولا عل ) 


هذا وم 3 قدماء 0 في القرن الأول والثاني قد ۰ 
ف E‏ والبخاري › لم اشتهر بعد ذلك . 
تجتمع فيه صفات الصحيح ول عاك الخ هة رتد س اعفار .مقا 
الضعف فيه إما فى سنده» أو ف مده 

فمن أنواعه (المرسل) وهو ما رفعه التابعي إلى النبي ب من غير ذكر 
الصحابى . وفى حجيته خلاف بين الفقهاء. أما المحدثون فقد اتفقت آراؤهم 
على ألا يعمل بهء قال الإمام مسلم في مقدمة «صحيحه»: (إن المرسل في 
أصل قولنا وقول أهل العلم بالأخبار ليس بحجة» وقال الشيخ الحافظ أبو 
عمرو ابن الصلاح : (وما ذكرناه من سقوط الاحتجاج بالمرسل والحكم 
بضعمه. هو الذي استقر عليه آراء جماعة حفاظ الحديث ونقاد الات 





. اختصار علوم الحديث ص۲۸‎ )1١( 


IT 


وتداولوه في تصانيفهم» ولا شك أن هذا مبلغ الاحتياط في دين الله وحفظ 
سنة رسولهء فإنهم مع اتفاقهم على عدالة الصحابة اتفقوا على ضعف 
المرسل . مع أنه لم يسقط منه إلا الصحابي› واحتمال أن يكون الصحابي 
قد رواه عن تابعي احتمال ضعيف جداً لم يقع» ولو وقع لبيّنه الصحابي 00 
فإذا كان التابعي الثقة أسقط الصحابي وهم كلهم عدولء فما الذي يضير 
الحديث؟ ولكنه الضبط والاحتياط اللذان عرف بهما علماء هذه الأمة. 

ومن أنواع الضعيف (المنقطع) وهو أن يسقط من الإسناد رجل (غير 
الصحابي) أو يذكر فيه رجل مبهم. 

ومنه (المعضل) وهو ما سقظ من سنده اثنان فصاعداًء» ومنه ما يرسله 
تابع التابعي عن الرسول صلى الله عليه وسلم. 

ومنه (الشاذ) وقد عرفه الشافعي بأن يروي الثقة حديثاً يخالف ما روى 
الناس فهذا يتوقف فيه» وعرفه حفاظ الحديث: بأنه ما ليس له إلا إسناد 
واحد يشذ به ثقة أو غير ثقة» فيتوقف فيما شذ به الثقة ولا يحتح به» ويرد 
ما شذ به غير الثقة» ولكن تعريف الشافعي أولى لأنه يلزم على التعريف 
الثاني التوقف في أحاديث كثيرة لا يرويها إلا راو واحد من الثقات» كيف 
وقد قال مسلم: للزهري تسعون حرفا لا يرويها غيره؟ 
- ومنه (المنكر) وهو ما شذ به الراوي الذي ليس بعدل ولا ضابط فإنه 
يرد ولا يقبل . 

ومنه (المضطرب) وهو أن تختلف روايات الحديث فى متنه أو سنده 
ولا يمكن ترجيح إحداها على الباقية لاستوائها جميعا في الصحة ورواية 
الثقات» وهو ضعيف إلا أنه إذا كان الاختلاف في اسم راو أو اسم أبيه أو 
نسبته مثلا ويكون الراوي ثقة» فعندئذ يحكم للحديث بالصحة . 


)١(‏ بقى احتمال أن يكون التابعى قد رواه عن تابعى مثله أسنده إلى الرسولء وهذا 
الاحتمال ‏ على قلته ‏ لا يؤثرء لأن التابعي الثقة لا يروي عن رسول الله حديثاً إلا 
أن يكون قد سمعه من صحابي. 


١١ 





وضع ر عَلامارث 





وكما وضع العلماء القواعد لمعرفة الصحيح والحسن والضعيف من 
أقسام الحديث» وضعوا قواعد لمعرفة الموضوع وذكروا له علامات يعرف 
بهاء وقد ذكرنا من قبل أصناف الوضاعين والأسباب الحاملة على ذلك 
ونذكر الآن العلاماث التي تدل على الوضع ونقسمها إلى قسمين: علامات 
فى السند وعلامات فى المتن . 
علامات الوضع فى السند: 

وهي كثيرة من أهمها: 

١‏ - أن يكون راويه كذاباً معروفاً بالكذب» ولا يرويه مه عیره» وقد 
عنوا بمعرفة الكذابين وتواريخهم وتتبعوا ما كذبوا فيه بحيث لم يفلت منهم 
أحد . 
مريم بوضعه أحاديث فضائل السورء وكما اعترف عبد الكريم بن أبي 
العوجاء بوضع أربعة آلاف حديث ») يحرم فيها الحلال» ويحلل فيها 
الحرام . 

۳ أن يروي الراوي عن شيخ لم يثبت لقياه له أو ولد بعد وفاته. 
ا لم يدخل المكان الذي اذغ شتماغة فيه كما ادع مامرن بن أجمد 
الهروي أنه س من هشام بن عمار»› فسأله الحافظ ابن حبال : متی دخلت 
الشام؟ قال: سنة خمسين ومائتين» قال ابن حبان: فإن هشاماً الذي تروي 
عة مات ستة مسن وأربعين ومائتين» وكما حدث عبد الله بن إسحاق 


١ ١6 


الكرمانى عن محمد بن أبي يعقوب» فقيل له: مات محمد قبل أن تولد 
سن وكما حدث محمد بن حاتم الكشي عن عبد بن حميد فقال 
الحاكم أبو عبد الله : عدا لضم مع من فد ير ميك ER‏ 
عشرة سنة» وفي مقدمة مسلم: أن المعلى بن عرفان قال: حدثنا أبو وائل» 
قال: خرج علينا ابن مسعود بصفين» وقال أبو نعيم يعني الفضل بن دكين 
حاكيه كن المعلى: أتزاة بحت ية امرف رلك لان ابن مدد توني 
سنة اتنتيخ أو ثلاثة وثلاثين قبل انقضاء ء خلافة عثمان بثلائة سنين» ولا شك 
أن العميدة ة في مثل هذه الحالة على التاريخ» تاريخ مواليد الرواة وإقامتهم 
ورحلاتهم وشيوخهم ووفاتهم» ولذلك كان علم الطبقات علماً قائماً بذاته لا 
يستغنى عنه نقاد الحديث» قال حفص بن غياث القاضي: إذا اتهمتم الشيخ 


ا الکن بيعش مه روسن .عع کی عه رتال ما رر الها 
استعمل الرواة الكذب استعملنا لهم التواريخ. 

٤‏ - وقد يستفاد الوضع من حال الراوي وبواعثه النفسية» مثل ما 
أخرجه الحاكم عن سيف بن عمر التميمي أنه قال: كنا عند سعد بن طريف 
فجاء ابنه من الكتاب يبكي فقال: ما لك؟ قال: ضربني المعلمء فقال 
سعد: لأخزينهم اليوم» حدثني عكرمة عن ابن عباس مرفوعاً: «معلمو 
صبيانكم شراركم» أقلهم رحمة لليتيم وأغلظهم على المسكين» ومثل 
حديث : اا فإن واضعه محمد بن الحجاج النخعي» كان 

يبيع الهريسة . 


علامات الوضع في المتن: 

أما علامات الوضع في المتن فهي كثيرة أهمها : 

١‏ ركاكة اللفظ: بحيث يدرك العليم بأسرار البيان العربي أن مثل 
بسي ع وا وري اس ا وا 0 ع ا 
قال الحافظ ابن حجر: «ومحل هذا إن وقع التصريح بأنه من لفظ 
النبي بي قال ابن دقيق العيد: كثيراً ما يحكمون بذلك» أي بالوضعء 
باعتبار أمور ترجع إلى المروي» وحاصله أنهم لكثرة ممارستهم لألفاظ 


١١5 


الحديث حصلت لهم هيئة نفسانية وملكة قوية يعرفون بها ما يجوز أن يكون 
من ألفاظ النبي وما لا يجوز. قال البلقيني: وشاهد هذا أن إنسانا لو خدم 
إنساناً سنين وعرف ما يحب وما يكره فادّعى إنسان أنه كان يكره شيئاً يعلم 
ذلك أنه يحبه فيمجرد سماعه يبادر إلى تكذيبه . 

" - فساد المعتى : بأن يكون الحديث مخالفا لبدهيات العقول من غير 
أن يمكن تأويله مثل: «أن سفينة نوح طافت بالبيت سبعاً وصلّت عند المقام 
ركعتين» أو أن يكون مخالفاً للقواعد العامة في الحكم والأخلاق مثل: «جور 
الترك ولا عدل العرب» أو داعيا إلى الشهوة والمفسدة مثل : «النظر إلى الوجه 
ال ا ا اا وا اي 
مولود لله e‏ أو مخالفاً لقواعد الطب المتفق عليها مثل : «الباذنجان 
شفاء من كل داء» أو مخالفأ لما يوجبه العقل لله من تنزيه وكمال» نحو: 
«إن الله خلق “الفرس فأجراها فعرقت فخلق نفسه منها» أو يكون مخالفاً 
لقطعيات التاريخ أو سنة الله في الكون والإنسان» مثل حديث: عوج بن عنق 
وأن طوله ثلاثة آلاف ذراع. وأن نوحا لما خوفه الغرق» قال: احملني في 
قصعتك هذه يعني (السفينة) وأن الطوفان لم يصل إلى كعبه وأنه كان يدخل 
يده في البحر فيلتقط السمكة من قاعه ويشويها قرب الشمس. ومن ذلك 
حديث: رتن الهندي وأنه عاش ستمائة سنة وأدرك النبي صلى الله عليه 
وسلم . 

أو أن كرون مقا على انات وسياحات: يضان هيا العقاذء 
مثل: «الديك الأبيض حبيبي وحبيب حبيبي جبريل» ومثل: «اتخذوا الحمام 
المقاصيص فإنها تلهي الجنّة عن صبيانكم» وهكذا كل ما يرده العقل بداهة 
فهو باطل مردود. قال ابن الجوزي: «ما أحسن قول القائل: كل حديث 
رأيته تخالفه العقول» وتناقضه الأصول» وتباينه النقول فاعلم أنه موضوع» 
وقال الرازي في «المحصول»: كل خبر أوهم باطلا ولم يقبل التأويل 
فمكذوب أو نقص منه ما يزيل الوهم . 


۳ - مخالفته لصريح القرآن؛ بحيث لا يقبل التأويل» مثل: «ولد الزنا 


11۷ 


رو 


لا يدخل الجنة إلى سبعة أبناء» فإنه مخالف لقوله تعالى: #ولا زر وازره 
وزر ری [الأنعام: ]١١٤‏ بل هذا الحديث الموضوع مأخوذ من التوراة» 
فإنه من أحكامها. ومثل ذلك أن يكون مخالفا لصريح السنة المتواترة مثل : 
(إذا حدثتم عني بحديث يوافق الحق فخذوا به حدثت به أو لم أحدث) فإنه 
کالب ااخدت الا ن كات عل مدا ا مو ن لارا 
أو N CC UST O eo‏ 
له ولد فسماه محمداً كان هو ومولوده في الجنة» ومثل: «آليت على نفسي 
ألا أدخل النار من اسمه محمد أو أحمد» فإن هذا مخالف للمعلوم المقطوع 
به من أحكام القرآن والسنة من أن النجاة بالأعمال الصالحة لا بالأسماء 
والألقاب. أو أن يكون مخالفا للإجماع» مثل: «من قضى صلوات من 
الفرائض فى آخر جمعة من رمضان كان ذلك جابرا لكل صلاة فاتته من 
ل سن يا فإن هذا مخالف لما أجمع عليه من أن الفائتة لا 
يقوم مقامها شيء من العبادات . 


حديث: أن النبي وضع الجزية على آهل خيبر ورفع عنهم الكلفة 
والسخرة بشهادة سعد بن معاذ وكتابة معاوية بن 5 سفيان» مم أن الثابت 
نزلت آية الجزية بعد عام تبوك» وأن سعد بن معاذ توفي قبل ذلك في غزوة 
الخندق» وأن معاوية إنما أسلم زمن الفتح. فحقائق التاريخ ترد هذا 
الحديث وتحكم عليه بالوضع. ومن أمثلة ذلك حديث أنس: «دخلت 
أنس إنما حرمت دخول الحمام بغير مئزر من أجل هذا» مع أن الثابت 
تاريخياً أن الرسول لم يدخل حماماً قطء إذ لم تكن الحمامات موجودة في 


)۱( هى المشقة والشدة تقول: كلّفه أي : امرف ا ى عة 


11۸ 


6 موافقة الحديث لمذهب الراوي: وهو متعصب مغال في تعصبه»› 
كأن يروي رافضي حديثاً في فضائل أهل البيت» أو مرجىٌ حديثا في 
الارجاء» ل ها رواه هة بن خوين فال .علا برضي اال عه قال 
oe GET ost‏ 
سنين» قال ابن حبان: كان حبة غالياً في التشيع» واهياً في الحديث. 


5 أن يتضمن الحديث أمرأ من شأنه أن تتوفر الدواعي على نقله: 
لأنه وقع بمشهد عظيم ثم لا يشتهر ولا يرويه إلا واحد» وبهذا حكم أهل 
السنة على حديث «غدير خم) بالوضع والكذب» قال العلماء: إن من 
أمارات الوضع في هذا الحديث أن يصرح بوقوعه على مشهد من الصحابة 
جميعاً ثم يقع بعد ذلك أن يتفقوا جميعاً على كتمانه حين استخلاف أبي 
بكر رضي الله عنه» ومثل هذا بعيد ومستحيل في العادة والواقع» فانفراد 
الرافضة بنقل هذا الحديث دون جماهير المسلمين دليل على كذبهم فيه. 
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «ومن هذا الباب نقل النص على خلافة عليّ) 
فإنا نعلم أنه كذب من طرق كثيرة» فإن هذا النص لم يبلغه أحد بإسناد 
صحيح فضلا عن أن يكون متواتراًء ولا نقل أن أحداً ذكره على جهة 
الخفاء» مع تنازع الناس في الخلافة وتشاورهم فيها يوم السقيفة» وحين 
موت عمر وحين جعل الأمر شورى بينهم في ستة» ثم لما قتل عثمان 
واختلف الناس على علىٌ» فمن المعلوم أن مثل هذا النص لو كان كما 
تقوله الرافضة من أنه نص على عليّ نصا جليا قاطعاً للعذر وعلمه 
المسلمونء لكان من المعلوم بالضرورة أنه لا بد أن ينقله الناس نقل مثله 
وأنه لا بد أن يذكره كثير من الناس بل أكثرهم في مثل هذه المواطن التي 
تتوافر الهمم على ذكره فيها غاية التوفر»ء فانتفاء ما يعلم أنه لازم يقتضي 
انتفاء ما يعلم أنه ملزوم»"''. 


وقال ابن حزم : «ما وجدنا قط رواية عن أحد في هذا النص المدعى 
(1) منهاج السئة 118/4. 


۱۱۹ 


إلا رواية واهية عن مجهول إلى مجهول يكنى أبا الحمراء لا نعرف من هو 
فى الخلق» . 

قال ابن أبي الحديد"": واعلم أن الآثار والأخبار في هذا الباب كثيرة 
تختلجه الشكوك ولا يتطرق إليه الاحتمالات كما تزعم الإمامية فإنهم 
يقولون: إن الرسول ية نص على أمير المؤمنين علي عليه السلام نصا 
صريحا جليا ليس بنص يوم الغدير ولا خبر المنزلة ولا ما شابههما من 
الأخبار الواردة من طرقه العامة وغيرهاء بل نص عليه بالخلافة وبإمرة 
المؤمنين» وأمر المسلمين أن يسلموا عليه بذلك فسلموا عليه بها» وصرح 
لهم في كثير من المقامات بأنه خليفة عليهم من بعده وأمرهم بالسمع 
والطاعة له ولا ريب بان العشميت إذا سمح ما جری لهم بعد وفأة 
:رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم› يعلم قطعاً أنه لم يكن هذا 

- اشتمال الحديث على إفراط في الثواب العظيم: على الفعل 
الصغير» والمبالغة بالوعيد الشديد على الأمر الحقير» وقد أكثر القصاص من 
مثل هذا النوع ترقيقاً لقلوب الناس وإثارة لتعجبهم» مثل: «من صلى 
الضحى كذا وكذا ركعة أعطي ثواب سبعين نبيأ» ومثل: «من قال لا إله 
إلا الله خلق الله تعالى له طائراً له سبعون ألف لسان لكل لسان سبعون ألف 
لغة يستغفر ون له). 

هذه أهم القواعد الکن وضعها العلماء لنقد الحديث ومعرفة صحيحه 
أو يوجهوا جل عنايتهم إليه دون المتن كما سيأتي في زعم بعض 
المستشرقين ومشايعيهم» بل كان نقدهم منصباً على السند والمتن على 
السواء» ولقد رأيت كيف جعلوا لأمارات الوضع أربعاً منها السند» وسبعا 


.٠١١/١ شرح نهج البلاغة‎ )١( 


۲۰ 


منها في المتن» ولم يكتفوا بهذاء بل جعلوا للذوق الفني مجالاً في نقد 
الأحاديث وردها أو قبولهاء فكثيراً ما ردوا أحاديث لمجرد سماعهم لها 
لأن ملكتهم الفنية لم تستسغها ولم تقبلهاء ومة .هذا كنرا ها يقولون: 
«وهذا الحديث عليه ظلمة» أو متنه مظلم»ء أو ينكره القلب» أو لا تطمئن 
له النفس» وليس ذلك بعجيب فقد قال الربيع بن خكَيْم: إن من الحديث 
دين “له :كوه الكهنان اتغرفة. ت وال من الخوية حدينا له.ظلمة #قظلفة 
الليل تعرفه ا ويقول ابن الجوزي: «الحديث المنكر يقشعر له جلد 
الطالب للعلم وينفر منه قلبه في الغالب» وسيأتي معنا مزيد بيان لهذا البحث 
عند التعرض لشبه المستشرقين وأشياعهم . 


¥ ¥ 


6 الحاكم في معرقة علوم الحديث ص٦‏ ۲ . 


١١١ 






تا 
8 ش ارهن اهود 








1 چ و | 





بتلك الجهود الموفقة التي سردناها عليك بإيجاز استقام أمر الشريعة 
بتوطيد دعائم السنة التي هي ثاني مصادرها التشريعية» واطمأن المسلمون 
إلى حديث نبيهم فأقصي عنه كل دخيل» ومَيْرَ بين الصحيح والحسن 
راشع وان اه رهد هف ضيف المتسدية وذسن: التساسين تادر 
الزنادقة والشعوبيين» وقطف المسلمون ثمار هذه النهضة الجبارة المباركة 
التي كان من أبرزها ما يلي : 
أولا: تدوين السنة: 

قدمنا أن السنة لم تدوّن رسمياً في عهد رسول الله بي كما دون 
القرآن» إنما كانت محفوظة في الصدور نقلها صحابة الرسول إلى من بعدهم 
من التابعين مشافهة وتلقيناء وإن كان عصر النبي لم يخل من كتابة بعض 
الحديث» كما قدمناه لك فى بحث كتابة السنة» ولقد انقضى عصر الصحابة 
رك ف ا كانت ی کک لفك افك جر 
رضي الله عنه بتدوين السنة ولكنه عدل عن ذلك» فقد أخرج البيهقي في 
«المدخل» عن عروة بن لانو ان غمر ت الغطاي آراذ أن يكف» السثة 
فاستشار فى ذلك أصحاب رسول الله بيا فأشاروا عليه أن يكتبهاء فطفق 
عدر تبتر ا ر الله له فقال: «إني كنت 
أردت أن أكتب السئن» وإني ذكرت قوماً كانوا قبلكم كتبوا كتباً فأكبوا عليها 


وتركوا كتاب الله وإنى ‏ والله ‏ لا الس كتارء الله بشىء E‏ 


)0010 جامع بيان العلم .,”5/١‏ 


١7 


وعذره الذي أوضحه يتفق مع الظرف الذي كان فيه المسلمونء إذ 
كان القرآن غضاً طريأًء والأمم تدخل في دين الله أفواجاًء فلا بد من 
توفرهم على كتاب الله حفظأ ودراسة وتلاوة حتى يكون الأساس لعقيدتهم 
والحامي لها من كل لبس وتغيير» واستمر الأمر كذلك إلى أن وقعت 
الفتنة» وانتشر الكذب في الحديث ونهض أجلاء التابعين فمن بعدهم 
لمقاومة حركة الوضعء وقاموا بتلك الجهود الجليلة التي تحدثنا عنهاء وقد 
كان من أول ثمار هذه الجهود أن دوّنوا السنة ون عليها من ن الضياع ؛ | 
وصيانة لها من التزيد والنقصان. 


وتكاد تجمع الروايات أن أول من فكر بالجمع والتدوين من التابعين 
عمر بن عبد العزيزء إذ أرسل إلى أبي بكر بن حزم عامله وقاضيه على 
المدينة «انظر ما كان من حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاكتبه 
فإني خفت دروس العلم وذهاب العلماء» وطلب منه أن يكتب له ما عند 
عمرة بنت عبد الرحمن الأنصارية (۹۸ه) والقاسم بن محمد بن أبي بكر 
(١٠٠ه)‏ والذي يظهر أنه لم يخص ابن حزم بهذا العمل الجليل» بل أرسل 
إلى ولاة الأمصار كلها وكبار علمائها يطلب منهم مثل هذاء فقد أخرج أبو 
نعيم في تاريخ أصبهان أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى أهل الآفاق : 
انظروا إلى حديث رسول الله فاجمعوه'' وبذلك نفذ عمر رغبة جده 
عمر بن الخطاب التي جاشت في نفسه مدة ثم عدل عنها خوفاً من أن 
تلتبس بالقرآن أو يصرف الناس إليهاء والذي يظهر أن أبا بكر بن حزم كتب 
لعمر شيئأً من السنة فقد أنفذ إليه ما عند عمرة والقاسمء ولكنه لم يدون 
كل ما في المدينة من سنة وأثرء وإنما فعل هذا الإمام محمد بن مسلم بن 
شهاب الزهري (155١ه)‏ الذي كان عَلماً خفاقاً من أعلام السنة في عصره 
والذي كان عمر بن عبد العزيز يأمر جلساءه أن يذهبوا إليه لأنه لم يبق على 
وجه الأرض أحد أعلم بالسنة منه» والذي ددر مسلم أن له تسعين حديثا لا 


)١(‏ وفي رواية للخطيب في «تقييد العلم» أنه كتب بذلك إلى أهل المدينة. 


١71 


يرويها غيره» وذكر كثير من أئمة العلم في عصره آنه لولا الزهري لضاعت 
كثير من السئن هذا مع وجود الحسن البصري وأضرابه في عصر الزهري 
والذي يظهر أيضاً أن تدوين الزهري للسنة لم يكن كالتدوين الذي تم على 
يد البخاري ومسلم أو أحمد وغيره من رجال المسانيد» وإنما كان عبارة 
عن تدوين كل ما سمعه من أحاديث الصحابة غير مبوّب على أبواب العلم» 
وربما كان مختلطاً بأقوال الصحابة وفتاوى التابعين» وهذا ما تقتضيه طبيعة 
البداءة في كل أمر ديل وفك نانس لهذا يما رزوی عنه من أنه كان 
يخرج لطلابه أجزاء مكتوبة يدفعها إليهم ليرووها عنه» وبذلك كان الزهري 
رضي الله عنه أول من وضع حجر الأساس في تدوين السنة في كتب 
خاصة» بعد أن كان عدد من علماء التابعين يكرهون كتابة العلم خشية من 
ضعف الذاكرة» بل كان الزهري نفسه في بدء شهرته العلمية يكره كتابة 
العلم ويمتنع عنه»› حتى رغب إليه بذلك عمر بن عبد العزيز» وسيأتي معنا 
مزيد بيان لهذا البحث عند الكلام عن الزهري. ‏ 


ثم شاع التدوين في الجيل الذي يلي جيل الزهري. وكان أول من 
جمعه بمكة ابن جريج ( ١١٠٠ه)‏ وابن إسحاق ( ١١٠ه)‏ وبالمدينة 
سعيد بن ا عروبة ( 65١ه)‏ والربيع بن صبيح ١5١ه)‏ والإمام مالك 
( 1/4١١ه)‏ وبالبصرة حماد بن سلمة (- /517١ه)‏ وبالكوفة سفيان الثوري ( 
١١ه)‏ وبالشام ا عفرو الأوزاعي /ا6١ه)‏ وبواسط هشيم مر (a۱۷۴۳‏ 
وبخراسان عبد الله بن المبارك ( ١18١ه)‏ وباليمن مَعْمَّر ( 65١ه)‏ وبالري 
جرير بن عبد الحميد ( 1848١ه)‏ وكذلك فعل سفيان بن عيينة ( 98١ه)‏ 
والليث بن سعد ( 1/5١ه)‏ وشعبة بن الحجاج a‏ 
كانوا في عصر واحد ولا يدرى أيهم سبق إلى ذلك» وكان صنيعهم في 
التدوين أن يجمعوا حديث رسول الله مختلطأ بأقوال الصحابة وفتاوى 
التابعين مع ضم الأبواب بعضها إلى بعض في كتاب واحدء قال الحافظ ابن 
حجر: «إن ما ذكر إنما هو بالنسبة للجمع في الأبواب» وأما جمع حديث 
إلى مثله في باب واحد فقد سبق إليه الشعبي فإنه روي عنه أنه قال: هذا 


8 


نانع: :من الطلاق 0000 

ثم جاء القرن الثالث فكان أزهى عصور السنة وأسعدها بأئمة الحديث 
وتآليفهم العظيمة الخالدة. فقد ابتدأ التأليف في هذا القرن على طريقة 
المسناقيك: وهي جمع ما يروى عن الصحابي في باب واحد رغم تعدد 
الموضوع» وأول من فعل ذلك عبد الله بن موسى العبسي الكوفي» ومسدد 
البصري» وأسد بن موسى ونعيم بن حماد الخزاعي» ثم اقتفى أثرهم 
الحفاظ فصنف الإمام أحمد مسنده المشهور وكذلك فعل إسحاق بن 
راهويه» وعثمان بن أبي شيبة وغيره» وكانت طريقة هؤلاء في التأليف أن 
يفردوا حديث النبي بي بالتأليف دون أقوال الصحابة ا التابعين»؛ 
ولكنهم كانوا يمزجون فيها الصحيح بغيره» وفي ذلك من العناء ما فيه على 
طالب الحديث» فإنه لا يستطيع أن يتعرف على الصحيح منها إلا أن يكون 
من أئمة الشأن» فإن لم يكن له وقوف على ذلك اضطر إلى أن يسأل أئمة 
الحديث فإن لم يتيسر له بقي الحديث مجهول الحال عنده. 


وهذا هو ما حدا بإمام المحدثين ودرة السنة في عصره محمد بن 
إسماعيل البخاري ( 55١ه)‏ أن ينحو في التأليف منحى جديداً بأن يقتصر 
على الحديث الصحيح فقط دون ما عداه» فألف كتابه «الجامع الصحيح» 
المشهورء وتبعه في طريقته معاصره وتلميذه الإمام مسلم بن الحجاج 
القشيري ( ١15ه)‏ فألف «صحيحه» المشهورء وكان لهما فضل تمهيد 
الطريق أمام طالب الحديث ليصل إلى الصحيح من غير بحث وسؤالء 
وتبعهما بعد ذلك كثيرون» فألفت بعدهما كتب كثيرة من أهمها: «سنن أبي 
داود» ( ١۲۷ه)‏ والنسائي ( 7١٠5ه)‏ واجامع الترمذي» ( ۲۷۹ه) واسنن 
ابن ماجه) ( ۲۷۳ه) وقد جمع هؤلاء الأئمة في مصنفاتهم كل مصنفات 
الأئمة السابقين» إذ كانوا يروونها عنهم كما هي عادة المحدثين» ثم جاء 
القرن الرابع فلم يزد رجاله على رجال القرن الثالث شيئاً جديداً إلا قليلا 


)000 توجيه النظر ص 8. 


مما استدركوه عليهم». وكل صنيعهم جمع ما جمعه من سبقهم . والاعتماد على 
نقدهم» والإكثار من طرق الحديث» ومن أشهر الأئمة في هذا العصر الإمام 
سليمان بن أحمد الطبراني ( ١٠7"ه)‏ ألّف معاجمه الثلاثة: ١‏ «الكبير» وذكر 
فيه الأحاديث بجمع ما رواه كل صحابي على حدة» ورتب فيه الصحابة على 
الحروف وهو مشتمل على خمسمائة وخمسة وعشرين ألف حديث. ” 
«والأوسط».  ”‏ «والأصغراء ذكر فيهما الأحاديث بجمع ما رواه كل شيخ من 
شيو خه على حدة» دا د عل الروت اا ومنهم الدارقطني 
( 786ه) ألف «سننه» المشهورة» وابن حبان البستى ( ٤٠"ه)‏ وابن خزيمة ( 
(a۳۱۱١‏ والطحاوي زر ۲١‏ ٣ه).‏ 


بهذا تم تدوين السنة وجمعها وتمييز صحيحها من غيره» ولم يكن 
لعلماء القرون التالية إلا بعص استدراكات على “كتين الصحاح› ك«مستدرك) 
أبي عبد الله الحاكم النيسابوري ( 05٠51ه)‏ الذي استدرك فيه على البخاري 
يخرجاها في صحيحيهماء» وقد سلم له العلماء - ومن أشهرهم الذهبي - 
قسما منها وخالفوه في قسم آخر. 


ثانيا: علم مصطلح الحديث: 

ومن ثمار هذه الحركة المباركة أن دوّنت القواعد التي وضعها العلماء 
أثناء حركتهم لمقاومة الوضعء والتي قسموا فيها الحديث إلى ما ذكرناه من 
أقسام ثلاثة وما يتعلق بهاء وبذنك كان عندنا علم مصطلح الحديث الذي 
يضع القواعد العلمية لتصحيح الأخبار» وهي أصح ما عرف في التاريخ من 
قواعد علمية للرواية والأخبار بل كان علماؤنا رحمهم الله هم أول من 
وضعوا هذه القواعد على أساس علمي لا مجال بعده للحيطة والتثبت. وقد 
نهج على نهج علماء الحديث» علماء السلف في الميادين العلمية الأخرىء 
كالتاريخ والفقه والتفسير واللغة والأدب وغيرهاء فكانت المؤلفات العلمية 
في العصور الأولى مسندة بالسند المتصل إلى قائلها في كل مسألة وفي كل 
بحث» حتى إن كتب العلماء ذاتها تناقلها تلامذتهم منهم بالسند المتصل 


١١15 


جيلا بعد جيل» فنحن لا نشك في أن «صحيح البخاري» مثلاً المتداول 
الآن بين المسلمين» ألفه الإمام البخاري لأنه روى عنه بالسند المتصل جيلا 
بعد جيل › وهذه ميزة لا توجد في مؤلفات العلماء من الأمم الأخرى. حتى 
ولا فى كتنهم المقدسة. 

وقد ألف أحد علماء التاريخ في العصر الحاضر كتاباً في أصول 
الووايةة ال اعتمد فيه على قواعد مصطلح الحديث» واعترف بأنها 
أصح طريقة ت علمية حديثة لتصحيح الأخبار والروايات . 


وقد قال في الباب السادس (العدالة والضبط) بعد أن ذكر وجوب 
التحقق من عدالة الراوي» والأمانة في خبره: «ومما يذكر مع فريد 
الإعجاب والتقدير ما توصل إليه علماء الحديث منذ مئات السنين في هذا 
الباب. وإليك بعض ما جاء في مصنفاتهم نورده بحروفه وحذافيره تنويهاً 
بتدقيقهم العلمي» واعترافا بفضلهم على التاريخ..» ثم أخذ في نقل 


والقاضي عياض وأبي عمرو بن الصلاح . 


وعلم مصطلح الحديث يبحث عن تقسيم الخبر إلى صحيح وحسن 
وضعيف. وتقسيم كل من هذه الثلاثة إلى أنواع» وبيان الشروط المطلوبة 
فى الراوي والمروي وما يدخل الأخبار من علل واضطراب وشذوذء. وما 
وھا ر وا ترفك ا ای ان جوت رات ای ون کا 
سماع الحديث وتحمله وضبطهء وآداب المحدث وطالب الحديث» وغير 
ذلك مما كان في الأصل بحوثا متفرقة وقواعد قائمة في نفوس العلماء في 
القرون الثلاثة الأولى إلى أن أفرد بالتأليف والجمع والترتيب» شأن العلره 
الإسلامية الأخرى في تطورها وتدرجها. 


)١(‏ هو كتاب مصطلح التاريخ » تأليف أسد رستم» أستاذ التاريخ في الجامعة الأمريكية في 
مروت اق وهر TS‏ تفرع أخيراً لأخبار الكتعية الأرثوذكسية» ولينظر كتابه 
ص1۷ - 8١‏ الطبعة الثانية» نشر المكتبة العصرية في صيدا. 


۷ 


وقد كان أول من ألف في بعض بحوثه علي بن المديني شيخ 
البخاري» كما تكلم البخاري ومسلمء» والترمذي في بعض أبحاثه في رسائل 
مجردة لم يضم بعضها إلى بعض» ولكن أول من صنف في هذا الفن 
تصنيفاً علمياً بحيث جمع كل أبوابه وبحوثه في مصنف واحد هو القاضي 
أبو محمد الرامهرمزي ( ١٠۳ه)‏ في كتابه «المحدث الفاصل بين الراوي 
والسامع» ولكنه لم يستوعب فيه كل بحوث هذا العلم» ثم جاء الحاكم أبو 
عبد الله النيسابوري المتوفى ( 00٠5ه)‏ فألف فيه كتابه «معرفة علوم 
الحديث» لكنه لم يهذب ولم يرتب. ثم تلاه أبو نعيم الأصفهاني زر * (a‏ 
فعمل على كتاب الحاكم مستخرجأًء وأبقى أشياء لمن تتبع هذا البحث» ثم 
جاء بعدهم الخطيب أبو بكر البغدادي ( 5577ه) فصنف في قوانين الرواية 
كتاباً سماه «الكفاية» وفي آدابها كتاباً سماه «الجامع لآداب الشيخ والسامع» 
وقد أفرد لكل من فنون الحديث مصنفا خاصاء ثم جاء ممن بعده القاضي 
عياض ( 555ه) فألف كتابه «الإلماع» مستمداً بحوثه من كتب الخطيب. . 
ثم جاء الشيخ الحافظ تقي الدين أبو عمرو عثمان بن الصلاح الشهرزوري 
الدمشقي ( 547ه) فألف كتابه المشهور ب«مقدمة ابن الصلاح» أملاه على 
تلاميذه بالمدرسة الأشرفية في دمشق من غير ترتيب محكم, إلا أنه كتاب 
شامل لكل ما تفرق في غيره من كتب المتقدمين» ولهذا عكف الناس 
عليه» وأكبّوا على شرحه بين ناظم وناثر كألفية العراقي وشرحها للسخاوي› 
و«التقريب» للنووي» وشرحه «التدريب» للسيوطي» وغير ذلك من الكتب 
المعروفة» كما اختصر أيضاً الإمام الحافظ بن كثير الدمشقي ( 5/الاه) في 
كتابه «اختصار علوم ال ثم تتابعت التآليف في هذا الشأن. ومن 
أشهرها «ألفية الحافظ العراقي» ( ٦٠۸ه)‏ و«نخبة الفكر في مصطلح الأثرا 
للحافظ ابن حجر ومن آخرها «توجيه النظر» للعلامة الشيخ طاهر الجزائري 
و«قواعد التحديث» للقاسمي الدمشقي . 


(۱) طبع هذا الكتاب طعا ا مع تعليق للأستادذ ا محمد شاكر تاه «الباعث 
الحثيث) . 


۲۸ 


ثالثا: علم الجرح والتعديل: 

ومن ثمار هذه الجهود المباركة علم الجرح والتعديل أو علم ميزان 
الرجال» وهو علم يبحث فيه عن أحوال الرواة وأمانتهم وثقتهم وعدالتهم 
وضبطهم أو عكس ذلك من كذب أو غفلة أو نسيان» وهو علم جليل من 
أجل العلوم التي نشأت عن تلك الحركة المباركة لا نعرف له مثيلا أيضاً في 
تاريخ الأمم الأخرى»ء وقد أدَّى إلى نشأة هذا العلم حرص العلماء على 
الوقوف على أحوال الرواة» حتى يميزوا بين الصحيح من غيرهء فكانوا 
يختبرون بأنفسهم من يعاصرونهم من الرواة ويسألون عن السابقين ممن لم 
يعاصروهمء ويعلنون رأيهم فيهم دون تحرج ولا تأثم إذ كان ذلك ذباً عن 
دين الله وسنة رسوله يك وقد قيل للبخاري: إن بعض الناس ينقمون 
عليك التاريخ يقولون: فيه اغتياب الناس فقال: «إنما روينا ذلك رواية ولم 
نقله من عند أنفسنا. وقد قال النبي كَلَِةِ: «بئس أخو العشيرة». 

وقد ابتدأ الكلام عن الرواة توثيقاً وتوهيناً منذ عصر صغار الصحابة كابن 
عباس ( 58ه) وعبادة بن الصامت ( 75ه) وأنس بن مالك ( 97ه) ثم من 
الخاهيون :نتفي بن الست( ۴ ة0 لقح 0ه وان سرد 
4ه 1ف را ١۸3‏ ت ال ااي ترق ارال ده 
(١١٠ه)‏ وكان متثبتأ لا يروي إلا عن ثقة» والإمام مالك ( 1/4١ه).‏ ومن 
x‏ علماء الجرح والتعديل في هذا القرن الثاني معمر ( 64١ه)‏ وهشام 
الدستوائى ( 55١ه)‏ والأوزاعي ( ١١٠ه)‏ والثوري 2 ١١١ه)‏ وحماد بن 
سلمة (1310ه) اللي 0 ونشأ بعد هؤلاء طبقة أخرى 
كعبد الله بن المبارك ( ١8١ه)‏ والفزاري ( ١۸٠ه)‏ وابن عيينة ( ۹۸١ه)‏ 
ووكيع بن الجراح (- 91١ه)‏ ومن أشهر علماء هذه الطبقة يحيى بن سعيد 
القطان ( ۹۸٠ه)‏ وعبد الرحمن بن مهدي ( 19/8١ه)‏ وكانا حجتين موثوقين 
لدى الجمهور فمن ونّقَاهِ قَبِلَتْ روايته. ومن جرحاه ردت» ومن اختلف فيه 
رجع الناس إلى ما ترجح عند . 


0© توجة اللظر ص :١۷٤‏ 


۲۹ 


لم تلاهم طبقة أخرى من أكمة هذا الشان منهم. يزيد بن هارون 
(5١٠5ه)‏ وأبو داود الطيالسى ( 5١٠ه)‏ وعبد الرزاق بن همام ( ١١5ه)‏ 
وأبو عاصم النبيل الضحّحاك بن مَخْلّْد ( ١١5ه).‏ 


ثم ابتدأ تصنيف الكتب في الجرح والتعديل» ومن أوائل الذين ألفوا 
وتكلموا فى هذه الطبقة يحيى بن معين ( 1٠ه)‏ وأحمد بن حنبل 
e ATE‏ بن سعد كاتب الواقدي وصاحب «الطبقات» ( ١١١ه)‏ 
وعلي بن المديني ر :؟؟ه) ثم تلاهم بعد ذلك البخاري» ومسلم. انو 
زرعة» وأبو حاتم الرازيان» وأبو داود السجستاني» وتتابع العلماء بعد ذلك 
حتى أواخر القرن التاسع الهجري» طبقة بعد طبقة» تؤلف وتبحث في 
الرجال» وتتحرى أمر الرواة حتى لا يعسر عليك أن تجد في مؤلفاتهم 
تاريخ أي رجل يمر بك اسمه في كتب الحديث . 

وكتب الجرح والتعديل» منها ما أفرد لذكر الثقات فقط. ككتاب 
«الثقات» لابن حبان البستي› و«الثقات» لابن قطلوبغا 2 ١88ه)‏ في أربع 
مجلدات» و«الثقات» لخليل بن شاهين ( ۸۷۳ه). 

متها ها اود للضعفاء فقط. وممن ألف فيهم البخاري والنسائي وابن 
حبان والدارقطنى والعقيلى وابن الجوزي وابن عدي› وكتابه «الكامل فى 
الضعفاء» أوفى الكتب في ذلك وقد ذكر فيه كل من تكلم فيه وإن كان 5 
رغال الفيسبحية» كما كر فيه يعفن الآأئمة المعبوعين»: لأن يعن 
خصومهم في حياتهم تكلموا عنهم. وقد ألف الذهبي كتابه «ميزان الاعتدال» 
من كتاب ابن عدي هذا. 

ومنها ما جمع فيها بين الثقات والضعفاء وهي كثيرة جداً من أشهرها 
تواريخ البخاري الغلاثة: «الكبير»» وهو مرتب على حروف المعجمء 
و«الأوسط»» و«الصغير» وهما مرتبان على السنين» وكتاب «الجرح 
والتعديل» لابن حبان» و«الجرح والتعديل» لابن أبي حاتم الرازي» 
و«الطبقات الكبرى» لابن سعدء ومن أجود الكتب في ذلك» «التكميل في 
معرفة الثقات والضعفاء والمجاهيل» للحافظ ابن كثيرء جمع فيه بين 


١ 


«تهذيب) اله ف و«ميزان) الذهبي مع زيادات وتحرير في العبارات وهو 
أنفع شيء للمحدث والفقيه التالي لأثره. 


ولم يكن الأئمة الذين عنوا بهذا الفن على استواء واحد في مقاييس 
النقد الذي يوجهونه للرواة» بل كان منهم المتشدد ومنهم المتساهل ومنهم 
المتوسط المعتدل» فمن المتشددين» ابن معين ويحيى بن سعيد القطان وابن 
حبان" وأبو حاتم الرازي» ومن المتساهلين» الترمذي والحاكم وابن 
مهدي» ومن المعتدلين» أحمد والبخاري ومسلم وبذلك تباينت الاراء في 
بعض الرواة» فمنهم من يوثقه ومنهم من يضعفه» وما ذلك إلا لاختلاف 
الأنظار والمقاييس التي وضعها كل إمام في نقدهء بل قد ينقل عن العالم 
الواحد رأيان مختلفان في راو واحدء فقد يراه اليوم ثقة» ثم يرى منه بعد 
للف ها يقبط ره للعوو لدعم سكيف و ن الاو فكي دك 


ومن أسباب الاختلاف في التجريح والتعديل اختلاف منازع الفقهاء في 
الاجتهادء فالنزاع واھ الحديث وأهل الرأي مشهور معروف ادى إلى آن 
يطعن بعض أهل الحديث في بعض أئمة أهل الرأي وأن يعدوهم من 
الضعفاء لا لشيء إلا لنزعتهم الاجتهادية التي لا تتفق مع نزعة أهل 
الحديث» وحسبك دليلاً على هذا أن إماماً جليلا من كبار أئمة التشريع في 
تاريخ الإسلام وهو أبو حنيفة رحمه الله تحامل عليه كثير من المحدثين 
وجرّحه بعض علماء الجرح والتعديل مع زهده وورعه وتقواه وجلالة قدره. 
ونجد ذلك واضحاً مما نقله أبو بكر الخطيب في تاريخ بغداد في ترجمة 
أبي حنيفة (11/ 77 - 577) وما ذلك إلا لدقة مسلكه الفقهي الذي خفي ‏ 
على کی ن الان ل عا کر جن ا وقد أدى تعصب العامة 
من أهل الحديث إلى أن يتهموا أبا حنيفة بما يقطع التاريخ بكذبه. 


ولعل هذا الاختلااف في ميول الناقدين وأنظارهم وتماوتهم بين الشدة 





(0 اتوجيه النظر “ضن ١1‏ : 


)١(‏ بعضهم يذكره في المتساهلين وهو الأظهر. 


١١١ 


والتساهل في النقدء هو الذي دعا أكثر العلماء أخيراً إلى أن لا يقبلوا جرحا 
إلا مفسراً خشية أن يكون منشأ الجرح خطأ في تقدير الناقد أو عصبية لا 
حقيقة وواقعاء قال الحافظ ابن كثير: «بخلاف الجرح فإنه لا يقبل إلا 
مفسراً لاختلاف الناس في الأسباب المفسقة فقد يعتمد الجارح شيئا مفسقا 
فيضعفه» ولا يكون كذلك في نفس الأمر أو عند غيره» فلهذا اشترط بيان 
ل 

ومن طريف ما يذكر في هذا الموضوع ما نقل عن بعضهم أنه قيل 
له: «لِمَ تركت حديث فلان؟ فقال: رأيته يركض على برذون فتركت 
حديثه! . . وسئل بعضهم عن حديث لصالح المري فقال: ما يصنع بصالح؟ 
ذكروة نوما هنك حماة ين سلما فاط خاد ۱ قانظر كينت كان بعض 
الناس يجرحون الرجال لأسباب واهية لا علاقة لها بالعدالة والثقة والضبط› 
ولكن الحق أن هذا صنيع الجاهلين أو المتطفلين على هذا العلمء أما الأئمة 
المنتصبون لهذا الشأن العريقون فى مداخله ومخارجه» فلا يقعون فى مثل 
ا ار اف د 
رابعا: علوم الحديث: 

وثمة علوم أخرى استلزمتها دراسة السنة وروايتها والدفاع عنها 
وتحقيق أصولها ومصادرهاء وقد أوصلها أبو عبد الله الحاكم في كتابه 
«معرفة علوم الحديث» إلى اثنين وخمسين علمأء وأوصلها النوويٌ في 
«التقريب» إلى خمس وستين عِلماء نذكر أهمها فيما يلي» ليتبين مقدار دقة 
علماء السنة في نقدها وتحقيقهم في ضبطها ودأبهم على صيانتها. 

(الآول)4 -معرفة مدق المحدت وإفقاقه وه وص اسول ونا 
يحتمله سنه ورحلته من الأسانيدء وغير ذلك من غفلته وتهاونه بنفسه وعلمه 
وأصوله . 


)١(‏ اختصار علوم الحديث ضا 
0 ار علوم ال مرا 


۲۲ 


ومن ذلك ما قاله الحاكم : «ومما يحتاج إليه طالب الحديث في زماننا 
أن محف عنزه. أخوال: الميحدتث ارلا هل يعتقد الشريعة في التوحيد؟ وهل 
يلزم نفسه طاعة الأنبياء والرسل فيما أوحي إليهم ووضعوا من الشرع؟ ثم 
يتأمل حاله هل هو صاحب هوئى يدعو الناس إلى هواه؟ فإن الداعي إلى 
البدعة لا يكتب عنه ولا كرامة» لإجماع جماعة من أئمة ا 
تركه» ثم يتعرف سنه: هل يحتمل سماعه من شيوخه الذين يحدث عنهم؟ 
فقد رأينا من المشايخ جماعة أخبرونا بسنْ يقصر عن لقاء شيوخ حدثونا 
عنهم› ا أصوله: أعتيقة هي أم جديدة؟ فقد نبغ في عصرنا هذا 
جماعة يشترون الكتب فيحدثون بهاء وجماعة يكتبون سماعاتهم بخطوطهم 
في كتب عتيقة في الوقت» فيحدثون بهاء فمن يسمع منهم من غير أهل 
الصنعة فمعذور بجهله»ء فأما أهل الصنعة إذا سمعوا من أمثال هؤلاء بعد 
الخبرة ففيه جرحهم وإسقاطهم إلى أن تظهر توبتهمء على أن الجاهل 
بالصيعة' لا عدر نان يلزه السد الا هما ل نغرفة» بوعلى ذلك كان السلف 
رضي الله عنهم أجمعين . 

(الثأني): معرفة المسانيد من الأحاديث : 

قال الحاكم: وهذا علم كبير من هذه الأنواع» لاختلاف أئمة 
المسلمين في الاحتجاج بغير المسند» والمسند من الحديث أن يرويه 
المحدث عن شيخ يظهر سماعه منه لمن يحتمله وكذلك سماع شيخه من 
شيخه إلى أن يصل الإسناد إلى صحابي مشهور إلى رسول الله صلى الله 
عليه وسلم . ۰ 

(الثالث): معرفة الموقوفات من الآثار : 

وذلك مثل ما أخرجه الحاكم عن المغيرة بن شعبة قال: «كان 
أصحاب رسول الله يك يقرعون بابه بالأظافير. قال الحاكم: هذا حديث 
كوسمة من لسن مق أهن العتعة مهنيد لذكرن. وسضؤول ا هه ول 
بمسندء فإنه موقوف على صحابي حكى عن أقرانه من الصحابة فعلاء 
ولیس يسنده واحد منهم . ) 


EY 


(الرابع) : معرفة الصحابة على مراتبهم : 

فإنهم بد على ما دكي الاك انتا عة عة أولها مخ أسلم ظ 
الوداع وعدادهم فى الصحابة . 

وهذا نوع من علم الحديث صعب› قلما يهتدي إليه إلا المتبحر في 
هذا العلم . 

(السادس): معرفة المنقطع من الحديث : 

وهو غير المرسل» وقلما يوجد في الحفاظ من يميز بينهماء ثم ذكر 
أنه ثلاثة أنواع وضرب لكل نوع مثلا. 

الثاني : أن يكون فى إسناده رجل غير مسمى ولكنه عرف من طريق 
آخر . 
2 





القالف:: أن .يكون فى الاسناف زاوية لم يسمع من الذي يروي عنه 
الحديث قبل الوصول إلى التابعى الذي هو موضع الإرسال. ولا يقال لهذا 
النوع: مرسل إنما يقال له: منقطع . [ 

(السابع): معرفة المسلسل من الأسانيد : 

فإنه نوع من السماع الظاهر الذي لا غبار عليه» وهو أنواع: فقد 
يكون التسلسل بلفظ معين عند التحديث في جميع رجال السندء كأن يقولوا 
ج ا أن اموه لا ر ادت ع ول ا قال ابو دل يكوك 


التسلسل بفعل معين يفعله كل شيخ مع تلميذه» كالحديث المسلسل 
a‏ 


(الثامن): معرفة الأحاديث المعنعنة : 


وليس فيها تدليس» وهي متصلة بإجماع أئمة النقل على تورع رواتها 


١١ 


عن أنواع التدليس» ثم ذكر الحاكم ‏ مثلاً له حديثاً عن جابر بن عبد الل 
ثم قال: هذا حديث رواه مصريون ثم مدنيون ومکيون» العو ف مذاهبهم 
الكل فسواء ‏ عندنا ‏ ذكروا سماعهم أو لم يذكروه. 

(التاسع) : معرفة المعضل من الروايات : 

وهو أن يكون بين المرسل إلى رسول الله ية أكثر من رجل وأنه غير 
المرسل» فإن المراسيل للتابعين دون غيرهم. 
وتخليص كلام غيره من كلامه صلى الله عليه وسلم. 

ومثّل لذلك بما أخرجه عن عبد الله بن مسعود أن النبي بيا أخذ بيده 
فعلمه التشهد فى الصلاة وقال: «قل التحيات لله والصلوات» فذكر التشهدء 
قال: فإذا قلت هذا فقد قضيت صلاتك إن شئت أن تقوم فقم وإن شئت 
أن تقعد فاقعد. قال الحاكم: وقوله: (إذا قلت هذاء إلخ...») مدرج في 
الحديث من كلام عبد الله بن مسعود واستشهد لذلك بما أخرجه من طريق 
آخر قال فيه راويه عن عبد الله بن مسعود بعد أن ذكر تعليم النبي يه لابن 
مسعود «التشهد) قال عبد الله بن مسعود: إذا فرغت من هذا فقد قضيت 
اتك + إلخ». 

(الحادى عشر) : معرفة التابعين : 

وهذا نوع يشتمل على علوم كثيرة فإنهم على طبقات في الترتيب› 
ومهما غفل الإنسان عن هذا العلم لم يفرق بين الصحابة والتابعين» ثم لم 
يفرق أيضاً بين التابعين وأتباع التابعين» ثم ذكر الحاكم طبقاتهم (وهم 
خمس عشر طبقة) أولهم» من لحق العشرة الذين شهد لهم رسول الله ملل 
مالك من أهل البصرة» وعبد الله بن أبي أوفى من أهل الكوفة» 
والسائب بن يزيد من أهل المدينة» وعبد الله بن الحارث بن جَرْء من أهل 
مصرء وأبا أمامة الباهلي من أهل الشام . 


0 


(الثانى عشر): معرفة أولاد الصحابة : 


'فإن من جهل هذا النوع اشتبه عليه كثير من الروايات» وأول ما يلزم 
الحديثيّ معرفته من ذلك أولاد سيد البشر يةه ومن صحت الرواية عنه 
منهم» ثم بعد هذا معرفة أولاد كبار الصحابة وغيرهم» ثم معرفة أولاد 
التابعين وأتباع التابعين وغيرهم من أئمة المسلمين» فإن هذا علم كبير ونوع 
بذاته من أنواع علم الحديث . 


(الثالث عشر): معرفة علم الجرح والتعديل : 


وهما في الأصل نوعان» كل نوع منهما علم برأسهء وهو ثمرة هذا 
العلم» والمرقاة الكبيرة منه» وقد تكلم عنه الحاكم كما تكلم عن أصح 


الأسانيد وأوهاها. 


(الرابع عشر): معرفة الصحيح والسقيم : 


وهو غير الجرح والتعديل فرب إسناد يسلم من المجروحين غير 
مخرح في الصحيح» وضرب لذلك مثلا بما أخرجه بسنده المتصل إلى ابن 
عمر عن النبي ية : «صلاة الليل والنهار مثنى مثنى والوتر ركعة من آخر 
الليل» قال الحاكم: هذا حديث ليس في إسناده إلا ثقة ثبت» وذكر النهار 
a‏ اج و E‏ 
عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة قالت: «ما عاب رسول الله يك طعاما 
قط إن اشتهاه أكله وإلا تركه» قال الحاكم: «هذا إسناد تداوله الأئمة 
والثقات وهو باطل من خدمة» مالك 4 وأنما أريد هذا الاستاد اما ضرت 
رسول الله اة بيده امرأة قط» وما انتقم رسول الله ية لنفسه إلا أن تنتهك 
محارم الله فينتقم لله بها». ولقد جهدت جهدي أن أقف على الواهم فيه من 
هو فلم أقف عليه اللهم إلا أن أكبر الظن على ابن حيان البصري» على أنه 
صدوق مقبول» ثم قال الحاكم: إن الصحيح لا يعرف بروايته فقط» وإنما 
يعرف بالفهم والحفظ وكثرة السماع» وليس لهذا النوع من العلم عون أكثر 
من مذاكرة أهل الفهم والمعرفة» ليظهر ما يخفى من علة الحديث. فإذا 


۳٦ 


وجد مثل هذه الأحاديث بالأسانيد الصحيحة غير مخرجة في كتابي الإمامين 
الببخاري ومسلم» لزم صاحب الحديث التنقير عن علته ومذاكرة أهل المعرفة 
لتظهر علته. 

(الخامس عشر): معرفة فقه الحديث : 

إذ هو ثمرة هذه العلوم وبه قوام الشريعة» ثم ذكر أسماء عدة من 
أئمة الحديث أضافوا إلى رواية الحديث الفقه بهاء كابن شهاب الزهري» 
وعبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي» وعبد الله بن المبارك» وسفيان بن 
عيينة» وأحمد بن حنبل وكثيرين. 

(السادس عشر): معرفة ناسخ الحديث من منسوخه: 

وفك دك أمكلة. كقرة لا جاديت رة واخرى. اة 

(السابع عشر): معرفة المشهور من الأحاديث المروية عن رسول الله 
صلى الله عليه وسلم : 

قال الحاكم: و(المشهور) من الحديث غير (الصحيح)» فرب حديث 
مشهور لم يخرج في الصحيح» وضرب لذلك أمثلة . 

(الثامن عشر): معرفة الغريب من الحديث : 

وهو أنواع: فنوع منه غرائب الصحيح وهو ما يتفرد به راو ثقة» ومنه 
غرائب الشيوخ وذكر لذلك مثلا حديث: «لا يبيع حاضر لباد» فقال: هذا 
حديث غريب لمالك بن أنس عن نافع» وهو إمام يجمع حديثه» تفرد به 
الشافعي وهو إمام مقدم لا نعلم أحدا حدث به عنه غير الربيع بن سليمان 
وهو ثقة مأمون. 

(التاسع عشر): معرفة الأفراد من الأحاديث : 

وهو على ثلاثة أنواع : 

النوع الأول: معرفة سنن رسول الله التي يتفرد بها أهل مدينة واحدة 
عن لار كن وت كونيون فد أول ال لے اجو او وین 
وهكذا. ` 


EY 


النوع الثانى : أحاديث يتفرد بروايتها رجل واحد عن إمام من الأئمة. 
النوع الثالث: أحاديث لأهل المدينة تفرد بها عنهم راو من أهل مكة 


- 


مثلا . 

(العشرون) : معرفة المدلسين الذين لا يميز من كتب عنهم بين ما 
سمعوه وما لم يسمعوه. قال الحاكم : وفي التابعين وأتباع التابعين إلى 
عصرنا هذا جماعة» ثم ذكر أنواع التدليس وهي ستة» وذكر لكل نوع 
أمثلة . 


(الحادي والعشرون): معرفة علل الحديث : 


وهو علم برأسه غير الصحيح والسقيم وغير الجرح والتعديل. قال 
الحاكم: «وإنما يعلل الحديث من أوجه ليس للجرح فيها مدخل» فإن 
حديث المجروح ساقط واه وعلة الحديث يكثر فين أحاديث الثقات أن 
يُحدّثوا بحديث له علة» فيخفى عليهم علمه فيصير الحديث معلولاء 
والحجة فيه عندنا الحفظ والفهم والمعرفة لا غير» ثم ذكر له عشرة أنواع 
ومثل لكل نوع» ولم يذكر لها قواعد وإنما كان يذكر لكل نوع مثالاء ثم 
يذكر علته» و العلل تدور حول دخول حديث ون حدیتث »› او وهم 
١ ٤ ۴‏ : م ,)1( 
لحق الراوي» أو وصل حديث وهو في الواقع رسا وها 
فيحتج بعض المذاهب بإحداها ويحتج غيرهم بالأخرى» وقد ذكر 
لذلك أمثلة من أحاديث صحت عن رسول الله يل أنه كان فى حجة مفردا 
وأخادفيك أخرى صيضحة اله كان تتتعاء. واحاديف: أخرف أله كان ر 
فاختار أحمد وابن خزيمة التمتع» واختار الشافعي الافراد»ء واختار أبو حنيفة 
القرانٌ. 
)١(‏ لابن أبي حاتم الرازي ( ۳۲۷ه) كتاب في علل الحديث» طبع في مصر في جزئين» 


شرا ر طرق "هن زيك إلى احاديتها. 


۳۸ 


(الغالث والعشرون): معرفة الأخبار التى لا معارض لها بوجه من 
الوجوه: 

وذكن لذلك أمثلة که 

(الرابع والعشرون): معرفة زيادات ألفاظ فقهية 56 أحاديث يتمرد 
بالزيادة فيها راو واحد: 

وهذا مما يعز وجوده ويقل في أهل الصنعة من يحفظه. وذكر لذلك 
أمثلة» منها حديث ابن مسعود سألت رسول الله كلِْ: «أي العمل أفضل؟ 
قال: الصلاة فى أول وقتهاء قلت: ثم أي؟ قال: الجهاد فى سبيل الله 
قلت: ثم أي؟ قال: بر الوالدين». قال الحاكم: هذا حديث صحيح 
محفوظ رواه جماعة من أئمة | لمسلسنة هخ ماللك بق معول: وكذلك عن 
عثمان بن عمر». فلم يذكر أول الوقت فيه غير بندار بن بشار والحسن بن 
مكرم . وهما ثقتان فقيهان. 

(الخامس والعشرون) : معرفة مذاهب المحدثين : 

وقد ذكر الحاكم نصوصاً كثيرة عن أئمة الحديث يذكرون فيها الطرق 
التي ينتمي إليها بعض الرواة لتحذير الناس منهم . 

(السادس والعشرون): معرفة التصحيفات فى المتون : 

فقد زلق فيه جماعة من أتمة الحديث وذكر لذلك أمثلة. 

(السابع والعشرون): معرفة التصحيفات في الأسانيد : 

وقل دک لذلك أمثلة کر 

ثم ذكر أنواعاً كثيرة أخرى من علوم الحديث» يرجع أكثرها إلى ضبط 
أسماء الرواة وأنسابهم وأعمارهم وقبائلهم وأقرانهم وكناهم وصناعاتهم وغير 
ذلك مما يدل على بالغ العناية ووافر الضبط والإتقان. 
خامسا: كتب في الموضوعات والوضاعين: 

كان من عادة السلف حين وقع الكذب في الحديث وتتبعوا الكذابين 


١8 


وعرفوهم› أن يجهروا بأسمائهم في المجالس فيقولوا: فلان كذاب لا 
وقد عرف بالكذب واشتهر بين المحدثين اناس منهم : 
أبان بن جعفر النميري : وضع على أبي حنيفة ثلاثمائة حديث لم 
يحدث أبو حنيفة بواحد منها. 
إبراهيم بن رید اشاي وى عن مالك أحاديث يا أصل لها. 
أحمد بن عبد الله الجويباري: 2 وضع ألوفاً من الأحاديث للكرّامية . 
جابر بن يزيد الجعفى : قال فيه سفيان: مف اا ت د 
ثلاثين ألف حديث ما أستحل أن أذكر منها 
قشعا وان داوكا 
الحديث . 
نوح بن أبي مريم . وضع أحاديث فضائل القران» سورة 
(WV.‏ 
و 
الحارث بن عبد الله الأعور» مقاتل بن سليمان» محمد بن سعيد 
الأسلمن؛ وهب بن وهب القاضى › محمد بن الا الكلبى. اع داود 
النخعي. إسحاق بن نجيح الملطيّ» عباس بن إبراهيم النخعي» مأمون بن 
أبى أحمد الهروي» محمد بن عكاشة الكرماني» محمد بن القاسم 
ثم تتبع العلماء الأحاديث الموضوعة فأفردوها بالجمع والتأليف تنبيها 


انفرد بذكر هذه الرواية عنه كما يقول الكوثري في «الإمتاع في سيرة الحسن بن زياد 
ومحمد بن شجاع) صن 1 00 


للعامة حتی لا يغتروا بها. ومن أشهر هذه الت 

١‏ «الموضوعات» للحافظ أبي الفرج الجوزي المتوفى (۹۷٥ه)‏ وقد 
ذكر فيه كل ما اعتقد بوضعه من الأحاديث ولو في كتب الصحاحء» فذكر 
حديثين في ااصحيح بن وحديثاً في «البخاري»» وثمانية وثلاثين في «مسند 
أحمد»» وتسعة في اسنن ا داود»» وثلاثين في «جامع الترمذي»» وعشرة في 
«سنن النسائي»» وثلاثين في «سنن ابن ماجه»» وستين في «مستدرك الحاكم»› 
وأحاديث أخرى في كتب السنة الأخرى. وقد تعقبه العلماء ‏ كالعراقي وابن 
حجر بحخصوص أخاذيفة فستة احهده والسيوطيى بصورة عامة فى كتابه 
«التعقبات على الموضوعات» وفى اختصاره لكتاب ابن الجوزي في «اللآلئ 
المصنوعة» -» فأقروا أكثر ما ذكر فى كتابه» وخالفوه في قليل منهاء وخاصة ما 
يتعلق بأحاديث البخاري ومسلم». وأحاديث الإمام أخمك: 

- «المغني عن الحفظ والكتاب»» لأبي حفص عمر بن بدر 
الموصلي المتوفى ( 577ه) اكتفى فيه بذكر الأبواب التي لم يصح فيها 
شيء من الحديث» مثل قوله: اباب في زيادة الإيمان ونقصانه وأنه قول 
وعمل») . ثم يقول : لا يصح في الباب شيء » وقد تعقبه العلماء أا 

«الدر الملتقط في تبيين الغلط»» للعلامة الصغاني رضي الدين 
أبن الفضل حسن بن محمد بن حسين المتوفى (_ ٥١‏ ھ) وقد تعقبه العلماء 
أيضاً . 

«تذكرة الموضوعات». لابن طاهر المقدسى ( /٠ا٠5ه)‏ وقد ذكر 
فيه الأحاديث التى رواها الكذبة والمجروحون والضعفاء والمتروكون. 

ه. 5 «اللآلىء المصنوعة فى الأحاديث الموضوعة»» و«الذيل» 
أيضاًء تأليف الحافظ السيوطي» اختصر في الأول كتاب «الموضوعات» لابن 
الجوزي› وتعقبه فيه على بعض الأحاديث التي حكم ابن الجوزي بوضعهاء 
وزاد في الكتاب الثاني ما فات ابن الجوزي في «الموضوعات»» ثم ألف 
«التعقبات على الموضوعات). 


١١ 


٠‏ «تذكرة الموضوعات»» لمحمد بن طاهر بن علي الفتني (9185ه) 
وقد أالحق به «رسالة فی الوضاعين والضعماء») مرتبة على حروف المعجم . 


68 «الموضوعات». للشيخ على القاري الخ (1515ه). 


1 «الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة»؛ للإمام الشوكاني 
المتوفى ( ٠560١ه).‏ 

٠‏ - رسالة للإمام الصنعانى. ذكر فيها أكثر الأحاديث التى تدور على 
ألسنة القصاص والوعاظ فى عصرهء وذكر في آخرها أشهر أسماء الضعفاء 
والعتوو كين . 

١‏ «اللؤلؤ المرصوع فيما لا أصل له أو بأصله موضوع»» للشيخ 
تحمل ند أبى 'المسانين القاو قهن. البحييين المسيشي ‏ الازفرى». ولد 
بطرابلس» وتوفي في مصر أواخر عام 705١ه»‏ وقد طبعت والرسالة 
سادساً: كتب في الأحاديث المشتهرة على الألسنة: 

وبيان ما فيها من صحيح أو ضعيف أو موضوع ء ومن هذه الكتب»: 

١‏ «اللآلى المنثورة فى الأحاديث المشهورة»». للزركشى ( ٤۷۹ه)‏ وقد 

اة الفدواظن :قفن ل(الذون ال ف الاأخادية المشتهر 1 
؟ - «المقاصد الحسنة في الأحاذيق المشديرة على الالسنة».. للسحاوىق 

ر17١5ه).‏ 
۳ _ «كشف الخفاء والالجاشس فيمأ يدور من الأحاديث على ألسنة الناس»» 
كان اتم الطب من الخيت فما نازر على السة الان من الخايت ا 

لابن الديبع الشيباني الأثري المتوفى ( 155ه). 


ه ‏ «أسنى المطالب فى أحاديث مختلفة المراتب»» للشيخ محمد الحوت 


E 


الو ا ات( ل براه فلي 


بهذا ينتهي ما أردته من عرض موجز للأدوار التي مرت بها السنةء 
وما ت له اشن دن وتحریف › وما قام به العلماء من جهود جبارة 
لتنقية السنة مما أصابها من فسادء وإنها لجهود لا يسع المنصف إلا أن 
ينحني إجلالاً ويعترف بأنها تكاد تكون فوق مستوى البشرء فجزاهم الله 


م 


خيراً. 


# # ¢ 


)١(‏ للشيخ محمد الحوت كتاب آخر طبع باسم (حسن الأثر فيما فيه ضعف واختلاف من 
حديث وخبر وأثر). وهذا في الواقع مختصر كتاب تخريج أحاديث كتاب الرافعي في 
الفقه الشافعى» وأصله للعلامة ابن الملقن. وليس للأحاديث المشتهرة ولا هو مقتصر 
على العاف رز N‏ سح وجي ,قلع البو لقا امف رن انيت 
الحوت بل ممن أشرف على نشره! 


١ 


ربس رشي 
ف الشكمبه الواردة عاوالت: ارال ةف ۳ الور 
الفتضلالاوكب الشُنّةمع الشيعة وَاخوارج 
E |‏ الشّمّة مع المتزلة َالنكلْين 
النمنلالتالف الشنةمعمنكريجيتها قبهأ 
لقص لالراع الشتةمع منكريجيتها حديا 
الفصمل اتخامسن الشئة مَممن ينكرجيّة خبرالاحاد 


الفَصَل السادس الشسّْمّة مع اللشتشرقكين 
الفصلالسايع السنة مع مض اکان دتا 





كان طبيعياً وقد خاضت السئة غمار تلك المعركة العنيفة التي خرجت 
بجا" افر AEN ga‏ 
على كيانها وحيويتها وقوتهاء فلقد تعرضت السنة في مختلف العصور 
لخصومات من بعض الطوائف المسلمة» وشبهات أثارها أصحابها فى وجه 
الست ييا لمم ون جار رن ومني لان رامد الى اضر 
التالية إن شاء الله . 





سمه 3 0 Tt‏ 
تة مع الشيعة واوا ك 





لم يكن الصحابة في عهد رسول الله ييه يخالجهم أدنى شك في أن 
أمر الرسول واجب الاتباع وأنه مرسل إلى الناس كافة» وأن عليهم أن 
يبلغوا رسالته إلى الناس جميعاً وإلى الأجيال المتلاحقة من بعدهم. ولقد 
أنبأنا التاريخ الثابت أنهم في حياة الرسول لم يكن بعضهم ينظر إلى بعض 
نظر الريبة أو العداء» بل كانوا إخوة متحابين» تجمعهم عقيدة واحدة 
وأهداف واحدة» ويربط بين قلوبهم جميعا حب نبيَ واحد وكتاب واحد 
وشرع واحد» ولقد احير اله عي با لد عل لمر ار الا وم 
las‏ عن وقول أن لدت تمه افد عل الكتان للم 2 رهم ر 
سجدا بسغون فصلا من أل ا سِيمَاهُمٌ فى وجوههم مَنْ اث اش 
اك 49. وقال تعالىٍ في الأنصار خاصة: ##يحِبُونَ مَنْ هَابَرَ التي ولا 
جدود فى صدُورِهِمَ كا وم ويؤثِرون علح اش وك کن م 


ص4 [الحشر : 4]. 

وقد كانوا فيما بينهم مضرب الأمثال في الحب والتعاون والإيثارء لا 
يختلفون إلا في حق» وإذا اختلفوا فسرعان ما يفيئون إلى الحق حين يتبين 
لهمء لم هم کن خلافهم أكمل الشاسى أخلاقاً: وأوفرهم آداباً» وأكثرهم 
صيانة للحرمات» هكذا كانوا: لا يكذب بعضهم بعضأء ولا يتهم بعضهم 
بعضاًء يعرفون للمتقدم منهم في إسلامه فضله» ويشكرون للمكثر منهم 
إنفاقه على الدعوة وبذله» ولا يحسد بعضهم بعضا على ما آتاهم الله من 
خير وبركة» فحسبهم من الخير ال بينهم جميعاء أنهم أصحاب رسول 


۷ 


كريم» ودعاة شرع قويم» أنقذهم الله من الضلالة إلى الهدى فكانوا أسعد 


ولما توفي رسول الله ئة كان أول خلاف وقع بين الصحابة 
اختلافهم یھن .ول الخلافة عنه. ومع أنه کان خلافا في أمر من أشد 
شؤون الجماعات والأمم خطرأً» وهو الرئاسة العليا للدولة» فقد كان 
حديثهم وتبادلهم للآراء ودفاع كل منهم عن رأيه» وانتهاؤهم إلى الرأي 
الذي وافقوا عليه جميعاًء لقد كان كل ذلك عجباً من العجب» فى 
ضبط النفس» وحسن الأداء» وحرمة الصحبة» ونشدان الحق» لا نعرف 
له مثيلاً في تاريخ المجالس النيابية في العصر الحاضرء فكيف بتلك 
العصور التي لم تعرف فيها الأمم بدا 'الكبووف ولا کان الاه ج 
في اختيار ولاتها وأمرائهاء إنك لتقراً في مصادر التاريخ الصحيحة أخبار 
سقيفة بني ساعدة» كيف اجتمع فيها الأنصار عقب وفاة الرسول ليختاروا 
من بينهم أمير المسلمين وخليفته من بعذه. وكيفا سارع شيوخ 
المهاجرين وعلى رأسهم أبو بكر وعمر وأبو عبيدة» إلى إخوانهم 
الأنصارء وكيف استمعوا إلى حججهم بآدب واحترام» وكيف أدلى أبو 
بكر برأيه ورأي الجهاخرين: فوفى الأنضار حقهم من فضل النصرة 
للإسلام والذود عن رسول الله وإيواء المهاجرين والترحيب بهم» ثم ذكر 
فضل المهاجرين بلا تبجح ولا غرور» وذكر أن العرب لا يدينون إلا 
لهذا الحي من قريش» وأنه إن كان الأمير من الأوس نفست عليهم 
الخزرج» وإن كان من الخزرج نفست عليهم الأوس» ثم كيف عدل 
الأنصار عن رأيهم في الانفراد بالخلافة إلى أن يكون منهم أمير ومن 
المهاجرين أهير: :وكيفب أجابهم المهاجرون بأن هذا أول الوهن 
والضعف» وكيف اقترح أبو بكر على الحاضرين أن يبايعوا عمر أو أبا 
عبد فاا عير قول لاي نكر أن افر م فقول ابو بكي 
لعمر: ولكنك أقوى مني» فيقول عمر: إن قوتي مع فضلك» ثم يسرع 
فيبايع أبا بكر فيبايعه المهاجرون»ء فيتسابق الأنصار إلى مبايعته حتى إنهم 


N 


ليكادون يطؤون زعيمهم الأسعل ین عبادة)» وهو الذي کان ا منهم 
للخلافة» فينتهي الأمر بإجماع من في السقيفة على مبايعة أبي بكر 
فيبايعه الجمهور بعد ذلك إلا عليًا ونفراً معه تريثوا قليلا ثم بايعوا. 


وبذلك تمت الخلافة له» وانتهى هذا المشكل الخطير دون أن تراق 
قطرة دم أو تشتبك الأحزاب فيما بينهاء أو توغر الصدور بالتهم الباطلة 
والتحامل المثيرء إنك لتقرأ هذا وأمثاله» فإذا هو يعطيك صورة واضحة ' 
لأدب القوم وَسمُوٌ نفوسهم وتماسك مجتمعهمء وقوة صلات التعاون 
والإخاء فيما بينهم» واستمر الأمر على ذلك طيلة خلافة أبي بكر وعمر 
وصدراً من خلافة عثمان» يتعاونون على الخير في أوسع معنى التعاون» 
ويتناصحون بالمعروف في أروع صور التناصح»› ويختلفون في التشريع في 
أدق معاني الاختلاف» ثم لا يصرفهم عن الجهر بالحق صداقة ولا مجاملة 
ولا رئاسة ولا فضل» صرحاء صراحة العربى الذي لا يعرف نفاقاً ولا 
خداعاًء أدباء أدب الحضري الذي لا يعرف قسوة ولا فظاظة. متعاونون 
تعاون الإخوة لا يعرفون علواً ولا استكباراً» مطيعون طاعة الجندي لا 
يعرفون تمرداً ولا اختلافاء بنّاؤون في كيان الدولة الجديدة والشرع الجديد 
والآمة الجديدة: كان ما يكون البناؤون دقة نظرء وسعة علم» وبذل جهد. 
واستقصاء وسيلة» حتى إذا كانت الفتنة أواخر خلافة عثمان» واندس بينهم 
أعداء الله من يهود وأعاجم تظاهروا بالإسلام» وكان ما قضى الله به من 
مقتل الخليفة الثالث ثم الخليفة الرابع» ثم استتب الأمر لمعاويةء هناك رأينا 
الستة السوء تطاول على هرلاء الأضحاب» بوتتسير مجحب على رضي الله 
عنه» لتروي غيظها ممن أقاموا قواعد الدين الجديد E‏ ردت 
وأرواحهم» وكما تطاول المتظاهرون بالتشيع لعليّ تطاول الخوارج أيضا بعد 
التحكيمء وكمّروا جمهور الصحابة الموجودين يومئذء لأنهم خالفوا أمر الله 
في زعمهم ومن خالف أمر الله كفر» بينما وقف الجمهور من اختلافات 
الصحابة موقف المعتدل» فهم يرون أن الخلفاء الثلاثة أحق من على 
بالخلافة» ويرونه أحق من معاوية بهاء ولكنهم مع تأييدهم للخلفاء قبل 


١6 


علي ثم لعلي مع معاوية. 0 جانب الأدب مع جميع هؤلاء 
الصحابس» فيعتذرون للمخطىئ م منهم بأنهم مجتهدون فيما قاموا به. ولا إثم 
على المجتهد فيما يخطئ ما دام الحق رائده» وهؤلاء الأصحاب لهم من 
بلائهم في الإسلام» وخدمتهم في نشر لوائهء وتفانيهم دون رسول الله 
وشريعته » حار له وتأدبهم بأديه ولهم من تاريخهم الأول قبل الفتنة 
وأدبهم وأخلاقهم ومو عرسي ما يجعلنا نعتقد فيهم الخير ا 
ونذهب إلى أنهم كانوا جميعاً مجتهدين يريدون الحق» فللمصيب منهم 
أجران وللمخطئ أجرء كما أخبر بذلك رسول الله 85 في حديث مشهور 
حول اجتهاد الحاكم"'' . ا 

ولو كان الخلاف محصوراً ضمن دائرة هؤلاء الصحابة الكبار ومن 
شايعهم من جمهور الصحابة والتابعين» لبقي مطبوعاً بطابعهم الذي عرفوا 
بهء من حسن الأدب واحترام الصحبة» مع الجهر بالحق والصراحة به. 
ولكن دسائس خصوم الإسلام ودخول غمار الشعوب المسلمة في هذه 
المعارك الخلافية» أضاف إلى تاريخ هؤلاء الصحابة كلاما لم يقله بعضهم 
في حق بعض» ولم يعرف عنهم قط أنهم ينزلقون إلى منحدره» ومع 
الأسف فقد وجدت هله النقول المكذوية آذانا صاغية عند جمهور الشيعة بل 
إن أول من تطاول على الصحابة وملاً المجالس بالأحاديث المكذوبة عليهم 
وفى حق علي وفضله» هم الشيعة باعتراف المحققين كما سبق لنا نقله عن 
ابن أبن الخد 

رأي الخوارج: وأياً ما كان» فقد أدى هذا الخلاف بين الصحابة إلى 
أن يكون لكل من الخوارج والشيعة رأيٌ في الصحابة غير رأي الجمهور من 
المسلمين فالخوارج على اختلاف فرقهم يعدلون الصحابة جميعاً قبل الفتنة 
ثم يكفرون عليًاً وعثمان وأصحاب الجمل والحكمين ومن رضي بالتحكيم 





)1( أخرجه البخاري ومسلم وذكره ه الشافعي في الام ۷/ o0۲‏ ونص الحديث : (إذا حكم 
الحاكم فاجتهد» > تم أصاب فله أجران» وإذا حكم فاجتهد» ٠‏ ثم اا فله أجر) . 
(؟) انظر ص "9 من هذا الكتاب . 


وصوّب الحكمين أو ا وبذلك ردوا أحاديث جمهور الصحابة بعد 
الفتنة» لرضاهم بالتحكيم واتباعهم أئمة الجور على زعمهم فلم يكونوا أهلا 

رأي الشيعة: وجمهور طوائف الشيعة - ونعني بهم من ظلوا في دائرة 
الإسلام - يجرحون أبا بكر وعمر وعثمان ومن شايعهم من جمهور 
الصحابة» ويجرحون عائشة وطلحة والزبير ومعاوية وعمرو بن العاص ومن 
انغمس معهم في اغتصاب الخلافة من عليّ» وبالأحرى أنهم يجرحون 
جمهور الصحابة إلا نفراً ممن عرفوا بولائهم لعلىُ رضي الله عنه» وقد ذكر 
بعضهم أنهم خمسة عشر صحابياً فقط وأقاموا على ذلك مذاهبهم من رد 
أحاديث جمهور الصحابة» إلا ما رواه أشياع على منهمء على أن تكون 
رواية أحاديثهم من طريق أئمتهم لاعتقادهم بعصمتهم 2 أو ممن هو على 
نحلتهم» والقاعدة العامة عندهم أن من لم يوال عليا فقد خان وصية 
الرسول» ونازع آئمة الحق» فليس آهلا للثقة والاعتمادء وقد خالف جمهور 
الشيعة في هذا الرأي فريق منهمء وهم الزيدية القائلون بتفضيل علي على 
أبي بكر وعمر» مع الاعتقاد بصحة خلافتهما والإشادة بفضلهماء وهؤلاء 
يعدون أكثر طوائف الشيعة اعتدالاأء وفقههم قريب من فقه أهل السنة. 

رأي الجمهور: أما جمهور المسلمين فقد حكموا بعدالة الصحابة 
جميعاً. سواء منهم من كان قبل الفتنة أو بعدهاء وسواء منهم من انغمس 
فيها أو جانبهاء ويقبلون رواية العدول الثقات عنهم» إلا ما جاء عن طريق 
أصحاب علىّ فإنهم لا يقبلون منها إلا ما كان من رواية أصحاب 
عبد الله بن مسعود» لأنهم ثقات مأمونون لم ستحيروا الكذتب على علي 
كما فعل أشياعه من الرافضة. 

كان من آثار هذا الاختلاف في النظر إلى الصحابة أن هوجمت السنة 
التي جمعها الجمهور وحققها أئمتهم ونقادهم» منذ عصر الصحابة حتى 


عصر الجمع والتدوين» من قبل الشيعة التي وصمت أحاديث الجمهور 
جمهور الشيعة» ولم يقبلوا من أحاديث السنة إلا ما وافق أحاديثهم التي 
يروونها عن أئمتهم المعصومين في نظرهم»ء وبذلك حكموا على أحاديث 
بالوضع هي عند الجمهور من أرقى طبقات الصحيح» وخذ لذلك مثلا 
الحديث الذي أخرجه البخاري من أن النبى يي أمر بسد كل خوخة تطل 
على المسجد من بيوت الأصحاب» إلا خوخة أبي بكر» فهذا الحديث 
الذي استكمل شرائط الصحة عند الجمهور وارتفع عق :مستورى. الضعفية او 
لمقابلة حديث زعموا صحته وهو أن النبي أمر أن تسد الأبواب كلها إلا 
ات غا وا اذلف مقت اخر وراك على الك وهو بعدية (غدير 
خو"'' فهذا الحديث الذي يكاد يكون عمدة المذاهب الشيعية كلها 
ودعامتها الأولى» والأساس الذي أقاموا عليه نظرتهم إلى الصحابة 
وخصومتهم للخلفاء الغلاثة وأشياعهم من جمهور الصحابة» هو عند أهل 
ال حديث مكذوب ا اشاش له لفقه غلاة الشيعة ليبرروا به هجومهم 
وشبعها أكمة الجمهور قد الحدية: يكذت هذه الوواية». وأعتقل: أنه لا يسع 
المنصف المحايد من موافقة الجمهور على ذلكء. إذ أن العقل يحكم 
باستحالة كتمان جمهور الصحابة أمر الوصية التي زعم الشيعة أنها كانت 
علانية على ملا منهم» كما يحكم باستحالة اتفاقهم جميعاً على غمط علي 
وتأدية أحكامه كاملة غير منقوصة» أن يجهروا بالحق مع ولاتهم دون أن 


)١(‏ سيأتي مزيد من الكلام على هذين الحديثين في الفصل الخاص بمناقشة أحمد أمين 
فيما كتبه في (فجر الإسلام). ) 


من يكون الخليفة بعده؟!.. ومعلوم أن مخالفة الرسول عن عمد عصيان 
وفسق إلا إذا كان مع استحلال فيكون كفراء ليت شعري إذا كذب صحابة 
الرسول جميعاً على رسول الله وكتموا أمره بالوصاية لعليّ حتى أصبحوا 
جميعاً فساقا أو كفاراًء كيف نطمئن إلى هذه الشريعة التي لم ثُرْوَ إلا عن 
طريقهم؟ وهل يليق برسول الله لا أن يكون صحابته كذابين مخادعين 
اجتمعوا كافتهم على كتمان الحق ومناصبة صاحبه العداء؟. . 


وكما وقف الشيعة من حديث الجمهور ذلك الموقف» كذلك وقف 
الخوارج موقفاً شبيهاً به» وهم وإن لم ينغمسوا في رذيلة الكذب على 
رسول الله كله كما فعل أغمار الشيعة» نظراً لصراحتهم وتقواهم وبداوة 
طباعهم وبعدهم عن الأخذ بمذهب التقية الذي يؤمن به الشيعة» لكنهم 
خالفوا الجمهور في مواقف تشريعية كثيرة فرويت عنهم أحكام غريبة» مثل 
إباحتهم الجمع فيرخ البدراة وي او خالتهاء وإنكارهم حكم الرجم الوارد 
في السنة» ولم يكن سبب ذلك كما زعم بعض الكاتبين جهلهم بالدين 
وجرأتهم على الله واستحلالهم لما حرم الله ورسوله» بل کان سببه ما ذهبوا 
إليه من رد الأحاديث التي خرجت بعد الفتنة أو التي اشترك رواتها بالفتنة. 
وإنه لبلاء عظيم أن نسقط عدالة جمهور الصحابة الذين اشتركوا في النزاع 
مع علىّ أو معاوية» أو نسقط أحاديثهم ونحكم بكفرهم أو فسقهم) وهم 
فى هذا الرأي لا يقلون عن الشيعة خطرا وفساد رأي وسوء نتيجةء وإذا 
كان مدار الاعتماد على الرواية هى صدق الصحابى وأمانته» فيما نقل - وقد 
وتربيتهم» فما دخل ذلك بآرائهم السياسية وأخطائهم؟ أليس: ذلك كمن 
بقلمه وماله ونفسه) من غعداد الزعماء ويعجرده من صمة الوطنية» وینکر 
فضائله كلها ويرد أكارة كلها لاله كان رعيم حزب نو لون الحكم فأخطأٌء 
حكم التاريخ والإنصاف والحق» فأولى ألا يجوز حكم الشيعة والخوارج 


١67 


على الصحابة الذين لم يوافقوا عليّا رضي الله عنه في بعض المواقف 
السياسية» بإسقاط عدالتهم» وتجريحهم في مروياتهم» ووصمهم بأوصاف لا 
تليق بعامة الناس» فكيف بأصحاب رسول الله الذين كان لهم في خدمة 
الإسلام والرسول قدم صدقء لولاها لَكنا نتيه في الظلمات ولا نعرف كيف 
نهتدي سبيلا؟ 

خلاصة القول: أن السنة الصحيحة لقيت من عنت الشيعة والخوارج 
عناء كبيرا وكان لارائهم الجامحة في الصحابة أثر كبير في اختلاف الآراء 
والأحكام في الفقه الإسلامي» وفيما أثير حول السنة من شبهء ستطلع عليها 
عند الكلام عن شبه المستشرقين وأشياعهم . 


١م‎ 









الجمهور في القول بحجيتها بقسميها المتواتر والآحاد؟ أم ينكرون حجيتها 
بقسميها؟ أم يقولون بحجية المتواتر ويتكرون حجية خبر الآحاد؟ فالآمدي ينقل 
لنا عن أبي الحسين البصري من المعتزلة أنه من القائلين بوجوب وقوع التعبد 
بخبر الواحد عقا ويروي لنا عن الجبائي وجماعة من المتكلمين أنه لا يجوز 
التعبد بخبر الواحد عقلا"" وينقل السيوطي في «التدريب»”" عن أبي علي 
الجبائي أنه لا يقبل الخبر إذا رواه العدل الواحد إلا إذا انضم إليه خبر عدل 
آخرء أو عضده موافقة ظاهر الكتاب أو ظاهر خبر آخرء او يكون منتشرا بين 
الصحابة أو عمل به بعضهم ) حكاه اتو الحسين البصري في ا(االمعتمد) وأطلق 
الأستاذ أبو نصر التميمي عن أبي علي أنه لا يقبل إلا إذا رواه أربعة. 


وحكى ابن حزم: «أن جميع أهل الإسلام كانوا على قبول خبر 
الواحد الثقة عن النبى ية يجري على ذلك كل فرقة فى علمها كأهل السنة 
ارو ا وار ي ا و او اا بعل المانة فين 
التاريخ فخالفوا الإجماع بذلك» ولقد كان عمرو بن عبيد يتدين بما يروي 
عن الحسن ويفتي به» هذا أمر لا يجهله من له أقل علم بذلك»““ وهو في 


)١(‏ الإحكام "/ ه7. 

(؟) الإحكام 18/7. 

(۳) ص۱۷. 

(:) الإحكام لابن حزم .١١5/١‏ 


١6 


موطن آخر يطلق القول بأن المعتزلة ينكرون حجية خبر الآحاد فيقول: 
«وقال جميع المعتزلة والخوارج: إن خبر الواحد لا يوجب العلم. وقالوا: 
ما جاز أن يكون كذباً أو خطأ فلا يحل الحكم به في دين الله عز وجل ولا 
أن يضاف إلى الله تعالى ولا إلى الرسول»"'' وينسب ابن القيم في أعلام 
الموقعين إلى المعتزلة أنهم ردوا النصوص الصريحة المحكمة الواردة في 
ثبوت الشفاعة للعصاة من المؤمنين بالمتشابه من قوله تعالى: فا عه 
صَفَحَةٌ اَلَينِعِينَ 46029 [المدثر]”" . 

ونه لسرن اق تر ونا نر سر عاقيا يا ار 
المسالة :وفك رابك أن أرجع إلى كتب الكلام فأقف على ما يذكره 127 
الملل والنحل عن المعتزلة من رأيهم في هذه المسألة» فرأيت الإمام أبا 
منصور البغدادي وصاحب المواقف والرازي ينقلون عن النظامية (وهم فرقة 
من المعتزلة) إنكار حجية المتواتر وإفادته العلم» وتجويز وقوع التواتر كذبا 
واجتماع الأمة على الخطأ كما نسب الرازي إلى النظامية إنكار حجية خبر 
الاحاد. 

ولما كانت النظامية فرقة من اثنين وعشرين فرقة للمعتزلة”" وكان 
موقفهم من السنة يتوقف على موقفهم من الصحابة» فقد رأيت أن أنقل 
إليك ما ذكره الإمام أبو منصور البغدادي المتوفى سنة (- 579ه) في كتابه 
«الفرق بين الفرق» عن هذه الفرق وموقفها من الصحابة وموقف زعمائها من 
الحديث . 

.قال بعد أن ذكر ‏ ما تجتمع فيه فرق المعتزلة من عقائد ثم أخذ 
يذكر ما يختلفون فيه فبدأ بذكر الواصلية : 
واصل بن عطاء توفي سنة (١١1١ه):‏ 

قال أثناء كلامه عن فرقة الواصلية أتباع واصل بن عطاء : ثم إن 


.١١9/١ الإحكام‎ )١( 
.١7؟١/7 أعلام الموقعين‎ (۲( 
. الفرق بين المرق ص1۷‎ 0 


واصلا فارق السلف ببدعة ثالثة وذلك أنه وجد أهل عصره مختلفين في 
على وأصحابه» وفي طلحة والزبير وعائشة وسائر أصحاب الجملء» 
فزعمت الخوارج أن طلحة والزبير وعائشة وأتباعهم يوم الجمل كفروا 
بقتالهم عليّاء وأن علياً كان على الحق في قتال أصحاب الجمل» وفي 
قتال أصحاب معاوية بصفين إلى وقت التحكيم» ثم كفر بالتحكيم» وكان 
أهل السنة والجماعة يقولون بصحة إسلام الفريقين في حرب الجمل 
وقالوا: إن علياً كان على الحق في قتالهم» وأصحاب الجمل كانوا عصاة 
مخطئين في قتال عليّ» ولم يكن خطؤهم كفراً ولا فسقاً يسقط شهادتهم» 
وأجازوا الحكم بشهادة عدلين من كل فرقة من الفريقين» وخرج واصل 
عن قول الفريقين» وزعم أن فرقة من الفريقين فسقة لا بأعيانهم» وأنه لا 
يعوف النسقة تعتهماء بواجاز أكون القييقة و ا ین غاا واا 
كالحسن والحسين وابن عباس وعمار بن ياسر وأبي أيوب الأنصاري 
وسائر من كان مع علي يوم الجمل» وأجاز كون الفسقة من الفريقين 
عائشة وطلحة والزبير وسائر أصحاب الجمل» ثم قال واصل في تحقق 
شكه في الفريقين: «لو شهد علي وطلحة أو علي والزبير أو رجل من 
أصحاب علي ورجل من أصحاب الجمل عندي على باقة بقل لم أحكم 
بشهادتهماء لعلمي بأن أحدهما فاسق لا بعينه» كما لا أحكم بشهادة 
المتلاعنين لعلمى بأن أحدهما فاسق لا بعينه» ولو شهد رجلان من أحد 
ال أا كانه فاع ا 


عمرو ین عیید: 


واضل .فى هذه البدعة + فقال بفسق كلنا الفرقتين المتقاتلتين: يوغ: الجمل» 
فلم يقبل شهادة أحد من الفريقين» وقد افترقت القدرية (المعتزلة) بعد 
واصل وعمرو في هذه المسألة فقال النظام ومعمر والجاحظ في فريقي و 


)۱( المرق بين المرق ص۷۱ ل 


0¥ 


الجمل بقول واصل» وقال حوشب وهاشم الأوقص: نجت القادة وهلكت 
كي )١(‏ 
الاتباع . 


أبو الهذيل: 

ثم قال عن الهذيلية: إنهم أتباع أبي الهذيل محمد بن الهذيل 
المعروف بالعلاف (!ا١ 7‏ أو 70١ه)‏ وفضائحه تترى تكفره فيها سائر 
فرق الأمة من أصحابه في الاعتزال ومن غيرهم» وقد ألف فيه المعروف 
بالمرداد والجبائيى وجعفر بن حرب من رؤساء الاعتزال كل واحد منهم 
كتاباً في تكفيره وذكر فضائحهء ثم أخذ الإمام عبد القادر يذكر بعض 
فضائحه فقال: والفضيحة السادسة قوله: إن الحجة من طريق الأخبار فيما 
غاب عن الحواس من آيات الأنبياء عليهم السلام وفيما سواها لا تثبت 
بأقل من عشرين نفساً فيهم واحد من أهل الجنة أو أكثرء ولم يوجب 
بأخبار الكفرة والفسقة حجة وإن بلغوا عدد المتواتر الذين لا يمكن 
تواطؤهم على الكذب إذا لم يكن فيهم واحد من أهل الجنة» وزعم أن 
خبر ما دون الأربعة لا يوجب حكماأء ومن فوق الأربعة إلى العشرين قد 
يصح بوقوع العلم بخبرهم» وقد لا يقع العلم بخبرهم» وخبر العشرين إذا 
كان فيهم واحد من أهل الجنة يجب وقوع العلم منه لا محالة» واستدل 
على أن العشرين حجة بقول الله تبارك وتعالى: #إن یکن يكم عِسرون 
يروك يليوا مِأتكيْن» [الأنفال: 115؟] وقال: لم يبح قتالهم إلا وهم 
عليهم حجة. ثم قال صاحب «الفرق»» قال عبد القادر: «ما أراد أبو 
الهذيل باعتبار عشرين في الحجة من جملة الخبر إذا كان فيهم واحد من 
أهل الجنة إلا تعطيل الأخبار الواردة في الأحكام الشرعية عن فوائدهاء 
لأنه أراد بقوله: ينبغي أن يكون فيهم واحد من أهل الجنة. واحد يكون 
على بدعته في الاعتزال والقدر وفي فناء مقدورات الله تعالى» لأن من لم 
يقل بذلك لا يكون عنده مؤمناً ولا من آهل الجنة» ولم يقل قبل أبي 


١ 6 


الهذيل أحد ببدعة ات الهذيل حتى تكون روايته في جملة العشرين على 
* )1( 
شرطه © . 


النظام: 

وتحدث عن فرقة النظامية الذين يتبعون أبا إسحاق إبراهيم بن سيار 
المعروف بالنظام» ودک كيف دخل الفساد على عميدة النظام ممن خالطهم 
من الزنادقة والفلاسفة وغيرهم» وقد أنكر النظام ما روي في معجزات 
نبينا 4ة من انشقاق القمر وتسبيح الحصى في يده ونبع الماء من بين 
أصابعه» ليتوصل من ذلك إلى إنكار نبوته ثم أنه استثقل أحكام شريعة 
الإسلام في فروعها ولم يجسر على إظهار رفعهاء فأبطل الطرق الدالة 
عليهاء فأنكر لأجل ذلك حجية الإجماع وحجية القياس في الفروع 
الشرعية» وأنكر الحجة من الأخبار التى لا توج العلم الضروري› ثم إنه 
علم إجماع الصحابة على الاجتهاد في المروع فذكرهم بما يقرؤه غدا في 
صحيفة مخازيه. وطعن في فتاوى اعلام الصحابة رضي الله عنهم» و 
فرف الأمة من فريقي اراي r e e ٤‏ 
ولم في ضلالته إلا نفر قليل كالأسواري وابن حايط وفضل الحدثي 
والجاحظ مع مخالفتهم له في بحعض ضلالاته» وقد قال بتکفیره أكثر شيوخ 
المعتزلة» منهم: أبو الهذيل والجبائي والإسكافي وجعفر بن حرب في كتب 
خاصة ألفوها للرد على ضلالاته. 

ثم أخذ يسرد بعض فضائحه فقال فى الفضيحة السادسة عشرة قوله: بأن 
الخبر المتواتر مع خروج ناقليه عند سامع الخبر عن الحصر ومع اختلاف همم 
الناقلين واختلاف دواعيها يجوز أن يقع كذبأء هذا مع قوله بأن من أخبار الآحاد ما 


0 01) 


يفلح فمات متأثراً a‏ ۹ ھ. وقد وافقوا عر ووافقوا القدرية 
في أصول وانفردوا بأصول لهم .اه من الفرق ص5١؟١.‏ 


١4 


يوجب العلم الضروري» وقد كفره أصحابنا مع موافقيه في الاعتزال في هذا 
المذهب الذي صار إليه . ثم قال في الفضيحة السابعة عشرة : تجويزه إجماع الأمة 
في كل عصر وفي جميع الأعصار على الخطأ من جهة الرأي والاستدلال» ويلزمه 
على هذا الأصل ألا ب يثق بشيء مما اجتمعت الأمة عليه لجواز خطئهم فيه عنده» 
وإذا كانت أحكام الشريعة منها ما أخذه المسلمون عن خبر متواتر ومنها ما أخذوه 
عن أخبار الآحاد» ومنها ما أجمعوا عليه وأخذوه عن اجتهاد وقياس» وكان النظام 
دافعاً لحجة التواتر ولحجة الإجماع» وقد أبطل القياس وخبر الواحد إذا لم يوجد 
العلم الضروري» فكأنه أراد إبطال أحكام فروع الشريعة لإبطاله طرقها . 
ثم قال في الفضيحة الحادية والعشرين: ثم إن النظام مع ضلالاته 
التي حكيناها عنه» طعن في أخبار الصحابة والتابعين من أجل فتاويهم في 
الاجتهادء فذكر الجاحظ عنه فى كتاب «المعارف» وفي كتابه المعروف 
ب«الفتيا» أنه عاب أصحاب اديت وروايتهم أحاديث 0 هريرة» وزعم أن 
أبا هريرة كان أكذب الا وطعن في الفاروق عمر رضي الله عنه وزعم 
أنه شك يوم الحديبية في دينه وشك يوم وفاة النبي كك وأنه كان فيمن نفر 
بالنبي عليه السلام ليلة العقبة» وأنه ضرب فاطمة ومنع ميراث الضرة» وأنكر 
عليه تغريب نصر بن الحجاج من المدينة إلى البصرة» وزعم أنه ابتدع صلاة 
التروايح» ونهى عن متعة الحج» وحرم نكاح الموالي للعربيات» وعاب 
عثمان بإيوائه الحكم بن العاص إلى المدينة» واستعماله الوليد بن عقبة على 
الكوفة» حتى صلى بالناس وهو سكران» وعابه بأن أعان سعيد بن العاص 
بأربعين ألف درهم على نكاح عقده وزعم أنه استأثر بالحمى» ثم ذكر عليا 
رضي الله عنه وزعم أنه سئل عن بقرة قتلت حماراً فقال: أقول فيها برأيي» 
ثم قال النظام عن عليّ: ومن هو حتى يقضي برأيه؟ وعاب ابن مسعود في 
قوله حديث بروع ت واو اول فا ترا فإن كان صواباً فمن الله 
عز وجل وإن كان خطأ فمني. وكذبه في روايته عن النبي يل آنه قال : 





)١(‏ سيمر بك الرد على هذا في فصل الرد على الأستاذ «أحمد أمين» الذي سرق رأيه في 
أبى هريرة عن النظام قديماً والمستشرقين جديا 


١1 


«السعيد من سعد في بطن أمه والشقي من شقي في بطن أمه» وكذبه أيضا 
في روايته انشقاق القمرء وفي رؤيته الجن ليلة الجن» ثم إنه قال في كتابه: 
«إن الذين حكموا بالرأي من الصحابة إما أن يكونوا قد ظنوا أن ذلك جائز 
لهم وجهلوا تحريم الحكم بالرأي في الفتيا عليهمء وأنهم أرادوا أن يذكروا 
بالخلاف وأن يكونوا رؤساء في المذاهبء» فاختاروا لذلك القول بالرأي 
فنسبهم إلى إيثار الهوى على الدين"'“. وقد ذكر الإمام البغدادي بعد 
ذلك" : أن نسبة النظام الصحابة إلى الجهل والنفاق يترتب عليه خلود 
أعلام الصحابة في النار على رأي النظام» لأن الجاهل بأحكام الدين عنده 
كافر والمتعمد للخلاف بلا حجة عنده منافق كافر أو فاسق فاجرء وكلاهما 
من أهل النار على الخلود. 


هذا ما ذكره الإمام أبو منصور البغدادي ووافقه على أكثر ما فيه 
الشهرستانى صاحب «الملل والنحل» المتوفى سنة (- 05/8ه). ومنه نرى أن 
الله جا مر a‏ هن 1ن بوبنا د 
موقن بفسقهم كاعمرو بن عبيد» وما بين طاعن في أعلامهم» متهم لهم 
لکد والجهل والنفاق كالنظام» وذلك يوجب ردهم للأحاديث التي 
جاءت عن طريق هؤلاء الصحابة بناء على رأي واصل وعمرو ومن تبعهماء 
وأن أخبار الآحاد لا تثبت عند أبى الهذيل حكماً إلا إذا رواها غشرون» 
بينهم واحد من أهل الجنةء وأن النظام ينكر حجية الإجماع والقياس وقطعية 
المتواتر . 

وقه كان موتك لمعت له و ا ا ی ي الف الاب 
لعقيدة جمهور المسلمين أثر كبير في الجفاء بين علماء السنة ورؤوس 
المعتزلة» تراشق على أثره الفريقان التهم» فالمعتزلة يرمون المحدثين 
بروايتهم الأكاذيب والأباطيل» وبأنهم زوامل للأخبار لا يفهمون ما يروون. 


(0) الفرق بين الفرق ص85 .4١‏ 
(۲) ص۱۹۲. 


١ 


ويذكرون لهم من الطرائف في ذلك ما صح بعضها عن عوام أهل الحديث 
لا عن رؤسائه» بينما يتهم المحدثون أئمة الاعتزال بالفسق والفجور 
والابتداع في الدين والقول بآراء ما نزّل الله بها من سلطانء فقد نقل ابن 
قتيبة في كتابه «تأويل مختلف الحديث). وكذلك البغدادي في «الفرق بين 
الفرق» عن النظام أنه كان يقول بأن الطلاق لا يقع بشيء من ألفاظ الكناية» 
وان من ظاهر امرأته بذكر البطن أو الفرج لم يكن مظاهراًء وأن النوم لا 
ينقض الطهارة إذا لم يكن معه حدث» وأن من ترك صلاة مفروضة عدا 
لم يصح قضاؤه لهاء ولم يجب عليه قضاؤهاء كما ذكر ابن قتيبة عنه أنه 
كان سكيراً ماجناً يغدو على سكرء ويروح على سكر وأنه هو قال عن 
اد 
ال ارا وق لها باأنصيع ونا سن عير مديوع 
حتى انتشيت ولي روحان في بدد والزق مُطرح جسم بلا روح 
م مذ نوس قو قد القول بخلق القرآن فى 
ع ا د او لا و الحمة حدادرن إلى الصيحد البجاف الكرنيه 
فوت الصلاةء فقال لرفيق له : انظر إلى هؤلاء الحمير والبقر... ثم قال: مادا 
صنع ذاك العربي بالناس؟ يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم. 


ويظهر أن ما ذكره ابن قتيبة والبغدادي عن رؤساء الاعتزال ‏ وإن كان 
كلام خصم في خصومه ‏ صحيح بالجملة من حيث اتصاف أولئك الرؤساء 
بقلة التدين وعدم التورع عن ارتكاب بعض المحرمات» فقد روى الجاحظ 
وهو من أئمة الاعتزال - في كتاب المضاحك -: إن المأمون رک نوها 
فرأى ثمامة 0 فقال له- ثمامة؟ قال: إي والله. 
قال: ألا تستحيي؟ قال: لا والله. قال: عليك لعنة الله. قال: تترى ثم 





)١(‏ سترى نموذجاً من هذا عند الكلام عن أبي حنيفة. 
(0) تأويل مختلف الحديث ص .١١‏ 


١17 


رى : وروق ,شا أن غلام ثمامة قال لثمامة يوماً: قم صل. فتغافل 
ثمامة» فقال له غلامه: قد ضاق الوقت» فقم وصل واسترح» فقال: أنا 
مستريح إن تركتني. 

وأيّا ما كان فقد تطور الجفاء بين الفريقين إلى أن وقعت فتنة خلق 
القراة العى ي لامر نه ا لالس رجه ا ها ي 
الاس ما لا يعتقدون وكان للمحدثين موقف مشرف في الدفاع عن 
الحق» إذ صمدوا للإغراء والتهديد والوعيد» بل وللسجن والقتل» وما لقيه 
إمام السنة أحمد بن حنبل رحمه الله في ذلك من سجن وضرب مدى ثلاثة 
عشر عاماً أبلغ دليل على ما نال علماء السنة من اضطهاد وأذى» حتى وَلِيَّ 
المتوكل الخلافة سنة ۲١۲ه‏ فأعلن ميله إلى أهل السنةء وأزال عن الناس 
تلك المحنة» ورفع من أقدار المحدثين» وتضاءل المعتزلة بعد ذلك حتى 
لم تقم لهم من بعدها قائمة»ء وقد أدى ‏ مع الأسفف ‏ هذا الصراع إلى 

أولاهما: ما فتحه رؤساء المعتزلة من ثغرات فى مكانة الصحابة 
ا ا ی ا ی ا ت ااا ا 
من صحابة رسول الله» وأن يجرؤوا على رميهم بالكذب والتلاعب في 
دين الله» مستندين إلى ما افتراه النظام وأمثاله عليهم» وما استطال بلسانه 
على مقامهم» وقد تبع المستشرقين في هذا بعض الكتاب المسلمين» كما 
ستطلع عليه من صنع الأستاذ أحمد أمين وبعض أدعياء العلم المغرورين . 

انيتهما: أن جمهور المعتزلة كانوا في الفقه على مذهب أبي حنيفة 
وأصحابه» حتى إن بشرا المريسى الذي كان من أبرز رؤوس المعتزلة فى 
عصرهء قالوا: إنه كان في الفقه 0 رأي أبي يوسف القاضي» غير أنه لما 
أظهر قوله بخلق القرآن هجره أبو يوسف”" فلما أشرعت الخصومة بين أهل 


() الفرق بين الفرق ص5 .٠١‏ 
© اقرف ين الفرق حو 2 


1 


الحديث وأهل الاعتزال جرح المحدثون كل من قال بخلق القرآن» وجرّ 
أنهم يقولون بالرأي. ولا ذنب لهم إلا أن مذهب أبي حنيفة كان مذهب 
خصومهم المعتزلة» حتى إن أبا حنيفة نفسه لم يسلم من أذى الذين جاؤوا 
عفن ارفك الد قد مين الله الول لق القران "© وير أن 
صلى خلف المعتزلى يعيد صلاته». وسئل أبو يوسف عن المعتزلة فقال: 
١ (Du i.‏ 
هم الزنادقة 
رفكدا اضانت تنظانا.هذة المخركة قرا من أقمة المسلمين غير أن 
يسهموا فيهاء وكان من الممكن ألا تصل إلى ما وصلت إليه لولا تدخل 


(۲( هكذا نقل صاحب الفرق بين الفرق حل 17 


1€ 





القصلالتال 
السَنة مع منڪري جينا قدا 





لويكك ل ارد الان الجر ج ات الب ب گر 
حجيتها كمصدر من مصادر التشريع الإسلامي. وبمن ينكر حجية غير 
المتواتر منهاء مما يأتي عن طريق الآحادء وبمن ينكر حجية السنة التي لا 
ترد بياناً لما في القرآن أو مؤكدة لهء بل تأتي بحكم مستقل . 

وأول من تعرض لهذه المذاهب ‏ فيما نعلم ‏ الإمام الشافعي 
رحمه الله؛ فقد جاء في كتاب «جماع العلم» من كتاب «الأم» فصل خاص» 
ذكر فيه الشافعي مناظرة بينه وبين من ينسب إلى العلم بمذهب أصحابه ممن 
يرون رد الأخبار كلهاء كما عقد ‏ رحمه الله - فصلا طويلاً فى «الرسالة» 
لحجية خبر الآحاد» وإليك ما ذكره في كتاب «الأم». ا 


قال الشافعي رحمه الله تعالى: «قال لي قائل ينسب إلى العلم بمذهب 
أصحابه أنت عربي والقران نوك ا أت منهم› اك أدرى بحفظه. 
وفيه لله فرائض أنزلهاء لو شك شاك قد تلبس عليه القرآن بحرف منها 
استتبته» فإن تاب وإلا قتلته» وقد قال الله عز وجل في القرآن: يننا 
لحل سىء [النحل:84] فكيف جاز عند نفسك أو لأحد في شيء 
فرضه الله أن يقول مرة: الفرض فيه عام» ومرة: الفرض فيه خاص»› 
ومرة: الأمر فيه فرض» ومرة: الأمر فيه دلالة» وإن شاء ذو إباحة» وأكثر 
ما فرقت بينه من هذا عندك حديث ترويه عن رجل عن آخرء أو حديثان أو 


)١(‏ جماع العلم المطبوع مع الأم 7/ ٠٠١‏ في باب حكاية قول الطائفة التي ردت الأخبار 
كلها . 


ثلاثة حتى تبلغ به رسول الله كك وقد وجدتك ومن ذهب مذهبك لا 
كن اعد انعمو و تة ف الصا و ا :ولا أا ات ن 
لقيتم من أن يغلط وينسى ويخطئ في حديثه» بل وجدتكم تقولون لغير 
واحد منهم: أخطأ فلان في حديث كذاء وفلان في حديث كذاء ووجدتكم 
حدثکم› لم تستتيبوه» ولم تزيدوا على أن تقولوا له: بئس ما قلت› 
أفيجوز أن يفرق بين شيء من أحكام القرآن» وظاهره واحد عند من سمعه 
بخبر من هو كما وصفتم» وتقيمون أخبارهم مقام كتاب الله» وأنتم تعطون 
بها وتمنعون بها؟ 

قال الشافعي : «فقلت: إنما نعطي من وجه الإحاطة (أي العلم 
اليقينى) ومن جهة الخبر الصادق» وجهة القياس» وأسبابها عندنا مختلفة 
وإن أعطينا بها كلهاء فبعضها أثبت من بعضء» قال: ومثل ماذا؟ قلت : 
إعطائي من الرجل بإقراره. وبالبينة» وإبائه اليمين› وحلف صاحبه» والإقرار 
أقوى من البينة» والبينة أقوى من أداء اليمين» ويمين صاحبهء ونحن وإن 
أعظنا عطاء واحدا فاسانها مختلفة: 


قال (الخصم): وإذا أقمتم على أن تقبلوا أخبارهم» وفيهم ما ذكرتم 

قال (الخصم): ولا أقبل منها شيئاًء إذا كان يمكن فيهم الوهم ولا 
أقبل إلا ما أشهد به على الله كما أشهد بكتابه الذي لا يسع أحداً الشك في 
حرف منه )» أو يجور أن يقوم شىء مقام الإحاطة ولیس بها) . 

قال الشافعى: «فقلت له: من علم السات الد هه كنات الله 
من خاصة وعامة). 


ثم أخذ الشافعى رحمه الله فى التدليل على ذلك فقال: قال الله 


1٦ 


عل مك لل ص ل یں ے اورک لحيس سح ل سكي ع ساس م 
عز وجل: «اهْرٌ الى بِعَتَ ف الْأَيْعنَ رَسْلًا َنم يَسَلُوأ عَلَهِمْ كيه رركي 
وتعلمهم الكتب وَلَلِكْنَة4 [الجمعة: ۲]. 

قال (الخصم): فقد علمنا أن الكتاب كتاب الله فما الحكمة؟ 
قلت: سنة رسوله صلى الله عليه وسلم. 


قال (الخصم): فيحتمل أن يكون» يعلمهم الكتاب جملة» والحكمة 
خاصةً وهى أحكامه؟ 
الفرائض من الصلاة والزكاة والحج وغيرهاء فيكون الله قد أحكم فرائض 
من فرائضه بکتابه › وبيّن كيف هی على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم؟ 
قال (الخصم): إنه ليحتمل ذلك! 
إليه إلا بخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . 
قال (الخصم) : فإن ذهبت مذهب تكرير الكلام؟ . 
قلت: وأيهم أولى بهء إذا ذكر الكتاب والحكمة أن يكونا شيئين أو 
قال: يحتمل أن يكونا كما وصفت › كتاباً وسئة» فيكونا شيئين ١‏ 
قلت : فأظهرهما أولاهماء وفى القرآن دلالة على ما قلناء وخلاف ما 
قال : وأين؟ 
قلت: قول الله عز وجل: وڏ ڪر ما بٿ فى وڪن من ٤الت‏ الله 
َلَفْكَذْ إن أله كات ليليًا حيرا 469 [الأحزاب] فأخبر أنه يتلى في بيوتهن 
يتان : 


1۷ 


قال (الخصم): فهذا القرآن يتلى فكيف تتلى الحكمة؟ 

قلتك:! اا ي ا و الفر وا کا م 
قال (الخصم): فهذه أبين في أن الحكمة غير القرآن من الأولى. 
وقلت: «افترض الله علينا اتباع نبيه صلى الله عليه وسلم»). 

قال (الخصم): وأين؟ 


NRE‏ قال الله عز وجل : ف فلا ورك لا ومون > م 


شر بهم تہ لآ درا ن ف شیک 1 وسلا سلا 43 
[العسياء] وقال رول ٠‏ ن د لِعِ الرَسُولَ فَمَد أطاع أ [النساء: ]۸٠‏ 


روم و ص م ر رو أن 2 > و 52 ر2 ص 


وقال: #اتلحَدَر الَذِنَ الم عن آم ن تصيبهم فثنة أو .نصيبهم عد عَدَابُ اليد » 
قال (الخصم): ما من شيء أولى بنا أن نقوله في الحكمة من أنها 
سنة رسول الله ية ولو كان كما قال بعض أصحابنا: (إن الله أمرنا 
بالتسليم لحكم رسول الله ية وحكمه إنما هو لما أنزله) لكان من لم يسلم 
قلت : لقد فرص الله جل وعر اتباع أمره : وم ءا ل € 11 
وما تنك عَنْهُ مأنتهوأ [الحشر: ۷]. 
قال (الخصم): إنه لبيّن في التنزيل أن علينا فرضاً أن نأخذ الذي 
قال (الشافعي) فلي والفرض علينا وعلى من هو قبلنا من بعدنا 
واحد؟ 


)١(‏ هكذا العبارة في جماع العلم المطبوع مع الأم ١‏ ؟” ولعل صوابها: «أن نط 
بالسنة كما ينطق بالقرآن». 


1۸ 


فقا ف فإن كان ذلك لتنا اتباع أمر رسول الله ۰ أنحيط أ إذا 
فرض علينا شيئاً فقد دلنا على الأمر الذي يؤخذ به فرضه؟ 


قال : نعم ! 

قلت : فهل تجد السبيل إلى تأدية فرض الله عز وجل في اتباع أوامر 
رسول الله ييا أو أحد قبلك أو بعدك ممن لم يشاهد رسول الله َة إلا 
بالخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ 

وهنا ذكر الشافعي له أيضاً: كيف ينسخ القرآن بعضه بعضاً ولا سبيل 
إلى ذلك إلا بالخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. 

ثم قال (الخصم): والحجة لك ثابتة بأن علينا قبول الخبر عن 
رسول الله يلاء وقد صرت إلى أن قبول الخبر لازم للمسلمين وما في مثل 
معانيه من كتاب الله» ثم أعلن الخصم الرجوع عما كان يعتقده إلى ما تبين 


AE 
ثم سأل الخصم الشافعيّ عن العام كيف يكون في القرآن مرة عاما‎ 
و اض ا‎ 


فبيّن له الشافعي رحمه الله أن لسان العرب واسع وقد تنطق بالشيء 
عاماً وتريد به خاصاًء وأن القول بخصوصية العام لا تكون إلا بحجة من 
قرآن أو سنة» ثم ذكر له على ذلك أمثلة من عموم القرآن خصت بأخبار 
السنة كعموم الصلاة على المكلفين خصت منها ذوات الحيض» والزكاة 
على الأموال عامة وخص منها بعض الأموال» والوصية للوالدين نسخت 
بالفرائض» والمواريث للآباء والأمهات والولد على العموم وخص منها 
الكافر لا يرث من المسلمء والعبد من الحر والقاتل من المقتول وكل ذلك 
بالسنة» فاعترف الخصم بأنه لا سبيل لعلم ذلك إلا بالسنة . 

ثم قال الخصم: وما زلت أقول بخلاف هذا المعنى حتى بان لي 
خطأ من ذهب هذا المذهبء ولقد ذهب فيه أناس مذهبين: أحد الفريقين 
لا يقبل خبراً وفي كتاب الله البيان. 


١ 48 


ذلك انها لزمه؟ 

قال: أفضى به ذلك إلى عظيم من الأمرء فقال: من جاء بما يقع 
عليه اسم صلاة وأقل ما يقع عليه اسم زكاة فقد أدى ما عليه لا وقت في 
ذلك» ولو صلى ركعتين في كل يوم أو في كل أيام» وقال: ما لم يكن في 
كتاب الله فليس على أحد فيه فرض» وقال غيره: ما كان فيه قرآن يقبل فيه 
الخبر» فقال بقريب من قوله فيما ليس فيه قرآن» فدخل عليه ما دخل على 
الأول أو قريب منه» ودخل عليه إلى أن صار إلى قبول الخبر بعد رده» 
وضان إلى ان لا ف ف وا م ا ول فاضا بول عنام اطا 
ومذهب الضلال في هذين المذهبين واضح لست أقول بواحد منهماء ولكن 
هل من حجة في أن تبيح المحرم بإحاطة بغير إحاطة؟ (أي تبيح المحرم 
قطعاً بالظن) . 


قال : ما هو؟ قلت : ما تقول في هذا الرجل إلى جنبي أمحرم الدم والمال؟ 
قال : نعم . 


قلت: فإن شهد عليك شاهدان بأنه قتل رجلا وأخذ ماله وهو هذا 
الذي فى يديه؟ 

قال : أقتله قَوَداً وأدفع الذي في يديه إلى ورثة المشهود له. 

قلت : أو يمكن في الشاهدين أن يشهدا بالكذب والغلط؟ 


قال : نعم . 
بإحاطة؟ 


قال: أمرت بقبول الشهادة. 

قلت: أفتجد في كتاب الله تعالى نصاً أن تقبل الشهادة على القتل؟ 
SS‏ انهلا رامن إلا يدعي 

ثم قال الشافعي له: فإن كنت أمرت بذلك على صدق الشاهدين في 


۷۰ 


الظاهر فقبلتهما على الظاهر ولا يعلم الغيب إلا الله» وإنا لنطلب في 
المحدث أكثر مما نطلبه في الشاهد. فنجيز شهادة البشر لا نقبل حديث 
واحد منهم ونجد الدلالة على صدق المحدث وغلطه ممن شركه من 
الحفاظ» وبالكتاب والسنة» ففي هذا دلالات ولا يمكن هذا في الشهادات. 


وأخيراً يعلن الخصم اقتناعه بأن قبول خبر الرسول قبول عن الله. اه 


أولاً: لم يبين لنا الشافعي رحمه الله من هي هذه الطائفة التي ردت 
الأخبار كلهاء ولا من هو الشخص الذي ناظره فى ذلك» وقد استظهر 
القيت الخضري رجعة اله أنه بعص ذلك الا حب فل ف ان 
«تاريخ التشريع الإسلامي»: (ولم يظهر لنا الشافعي شخصية من كان يرى 
هذا الرأي ولا أبانه لنا التاريخ» إلا أن الشافعي في مناظرته لأصحاب الرأي 
الآتى (الذين يردون خبر الخاصة) قد صرح بأن صاحب هذا المذهب (من 
يرد الأخبار كلها) منسوب إلى البصرة» وكانت البصرة مركزا لحركة علمية 
كلامية» ومنها نبعت مذاهب المعتزلة» فقد نشأ بها كبارهم وكتابهم» وكانوا 
معروفين بمخاصمتهم لأهل الحديث» فلعل صاحب هذا القول منهم) وقد 
ال عندي هذا الظن عقا رأبغة في الكتاب الموسوم ب«تأويل مختلف 
الحديث» لأبي محمد بن عبد الله بن مسلم بن قتيبة (117ه) فقد ذكر فيه 
موقف شيوخ المعتزلة من السنة وتطاولهم على الصحابة وكبار المفتين منهم . 


واستنتج «الخضري» 0 ذلك أن غارة شعواء شنت في عصر الشافعي 
أو قبله بقليل من المتكلمين على أهل السنةء وأكثر المتكلمين كان بالبصرة» 
فمن المؤكد أن يكون الذي ناظر الشافعي من هؤلاء''' وهذا الذي استظهره 
الشيخ «الخضري» قوي في النطر» 


افا لا يخالشتكه ذزة هن الك ف أن المراة بانكان عفجية: السدة 
)0010( تاريخ التشريع الإسلامي ص۱۹۷ . 


1۷۱ 


إنكار ذلك من حيث الشك في طريقهاء وما يلحق رواتها من خطأ أو 
وهمء وما يندس بينهم مره وضناغين: وكذابين 6 وهن نا قال هن فال 
بوجوب الاقتصار على القرآن وعدم الاعتماد على السنة» لا أنهم أنكروها 
من حيث هي أقوال للنبي وأفعال وتقريرات» فإن مسلما لا يقول بذلك», 
ولم ينقل عن طائفة من طوائف المسلمين أنها قالت بأن اتباع أمر رسول الله 
ليس بواجب» وأن أقواله وأفعاله ليست من مصادر التشريع» ولا شك أن 
في القول بذلك ردا لأحكام القرآن وما أجمع عليه الصحابة والمسلمون» 
نعم نسب هذا القول إلى طائفة من غلاة الروافض التي تنكر نبوة 
محمد بيو وهذا لا كلام لنا فيه» فالبحث إنما هو في أآراء الطوائف 
الإسلامية» لا المرتدين والملاحدة وأشباههم» وإليك من نصوص العلماء ما 
يؤكد هذا الذي قلناه. 

فال الشافعي رحمه الله في صدر كتاب «جماع العلم» من كتاب «الأم) 
الجزء السابع ص١15:‏ «لم أسمع أحداً نسبه الناس أو نسب نفسه إلى 
علم» يخالف في أن فرض الله عز وجل اتباع آمر رسول الله ياء والتسليم 
لحكمه بأن الله عز وجل لم يجعل لمن بعده إلا اتباعه» وأنه لا يلزم قول 
بكل حال إلا بكتاب الله وسنة رسولهء وأن ما سواهما تبع لهماء وأن 
فرض الله علينا وعلى من بعدنا في قبول الخبر عن رسول الله مكو إلا 
فرقة أصف قولها إن شاء الله). يي لوه الفرقة هي التى ذكر آراءها 
وناقشها آنفاً). ا 

ولا شك أنك لمحت من النقاش أن مدار الإنكار هو الظن في ثبوتها 
بحيث لا تقف أمام القرآن المقطوع بصحته ونسبته إلى رسول الله هَل ثم 
إلى الله عز وجل . 

و هو الأضل. چو اله 
الشرائع نظرنا فيه فوجدنا فيه إيجاب طاعة ما أمرنا به. رسول الله لادء 


.41/١ الإحكام‎ )١( 


V۲ 


ووجدناه عز وجل يقول فيه واصفاً لرسوله كَلِ: #وما بطق عن اموق 
إن هُرَ إِلَا مف ب 9 4 [النجم] فصح لنا بذلك أن الوحي ينقسم 
من الله عز وجل إلى رسوله ية على قسمين: أحدهما: وحي ملو مؤلف 
تأليفاً معجز النظام وهو القرآن» والثاني: وحي مروي منقول غير مؤلف 
ولا معجز النظام ولا متلوٌ لكنه مقروءء وهو الخبر الوارد عن 
رسول الله اة وهو المبين عن الله عز وجل مراده مناء قال تعالى: لين 
لتاس ما نرد لم4 [النحل: ]٤٤‏ ووجدناه تعالى قد أوجب طاعة هذا 
القسم الثاني كما أوجب طاعة القسم الأول الذي هو القرآن ولا فرق» 
فقال تعالى: #واطيمُوا أله وَأَطِيعواً اسول [المائدة: ؟9] فكانت الأخبار 
التق ذكرنا أحد الأصول الثلاثة التي ألزمنا طاعتها في الآية الجامعة لجميع 
الشرائع أولها عن آخرهاء وهي قوله تعالي: لاا الي ءَامَنْوا أطِيعوأ 
آل فهذا أصل وهو القرآن #وأطيعرأ الرس فهذا ثان وهو الخبر عن 
رسول الله ل رأ الأ ينك [النساء: ]٥۹‏ فهذا ثالث وهو الإجماع 
المنقول إلى رسول الله ية حكمه». 


ثم قال بعد قليل: فلم يسع مسلماً يقر بالتوحيد أن يرجع عند 
التنازع إلى غير القرآن والخبر عن رسول الله يا ولا يأبى عما وجد 
فيهماء فإن فعل ذلك بعد قيام الحجة عليه فهو فاسق» وأما من فعله 
مستحلاً للخروج عن أمرهما وموجباً لطاعة أحد دونهما فهو كافر لا شك 
عندنا في ذلك . 

وقال في موضع آخر''؟: «ولو أن امرءاً قال: لا نأخذ إلا ما وجدنا 
في القرآن لكان كافراً بإجماع الأمة» ولكان لا يلزمه إلا ركعة ما بين دلوك 
الشمس إلى غسق الليل» وأخرى عند الفجرء لأن ذلك هو أقل ما يقع 
عليه اسم صلاة» ولا حَدّ للأكثر في ذلك وقائل هذا كافر مشرك حلال 





)000( الإحكام : ۲/ ۸۰. 


VT 


الدم والمال» وإنما ذهب إلى هذا بعض غالية الرافضة ممن اجتمعت الأمة 
على كفرهم). 

وذكر السيوطي: «إن من غالية الرافضة من ذهبوا إلى إنكار الاحتجاج 
بالسنة والاقتصار بالقرآن لأنهم يعتقدون أن النبوة لعلىٌ وأن جبريل أخطأ في 
نزوله إلى سيد المرسلين 6)''. 


الا خفن ححة مو يرف الكخيان كلها كما تحكاه الشافدى ف 
قولهم: إن القرآن جاء تبياناً لكل شيء فإن جاءت الأخبار بأحكام جديدة لم 
ترد في القرآن» كان ذلك معارضة من ظنيٌ الوت وهي الأخبار لقَطعيه - 
وهو القرآن ‏ والظنيٌ لا يقوى على معارضة القطعيىّ» وإن جاءت مؤكدة 
لحكم القرآن كان الاتباع للقرآن لا للسنة» وإن جاءت لبيان ما أجمله 
القرآن» كان ذلك تبييناً للقطعى الذي يكفر منكر حرف منه بظنىٌ لا يكفر 
من أنكر ثبوته» وهذا غير جائز. 

وربما يتبادر إلى الذهن أنهم على هذا يقبلون المتواتر من الأخبار 
لأنها قطعية الثبوت فكيف عمم الشافعي بقوله: «رد الأخبار كلها»؟ والذي 
يظهر أنهم لا يعتبرون المتواتر قطعياً أيضاً بل هو عندهم ا لا خا 
من طرق آحادها.ظنية؛. فاحتمال الكذب فى رواته لا يزال قائماء ولو كانوا 
جمعاً عظيماًء وإذا صح ما ذهب إليه «الخضري» من أن قائل هذا القول 
معتزلي› وصح مأ نسب لضن النُظام مما با معنا نعل من إنكاره إفادة 
المتواتر القطع» تأكد لك ما نقوله ويؤكده اعتراف الخصم بأن من لا يقبل 
الخبر يلزمه بأن من جاء بما يقع عليه اسم صلاة فقد أدى ما عليه» ومعنى 
ذلك أنه يلزمهم عدم القول بعدد الركعات في الصلاة وهي من المتواتر 


أما "قوله؛ لا أقبل منها شيئا إذا كان يمكن فيه الوهم ولا أقبل إلا ما 


)١(‏ مفتاح الجنة ص". 


VE 


أشهد به على الله. .. إلخ. فهذا لا يدل على قبوله المتواتر لأنه عنده مما 
يمكن فيه الوهم فلا يستطيع أن يشهد به على الله. 

رابعاً: يتلخص جواب الشافعي رحمه الله بما يلي : 

١‏ أن الله أوجب علينا اتباع رسوله. وهذا عام لمن كان في زمنه 
وكل من يأتي بعده» ولا سبيل إلى ذلك لمن لم يشاهد الرسول إلا عن 
طريق الأخبار فيكون الله قد أمرنا باتباع الأخبار وقبولهاء لأن ما لا يتم 
الواجب إلا به فهو واجب. 

؟ ‏ أنه لا بد من قبول الأخبار لمعرفة أحكام القرآن نفسهء فإن 
الناسخ ب وموم 7 ر وه إلى السنة . 

 “‏ أن هنالك أحكاما متفقا عليها من الجميع حتى الذين يردون 
الأخبارء ولم يكن من سبيل لمعرفتها إلا عن طريق الأخبار. 

٤‏ - أن الشرع قد جاء بتخصيص القطعي بظني» كما في الشهادة على 
القتل والمال باثنين» مع أن حرمة المال والدم مقطوع بهماء وقد قبلت فيها 
شهادة الاثنين وهي ظنية بلا جدال. 

كه أن الأخبار وإن كان فيها احتمال الخطأ والوهم والكذب» ولكن 
هذا الاحتمال ‏ بعد التثبت والتأكد من عدالة الراوي» ومقابلة روايته 
بروايات أقرانه من المحدثين ‏ أصبح أقل من الاحتمال الوارد في 
الشهادات . 

فوا إا عد الوا ان من كات ارس ف الخال كاد 
کون وما 

خامساً: أن الشافعي رحمه الله لم يتعرض في الجواب لقول الخصم: 
إن الله أنزل الكتاب تبياناً. لكل شيء» إلا أن يكون نص القرآن على اتباع 
اسول فا ادرا و ره لك ها جا عن الرسول وهلا أجل وج : 
خمسة للعلماء سنذكرها في الباب الثالث إن شاء الله تعالى. 





وفي عصورنا هذه تصدى بعض الذين لا إلمام لهم بهذا الفن ال 
إنكار حجية السنة› وفد نشرت مجلة «المنار» للمرحوم «السيد رشيد رضا) 
يعلن فيهما هذا الراي تحت عنوان الإسلام هو القرآن وحده» وتتلخص 
شبهه فيما يلي : 

أولاً: قول الله تعالی: ا رطا فی الک من شَْو» [الأنعام: 8"] 
وقوله: # ورلا ميت الكتبَ يننا لڪل تَىَءِ# [النحل: 89] يدل على 
أن الكتاب قد حوى كل شيء من افون الدين» وكل حكم من احکامه» 
وأنة ننه وفصله بحيث لا يحتاج ال شىء آخر كالسنة» وإلا كان الكتاب 
مفرطاً فيه» ولما كان تبياناً لكل شيء» فيلزم الخلف في خبره تعالى وهو 
محال . 


e 
. 


ثانياً: قول الله تعالى: إا حن برا لكر و لم لوطو 4)2 
[الحجر] يدل على أن الله تكفل بحفظ القرآن دون السنة» ولو كانت دليلا 
وحجة كالقرآن لتكفل بحفظها. 

ثالثاً: لو كانت السنة حجة لأمر الّبي بي بكتابتهاء ولعمل الصحابة 
والتابعون من بعد على جمعها وتدوينهاء لما في ذلك من صيانتها من 
العبث والتبديل والخطأ والنسيان» وفى صيانتها من ذلك وصولها للمسلمين 
مقطوعاً بصحتها فإن ظنى الثبوت لا يصح الاحتجاج بهء وقد قال تعالى: 
ارا قف ما لس لک بد عل [الاسراء: ]۳١‏ وقال: لإإن تَتَبِموَتَ إلا 


ر 


۷٦1 


ان [الأنعام: ]١58‏ ولا يحصل القطع بثبوتها إلا بكتابتها كما هو الشأن 

في القرآن» ولكن الثابت أن النبي بيه نهى عن كتابتها وأمر بمَخو ما كتب 
وكذلك فعل الصحابة والتابعون» فقد أخرج الحاكه"'' ع 
أبا بكر رضي الله عنه أحرق خمسمائة حديث كتبهاء وقال: «خشيت أن 
أموت فيكون فيها أحاديث عن رجل ائتمنته ووثقت به ولم يكن كما حدثني 
فأكون قد نقلت ذلك» وكذلك فعل «زيد بن ثابت» إذ دخل على معاوية 
فا مارا عو حا فا شيره يف فام معارية انا كه ال له 
«زيد»: إن رسول الله أمرنا ألا نكتب شيئاً من حديثه فمحاهء ولقد عزم ٠‏ 
اعمر» مرة أن يكتب السنن» ثم عدل عن ذلك وقال: «إني كنت أريد أن ٠‏ 
أكتب السئن فإني ذكرت قوما كانوا قبلكم كتبوا كتبا فأكبُوا عليها وتركوا 
كتاب الله» وإني ‏ والله ‏ لا أشوب كتاب الله بشيء أبدا»» وكذلك طلب 
على برضي ا ت من کي ا ن لجرت ان وقد محا ابن 
مسعود صحيفة من الحديث كتبت عنه» وكره كتابة الحديث من التابعين 
(«(علقمة) و«اعبيدة) و«القاسم بن محمد) و«الشعبي“ و«النخعي» وامنصور) 
و«مغيرة» و«الأعمش» والاثار عنهم مشهورة في كتب العلم» ولم يكتفوا 
ال ل اتن .عن بعضهم النّهي عن التحديث أو التقليل منه» ولم تدوّن 
السنة إلا فى عصور متأخرة بعد أن طرأ عليها الخطأ والنسيان» ودخل فيها 
التدريك الي ولك مها بر راا برعل الا عا 
أخذ الأحكام. 


رابعاً: قد ورد عن النبي ييا ما يدل على عدم حجية السنة من 
ذلك : «إن الحديث سيفشو عني فما أتاكم يوافق القرآن فهو عني وما أتاكم 
AS eg N O‏ کا 
كنوها عديدا ' كان ذلك کی موی للقرانة وإن لم ي کیت حكها دند كانت 


)١(‏ ذكر ذلك الذهبى فى تذكرة الحفاظ 0/١‏ وأورده بسند الحاكم ثم عقب على ذلك 


بقوله: «فهذا لاا يصح)». 


VY 


اد التأكيد والحجة هو القرآن فقط. ومن ذلك: (إذا خدثتم عني حديثا 
تعرفونه ولا تنكرونه قلته أو لم أقلهء فصدقوا بهء فإني أقول ما يعرف ولا 
ينكرء وإذا حُدّئتم عني حديثاً تنكرونه قلته أو لم أقلهء فلا تصدقوا به فإني 
لا أقول ما ينكر ولا يعرف». أفاد هذا الحديث وجوب عرض ما ينسب 
إلى النبي يل على المعروف عند المسلمين من حكم الكتاب الكريم فلا 
کن ال بخ 


ومن ذلك: «إنى لا أحل إلا ما أحل الله في كتابه ولا أحرم إلا ما 
حرم الله فى كتابه» وفى رواية: «لا يمسكن الناس علىّ بشيء فإني لا أحل 
لهم إلا ما أحل الله ولا أحرم إلا ما رم الله») . 


تلك هي خلاصة ما أورده «الدكتور صدفي) من القيية على حجية 
السنة» ولا يتردد طالب العلم عن الجزم بتهافتها وضعفهاء ولكنا سنورد ما 
يتبين به ذلك إن شاء الله تعالى. 


الجواب عن الشبهة الأولى: 

إن القرآن الكريم قد جوى أصول الدين وقواعد الأحكام العامة 
ونص على بعضها بصراحة» وترك بيان بعضها الآخر لرسوله مء وما 
دام الله قد أرسل رسوله ليبين للناس أحكام دينهم» وأوجب عليهم 
اتباعهء كان بيانه للأحكام بياناً للقرآن» ومن هنا كانت أحكام الشريعة 
من كتاب وسنة وما يلحق بهما ويتفرع عنهما من إجماع وقياس» أحكاما 
من كتاب الله تعالى» إما نصاً وإما دلالة» فلا منافاة بين حجية السنة 
وبين أن القرآن جاء تبياناً لكل شيء. قال الشافعي رحمه الله تعالى : 
«فليست تنزل بأحد من دين الله نازلة إلا وفي کتاب الله الدليل على 
سبيل الهدى فيها». قال الله تبارك وتعالى: #ككتّبٌ أَنرلْنه إِلَتِكَ لتخرع 
الل الاك ال ال ا ل رط لمرب كيد ©4 
[إبراميم] a E Rs‏ 


52 س س 


فوت [النحل: ]٤٤‏ وقال: ورتا عد 3 ب ا لکل َ4 


۷۸ 


[النحل: 894] والبيان اسم جامع لمعاني مجتمعة الأصول متشعبة الفروع. 
فجماع ما أبان الله لخلقه في كتابه مما تعبدهم به لما مضى من حكمه 
جل ثناؤه من وجوه. 


١‏ فمنها ما أبانه لخلقه نصاً مثل جمل فرائضه في أن عليهم صلاة 
وزكأة وصوما وحجاء وأنه حرم المواحش ما ظهر منها وما طن ونص 
الزنا والخمر وأكل الميتة والدم ولحم الخنزيرء وبيّن لهم كيفف فرض 
الوضوء: مع غين “ذلك :مما تبيق: نضا 


؟ ‏ ومنها ما أحكم فرضه بكتابه وبيّن كيف هو على لسان نبيه 
مثل عدد الصلاة والزكاة ووقتها وعير ذلك من فرائضه التي أنزل من 
كتايه . 


رسول الله » فبعرض الله قبل . 


٤‏ - ومنها ما فرض الله على خلقه الاجتهاد في طلبه» وابتلى طاعتهم 
في الاجتهاد كما ابتلى طاعتهم في غيره مما فرض عليهم''". 


ثم قال: فكل من قبل عن الله فرائضه في كتابه قبل عن رسول الله 
جني فرق نعلا عا رمي له عا See SR‏ 
عن رسول الله فعن الله قبل» لما افترض الله من طاعته» فيجمع القبول لما 
فى كناب الله ,ولسيتة وسوول الله القبول: لكل واحد. فتهنما عن اللفه. وان 
e E o es‏ 


10 ا ی ا 
N 0‏ 


۷۹ 


الجواب عن الشبهة الثانية: 

إن ما وعد الله من حفظ الذكر لا يقتصر على القرآن وحده» بل 
المراد به شرع الله ودينه الذي بعث به رسوله» وهو اعم فرق أن قرآنا 
ارس وال عل لك اقول الله ال وا امل ال ان كيل 
ان4 [النحل: "5]. أي أهل العلم بدين الله وشريعته» ولا شك أن الله 
كما حفظ كتابه حفظ سنتهء بما هيأ لها من أئمة العلم يحفظونها ويتناقلونها 
ويتدارسونها ويميزون صحيحها من دخيلهاء وقد أفنوا في ذلك أعمارهم 
لا فو لدا ا ااا عه في ا اال هن ااب 
الأول ويذلك اضبحت سنة الرسول مدرسة محفوظة مدونة في مصادرها 
لم يذهب منها شيء. 


وقد نص العلماءء وفي مقدمتهم الشافعي رحمه الله» على أن السنن 
موجودة عند عامة أهل العلمء وإن كان بعضهم أجمع من بعض» ولكن إذا 
جمع علمهم أتى عليها كلهاء E‏ 
اليم منهاء ثم كان ما ذهب عليه منها موجوداً عند غيره اساي و ان 
نقطع بهذه النتيجة فنحن لا نشك في أنه لم يضع من سنة رسول الله في 
الصلاة والزكاة والحج والصيام والمعاملات والفرائض شيء قطعاًء وأن كل 
ما كان عليه رسول الله أو قاله مجموع مدوّن وإن اختلفت طرقه وتباينت 
مراتبه» قال ابن حزم: «ولا خلاف بين أحد من أهل اللغة والشريعة في أن 
كل وحي نزل من عند الله فهو ذكر منزل» فالوحي كله محفوظ بحفظ الله 
تعالى له بيقين» وكل ما تكفل الله بحفظه فمضمون أن لا يضيع منه وألا 
يحرف منه شيء أبداً تحريفاً لا يأتي البيان ببطلانه» ثم رد ابن حزم على من 
زعم أن المراد بالذكر في الاية القران وحدهء فقال: «هذه دعوى كاذبة 
مجردة عن البرهان وتخصيص للذكر بلا دليل... والذكر اسم واقع على 
كل ما أنزل الله على نبيه اة من قرآن أو سنة وحي يبين بها القرآنء وأيضا 





1 و 


رټ رم 


او ا غاے وا و د الڌڪر لين لئاس ما رد إل 
[النحل: ]٤٤‏ فصح أنه عليه السلام مأمور ببيان القرآن للناس» وفي القرآن 
مجمل كثير كالصلاة والزكاة والحج وغير ذلك مما لا نعلم ما ألزمنا الله 
تعالى فيه بلفظه. ٠‏ لكن ببيان النبي كَل فإذا كان بيانه عليه السلام لذلك 
e E a‏ هنا E e‏ 

بنص القرآن» فبطلت أكثر الشرائع المفترضة علينا فيه» فإذاً لم ندر صحیح 
5 الله تعالى منها)7' . 


الجواب عن الشبهة الثالقة: 

إن عدم أمر النبي بيه بكتابتها ونهيه عن ذلك كما ورد في بعض 
SEE Fh o kt‏ ال ل 
الصحاءة ا ا القرآن وتدويئله» وبتضافر E‏ 
حفظ كتاب الله خشية من الضياع واختلاط شيء ده » وقد حققنا أن ما ورد 
من النهي إنما كان عن كتابة الحديث وتديونه رسمياً كالقرآن» أما أن يكتب 


وليست الحجية مقصورة على الكتابة حتى يقال: لو كانت حجية السنة 
مقصودة للنبي لأمر بكتابتهاء فإن الحجية تثبت بأشياء كثيرة: منها التواترء 
ومنها نقل العدول الثقات» ومنها الكتابة. والقرآن نفسه لم كر جمعه في 
عهد أبي بكر بناء على الرقاع المكتوبة فحسبء بل لم يكتفوا بالكتابة حتى 
تواتر حفظ الصحابة لكل آية منه» وليس النقل عن طريق الحفظ بأقل صحة 
با بو کے جرا کی قن کالدری خی ی الاکن ا 
من ذلك بالعجائب» فقد كان الرجل منهم يحفظ القصيدة كلها من مرة 
واحدة» كما ثبت عن ابن عباس أنه حفظ قصيدة لعمر بن أبي ربيعة في 


.15١/١ الإحكام‎ )١( 


۱۸۱ 


جلسة واحدة“ ومنهم من يحفظ ما يلقى من الحديث في المجلس الواحد 
لا يخرم منه حرفاأء وقد ك ابن عساكر عن الزهري: أنغيد الملك» أرسل 
كتاباً إلى أهل المدينة يلومهم فيه على موقفهم من فتنة ابن الزبير» وكان في 
طومارين (الطومار: الصحيفة) فتلي على الناس في المسجد فأراد سعيد أن 
يعلم ما فيه» فسأل تلاميذه عن ذلك فأجابوه بما لا يشفي غلیله» حتی قال 
لها الر هری : SS‏ قال: نعمء. قال فقرأه 
عض ا عا كله الى يكوم مله حرفا" “ ومثل ذلك يؤثر عن الشافعي 
وغيره» فاعتمادهم على ذاكرتهم كان أساسا لما ينقلونه من حديث 
رسول الله ويتدارسونه» ونحن نعلم أن الاعتماد على الذاكرة يسعف الطالب 
أكثر من الاعتماد على الكتاب» ومن هنا كره من ذكرهم صاحب الشبهة 
كتابة العلم حتى لا تضعف فيهم هذه الملكة العجيبة ولا يتكل على 
الكتاس» قال الحافظ ابن عبد البر بعد أن ذكر رأي بعض الصحابة والتابعين 
في كراهية كتابة العلم : «من ذكرنا قوله في هذا الباب فإنما ذهب في ذلك 
مذهب العرب» لأنهم كانوا مطبوعين على الحفظ مخصوصين بذلك؛ 
والذين كرهوا الكتاب كابن عباس والشعبي وابن شهاب والنخعي وقتادة ومن 
ذهب مذهبهم وجبل جبلتهم. > كانوا قد طبعوا على الحفظ› فكان أحدهم 
يجتزىئ بالسمعة» ألا ترى ما جاء عن ابن شهاب أنه كان يقول: (إني لأمر 
بالبقيع فأسد أذني مخافة أن يدخل فيها شيء من الخنا فوالله ما دخل أذني 
شيء قط فنسيته) وجاء عن الشعبي نحوه» وهؤلاء كلهم عرب» وقال 
النبي 235 : «نحن أمة أمية لا نكتب ولا نحسب» وهذا مشهور أن العرب قد 
TEs‏ 

وإذا أضيف إلى ما سبق عامل الورع من أن يكون أحدهم قد دون 
في كتابه من الحديث ما قد يجوز فيه الوهم والخطأء أدركت ما ذكر عن 





0010( جامع بيات العلم 1/١‏ . 
(۲) تاريخ ابن عساكر في ترجمة الزهري مخطوط . 
)۳( جامع بيات العلم .1/١‏ 


A۲ 


أي بكر من أنه أحرق صحيفة الأحاديث» هذا إل صحت عنه تلك الحادثة. 
وإلا فقد قال عنها الذهبى: إنها لا تصح''". وهو الحق الذي تطمئن إليه 
النفس . 


وأما تحرز بعضهم من التحديث» فذلك من شدة الاحتياط في الدين 
أن يذكروا عن رسوله ما قد يخطئون فيه كما صرح بذلك الزبير» أما من 
كان قوی الذاكرة فقد حدث بلا حرج كابن عباس وابن مسعود وأبي هريرة» 
ألا ترى زيد بن ثابت وهو الذي لم يرض أن يكتب عنه الحديث يقول 
علد لذلك: أتدرون لعل كل شيء حدثتكم به تھ ليش كما حدثتکم ل 
فامتناع بعضهم عن الكتابة أو الرواية ليس إلا من قبيل الاحتياط والتوقي في 
الدين» على أن الأخبار عن كتابة الصحابة والتابعين للحديث متواترة و 
معنويا لا مجال لطالب الحق أن ينكرها أو يتشكك فيهاء وإذا أردت مزيد 
الاطلاع على الآثار في ذلك فارجع إلى ما كتبه ابن عبد البر في «جامع 
بيان العلم»” " . وارجع إلى ما كتبه الخطيب في كتابه «تقييد العلم» . 


أما القول بأن السنة قد تأخر تدوينها فزالت الثقة بضبطها وأصبحت 
مجالاً للظن» والظن لا يجوز في دين الله. فهذا قول من لم يقف على 
جهود العلماء في مكافحة التحريف والوضعء وإذا كانت السنة قد نقلت 
بالضبط والحفظ غالباً والكتابة أحيانأء من عصر الصحابة إلى نهاية القرن 
الأول حيث دون الزهري السنة بأمر عمر بن عبد العزيز» كانت سلسلة 
الحفظ والصيانة متصلة لم يتطرق إليها الانقطاع فلا يصح أن يتطرق إليها 
الشك» أما ما دُسنٌ على السنة من كذب فقد تصدى له العلماء وبيّنوه بما لا 
يترك مجالاً للشك» حتى إن النفس لتطمئن إلى السنة إلى حد يكاد يصل 
إلى درجة اليقين» ومع هذا فنحن لا نقول: إن أحاديث الآحاد التي ھی 





.0/١ تذكرة الحفاظ‎ )١( 


(۲( جامع بیان العلم. 
(۳) جامع بيان العلم ۷۰/۱ VV‏ 


A 


أكثر أحاديث السنة أحاديث مقطوع بها تفيد العلم ‏ مع أن بعض العلماء قد 
قاله ‏ بل نقول: إنها تفيد الظن› ولا ينازع في إفادتها الظن إلا مكابرء 
وحسبنا هذا لتكون حجة يعتمد عليها. 


وأما الدعوى بأن الظن في أحكام الدين غير جائزء فذلك فيما يتعلق 
بأضيول الدب ال نكر من عنحيدها أو شاك فا كرا ا وة 
و ر ان اي رت الاين وا فى أركات الاسام عاض 
والزكاة وغيرهما مما علم من الدين بالضرورة» وليس كذلك بالنسبة إلى 
الفروع» إذ لا مانع أن تثبت عن طريق الظن» بل لا يستطيع هذا المخالف 
أن يدعي أن أحكام الدين كلها تثبت عن طريق مقطوع بهء فالأحكام التي 
أخذت من القرآن نفسه وهي مقطوع بهاء قليلة بالنسبة لما أخذت عن طريق 
الاجتهاد من نصوص القرآن» فإن في القرآن: العام والخاص» والمطلق 
والمقيد.» والمجمل والمبيّن» وكل ذلك يجعل القطع في فهم نصوصها بعيد 
المنال» وهذا أمر مسلم به في علم الأصول» وتخس أن ندكرك يما ألزم به 
الشافعي منكر حجية السنة في عصره من العمل بالشهادة. وهي طريق ظني 
في ثبوت الحكم» لاحتمال كذب الشاهد وخطئه. فهل يبقى بعد ذلك 
مجال للقول بأن الظن لا يصلح طريقاً لإثبات الأحكام؟ 
الجواب عن الشبهة الرابعة: 

وهي ما ذكره من الأحاديث فإليك الجواب تفصيلياً : 

أما الحديث الأول: الإن الحديث سيفشو عني... إلخ». فقد قال فيه 
البيهقئ: رواه بخالد ين ا كريمة عن ا جعفر عن رسول الله ڪل 
وخالد مجهول وأبو جعفر ليس بصحابي فالحديث منقطع""» وقال 


الشافعى: «ما روى هذا أحد يثبت حديثه فى شىء صغير ولا كبير» وإنما 
هي رواية منقطعة عن رجل مجهول ونحن لا نقبل مثل هذه الرواية في 


)010 مفتاح الجنة ص 6 .١‏ 


A2 


000006 وقال ابن حزم فى الحسين بن عبدالله ا رواة هذا الحديث من 


بعض الطرق: «الحسين بن عبد الله ساقط متهم بالزندقة». وقال البيهقي 
أا ار ادرف اللي ر زو د رضن التحدية 0 لود بطل ل 
العديك ا ا 


هذا ما قاله أهل العلم في الحديث» ولي هنا وقفة قصيرة» لئن كان 
رد الحديث من جهة السند كما ذكر أهل العلم بالحديث فلا كلام لنا فيه. 
ويجب أن نسلم لهم ما قالوه» مع ملاحظة أنهم لم يتفقوا على وضعهء بل 
بعضهم يصفه بالضعف فقط كما رأيت من الشافعي والبيهقي» ولئن كان رده 
من جهة المتن فهذا الحديث قد روي بألفاظ مختلفة» ففي أكثر الروايات: 
اران داروا الك آل الم برائن ارو وا الس ابن ده ا 

يقتضي الحكم بالضعف فضلاً عن أن يقول فيه عبد الرحمن بن مهدي: (إنه 
من وضع الخوارج والزنادقة» ذلك أن من المتفق عليه بين العلماء ‏ وقد 
ذكرنا ذلك من قبل أن من علائم وضع الحديث أن يكون مخالفاً للكتاب 
والسنة القطعية. . فإذا جاءنا حديث Ep‏ «يخالف أو لا يوافق» ما في 
كتاب الله من أحكام ولا مجال للتاویل» حكمنا بوضعه باتفاق. وهل قال 
الحديث الذي نحن بصدده أكثر من هذا؟... نعمء لو كان نص الحديث 
كما في بعض الروايات: «فما ای ر ا الله فاقبلوه ES‏ 
في كتاب الله فردوه» لزم القول ببطلانه› لأن هن الاخاديث ها انت ت اما 
ليست في كتاب الله باتفاق أهل العلم وهي صحيحة مقبولة معمول بها. 


وقصارى القول أن أهل العلم مجمعون على أن السنة الصحيحة لا 
تخالفب کتات اللهء فما جاء فى بعضص الأحاديث من أحكام تخالفه فهى 


.١١50ص الرسالة‎ )١( 
VT الإحكام لابن ج‎ (Y۲) 


مردودة باتفاق. قال ابن حزم: «ليس في الحديث الذي صح شيء يخالف 
القرآن» . وقال محمد بن عبد الله بن مسرة: «الحديث ثلاثة أقسام: فحديث 
موافق لما في القرآن فالأخذ به فرض» وحديث زائد على ما في القرآن فهو 
مضاف إلى ما في القرآن والأخذ به فرض» وحديث مخالف لما في القرآن 
فهو مُطرّح». قال علي بن أحمد (يعني ابن حزم نفسه): «لا سبيل إلى 
وجود خبر صحيح مخالف لما في القرآن أصلاء وكل خبر شريعة فهو إما 
مضاف إلى ما في القرآن ومعطوف عليه ومفسر لجملته. وإما مستثنى منه 
مبين لجملته: ولا سبيل إلى .وجه ثالث)"١‏ .وإذا كان كذلك قلا وبحة . .فنا 
يظهر لي - للحكم على المتن بالوضع إذا كان لفظه: «فما لم يوافق أو ما 
خالف فمردود» وقد تأيّد لى هذا بما رأيته للشاطبي رحمه الله بعد كتابة ما 
تقدم حيث قال عند الكلام عن هذا الحديث ما خلاصته: «إن الحديث 
وَحَيّ من الله لا يمكن فيه التناقض مع كتاب الله. نعم يجوز أن تأتي السنة 
بما ليس فيه مخالفة ولا موافقة» بل بما يكون مسكوتاً عنه في القرآن, إلا 
ا البرهنان على طلاف هذا الجائز نجيف ارد كن کر سای ب 
الموافقة لكتاب الله كما صرح الحديث المذكور» فمعناه صحيح» صح سنده 
ا فتدبر . . وبذلك لا يكون في الحديث حجة لصاحب الشبهة أصلا 
حتى ولو صح سنده» لأننا نقول به. 


وأما الحديث الثاني : «إذا حدثتم عني حديثاً تعرفونه ولا تنكرونه قلته 
أو لم أقله فصدقوا به... إلخ» فرواياته ضعيفة» قال فيه أبو محمد بن 
حزم: هذا حديث مرسل والأصبغ مجهول. وفيه أيضا ما نقطع بكذبه وعدم 
صحته» وهو قوله: «فصدقوا به» قلته أو لم أقله؛. فحاشا لرسول الله كَكِلَ 
أن يسمح بالكذب عليه وهو الذي تواتر عنه قوله: «من كذب علي متعمدا 
فليتبوأ مقعده من النار» ثم قال ابن حزم: «وعبيد الله بن سعيد ‏ أحد رواة 


0010 الإحكام اين ج ۲/ ۸۰ 1م 
(؟) الموافقات .5١/5‏ 


۱۸٦ 


الحديف : كذاكت: مشتنهون» وهذا هو 'نسبة الكذت: إلى .رسول الله كلد أنه 
حكى عنه أنه قال: «لم أقله. فأنا قلته» فكيف يقول ما لم يقل؟ هل 
بجی هذا إلا كذات زنديق كافر أحمق ۲ وقال البيهقى : قال ابن خزيمة 
في صحة هذا الحديث مقال لأنا لم نرّ في شرق الأرض Ee,‏ 
RE E EE‏ و ا هريرة. قال البيهقى: وهو مختلف على 
يحيى بن آدم ف إسناده ومنسنه اختلافاً كبيراً يوج الاضطراب» منهم من 
يذكر أبا هريره › ومنهم من لا يذكره ويرسل ا 

نعم روي هذا الحديث من طرق مقبولة ليس فيها «قلته أو لم أقله» 
وليس فيه دلالة على ما يريد المخالف» فكل ما يدل عليه أن من أدلة 
صدق الحديث أن يكون وفق ما جاءت به الشريعة من المحاسن» فإن جاء 
على غير ذلك كان دليلاً على كذبهء ونحن نقول بهء ولكن أين فيه الدلالة 

وأما الحديث الثالث: (إني لا أحل إلا ما أحل الله في كتابه ولا 
أمر وافترض عليه أن يتبع ما أوحي إليه» ونشهد أن قد اتبعه» فإنما قبل 
بفرض الله تعالى. قال البيهقى وقوله «فى كتابه»: إن صحت هذه فإنما أراد 
و ل اي > ونت ى ان الى بر ااب يناهو اعم من 
القرآن. وقد أطلق بهذا المعنى فى حديث عن رسول الله كَل حيث قال 
لأبى الزانى بامرأة الرجل الذي صالحه على الغنم والخادم: «والذي نفسي 
بيذه لأقضين بينكما بكتاب الله أما أن الخنم والخادم رد عليك وأن امرأته 


)۱( الإحكام لابن حرم . .VA/۲Y‏ 
(۲) مفتاح الجنة ص۹٠.‏ 


AY 


ترجم إذا اعترفت» ولا مانع من إجراء الكتاب على المتبادر منه وهو 
القرآن» فإن ما يحرمه أو يحله الرسول حلال أو حرام فى كتاب الله الذي 


أما رواية : «لا يمسكن الناس علي بشيء» فقد قال الشافعي: إنها من 
رواية طاووس وهو حديث منقطع. ولو ثبت فمعناه أنه ليس للناس أن 
يقولوا كيف يحرم رسول الله ويحل ما ليس في القرآن؟ فإن الرسول مشرع. 
وهو لا يحل إلا ما كان حلالا في شرع اللهء ولا يحرم إلا ما كان حراما. 

بهذا يتبين لك أن هذه الأحاديث التي استند إليها صاحب الشبهة. 
منھا ما لم یثبت لدی أهل العلم» ومنها ما ثبت ولكنه ليس فيه دليل على 
دغواةة كيف .وقد ثبت فى البنة الضحيحة ماء'يزة على صاحب الشة 
وانكالفه ته .روي الشائعن عن ستيان ی غ فو مال ا لر ا 
سمع عبد الله بن أبي رافع يحدث عن أبيه أن النبي ييل قال: «لا ألفين 
أحدكم متكئاً على أريكة يأتيه الأمر من أمري مما أمرت به أو نهيت عنه 
فيقول: لا أدري» ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه”'' ورواه أبو داود وابن 
ماجه والترمذي وأحمد وأخرج الحاكم بسنده إلى المقدام بن معد يكرب 
قال : «حرم النبي ييه أشياء يوم خيبر؛ منها الحمار الأهلي وغيره» فقال 
رسول الله كَكةِ: يوشك أن يقعد الرجل منكم على أريكته يحدث بحديثي 
فيقول بيني وبينكم كتاب الله» فما وجدنا فيه حلالا استحللناه.» وما وجدنا 
فيه حراماً حرمناه» وإن ما حرم رسول الله كما حرم الله». قال الشافعي : 
فقد ضيق رسول الله على الناس أن يردوا أمره بفرض الله عليهم اتباع أمره. 

وقصارى القول أن إنكار حجية السنة والادعاء بأن الإسلام هو القرآن 
وحده لا يقول به مسلم يعرف دين الله وأحكام شريعته تمام المعرفة» وهو 
يصادم الواقع» فإن أحكام الشريعة إنما ثبت أكثرها بالسنة» وما في القرآن 
من أحكام إنما هي مجملة وقواعد كلية في الغالب» وإلا فأين نجد في 


19+ الرسالة عر 1 


AA 


القرآن أن الصلوات خمسة» وأين نجد ركعات الصلاة» ومقادير الزكاة. 
وتفاصيل شعائر الحج وسائر أحكام المعاملات والعبادات؟ قال ابن حزم 
رحمه الله: «ونسأل قائل هذا القول الفاسد: في أي قرآن وجد أن الظهر 
أربع ركعات» وأن المغرب ثلاث ركعات. وأن الركوع على صفة كذاء 
والسجود على صفة كذاء وصفة القراءة والسلام» وبيان ما يجتنب في 
الصوم» وبيان كيفية زكاة الذهب والفضة»ء والغنم والإبل والبقرء ومقدار 
الأعداد المأخوذة منها الزكاةء ومقدار الزكاة المأخوذة» وبيان أعمال الحج 
من وقت الوقوف بعرفة» وصفة الصلاة بها وبمزدلفة» ورمي الجمار» وصفة 
الإحرام» وما يجتنب فيهء وقطع السارق» وصفة الرضاع المحرم» وما 
يحرم من المآكل وصفتا الذبائح والضحاياء وأحكام الحدودء وصفة وقوع ‏ 
الطلاق» وأحكام البيوع› وبيان الرباء والأقضية والتداعي› والايهان 
والأحباس» والعمرى» والصدقات» وسائر أنواع الفقه» وإنما في القران 
جمل لو تركنا وإياها لم ندر كيف نعمل فيهاء وإنما المرجوع إليه في كل 
ذلك» النقل عن النبي يكِّْه وكذلك الإجماع إنما هو على مسائل يسيرة» 
فلا بد من الرجوع إلى الحديث ضرورة» ولو أن امرءاً قال: لا نأخذ إلا ما 
وجدنا في القرآن» لكان كافراً بإجماع الأمرء ولكان لا يلزمه إلا ركعة ما 
بين دلوك الشمس إلى غسق الليل» وأخرى عند الفجرء لأن ذلك هو أقل 
ما يقع عليه اسم صلاة» ولا حد للأكثر في ذلك» وقائل هذا كافر مشرك 
حلال الدم والمال» وإنما ذهب إلى هذا بعض غالية الرافضة ممن قد 
اجتمعت الأمة على كقرهم؛ ولو آنا ل اغا ال بها جحت عا 
الأمة فقطء ويترك كل ما اختلفوا فيه مما قد جاءت فيه النصوص» لكان 
فاسقاً بإجماع الأمته #نقاتانة الستتمتان او 0 


.6١ - ۷۹/۲ الإحكام لابن حزم‎ )١( 


۱۸۹ 





الفْصّل الخامسن 
اة ممن رك رجي خب رالأحاد 





يقسم علماء الحديث الأخبار إلى قسمين : 

متوائرة. وهي ما يرويها چ من العدول الثقات عن جح من 
العدول الثقات وهكذا حتى النبي صلى الله عليه وسلم . 

وآحاد» وهى ما يرويه الواحد أو الاثنان عن الواحد أو الاثنين حتى 
يصل إلى النبى كله أو ما يرويه عدد دون المتواتر. 


وللعضفية نبي تالت مى ارا وور عا ن عاد ا 
متواتراً فى القرن الثانى والثالك7؟ كحديث: (إنما الأعمال بالنيات». 


واتفق العلماء على أن المتواتر يفيد العلم والعمل معأ.ء وهو عندهم 
حجة لا نزاع فيها إلا ما قدمناه عمن ينكر حجية السنة وإلا ما يذكر عن 


أما خبر الآحاد فالجمهور على أنها حجة يجب العمل بها وإن 
أفادت الظن» وادّعى الرازي في «المحصول» إجماع الصحابة على ذلك“ 
وذهب قومء منهم الإمام أحمدء والحارث بن أسد المحاسبيء 
والحسين بن علي الكرابيسي» وأبو سليمان الخطابي. وروي عن مالك“ 
أنه قطعيٌ موجب للعلم والعمل معاً. ولكل من الفريقين أدلة بسطت في 


)۱( التحرير وشر حه 770/1 . 
(۲) المحصول للرازي (مخطوط). 


كتب الأصول» والمهم أنهم جميعاً متفقون على حجية أخبار الآحاد ووجوب 
العمل بهاء ونقل عن الرافضة والقاساني وابن داود إنكار حجيته”''» وأسند 
هذا القول في التحرير وشرحه إلى الرافضة وابن داود'"'. ويفهم من كلام ابن 
حزم”" في أن المعتزلة يقولون بذلك» ولم يبين لنا الشافعي في «الرسالة» 
وفي «الأم» من هو منكر الحجية» وإن كان يستفاد من كلامه في «الأم» أنه 
من البصرة» وذلك يحتمل أن يكون من المعتزلة كما يحتمل أن يكون من 
الرافضة» فقد كانت البصرة في عصر الشافعي مركز حركة فكرية وعلمية 
يجتمع فيها رجال أشهر الفرق والمذاهب الإسلامية في ذلك العصرء ونقل 
شارح «المسلّم)”*' وشارح «المختصر»“' أن القائلين بذلك هم الروافض 
وأهل الظاهر . 


وهذا النقل عن آهل الظاهر غريب فإن كتب ابن حزم ونقول العلماء 
عنهم تدل على أنهم مع الجمهور في هذه المسبالة: 


شبه منكري الحجية: 

أولا : قال الله تعالى : ورا ا لک بد علو که [النجم: ]۳١‏ 
وقال: ولك أَلطَنَّ لا يعن مِنَّ كَلَيّ سينا [النجم: ۲۸] وطريق الآحاد طريق 
ظنى لاحتمال الخطأ والنسيان على الراوي» وما كان كذلك فليس بقطعى 
فلا ها : 


ثانياً: لو جاز العمل بخبر الواحد في الفروع لجاز في الأصول 
والعقائدء والإجماع بيننا وبينكم أن أخبار الآحاد لا تقبل في هذهء فكذا في 


الأولى . 


.119/١ الإحكام للآمدي‎ )١( 

(۲) ۲۷۲/۲ وجاءت في الأصل «وأبي داود» والصواب ابن داود. 
2 الإحكام لابن حزم ۳/۱ 

.١3 3١/5 ):( 

.04/۲ )60( 


الثاً: صح عن النبي و أنه توقف في خبر ذي اليدين حين سلّم 
النبىتعلن رسن الركعتين في إحدى 00 العشاءء وذلك قوله: «أقصرت 
الصلاة 0 بيت 05 0 يقبل خبره حتى أخبره أبو بكر وعمر ومن 9 
رسول الله كيو صلاته من غير توقف 3 سؤال . 

رابعاً: قد روي عن عدد من الصحابة عدم العمل بخبر الآحاد. فقد 
ردّ أبو بكر خبر المغيرة فى ميراث الجدة حتى انضم إليه خبر محمد بن 
مسلمة» ورد عمر خبر أبي موسى في الاستئذان حتى انضم إليه أبو سعيدء 
ورد أبو بكر وعمر خبر عثمان في إذن رسول الله بي في رد الحكم بن أبي 
العاص» ورد علىّ خبر أبي سنان الأشجعي في المفوضة» وكان علي لا 
تعيب المي ديكات اع 


الجواب عن هده الشبه: 
وقد أجاب العلماء عن هذه الشبه بما نوجزه فيما يلى : 


أما الجواب عن الشبهة الأولى: فهي أن ذلك في أصول الدين 
وقواعده العامة كما ذكرناء أما في فروع الدين وجزئياته فالعمل بالظن 
زاج ولا سل الها إلا يالظن غالبا الأ 'ترى, أن «الأقهام تختلفي في 
نصوص القرآن» والمجتهدون يذهبون فيها مذاهب متعددة» وليس أحد منهم 
يقطع بصحة اجتهاده» ومع ذلك فالإجماع قائم على وجوب العمل ا اد 
إليه اجتهاده» وليس لذلك سبيل إلا الظن. وأيضاً فإن حجية خبر الآحاد 
ليست ظنية بل هي مقطوع بها لانعقاد الإجماع على ذلك بين ¿ العلماء منذ 


عصر الصحابة فمن بعدهم - ولا يضر دعوى ا مخالفة هؤلاء فإنه 
اذاف( تفقو به 010 ن ا وا غ ل و ل و ا 


.۲۷۳ والتقریر ۲۷۲/۲ ۔‎ ۱۷١ ۔‎ ۱۷١/۱ و‎ 95/١ الإحكام للآمدي‎ )١( 


۹۲ 


للعلم بذلك وهو الإجماع”"' . 


وأما الجواب عن الشبهة الثانية: فهو أن الإجماع منعقد على أن 
أصول الدين والعقائد لا يجوز أخذها من طريق ظني قطعاً. وليس الأمر 
كذلك في الفروع . وقال الامدي: (إن هذه الشبهة منتقضة بخبر الواحد ف 
الفتوى والشهادة» كيف والفرق حاصل (أي بين الفروع والأصول) وذلك أن 
المشترط في إثبات الرسالة والأصول الدليل القطعي» فلم يكن الدليل الظني 
معتبرأ فيهاء بخلاف الفروع»". والحق أن قياس الفروع على الأصول في 
وجوب القطع تحكم ومحال» إذ لا سبيل إلى ذلك في الفروع والأمر على 
العكس في الأصول» ولا يجادل في هذا إلا مكابر. 

وأما الحواب عن الشبهة الثالثة: فهو أنه عليه الصلاة والسلام إنما 
توقف في خبر ذي اليدين لتوهمه غلطه» لبعد انفراده بمعرفته ذلك دون من 
حضره من الجمع الكثير» ومع ظهور أمارة الوهم في خبر الواحد يجب 
التوقف فيه» فحيث وافقه الباقون على ذلك ارتفع حكم الأمارة الدالة على 
وهم ذي اليدين» وعمل بموجب خبره» كيف وأن عمل النبي بيه بخبر أبي 
SS‏ 
وهو موضع النزاع» في تسليمه تسليم المطلوب. 

وأما الجواب عن الشبهة الرابعة: فالثابت الذي لا شك فيه أن 
الصحابة عملوا بخبر الأحاد» وتواتر عنهم ذلك» وسنسرد بعض الأدلة 
والوقائع التي عملوا فيها بخبر الواحد. فإذا روي عنهم التوقف في بعض 
خبر الأحاد. لم يكن ذلك دليلا على عدم عملهم ب بل لريبة أو وهم أو 
رف ن العت». .رحد لذالف مثلة ها امعدل: :نه الجخالتون من رذ اي بك 
عر الع يرك الجدة» فالواقع أن أبا كرون سر لمر لأنه 


لا يقبل خبر الآحاد» بل توقف إلى أن يأتي ما يؤيده ويزيده اعتقاداً بوجود 


6 الإحكام للآمدي ۰۱۹/۱ والإحكام لاش حزم .١ ١6/١‏ 
)۲( الإحكام للآمدي ١/ل/الا١.‏ 


۹۳ 


هذا التشريع في الإسلام اعا الج ادن ولا كان ها تشريعا 
لم ينص عليه القرآن كان لا بد للعمل به وإقراره من زيادة في التثبت 
والاحتياطء فلما شهد محمد بن مسلمة أنه سمع هذا من النبي كله لم 
يتردد أبو بكر في العمل بخبر المغيرة. ومثل ذلك يقال في رد عمر خبر 
أبي موسى فهو في الحقيقة ‏ كما قدمنا - درس بليغ للصحابة ومن بعدهم 
ممن لقا ويفا في الإسلام أو دخل فيه بوجوب الاحتياط في حديث 
رسول الله لا ولذلك قال عمر لأبي موسى: «أما إني لم أتهمك ولكنه 
الحديث عن رسول الله بة» ومشل ذلك يقال في كل ما ورد من هدا 
القبيل» ليس واردا مورد عدم الاحتجاج بخبر الاحاد» وإلا لما كان انضمام 
صحابي آخر إلى الصحابي الأول موجباً للعمل به إذ هو لم يخرج عن 
حيز الآحادء ولو انضم إليه اثنان أو ثلاثة» وسيأتي معنا ما يبيّن لك أن 
الصحابة كان يسأل بعضهم بعضأء ويرد بعضهم على بعض» ويخطئ 
بعضهم بعضاًء اجتهاداً في دين الله» وتحريا لنقل أحاديث الرسول خالية من 
كل غلطة أو وهمء قال الآمدي: «وما ردوه من الأخبار أو توقفوا فيه إنما 
كان لأمور اقتضت ذلك من وجود معارض أو فوات شرطهء لا لعدم 
الاحتجاج بها في جنسها مع كونهم متفقين على العمل بهاء ولهذا أجمعنا 
على أن ظواهر الكتاب والسنة حجة وإن جاز تركها والتوقف فيها لأمور 
Olek‏ 


وبعد فهذه هى شبه المنكرين لحجية خبر الآحاد كما ذكرها العلماءء 
بقى أن نذكر ما تقوم به الحجة على أن خبر الآحاد واجبٌ العمل به لا 
يجوز لمسلم أن يخالفه إذا صح عنده» وقد ذكر علماء الأصول أدلة كثيرة 
في بعضها مقال وأحذٌ ورد" فرأيت أن أذكر لك من كتاب «الرسالة» للإمام 
الشافعى رحمه الله كلامه فى هذا الشأن على طولهء لأنه ‏ على ما أعلم ‏ 
)١(‏ الإحكام ١//اا١.‏ 


156 


أول من تكلم في هذا من كبار الآئمة» وخير من أفاض في هذه المسألة. 
وجميع من كتب بعده فیها عیال عليه› فأحببت أن نشرب من المورد العذب 
الصافي بأسلوب عربيّ فصيح وبيان جزل بليغ . 


أدلة ححية خبر الآحاد: 

قال الكتافعن. برسفهه ا ل ا ت عورال اا کے یت 
خبر الواحد» : 1 قال قائل : ا الحجة فى تثبيت خير الواحد ص خبر 
أو ولآلة ف أو اسما قلت ل ا 

١‏ أخبرنا سفيان عن عبد الملك بن عمير» عن عبد الرحمن بن 
عبد الله بن مسعود» عن آبيه أن النبي ي قال : «نضر الله عبداً سمع مقالتي 
فحفظها ووعاها وأدّاهاء فرب حامل فقه غير فقيه ورب حامل فقه إلى من 
هو أفقه منه. ثلاث لا يغل عليهن قلب مسلم: إخلاص العلم لله. 
والنصيحة للمسلمين» ولزوم جماعتهم فإن دعوتهم تحيط من ورائهم» فلما 
ندب رسول الله إلى استماع مقالته وحفظها وأدائها امرأ يؤديها ‏ والأمر 
واحد ‏ دل على أنه لا يأمر أن يؤدي عنه إلا ما تقوم به الحجة على من 
أدى إليهء لأنه إنما يؤدى عنه حلال يؤتى» وحرام يجتنب» وحد يقام» 
ومال يؤّخذ ويعطى» ونصيحة في دين ودنياء ودل على أنه قد يحمل الفقه 
غير فقيهء يكون له حافظاً ولا يكون فيه فقيهاًء وأمر رسول الله بلزوم 
جماعة المسلمين مما يحتج به في أن إجماع المسلمين ‏ إن شاء الله 
لازم . 

۲ - أخبرنا سفيان» قال: أخبرنا سالم أبو النضر أنه سمع عبيد الله بن 
أبي رافع يخبر عن أبيه قال: قال النبي كَكةِ: «لا ألفين أحدكم متكئا على 
أريكته يأتيه الأمر من أمري» مما نهيت عنه أو أمرت به فيقول: لا ندري! 
ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه» قال ابن عيينة: وأخبرني محمد بن المنكدر 
عن النبي بيا بمثله مرسلا وفي هذا تثبيت الخبر عن رسول الله وإعلامهم 


20 ا ھی 


١6 


أنه لازم لهم وإن لم يجدوا له نص حكم في كتاب الله» وهو موضوع في 
غير هذا الموضع . 

٣‏ - أخبرنا مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار: أن رجلا قبل 
امرأته وهو صائم» فوجد من ذلك وجداً شديداء فأرسل امرأته تسأل عن 
ذلك» فدخلت على أم سلمة أم المؤمنين» فأخبرتها فقالت آم سلمة: إن 
رسول الله يقبل وهو صائمء فرجعت المرأة إلى زوجها فأخبرته» فزاده ذلك 
شرأء وقال: لسنا مثل رسول الله كله يحل الله لرسوله ما شاء» فرجعت 
المرأة إلى أم سلمة فوجدت رسول الله عندهاء فقال رسول الله: ما بال 
هذه المرأة؟ فأخبرته أم سلمة» فقال: ألا أخبرتيها أني أفعل ذلك؟ فقالت أم 
سل قد أخرتها فذهبيت إلى “ذوعتها فأخبرته فزاذه ذلك شرا» وقال: السا 
مثل رسول الله يحل الله لرسوله ما شاء» فغضب رسول الله ثم قال: «والله 
إني لأتقاكم لله وأعلمكم بحدوده) وقد سمعت من يصل هذا الحديث ولا 
يحضرني ذكر من وصله""' . 

.قال الشافعي في ذكر قول النبي كَه: «ألا أخبرتيها أني أفعل ذلك؟)» 
دلالة على أن ر اة نة ا قبوله» لأنه لا 0 بأن تخبر 
عن النبي إلا وفي خبرها ما تكون الحجة لمن أخبرته. وهكذا خبر امرأته 
إن كانت من أهل الصدق عنده. 

د اأ نا مالك عن كد اه بن دار عن ان مر قال اسما 
الناس بقباء في صلاة الصبح إذ أتاهم آت فقال: إن رسول الله قد أنزل عليه 
قرآن» وقد أمر أن يستقبل القبلة فاستقبلوها» وكانت وجوههم إلى الشام 
فاستداروا إلى الكعبة» وأهل قباء أهل سابقة من الأنصار وفقه» وقد كانوا 
على قبلة فرض الله عليهم استقبالهاء ولم يكن لهم أن يدعوا فرض الله في 
القبلة إلا بما تقوم عليهم الحجة ولم يلقوا رسول الله» ولم يسمعوا ما 


: ۹۲/۲ ذكر الأستاذ «أحمد شاكر» مصحح «الرسالة» نقلا عن شرح الزرقاني الموطاً‎ )١( 
أن عبد الرزاق وصله بإسناد صحيح عن عطاء عن رجل من الأنصار.‎ 


١ 5 


أنزل الله عليه في تحويل القبلة» فيكونون مستقبلين بكتاب الله وسنة نبيه 
ا الله ولا بخبر عامة» وانتقلوا بخبر واحد ‏ إذ كان عندهم 
من أهل الصدق ‏ عن فرض كان عليهم فتركوه إلى ما أخبرهم عن النبي أنه 
أحدث عليهم من تحويل القبلة» ولم يكونوا ليفعلوه ‏ إن شاء الله - بخبر 
إلا عن علم بأن الحجة تثبت بمثله» إذا كان من أهل الصدق» ولا ليحدثوا 
أيضاً مثل هذا العظيم في دينهم إلا عن علم بأن لهم إحداثه» ولا يدعون 
أن يخبروا رسول الله بما صنعوا منه» ولو كان ما قبلوا من خبر الواحد عن 
رسول الله في تحويل القبلة - وهو فرض - مما يجوز لهم" لقال لهم 
رسول الله: قد كنتم على قبلة» ولم يكن لكم تركها إلا بعد علم تقوم 


ه ‏ أخبرنا مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن 
مالك قال: «كنت أسقي أبا طلحة وأبا عبيدة بن الجراح وأبىّ بن كعب 
شراباً من فضيخ وتمر» فجاءهم ات» فقال: إن الخمر قد حرمت. فقال 
أبو طلحة: قم يا أنس إلى هذه الجرار فاكسرهاء فقمت إلى مهراس لنا 
فضربتها بأسفله حتى تكسرت» وهؤلاء في العلم والمكان من النبي وتقدم 
صحبته بالموضع الذي لا ينكره عالم» وقد كان الشراب عندهم حلالا 
يشربونه» فجاءهم آت وأخبرهم بتحريم الخمرء فأمر أبو طلحة ‏ وهو مالك 
الجرار - بكسر الجرار» ولم يقل هو ولا هم ولا واحد منهم: نحن على 
تحليلها حتى نلقى رسول الله مع قربه مناء أو يأتينا خبر عامة» وذلك أنهم 
لا يهرقون حلالاًء إهراقه سرف وليسوا من أهله والحال في أنهم لا يدعون 
اسارح عي لني سي وا ل ل ل ل ا مقي رجه لير 
0( قال الأستاذ «أحمد شاكر»: إن معنى العبارة: أن قبول خبر الواحد فرض لا يجوز لهم 
تركه» فلو كان قبولهم خبر الواحد عندهم جائزاً فقط لم يكن لهم أن يتركوا الفرض 


المتيقن في القبلة وهم في الصلاة ويتحولوا إلى قبلة أخرى بخبر غير مثيقن الثبوت 


۹۷ 


واف يسول انلكا اميم ا ا ك 
«فإن اعترفت فارجمها» فاعترفت» فرجمهاء وأخبرنا بذلك مالك وسفيان عن 
الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن أبي هريرة وزيد بن خالد عن النبى 
صلى الله عليه وسلم . ۰ 

أخبرنا عبد العزيز عن ابن الهاد عن عبد الله بن أبى سلمة عن 
عمرو بن سُلْيْم الزرقي عن أمه قالت: بينما نحن بامنى» إذا علي E.‏ 
طالب عا جمل 10 إن رسول الله يقول: (إن هذه أيام طعام وشراب» 
فلا يصومن أحدء فاتبع الناس وهو على جمله يصرخ فيهم بذلك» 
ورسول الله لا يبعث بنهيه واحدا صادقا إلا لزم خبره عن النبي بصدقه عند 
المنهيين عما أخبرهم أن النبي نهى عنه» ومع رسول الله الحاجَ» وقد كان 
قادراً على أن يبعث إليهم فيشافههم» أو يبعث إليهم عددا فبعث واحدا 
يعرفونه بالصدق» وهو لا يبعث بأمره إلا والحجة للمبعوث إليهم وعليهم 
قائمة بقبول خبر عن رسول الله. فإذا كان هكذا مع ما وصفت من مقدرة 
النبي على بعثة جماعة إليهم. كان ذلك فيمن بعده ممن لا يمكنه ما أمكنهم 
وأمكن فيهم أولى أن يثبت به خبر الصادق . 

6 أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار عن عمرو بن عبد الله بن 
ن غد ال زتال المي دين ينان تال : عا 
يباعده عمرو من موقف الإمام جداء فأتانا ابن مِرْبَع لساري فقال لنا: 
ول و الله إليكم» يأمركم أن تقفوا على مشاعركم كم على إن 

من إرث أبيكم إبراهيم) . 

٩‏ - وبعث رسول الله أبا بكر واليا على الحج في سنة تسع» وحضره 
الحاج من أهل بلدان مختلفة وشعوب متفرقة» فأقام لهم مناسكهم وأخبرهم 
عن رسول الله بما لهم وما عليهم. 

٠‏ - وبعث عليٌ بن أبي طالب في تلك السنة» فقرأ عليهم في 
مجمعهم يوم النحر آيات من (سورة براءة) ونبذ إلى قوم على سواء» وجعل 
لهم مُدَداّء ونهاهم عن أمورء فكان أبو بكر وعليّ معروفين عند أهل مكة 


۹۸ 


بالفضل والدين والصدق» وكان من جهلهما ‏ أو أحدهما ‏ من الحاج. 
وجد من يخبره عن صدقهما وفضلهماء ولم يكن رسول الله ليبعث إلا 
وائجدا الححة قائفة تكيرزة على عن يعقه إلية إن شاء: الله 


١‏ - وقد فرق النبي عمالاً على نواحي» عرفنا أسماءهم والمواضع 
التي فرقهم عليهاء فبعث قيس بن عاصم» والزبرقان بن بدر وابن نويرة إلى 
عشائرهم لعلمهم بصدقهم عندهم»› وقدم عليه وفد البحرين فعرفوا من 
معه» فبعث معهم ابن سعيد بن العاص» وبعث معاذ بن جبل إلى اليمن» 
وأمره أن يقاتل من أطاعه من عصاه""» ويعلمهم ما فرض الله عليهم» 
ويأخذ منهم ما وجب عليهم لمعرفتهم بامعاذ» ومكانه منهم وصدقه. وكل 
من ولى فقد أمره بأخذ ما أوجب الله على من ولاه عليه» ولم يكن لأحد 
عندنا في أحد ممن قدم عليهم من أهل الصدق» أن يقول: أنت واحد» 
وليس لك أن تأخذ منا ما لم نسمع رسول الله يذكر أنه عليناء و اج 
بعثهم مشهورين في النواحي التي بعثهم إليها بالصدق إلا لما وصفت» من 


۳ اا‎ E 


أن تقوم بمثلهم الحجة على من بعثه إليه. 

١‏ - وفى شبيه بهذا المعنى أمراء سرايا رسول الله» فقد بعث بَعث 
مؤتة فولاه 56 خارثة » .وقال: فان أضببه فتجغعفر فإن أضبية فابن 
رواحة» وبعث ابن أنيس سرية وحدهء وبعث أمراء سراياه وكلهم حاكم فيما 
بعثه فيهء لأن عليهم أن يدعوا من لم تبلغه الدعوة» ويقاتلوا من حل قتالهء 
وكذلك کل وال عله أو صاحب سرية» ولم يزل يمكنه أن يبعث “وجي 
وثلالة وأربعة وأكثر: 

١١ |‏ - وبعث في دهر واحد اثني عشر رسولاً إلى اثني عشر ملكا 
يدعوهم إلى الإسلام» ولم يبعثهم إلا إلى من قد بلغته الدعوة» وقامت 
عليه الحجة فيهاء وألا يكتب فيها دلالات لمن بعثهم إليه على أنها كتبهء 





)0010 أي على النبى وأصحابه بالمدينة. 
)۲( أي أن يقاتل المطيعون له من عصاه منهم. 


۱۹ 


وقد تحرى فيهم ما تحرّى في أمرائه من أن يكونوا معروفين» فبعث دحية 
إلى الناحية التي هو فيها معروف» ولو أن المبعوث إليه جهل الرسول كان 
عليه طلب علم أن النبي بعثه ليستبرئ شكه في خبر الرسول» وكان على 
الرسول الوقوف حتى يستبرئه المبعوث إليه. 

١6‏ - ولم تزل كتب رسول الله تنفذ إلى ولاته بالأمر والنهي» ولم 
كن لاحد سن ولاتددترك بإلنات و كن العف رسولا إل مادا هناد 
من بعثه إليه وإذا طلب المبعوث إليه علم صدقه وجده حيث هوء ولو شك 
في كتابه بتغيير في الكتاب. أو حال تدل على تهمة: من غفلة رسول حمل 
الكتاني» كاز ,عليه" آنه يطل حلم ها شالك ثيه بيك ينلد دما لست تاه يه 
أمر رسول الله . 

6 وهكذا كانت كتب خلفائه بعده وعمالهم. وما أجمع المسلمون 
عليه من أن يكون الخليفة واحداء والقاضي واحداًء والأمير واحداء والإمام 
واحداء فاستخلفوا أبا بكرء ثم استخلف أبو بكر عمر» ثم عمر أهل 
الشورق ليكتاروا والتدا+ فاعتان عين الحم عثمان بق عفان : 

75 - قال: والولاة من القضاة وغيرهم يقضون فتنفذ أحكامهم. 
ويقيمون الحدود» وينفذ من بعدهم أحكامهم. وأحكامهم إخبار عنهم . 

ففيما وصفت من سنة رسول الله ثم ما أجمع عليه المسلمون منه 
دلالة على فرق بين الشهادة والخبر والحكمء ألا ترى أن قضاء القاضي 
على الرجل للرجل» إنما هو خبر يخبر به عن بينة تثبت عنده» أو إقرار من 
خصم به أقر عنده» وأنفذ الحكم فيه» فلما كان يلزمه بخبره أن ينفذه بعلمه 
كان في معنى المخبر بحلال وحرام» لقد لزمه أن يحله ويحرمه بما شهد 
منه» ولو كان القاضي المخبر عن شهود شهدوا عنده على رجل لم يحاكم 
إليه» أو إقرار من خصم» لا يلزمه أن يحكم به لمعنى أن لم يخاصم إليه 
أو أنه ممن يخاصم إلى غیره» فحكم بينه وبين خصمه ما يلزم شاهداً يشهد 
على رجل أن يأخذ منه ما شهد به عليه لمن شهد له به كان في معنى 
شاهد عند غيره فلم يقبل - قاضياً كان أو غيره ‏ إلا بشاهد معهء كما لو 


Ve 8 


شهد عند غيره لم يقبله إلا بشاهد وطلب معه غيره» ولم يكن لغيره إذا 
كان شاهدا أن ينفك شهادته وحده. 


۷ _ أخبرنا سفيان وعبد الوهاب عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن 
المسيب أن عمر بن الخطاب قضى في الإبهام بخمس عشرة وفي التي تليها ' 
بعشر › وفي الوسطى بعشر) وفي التي تلي الخنصر بتسع› وفي الخنصر 
فى ف الل بخمسين» وكانت اليد خمسة أطراف مختلفة الجمال 
والمنافع» نزلها منازلها فحكم لكل واحد من الأطراف بقدره من دية 
الكف» فهذا قياس على الخبر» فلما وجدنا كتاب آل عمرو بن حزم فيه أن 
رسول الله قال : «وفي كل إصبع مما هنالك عشر من الإبل) صاروا إليه. 
بنارا الاي E a‏ م - حتى يثبت لهم أنه كتاب 
رسول الله) . 

وفى الحديث دلالتان: إحداهما: قبول الخبر»ء والأخرى: أن يقبل 
الخبر في الوقت الذي يثبت فيه» وإن لم يمض عمل من الأئمة بمثل الخبر 
الذي قبلواء ودلالة على أنه لو مضى أيضاً عمل من أحد من الأئمة» ثم 
وخد را عن الى بالف عله لرك غملة لخين رسول: الله :ؤدلالة :على 
أن دى رول الله يثبت بنفسه لا بعمل غیره بعده» ولم يقل المسلمون: 
قد عمل فينا عمر بخلاف هذا بين المهاجرين والأنصار» ولم تذكروا أنتم 
أن عندكم خلافه ولا غيركم بل صاروا إلى ما وجب عليهم من قبول الخبر 
شاء الله كما صار إلى غيره فيما بلغه عن رسول الله» بتقواه لله وتأدية 
رسول الله آمر › وأن طاعة الله فی اتباع أمر رسول الله . 

فإن قال قائل: «فدلّني على أن عمر عمل شيئاً ثم صار إلى غيره 
بخبر عن رسول الله؟». 


قلت: فإن أوجدتكه؟ 


قال : ففي إيجادك إياي ذلك دليل على أمرين» أحدهما: أنه قد يقول 
من جهة الرأي إذا لم توجد سنة» والآخر: أن السنة إذا وجدت وجب عليه 
ترك عمل نفسه» ووجب على الناس ترك كل عمل وجدت السنة بخلافهء 
وإبطال أن السنة لا تثبت إلا بخبر بعدهاء وعلم أنه لا يوهنها شيء إن 
E‏ 

6 - قلت: «أخبرنا سفيان عن الزهري عن سعيد بن المسيب» 
عمر بن الخطاب كان يقول: «الدية للعاقلة ولا ترث المرأة من دية زوجها 
شيئاً). حتئى أخبره الضحاك بن سفيان أن رسول الله كتب إليه أن يورث 
امرأة أشيم الضبابي من ديته فرجع إليه عمر» وقد فسرت هذا الحديث قبل 
هذا الموضع (يشير إلى كلامه قبل)'. 


٩‏ - سفيان عن عمرو بن دينار وابن طاووس عن طاووس أن عمر 
قال: «أذكر الله امرءاً سمع من النبي في الجنين شيئا؟ فقام حَمّل بن 
مالك بن النابغة فقال: كنت بين جاريتين لي: يعني ضرتين» فضربت. 
إحداهما الأخرى بمسطح.ء فألقت جنيئاً ميتأء فقضى فيه رسول الله بِعْرَّ 
فقال عمر: «لو لم أسمع فيه لقضينا بغيره» وقال غيره: (إن كدنا أن نقضي 
لي اي ال اي ال 
أن خالف حكم نفسه» وأخبر في الجنين أنه لو لم يسمع هذا لقضى فيه 
غوف .ونال ن نقضي في مثل هذا برأيناء قال الشافعى: «يخبر - 
والله غلم أن السنة إذا كانت موجودة بأن في النفس تأنه بسن القدا قا 
يعدو الجنين أن يكون حياً فيكون فيه مائة من الإبلء أو ميتاً فلا شيء فيه 
نتيا N‏ الله افيه سل له لم يجعل لنفسه إلا اتباعه فيما 
مضى بخلافه, وفيما كان رأياً منه لم يبلغه عن رسول الله فيه شيء» فلما 
بلغه خلاف فعله صار إلى حكم رسول الله» وترك حكم نفسه وكذلك كان 
في كل أمرهء وكذلك يلزم الناس أن يكونوا. 


6 الام ؟//,. 


۲ 


٠‏ أخيرنا مالك عن ابن شهاب عن سالم «أن عمر بن الخطاب 
إنما رجع بالناس عن خبر عبد الرحمن بن عوف». قال الشافعي: يعني 
حين خرج إلى الشام فبلغه وقوع الطاعون بها. 


١‏ مالك عن جعفر بن محمد عن أبيه أن غعمر ذكر المجوسن 
فقال: «ما أدري كيف أصنع فی أمرهم؟» فقال له عبد الرحمن بن عوف: 
الك سفت رسولة الله رل اهي نة امل ا ان 
عن عمرو «أنه سمع بجالة يقول : ولم يكن عمر أخذ الجزية حتى أخبره 
عبد الرحمن بن عوف أن النبيى ‏ أخذها من مجوس هجر ثم ذكر الشافعي 
أن ما يذكره من الأحاديث منقطعاً فقد سمعه متضلاً أو مشهوراً عمن روى 
وتحمو تحقق بما يعرقه أهل العلم مما حفظ . 


رد و «فقبل عمر خبر 
عبد الرحمن بن عوف في المجوس» فأخذ منهم وهو يتلو القرآن» يِن 
ألذرت وتوأ ألكتب حي ل الحزية عن يد وهم مروت 4D‏ [التوبة] 
ويقرأ القرآن بقتال الكافرين حتى يسلمواء وهو لا يعرف فيهم عن النبي 
شيئاً وهم عنده من الكافرين غير أهل الكتاب» فقبل خبر عبد الرحمن في 
المجوس عن النبي فاتبعه» وحديث بجَالة موصول قد أدرك عمر بن 
الخطاب رجلاًء وكان كاتباً لبعض ولاته. 


وهنا ذكر الشافعى ما يعترض به من أن عمر طلب فى بعض الحالات 
خبراً آخر مع رجل أخبره بخبر - يشير إلى قصة أبي موسى - وأجاب بأن 
ذلك على ثلاثة 


)١(‏ رواه مالك فى الموطأ منقطعاً» ورواه ابن المنذر والدارقطني منقطعاً أيضاً ولكن رجاله 
لاسئوا بالمجوس سنه أهل الكتاب» وروآأه سق عبيل فی «الأموال»)اه. هامش الرسالة 


5 


١ب‏ الحيكلة وزياذة التاكك. 


وذكر أن موقفه مع أبي موسى من المعنى الأول وهو الحيطةء فإن أبا 
وی ا اتن واا ااا و ا لے موسي آنا ني الع اليك 
ولكن خشيت أن يتقول الناس على رسول الله» ثم أكد ذلك بأن عمر قد 
رويت عنه أخبار بقبول خبر الراوي الواحد فلا يجوز أن يقبل مرة خبر 
الواحدء ولا يقبله مرة أخرى» ثم أخذ في إتمام سرد الأدلة على قبول خبر 
الواحد فقال: 


۲ _ وفى كتاب الله تبارك وتعالى دليل على ما وصفت: قال الله : 
ولا أَرسَلمَا سا بل رمي [نوح: ]١‏ ثم ذكر الآيات التي تخبر عن إرسال 
إبراهيم وإسماعيل وهود وصالح وشعيب ولوط ومحمد ييه إلى أقوامهم 
وأممهم مما يدل على أن الحجة تقوم بالواحد. وذكر آية #وَآضرب هم متلا 
مَصَبَ لري إذ جَدَهَا الْمرْسَلُوكَ (03)» [يس]. . إلخ الآيات». فظاهر الحجج 
عليهم. باثنين ثم بثالث» وكذا أقام الحجة على الأمم بواحد» وليس الزيادة 
في التأكيد مانعة أن تقوم الحجة بالواحد. إذ أعطاه الله ما يباين به الخلق 
ا 


۳ _ أخبرنا مالك عن سعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة عن 
فته تن منت کھت أن الفرّيعة بنت مالك بن سنان أخبرتها: «أنها 
جاءت إلى النبي تشأله: أن ترجع إلى أهلها فی بین E‏ فإن زوجها 
خرج في طلب أَعْبْدٍ له حتى إذا كان بطرف الْمَدوم لحقهم فقتلوه» 
فسألت رسول الله أن أرجع إلى أهلي فإن زوجي لم يتركني في مسكن 
يملكه. قالت: فقال رسول الله: «نعم»» فانصرفت حتى إذا كنت في 
الحجرة أو في المسجد دعاني أو أمرني فدعيت لهء فقال: «كيف 
قلت؟)» فرددت عليه القصة التي a‏ ن زوجي فقال لى : 


ا 


(امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله». قالت: فاعتددت فيه أربعة 
أشنهن وغشيرا:: أفلما كان عثمان: أرسل إلى قصال عن ذلك فاخرته :فاتبعة 
وقضى به)"'' وعثمان في إمامته وعلمه 0 ج 
والأنصار. 

5 _ أخبرنا مسلم (هو ابن خالد الزنجي فقيه أهل مكة) عن ابن 
جريج قال: أخبرني الحسن بن مسلم عن طاووس قال: كنت مع ابن عباس 
إذ قال له زيد بن ثابت: أُتَفْيَى أن تَضْدْرَ الحائض قبل أن يكون آخر عهدها 
بالبيق 1 نالك RIE E e‏ 
النبي؟ فرجع زيد بن ثابت يضحك ويقول: ما أراك إلا ا قال 
الشافعي: سمع زيد النَهْيَ أن دن اد من الحاج حتى يكون آخر عهده 
بالبيت» وكانت الحائض عنده من الحاج الداخلين في ذلك النهي»ء فلما 
آفتاها. ابن عباس بالصدر إذا كانت قد زارت بعد النحر»ء أنكر عليه زيده 
فلما أخبره عن المرأة - أن رسول الله أمرها بذلك فسألها فأخبرته - فصدق 
المرأة» ورأى عليه حقاً أن يرجع عن خلاف ابن عباس» وما لابن عباس 
حجة غير المرأة. 

0 سفيان عن عمرو عن سعيد بن جبير قال: قلت لابن عباس : 
إن نوفا OR‏ يزعم أن موسى صاحب الخضر ليس موسى بني 
إسرائيل» فقال ابن عباس: كذب عدو الله أخبرني أَبَىُ بن كعب قال: 
«خطبنا رسول الله» ثم ذكر حديث موسى والخضر بشيء يدل على أن 


)١(‏ وأخرجه أبو داود والترمذي والنسائي. كلهم من طريق مالك حتى شيخه الزهري رواه 
عنه وتابع مالكأ عليه كثيرون.اه. ص٩۳۹٤‏ الهامش . 

(۲) وأخرجهما أحمد في المسند والبيهقي أيضاًء وأخرج الشيخان وغيرهما من حديث ابن 
عباس أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه خفف عن المرأة الحائض .اه. 

2,2 كانت أمه امرأة كعب الأحبار ويروي القصص وهو من التابعين من بسني بكال» وهم 
بطن من حمير مات بين سنة 4٠‏ وسنة .٠١١‏ هامش الرسالة ص557. 


موسى صاحب الخضر""'' فابن عباس مع ا وو ركيت نين أن ردن 
كعب عن رسول الله حتى يكذب به امرأ من المسلمين» إذ حدثه أبي بن 
کدف رل ا ا د الا ی انی ی ر ا 
5 


5 _ أخبرنا مسلم وعبد المجيد عن ابن جريج أن نادوس 
أخبره: «أنه سأل ابن عباس عن الركعتين بعد العصر فنهاه عنهماء قال 
طاووس: فقلت له: ما فقال له ابن و و کان ممن 
لا مُرْمَِةٍ إِذا ی ا و اا ن کر هم رة من من أمرهم ومن يعص 
آله ورسم قد صل صللا سا ( 4" 0 0 ابن عباس 
لن تاف عل طاووس: هة عن ال وذ يتلاوة اب اه على 
أن فرضا عليه ألا تكون الخيرة إذا قضى الله ورسوله أمرأء وطاووس 
حينئذ إنما يعلم قضاء رسول الله بخبر ابن عباس وحده» ولم يدفعه 
طاووس بأن يقول: هذا خبرك وحدك فلا أثبته عن النبي لأنه يمكن أن 

فإن قال قائل: «كره أن يقول هذا لابن عباس» فإن ابن عباس أفضل 
من أن يتوقى أحد أن يقول حقاً رآهء» وقد نهاه عن الركعتين بعد العصر 
فأخبره أنه لا يدعهما قبل أن يُعلمه أن النبي نهى عنهما». 

۷ - سفيان عن عمرو عن ابن عمر قال: «كنا نخابر ولا نرى بذلك 
بأساً حتى زعم رافع (هو ابن خديج) أن رسول الله نهى عنها فتركناها من 


أجل e‏ فابن عمر قل كان ينتمع بالمخابرة ويراها حلا لأ ولم يتوسع 
إد أخبره واحد لا يتهمه عن رسول الله أنه نهى عنها أن يخابر بعد خبره» 





)١(‏ وأخرجه البخاري ومسلم. 


(۲) أخرجه البيهقي بتوسع وتفصيل» وعبد الرزاق وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي 


02 وقد ورد النهى عن المخابرة فی نكل ا خمد 


5 5 


ولا يستعمل رأيه مع ما جاء عن رسول الله ولا يقول: «ما عاب هذا علينا 
النبي إذا لم يكن بخبر عن النبي لم يوهن الخبر عن النبي عليه الصلاة 
والسلام . 


۸ _ أخبرنا مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار «أن 
معاوية بن أبي سفيان باع سقاية من ذهب أو وَرِقٍ بأكثر من وزنها. فقال له 
أبو الدرداء: سمعت رسول الله ينهى عن مثل هذاء فقال معاوية: «ما أرى 
بهذا بأساً» فقال أبو الدرداء: من يَعْذِرُني من معاوية؟ أخبره عن رسول الله 
ويخبرنى عن رأيه!! لا أساكنك ات فرأى أبو الدرداء العحجة تقوم 
على معاوية بحبره ولما لم پو ذلك معاوية› فارق أبو الدرداء الأرض التي 


لاو كينا أن امعد ری ی ر اردع رر ا 
شا فذكر الخ برا حاف حقال 5 سعيد: والله لا آوانى وإياك 
سقف بيت أبداً. قال الشافعي : نوق أن فنا على ال اا رل رة 
وقد ذكر خبراً يخالف خبر أبي سعيد عن النبي» ولكن في خبره وجهان 
«أحدهما: يحتمل به خلاف خبر أبي سعيد» والأخر: لا يحتمله». 

٠‏ أخبرنا من لا أنّهم عن ابن أبي ذئب عن مَخلد بن خفاف قال: 
«ابتعت غلاما فاستغللته». ثم ظهرت منه على عيب فخاصمت فيه إلى 
عمر بن عبد العزيز فقضى لي برده, وقضى علي برد غلته»» فأتيت عروة 
فأخبرته» فقال: «أروح إليه العشية فأخبره أن عائشة أخبرتني أن رسول الله 
قضى في مثل هذا أن الخراج بالضمان» فعجلت إلى عمر فأخبرته ما 
أخبرني عروة عن عائشة عن النبي› فقال عمر: فما أيسر عَلي من قضاء 


)01( تفرد الشافعى بهذه الرواية . وقد قال ابن عد الين: إنها محفوظة لمعاوية مع عبادة بن 
الصامت» ولكن إسنادها صحيحء فتكون من الأفراد الصحيحة.اه. هامش الرسالة 
ص” 5 4. 


قضيته ‏ اللّهُ يعلم ‏ أني لم أرد فيه إلا الحق» فبلغتني فيه سنة عن 
رسول الله فأرد فقا قمر :وانقد ية رشول الله » فراح إليه عروة فقضى لي 
أن ا حل الخراج من الذي قضى به على . 


١‏ _ أخبرني من لا أتهم من أهل المدينة عن ابن أبي ذئب قال: 
«قضى سعد بن إبراهيم على رجل بقضية برأي ربيعة بن أبي عبد الرحمن 
فأخبرته عن النبي بخلاف ما قضى به» فقال سعد لربيعة: هذا ابن أبي ذئب 
وهو عندي يق يخبرني عن النبي بخلاف ما قضيت به. فقال له ربيعة: قد 
اجتهدت ومضى حكمك» فقال سعد: واعجباً! أَنفِذ قضاء سعد بن أم سعد 
وارد قضاء رسول الله؟ بل أرذ قضاء ء سعد بن أم سعدء وأنفذ قضاء 
رسول الله» فدعا سعد بكتاب القضية فشقه وقضى للمقضيٌ عليه). 


١‏ _ قال الشافعي أخبرني أبو حنيفة بن سِمّاك بن الفضل الشهابي» 
قال : حدثني ابن أبي ذئب عن المقبري عن أبي شريح الكعبي أن النبي قال 
عام الفتح: «من قتل له قتيل فهو بخير النظرين: إن أحب أخذ العقل وإن 
أحب فله القّوّد) قال أبو حنيفة فقلت لابن أبي ذئب: أتأخذ بهذا يا أبا 
الحارث؟ فضرب صدري وصاح علي صياحاً كثيراً ونال مني وقال : أحدثك 
عن رسول الله وتقول: تأخذ به؟ نعم أخذ به» وذلك الفرض على وعلى 
من سمعهء إن الله اختار محمدا من الناس فهداهم به وعلى يديه؛ واختار 
لهم ما اختار له وعلى لسانه» فعلى الخلق أن يتبعوه طائعين أو داخرين (أي 
صاغرين) لا مخرج لمسلم من ذلك. قال: وما سكت حتى تمنيت أن 
يسكت قال: «وفي تثبيت الخبر الواحد أحاديث يكفي بعض هذا منها». 

۳۳ _ ولم يزل سبيل سلفنا والقرون بعدهم إلى من شاهدنا هذه 
السبيل» وكذلك حُكي لنا عمن حُكي لنا عنه من أهل العلم بالبلدان. قال 
الشافعي : «وجدنا سعيداً بالمدينة يقول: أخبرني أبو سعيد الخدري عن النبي 


فى الصرف فيثبت حديئّه سنة» ويقول: حدثنى أبو هريرة عن النبى» فيثبت 
.)١(‏ في هذا الحديث كلام طويل ذكره الأستاذ أحمد شاكر في هامش الرسالة ص4495. 


۹۸ 


حديته سنة» ويروي عن الواحد غيرهما فيثبت حديثه سنة» ووجدنا عروة 
يقول: «حدثتني عائشة أن رسول الله قضى أن الخراج بالضمان» فيثبته سنة 
ويروي عنها عن النبي شيئا كثيرا فيشبتها سنناً يحل بها ويّحرّم» وكذلك 
وجدناه يقول: «(حدثني أسامة بن زيد عن النبي»› ويقول: ١احدثني‏ 
عبد الله بن عمر عن النبي وغيرهماء فيثبت خبر كل واحد منهما على 
الانفراد سنةء ثم وجدناه أيضاً يصير إلى أن يقول: حدثني عبد الرحمن بن 
عبد القاريٌ عن عمرء ويقول: «حدثني يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب 
عن أبيه عن عمرء ويثبت كل واحد من هذا خبرا عن عمرء ووجدنا 
القاسم بن محمد يقول: «حدثتني عائشة عن النبي» ويقول في حديث 
غيره: حدثني ابن عمر عن النبي» ويثبت خبر كل واحد منهما على الإنفراد 
سنة» ويقول: حدثني عبد الرحمن ومُجَمع ابنا يزيد بن جارية» عن خنساء 
بنت خدام عن النبي فيثبت خبرها سنة وهو خبر امرأة واحدة. ووجدنا 
غل بن سيق قرول ارا عرو ن عمال عن أسامة بن رنت ان الى 
قال: «لا يرث المسلم الكافر) فيثبتها E‏ الناس بخبره مد 
ووجدنا كذلك محمد بن علي بن حسين عن جابر عن النبي وعن 
بيد الله بن أبي رافع عن أبي هريرة عن النبي» فيثبت كل ذلك سنة. 
ووجدنا محمد بن جبير بن مُطعم ونافع بن جبير بن مطعم ويزيد بن 
طلحة بن رُكانة» ومحمد بن طلحة بن ركانة» ونافع بن عجير بن عبد 
يزيد» وأبا سلمّة بن عبد الرحمن وخميّد بن عبد الرحمن» وطلحة بن 
عبد الله بن عوف» ومصعّب بن سعد بن أبي وقاصء وإبراهيم بن عبد 
الرحمن بن عوف» وخارجة بن زيد بن ثابت» وعبد الرحمن بن كعب بن 
مالك» وعبد الله بن أبي قتادة» وسليمان بن يسارء وعطاء بن يسارء 
وغيرهم من محدثي أهل المدينة» كلهم يقول: حدثني فلان» لرجل من 
أصحاب النبي عن النبي» أو من التابعين عن رجل من أصحاب النبي عن 


اي فنشت دل س ووجدنا عطاء لا وها وتعداهدا وابن أبى فلك 


وعكرمة بن خالد وعبيد الله بن أبي يزيد وعبد الله بن باباه» وابن أبي عمار ر 
ومحدني الفكيين ووجدنا وتا نن فلنة باليمن همكذلكء ومكحولا بالشام» ١‏ 


10 


وعبد الرحمن بن غئْم» والحسن وابن سيرين بالبصرة» والأسود وعلقمة 
والشعبي بالكوفة» ومحدثي الناس وأعلامهم بالأمصار كلهم» يحفظ عنه 
تثبيت خبر الواحد عن رسول الله والانتهاء إليه والإفتاء به» ويقبله كل واحد 
منهم عمن فوقه» ويقبله عنه من تحته. 

8" - ولو جاز لأحد من الناس أن يقول في علم الخاصة: «أجمع 
المسلمون قديماً وحديثاً على تثبيت خبر الواحد والانتهاء إليه» بأنه لم يعلم 
من فقهاء المسلمين أحدٌ إل وقد ثبته» جاز لي» ولكن أقول: لم أحفظ عن 
فقهاء المسلمين أنهم اختلفوا في تثبيت خبر الواحد بما وصفت من أن ذلك 
موجود على كلهم . 

ثم ذكر الشافعي ما يقال من أن بعض العلماء يتركون العمل بأحاديث 
تروى لهمء وأجاب بأنه لا بد له من عذرء إما بأن يكون عنده حديث 
يخالفه» أو يكون مَّن حدثه ليس بحافظ» أو متهماً عنده» أو يكون النحديث 
محتملاً معنيين» ولا يصح أن يتوهم متوهم أن فقيهاً عاقلا يُثبت سنة» ثم 
يدعها من غير تأويل ولا عذرء فإن سلك أحد مسلك الرد للحديث بلا 
عذر» كك اعد كنا لا عذر فيه عندنا. والله أعلم. 

وهكذا أثبت الشافعي رحمه الله ببيان قوی وأدلة ناهضة من الكتاب 
والسنة وعمل الصحابة والتابعين وتابعي التابعين وفقهاء المسلمين» وجوب 
العمل بخبر الواحد والأخذ به. ۰ 


§ الى 


6 





الفصَل السحادس 
السَمّة مع المشتشرقئين 





عرض تاريخي لأغراض المستشرقين: 

لما هاجمت الجيوش الصليبية بلاد الإسلام» كانت مدفوعة إلى ذلك 
بدافعين : ) 
الأول - دافع الدين والعصبية العمياء التي أثارها رجال الكنيسة في 
شعوب أوروباء مفترين على المسلمين أبشع الافتراءات: محرضين النصارى 
أشد تحريض على تخليص مهد المسيح من أيدي الكفار (أي المسلمين) 
فكان جمهرة المقاتلين من جيوش الصليبيين من هؤلاء الذين أخرجتهم 
العصبية الدينية من ديارهم عن حسن نية» وقوة عقيدة» إلى حيث يلاقون 
الموت والقتل والتشريد» حملة بعد حملة» وجيشا بعد جيش . 

الثاني - دافع سياسي استعماري فلقد سمع ملوك أوروبا بما تتمتع به 
بلاد الإسلام وخاصة بلاد الشام وما حولها من طمأنينة ومدنية وحضارة لا 
عهد لهم بمثلهاء كما سمعوا الشيء الكثير عن ثرواتها ومصانعها وأراضيها 
الخصبة الجميلة» فجاؤوا يقودون جيوشهم باسم المسيح» وما في نفوسهم 
في الحق إلا الرغبة في الاستعمار والفتح والاستئثار بخيرات المسلمين 
وثرواتهم» وشاء الله أن ترتد الحملات الصليبية كلها مدحورة مهزومة» بعد 
حروب دامت مائتي سنة كاملة» وآن يقضى على الإمارات التي استولوا 
عليهاء وأن ترجع هذه الحملات إلى ديارهاء تحمل في قلوبها الحسرة. 
وفي جباهها الهزيمة» ولكنها في الواقع كانت تحمل في عقولها شيئاً من 
نور الإسلام» وفي أيديها ثمار الحضارة التي كانت بلادهم محرومة منهاء 
وإذا كانت الشعوب الأوروبية قد رضيت من الغنيمة بالإياب» فإن ملوكها 


۲۱۱ 


ا رج ا مضه عا ااا على هذه ااه يما لان لرن 
وكثرت التكاليف» ورأوا ‏ بعد الإخفاق في الاستيلاء عليها عسكرياً ‏ أن 
يتجهوا إلى دراسة شؤونها وعقائدهاء ا لغزوها ثقافياً وفكرياًء ومن هنا 
كانت النواة الأولى لجمعيات المستشرقين التي ما زالت تواصل عملها حتى 
اليوم» والتي كانت حتى عهد قريب تتألف من رجال الدين المسيحي أو 
اليهودي الذين هم ODT‏ الناس كرها للإسلام وتعصبا عليه» ولئن 
كان فريق من العلماء المنصفين قد غزا هذا الوسط (التبشيري المتعصب) 
فعني بالدراسات العربية والإسلامية في جو ينسم أكثره بالإنصاف» إلا أنه لا 
يزال - حتى اليوم ‏ أكثر الذين يشتغلون منهم بهذه الدراسات من رجال 
الدين الذين يعنون بتحريف الإسلام وتشويه جماله» أو من رجال الاستعمار 
الذين يعنون ببلبلة بلاد الإسلام في ثقافتهاء وتشويه حضارتها في أذهان 
المسلمين» وتَنّسمُ بحوث هؤلاء بالظواهر الاتية : 

١‏ سوء الظن والفهم لكل ما يتصل بالإسلام في أهدافه ومقاصده. 

 '"‏ سوء الظن برجال المسلمين وعلمائهم وعظمائهم. 


العصر الأول» بمجتمع متفكك تقتل الأنانية رجاله وعظماءه. 


ا فور الا ااا هرر درد ات کر را 
لشأنها واحتقاراً لآثارها. 


خلال ما يعرفه هؤلاء المستشرقون من أخلاق شعوبهم وعادات بلادهم. 


5 إخضاع النصوص للفكرة» التي يفرضونها حسب أهوائهم. 
والتحكم فيما يرفضونه ويقبلونه من النصوص . 


۷ تحريفهم للنصوص فى كثير من الأحيان» تحريفاً مقصودأ. 
وإساءتهم فهم الناراك ج ل رن هاا لا ف 


3 


 /‏ تحكمهم في المصادر التي ينقلون منهاء فهم ينقلون مثلاً من 
كتب الأدب ما يحكمون به في تاريخ الحديث» ومن كتاب التاريخ ما 
يحكمون به في تاريخ الفقه» ويصححون ما ينقله «الدميري» في كتاب 
«الحيوان» ويكذبون ما يرويه «مالك» في «الموطأ». كل ذلك انسياقاً مع 
الهوى» وانحرافا عن الحى . 


بهذه الروح التي أوضحنا خصائصها بحثوا عن كل ما يتصل بالإسلام 
والمسلمين من تاريخ وفقه وتفسير وحديث وأدب وحضارة» وقد أتاح لهم 
تشجيع حكوماتهم» ووفرة المصادر بين أيديهم, وتفرغهم للدارسة. 
واختصاص كل واحد منهم بفن أو ناحية من نواحي ذلك الفنء يفرغ له 
جهده في حياتها كلهاء ساعدهم ذلك كله على أن يصبغوا بحوثهم بصبغة 
علمية» وأن يحيطوا بثروة من الكتب والنصوص ما لم يحط به كثير من 
علمائنا اليوم الذين يعيشون في مجتمع مضطرب فى سياسته وثروته 
وأوضاعه» فلا يجدون متسعاً للتفرغ لما يتفرغ له أولئك المستشرقون» وكان 
من أثر ذلك أن أصبحت كتبهم وبحوثهم مرجعاً للمتثقفين مناء ثقافة غربية 
والملمين بلغات أجنبية» وقد خدع أكثر هؤلاء المثقفين ببحوثهم» واعتقدوا 
بمقدرتهم العلمية وإخلاصهم للحق.. وجروا وراء آرائهم ينقلونها كما هي. 
ومنهم من يفاخر بأخذها عنهم» ومنهم من يلبسها ثوبا إسلاميا جديدا. ولا 
أريد أن أضرب لك الأمثال» فقد رأيت من صنيع الأستاذ «أحمد أمين» في 
«فجر الإسلام)”'' مثلاً لتلامذة مدرسة المستشرقين من المسلمين. 
خلاصة قول جولد تسيهر في السنة وتشكيكه بها: 

ننتقل من هذه المقدمة الضرورية» إلى بيان موقف المستشرقين من 
السنة» وشبههم التي أثاروها حولهاء والتي تأثر بها كثير من الكتاب 
الجمسلمين كما “رانف لعل اد اليا ي خطراء وأوسعهم باعاء 
وأكثرهم خبثاً وإفساداً في هذا الميدان» هو المستشرق اليهودي المجري 


)١(‏ ومن صنيع أبي رية في كتابه «أضواء على السنة المحمدية». 


IF 


«جولد تسيهر» فقد كان واسع الإطّلاع على المراجع العربية - على ما يظهر 
حتى عد شيخ المستشرقين في الجيل الماضي» ولا تزال كتبه وبحوثه 
مرجعاً خصباً وهاماً للمستشرقين في هذا الع وقد نف لها الاأمفاد 
«أحمد أمين) بصورة غير رسمية كثيراً من آرائه عن تاريخ الخ ا در 
الإسلام) و«اضحاه)» كما نقل لنا بصورة رسمية سافرة بعض بعض آرائه التي 
صرح بعزوها إليه» كما نقل لنا الدكتور علي حسن عبد القادر في كتابه 
«نظرة عامة في تاريخ الفقه الإسلامي» ملخص شبه هذا السترق في ارح 
الحديث» كما نجد بحث هذا الموضوع وخلاصة رأيه واضحاً في كتابه 
«العقيد ة والشريعة في الإسلام) الذي ترجمه الأساتذة «محمد يوسف موسى) 
و «عبد العزيز عبد الحق» و علي حسن عبد القادر». 


وسأحاول هنا نقد خلاصة آرائه في هذا الصدد ‏ غير متتبع لكل فقرة 
من فقراتهء فذلك يقتضي كتاباً مستقلا على حدة» فإن بحوثه في هذا الشأن 
شع فى جتنا رو حو لاك ا ا يت ل د 
ا ا ات ا و ا فى ,خرن واترك يفيه آلو 
التفصيلي لفرصة اخری» وأرجو اله أن نفتسم في الأجل للقيام بهذا 
زاي 


قال الدكتور «علي حسن عبد القادر» في «نظرة عامة في تاريخ الفقه) 
ص؟١:‏ وهناك مسألة جد خطيرة» نجد من الخير أن نعرض لها ببعض 
التفصيل وهي «وضع الحديث» في هذا العصرء ولقد ساد إلى وقت قريب 
في أوساط المستشرقين الرأي القائل: «بأن القسم الأكبر من الحديث ليس 
صحيحاً ما يقال من أنه وثيقة للإسلام في عهده الأول عهد الطفولة» ولكنه 
أثر من آثار جهود المسلمين في عصر النضوج» وأشار الدكتور عبد القادر 
إلى أن هذا الرأي هو لجولد تسيهر في كتاب «دراسات إسلامية» وقد 
ا ااا «بأنه في هذا العصر د الذي اشتدت فيه الخصومة 
س الأمويين والعلماء الأتقياء» أخذ هؤلاء يشتغلون بجمع الحديث والسنة. 
ونظراً لأن ما وقع في أيديهم من ذلك لم يكن ليسعفهم في تحقيق 


Yê 


أغراضهم» أخذوا يخترعون من عندهم أحاديث رأوها مرغوباً فيها ولا 
تتنافى والروح الإسلامية» وبرروا ذلك أمام ضمائرهم بأنهم إنما يفعلون هذا 
في سبيل محاربة الطغيان والإلحاد والبعد عن سنن الدين» ونظراً لأنهم 
كانوا يؤملون في أعداء البيت الأموي وهم العلويون» فقد كان محيط 
اختراعهم من أول الأمر موجهاً إلى مدح أهل البيت» فيكون هذا سبيلا غير 
مباشر إلى ثلب الأمويين ومهاجمتهم» وهكذا سار الحديث في القرن الأول 
سيرة المعارضة الساكنة بشكل مؤلم ضد هؤلاء المخالفين للسنن الفقهية 


والقانونية . 


ولم يقتصر الأمر على هؤلاءء فإن الحكومة نفسها لم تقف ساكتة إزاء 
ذلك فإذا ما أرادت أن تعمم رأياً أو تسكت هؤلاء الأتقياء» تذرعت أيضا 
بالحديث الموافق لوجهات نظرهاء فكانت تعمل ما يعمله خصومهاء فتضع 
الحديث» أو تدعو إلى وضعهء وإذا ما أردنا أن نتعرف إلى ذلك كلهء فإنه 
لا توجد مسألة خلافية سياسية أو اعتقادية إلا ولها اعتماد على جملة من 
الأحاديث ذات الإسناد القوي» فالوضع في الحديث ونشر بعضه أو اضطهاد 
بعضه بدأ في وقت مبكرء فالأمويون كانت طريقتهم كما قال معاوية 
للمغيرة بن شعبة: «لا تهمل في أن تسب علياً وأن تطلب الرحمة لعثمان» 
وأن تسب أصحاب علي وتضطهد من أحاديثهم وعلى الضد من هذاء أن 
تمدح عثمان وأهله وأن تقربهم وتسمع إليهم» على هذا الأساس قامت 
أحاديث الأمويين ضد علي» ولم يكن الأمويون وأتباعهم ليهمهم الكذب في 
الحديث الموافق لوجهات نظرهم» فالمسألة كانت في إيجاد هؤلاء الذين 


وقد استغل هؤلاء الأمويون أمثال الإمام الزهري بدهائهم في سبيل 
وضع الحديث ‏ وهنا اختصر الدكتور اتهام المستشرق جولد تسيهر لالومام 
الزهري ‏ ومن الواجب أن أثبته هنا كما نقلناه عنه في الدرس» ولا تزال 
مسودته بخط يده عندي حيث قال: إن عبد الملك بن مروان منع الناس من 
لااو ا ا رة ا ق اا هی البح 


10 


الناس إليها ويطوفوا حولها بدلاً من الكعبة» ثم أراد أن يحمل الناس على 
الحج إليها بعقيدة دينية» فوجد الزهري وهو ذائع الصيت في الأمة 
الإسلامية مستعداً لأن يضع له أحاديث في ذلك» فوضع أحاديث» منها 
حديث: «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد مسجدي هذا والمسجد 
الحرام والمسجد الأقصى» ومنها حديث: «الصلاة في المسجد الأقصى 
تیال آل اة قيما ماماو امقال ديف المديتين:: والدليل.على أن 
الزهري هو واضع هذه الأحاديث؛» أنه كان صديقا لعبد الملك وكان يتردد 
عليه» وأن الأحاديث التي وردت في فضائل بيت المقدس مروية من طريق 
الزهري فقط . 


أما كيف وجه الأمويون همتهم إلى أن ينشروا أحاديث توافق رغبتهم 
وكيف استغلوا لذلك أناسأ من نوع (الزهري) الرجل الصالح» استغلالا ليس 
من نوع الاستغلال المادي. بل من نوع الدهاءء فإن ذلك يظهر لنا من 
بعض الأخبار التي لا تزال محفوظة عند الخطيب البغدادي» ويمكن 
استخدامها هنا فنجد فيه أخباراً من طرق مختلفة عن عبد الرزاق بن همام 
(١1١1ه)‏ عن معمر بن راشد ( 565١ه)‏ الذي كان ممن يسمع من الزهري› 
وهو أن الوليد بن إبراهيم الأموي جاء إلى الزهري بصحيفة وضعها أمامه 
وطلب إليه أن يأذن له بنشر أحاديث فيها على أنه سمعها منهء فأجازه 
الزهري على ذلك من غير تردد كثير وقال له: من يستطيع أن يخبرك بها 
غيري؟ وهكذا استطاع الأموي أن يروي ما كتب في الصحيفة على أنها 
مروية عن الزهري» وهذا يتفق مع ما ذكر سابقاً من أمثلة عن استعداد 
الزهري لإجابة رغبة البيت المالك بالوسائل الدينية» وقد كانت تقواه تجعله 
يشك أحياناً ولكنه لا يستطيع دائماً أن يتحاشى تأثير الدوائر الحكومية»ء وقد 
حدثنا معمر عن الزهري بكلمة مهمة وهي قوله أكرهنا هؤلاء الأمراء على 
أن نكتب «أحاديث» فهذا الخبر يفهم استعداد الزهري لأن يكسو رغبات 
الحكومة باسمه المعترف به عند الأمة الإسلامية» ولم يكن الزهري من 
أولئك الذين لا يمكن الاتفاق معهمء ولكنه كان ممن يرى العمل مع 


51 


الحكومة» فلم يكن يتجنب الذهاب إلى القصرء بل كان كثيراً ما يتحرك في 
حاشية السلطان» بل إننا نجده في حاشية الحجاج في حجهء وهو ذلك 
الرجل المبعٌض» وقد جعله هشام مربياً لولي عهده» وفي عهد يزيد الثاني 
قبل منصب القضاءء وتحت تأثير هذه الحالات کان يغمض عينيه» ولم يکن 
من أولئك الذين وقفوا أزاء خلفاء الجور والظلم»ء كما يسمي الأتقياء هذا 
البيت» ثم ذكر المستشرق ما في زيارة أهل الظلم واتباع السلطان من فتنة» 
وأنهم كانوا يعدون من قَبِلَ منصب القضاء غير ثقة» وأن الشعبي كان يلبس 
الألوان ويلعب مع الشباب حتى لا يتخذ للقضاءء وأنه حارب الحجاج مع 
ابن الأشعث» وأن من المقرر عند العلماء أن من تولى القضاء فقد ذبح بغير 


ثم قال المستشرق بعد أن فرغ من اتهام الزهري: «ولم يقتصر الأمر 
على وضع أحاديث سياسية أو لصالح البيت الأموي بل تعدى ذلك إلى 
الناحية الدينية فى أمور العبادات التي لا تتفق مع ما يراه أهل المدينة» مثل 
ما هو معروف من أن خطبة الجمعة كانت خطبتين» وكان يخطب الخلفاء 
وقوفاً وأن خطبة العيد كانت تتبع الصلاة فغير الأمويون ذلك» فكان يخطب 
الخليفة خط الصلاة. واستدلوا بذلك بما روأه رجاء بن حيوه من أن 
الرسول والخلفاء كانوا يخطبُون جلوساًء في حين قال جابر بن سمرة: من 
حدثكم أن رسول الله خطب جالساً فقد كذب. 


ومثل ذلك ما حصل من زيادة معاوية ۳ درجات المنبر وما كان من 
جعله المقصورة التى أزالها العباسيون بعد ذلك. كما لم يقتصر الأمر على 
دشر أحاديث ذات ميول» بل تعدأه إلى اضطهاده أحاديث لا تمثل وجهات 
النظرء والعمل على إخفائها وتوهينهاء فمما لا شك فيه أنه كانت هناك 
أحاديث فى مصلحة الأمويين اختفت عند مجىء العباسيين» وقد استدل فى 
سبيل تأييد قوله بأدلة من قدح بعض العلماء في بعض مما يخرجونه مخرج 
قول المحدث عاصم بن نبيل (هو الحافظ الثقة الضحاك بن مخلد أبو 


1۷ 


عاصم النبيل من أصحاب زفر وليس عاصم بن النبيل) - توفي سنة ۲٠۲‏ 
وعمره 4٠‏ سنة"' ‏ ما رأيت الصالح يكذب في شيء أكثر من الحديث. 
ويقول مثل ذلك يحيى بن سعيد القطان ( ؟19١ه)‏ ويقول وكيع عن 
زياد بن عبد الله البكائي: إنه مع شرفه في الحديث كان كذوبا ولكن ابن 
حجر يقول في «التقريب» «ولم يثبت بأن وكيعاأ كذبه»» ويقول يزيد بن 
هارون: إن أهل الكوفة في عصره ما عدا واحداً كانوا مدلسين» حتى 
السفيانان ذكرا بين المدلسين. وقد شعر المسلمون في القرن الثاني .بأن 
الاعتراف بصحة الأحاديث يجب أن يرجع إلى الشكل فقط. وأنه يوجد بين 
الأحاديث الجيدة الإسناد كثير من الأحاديث الموضوعة» وساعدهم على هذا 
ما ورد من الحديث: «سيكثر التحديث عني فمن حدثكم بحديث فطبقوه 
على كتاب الله فما وافقه فهو مني» قلته أو لم أقله». 


هذا هو المبدأ الذي حدث بعد قليل عند انتشار الوضعء ويمكن أن 
نتبيين شيئاً من ذلك في الأحاديث الموثوق بهاء فمن ذلك ما رواه مسلم من 
أن النبي كَل أمر بقتل الكلاب إلا كلب صيد أو كلب ماشية فأخبر ابن عمر 
أن أ هة يزيد «أو كلب زرعكء فقال ابن عمر: إن أبا هريرة كان له 
أرض يزرعها. فملاحظة ابن عمر تشير إلى ما يفعله المحدث لغرض في 


نشفسة . 


وفي سبيل إثبات بعض القواعد الفقهية طرقوا بابأ آخر غير الروانات 
فجي o‏ ل ل ةا 
النوع تصديقاً في هذا العصرء وإذا ما دار الأمر حول نسخة من هذه 
الصحف فإنهم لا يسألون عن أصلها المنسوخة عنه» ولا يبحثون عن 
صحتهاء ونستطيع أن نتبين جرأة الواضعين من هذا الخبرء ذلك أنهم في 
عصر الأمويين حاول بعض الناس التوفيق بين عرب الشمال وعرب 
الجنوب» فأظهروا حلفا كان في عصر تبّع بن معد يكرب بين اليمنية 


."8/١ انظر تذكرة الحفاظ‎ )١( 


ووتيعةة وقد وجدوا هاا شحف ظا فد يحض أخفاة» هذا الأمرو ' الصتميرى. 
فهؤلاء الذين يقبلون مثل هذا لا يكون من الصعب عليهم أن يعترفوا بمثله 
مما هو أقرب عهداًء ونعني بهذا مسألة «تعريف الصدقة» عن صغار البقر 
وكبارهاء فقد وردت في ذلك أحاديث مختلفة» ولكن لم يصح منها شيء 
ليأخذ منه جامعو الحديث نصوصا تحتوي على نظام للدفع مفصل» فرجع 
الناس إلى وصايا مكتوبة عن الزكاة مما وصى به الرسول رسله إلى البلاد 
العربية» مثل وصيته إلى معاذ بن جبل»ء وكتابه إلى عمرو بن حزم 
وغيرهماء مما روى لنا محتوياتها راوو الحديث. ولم يكتف الناس بهذه 
النسخ المنقولة عن أصولء بل أظهروا أيضاً بعض هذه الأصول القديمة 
فهناك وثيقة كانت عند ابن عمرء أمر عمر بن عبد العزيز بنقل نسخة منهاء 
ول روئ او داود تصحيح الزهري لها. 

وهناك وثيقة أخرى بختم الرسولء. ذكرها أبو داود أيضاء وقد أظهرها 
حماد بن أسامة عن ثمامة بن عبد الله بن أنس». وكان أبو بكر قد وجهها 
لأف به لك عا دي لحن امات اد 

قال الدكتور بعد ذلك «هذا هو الرأي الذي ساد أوساط المستشرقين 
ف القرن الماضي. ثم ذكر أنه سادت في أوساطهم في العصر الحديث 
نظرية تخالف هذه النظرية وتتفق في نتيجتها مع وجهات النظر الإسلامية» 
واكتفى المؤلف بذكر النظرية الجديدة دون أن يعقب على هذه أو تلك. 
وكفى: الله الم ميق 'الققال 1 


الجواب 

إذا أمعنت النظر فيما قدمته في هذه الرسالة من حرص الصحابة على 
حفظ حديث رسول الله وق ونقله وحرص التابعين وتابعي التابعين فمن 
8 اا ی ی ا 
وما قام به علماء السنة من جهود جبارة في تتبع الكذابين والوضاعين» وفضح 
نواياهم ودخائلهم» وبيان ما زادوه في السنة من أحاديث مكذوبة» حتى جمعت 
السنة في كتب صحيحة» وأشبعها النقاد بحثا وتمحيصاء ثم خرجوا من ذلك 
إلى الاعتراف بصحتها والتسليم بهاء إذا أمعنت النظر في ذلك كله» أيقنت أن 
هؤلاء المستشرقين يخبطون في أودية الأوهام» ويتأثرون بأهوائهم وتعصبهم في 
الحكم على حقائق يعتبر العبث بها في نظر المحقق المنصف إسفافا وتلاعبا 
بالعلم» وإخضاعا لحقائق التاريخ إلى نظريات الهوى والعصبية . 

او کا اا ا تويك يها رودا غلل هو لاع ولا ا ان ات 
نظر القارئ المنصف إلى ما بين يديه من حقائق» حتى لا تغيب عنه حين 
ريك ا قان وفوى هوناء السصين» .تحرص فا ل على مان 
n UG E Ga E‏ 
بعضها تحقيقاً لما لم نتعرض له من قبل. . 
هل كان الحديث نتيجة لتطور المسلمين؟ 

يقول جولد تسيهر: إن القسم الأكبر من الحديث ليس إلا نتيجة 
للتطور الديني والسياسي والاجتماعي للوسلام في القرنين الأول والثاني . ولا 
ندري كيف يجرؤ على مثل هذه الدعوى» مع أن النقول الثابتة تكذبه» ومع 
أن رسول الله ب لم ينتقل إلى الرفيق الأعلى إلا وقد وضع الأسس الكاملة 
لبنيان الإسلام الشامخ» بما أنزل الله عليه في كتابه» وبما سنه عليه الصلاة 
والسلام من سنن وشرائع وقوانين شاملة وافية» حتى قال ية قبيل وفاته: 
اتركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما كتاب الله وسنتي» وقال: 
القد تركتكم على الحنيفية السمحة ليلها كنهارها» . 


5 


ربو E E‏ 
تال الوم ملت کک دينک ا KE‏ نعمت وَرَضِيِتٌ لك ا لوسم 
ديا [المائدة: ۳]. وذلك يعنى: كمال الإسلاء وا 


فما توفي رسول الله إلا وقد كان الإسلام ناضجاً تاماً لا طفلا يافعاً ‏ 
كما يدعي هذا المستشرق» نعم لقد كان من آثار الفتوحات الإسلامية أن 
واجه المتشرعين المسلمين جزئيات وحوادث لم ينص على بعضها في 
القرآن والسنة» فأعملوا آراءهم فيها قياسا واستنباطاً حتى وضعوا لها 
الأحكام» وهم في ذلك لم يخرجوا عن دائرة الإسلام وتعاليمه» وحسبك 
أن تعلم مدى نضوج الإسلام في هره الأول أن عجر .سبطو عل 
مملكتي كسرى وقيصر وهما ما هما في الحضارة والمدنية» فاستطاع أن 
يسوس أمورهماء ويحكم شعوبهماء بأكمل وأعدل مما كان كسرى وقيصر 
يسوسان بها مملكتيهماء أترى لو كان الإسلام طفلاء كيف كان يستطيع 
عمر أن ينهض بهذا العبء ويَسُوسٌ ذلك الملك الواسع. ويجعل له من 
النظم ما جعله ينعم بالأمن والسعادة» ما لم ينعم بهما في عهد ملكيهما 
السابقيه؟ 


على أن الباحث المنصف يجد أن المسلمين في مختلف بقاع الأرض 
التي وصلوا إليها كانوا يتعبدون عبادة واحدة» ويتعاملون بأحكام واحدة» 
ويقيمون أسس أسرهم وبيوتهم على أساس واحد. وهكذا كانوا متحدين في 
العبادات والمعاملات والعقيدة والعادات غالباًء ولا يمكن أن يكون ذلك لو 
لم يكن لهم قبل مغادرتهم جزيرة العرب نظام تام ناضج» وضع لهم أسس 
حياتهم في مختلف نواحيهاء ولو كان الحديث أو القسم الأكبر منه نتيجة 
للتطور الديني ذ فى القونيي الا ولين للزم حتماً ألا تتحد عبادة المسلم في 
شمال أفريقيا مع باد المسلم في جنوب الصين» إذ أن البيئة في كل منهما 
مختلفة عن يم تمام الاختلاف» فكيف اتحدا في العبادة والتشريع 
اكات وا من الع ذا كا 


51١ 


أما قيام المذاهب بعد القرن الأول وتعددهاء فذلك بلا شك أثر 
للكتاب والسنة» ولمدارس الصحابة في فهم كتاب الله والسنة» أما الكتاب 
فقد كان محفوظاً متواتراً بينهم» وأما السنة فلا ترى قولاً لإمام من أئمة 
المذاهب في القرنين الثاني والثالث» إلا وقد سبقه إليه صحابي أو تابعي. 
وذلك قبل أن يتطور الدين - كما زعم هذا المستشرق - تطوراً بالغ الأثرء 
وفي هذا ما يقضي على الشبهة من أساسها. 

أما ما استند إليه بعد ذلك من أدلة على وجهة نظره فسنرى أنها كبناء 
قام على أساس من جرف هارء وستنهار أمام نظرك واحدة بعد أخرى 


بفضل الله . 


-١‏ موقف الأمويين من الدين: 

يقيم المستشرق جولد تسيهر أساس نظريته على مدى الخلاف الذي 
زعم أنه كان قائماً بين الأمويين (والعلماء الأتقياء)» وقد حرص على أن 
يصور لنا الأمويين جماعة دنيويين ليس لهم هم إلا الفتح والاستعمارء 
وأنهم كانوا في حياتهم العادية جاهلين لا يمتون إلى تعاليم الإسلام وآدابه 
بصلة» وهذا افتراء على الواقع والتاريخ» ومن المسلم به أن ما بين أيدينا 
من نصوص التاريخ التي تمثل لنا العصر الأموي» إنما وضعت في العصر 
العياسى .وفك كان قفا عا اة لي أفيةي ن فد الو 
والأخباريوة ما شاؤواء ولعبت الشائعات التي أثارها صنائع العباسيين عن 
الأمويين وخلفائهم دورا خطيرا في التاريخ» إذ احتلت مكانتها في الكتب» 
وغدت حقائق في نظر كثير من الناس» وهي لا تعدو أن تكون أخبارا 
تناقلتها الألسنة دون تحقيق» وهي من وضع صنائع العباسيين وغلاة الشيعة 
والروافض» فلا يصح الاعتماد بدون تمحيص على كتب الأخبار والتاريخ 
فيما يتعلق بالأمويين. 

هنا كب عه رسي اخ اله تعس کے او اا ناما" ن ا 
كقيرة كديا نا ومن به عد N O‏ الجر انه عد 
الإلجاق تيمك لامكافده كاين سعد يرو اذى ملبناته كين بيك 


577 


عبد الملك وتقواه قبل الخلافة ما جعل الناس يلقبونه بحمامة المسجدء 
حتى لقد سئل ابن عمر: أرأيت إذا تفانى أصحاب رسول الله يله من 
نسأل؟ فأجابهم: سلوا هذا الفتى وأشار إلى عبد الملك» وسترى في بحث 
الزهري أن عبد الملك كان حريصا على إرشاد العلماء وطلاب العلم إلى 
تتبع السنن والاثار» حتى لقد قال للزهري وهو يومئذ حدث شاب: ائت 
الأنصار فإنك تجد عندهم علما كثيراء ولما جاء الناس لمبايعته بالخلافة 
كان يتلو كتاب الله على مصباح ضئيل» وقل مثل ذلك في الوليد بن 
عبد الملك». فلقد أنشئت في عصره أكثر المساجد المعروفة اليوم» حتى 
كان عصره للمسلمين عصرا عمرانياء وقل مثل ذلك في بقية الخلفاء ما عدا 
Eagle CE Ces‏ 
الشريعة في مسلكه الشخصي» ومع ذلك فقد نحله صنائع العباسيين ورواة 
الشيعة كثير من الحوادث التي لم تثبت لدى النقد» ومثل ذلك يقال في 
الوليد الذي افتروا عليه أنه رمى كتاب الله ومزقه» فإن مثل هذه الأخبار لا 
يشك من يطالعها بروح الإنصاف أنها مدسوسة مكذوبة. 


والتاريخ ليذكر بكثير من الإعجاب فتوحات الأمويين» حتى إن رقعة 
الإسلام في العصر العباسي لم تزد كثيراً عما كانت عليه في العصر الأموي. 
والفضل في ذلك للأمويين حيثث كان أبناء خلفائهم على راش الجيوش 
الفاتحة الغازية في سبيل إعلاء كلمة الله ونشر شريعته» فلماذا يعاديهم 
العلماء؟ ولماذا يتهمون هؤلاء بأنهم لم يكونوا يفهمون الإسلام؟ ولم يكونوا 
على شيء من حبه والتفاني فيه؟. 

فما أقامه المستشرق من نظرية الوضع في الحديث» بناء على اشتداد 
العداء بين الأمويين والعلماء الأتقياء. لا أساس له من الصحةء نعم! لقد كان 
العداء بينهم وبين زعماء الخوارج والعلويين قويا لس كه : ولكن هؤلاء 
هم عير العلماء الذين نهضوا لجمع الحديث وتدويئه وروايته ونهده» 
كسعيد بن المسيب وأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام 


TT 


ونافع مولى ابن عمرء وسليمان بن يسارء والقاسم بن محمد بن أبي بكر 
والإمام الزهري» وعطاءء والشعبي» وعلقمة» والحسن البصري» وأضرابهم 
من أئمة الحديث» فهؤلاء لم يصطدموا مع الأمويين في معارك. ولا أثر عنهم 
أنهم تصدوا لخصومة الأمويين» اللهم إلا ما كان من سعيد بن المسيب 
وجفائه لعبد الملك» فقد كان سبب ذلك معلوماً وهو ما أراده عبد الملك من 
أخذ البيعة لابنه الوليدء ثم لسليمان من بعدهء فأبى سعيد وقال: إن 
رسول الله ية نهى عن بيعتين في وقت واحدء فهذا هو سبب الجفاءء ولا 
نعلم قبل هذه الحادثة جفاء بين سعيد وخلفاء بني أمية» ووقع شيء من 
الجفاء بين الحجاج وبعض علماء عصره» سببه اشتداد الحجاج في مقاومة 
خصوم الدولة الأموية» لا إمعانه في الفسق والضلال» حتى يثور عليه العلماء 
الأتقياء. كيف وللحجاج فضل في إعجام حروف القرآن وشكل كلماته» وهذا 
يدل على مبلغ عنايته بكتاب الله وذلك لا يكون إلا في نفس عميقة التدين. 

وقصارى القول: أن هذا المستشرق إن عنى بالعلماء الذين وقعت 
الخصومة بينهم وبين الأمويين أنهم هم زعماء الخوارج والعلويين» فنعم. 
ولكن هذا لا علاقة له بالعلماء الذين دأبوا على نشر السنة وحفظها 
وتنقيتهاء وإن أراد بهم أمثال عطاء ونافع وسعيد والحسن والزهري ومكحول 
وقتادة» فكذب وافتراء يرده التاريخ ويأباه عليه كل الإباء. 


؟ ‏ هل كان علماء المدينة وضاعين؟. 

والأغرب من هذا أنه يصور لنا هذا العداء فى كتابيه «دراسات 
إسلامية»» و«العقيدة والشريعة في الإسلام» أنه كان 2 الأمويين وعلماء 
المدينة» وأن علماء المدينة هم الذين بدؤوا بحركة الوضع ليقاوموا 
الأمويين» ولكن الكذوب يجب أن يكون ذكوراء فإذا كان علماء المدينة 
فعلوا ذلك كما يزعمء فهل كانوا هم كل علماء الإسلام في ذلك العصر؟ 
الم يكن في مكة ودمشق والكوفة والبصرة ومصر وأمصار الإسلام الأخرى 
صحابة وعلماء أيضا؟ لقد كان في مكة في ذلك العصر ‏ عدا من تأخر 
وفاته من الصحابة ‏ أمثال عطاء وطاووس ومجاهد وعمرو بن دينار وابن 


YE 


جريج وابن عيينة» وكان في البصرة أمثال الحسن وابن سيرين ومسلم بن 
يسار وأبو الشعثاء وأيوب السختياني ومطرف بن عبد الله بن الشخيرء وكان 
في الكوفة أمثال علقمة والأسود وعمرو بن شرحبيل ومسروق بن الأجدع 
وعبيدة السلماني وسويد بن غفلة وعبد الله بن عتبة بن مسعود وعمرو بن 
ميمون وإبراهيم النخعي وعامر الشعبي وسعيد بن جبير والقاسم بن 
عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعودء وكان في الشام أبو إدريس الخولاني 
وقبيصة بن ذؤيب وسليمان بن حبيب وخالد بن معدان وعبد الرحمن بن 
غنم الأشعري وعبد الرحمن بن جبير ومكحول. وكان في مصر يزيد بن 
أبي حبيب وبكير بن عبد الله الأشج وعمرو بن الحارث”''' والليث بن سعد 
وعبيد الله بن أبى جعفرء وكان في اليمن مطرف وغيره. 


هؤلاء أعلام الإسلام في العصر الأموي فهل شاركوا علماء المدينة في 
الوضع؟ وكيف تم ذلك؟ وأين هذا المؤتمر الذي ضمهم. حتى اتخذوا فيه 
قرار الوضع؟ وإذا كانوا لم يشاركوا علماء المدينة في ذلك» فكيف سكتوا 
عنهم وكيف نقلوا حديثهم؟ وأين هو في التاريخ إنكارهم على هؤلاء 
الال إنا لجن على.فكين ذلك أن علماء الأمضار جميعا ترون 
بأن حديث الحجاز أصح حديث وأقواه» بل إن عبد الملك يعترف لعلماء 
المدينة بصحة الحديث حين أشار على الزهري أن يأتي إلى دور الأنصار 
غل هم كما سيان معنا :في الحديت عن الزهري ...كيت اعترقوا 
بذلك لو كانت المدينة دار ضرب الحديث وابتكاره ووضعه للناس؟ إنها 
دعوى متهافتة لا تثبت أمام النقد لحظات ولكن الهوى يُعمي . 

ومما يزيد في تهافت هذه الدعوى أن هذا المستشرق يتخذ من عداء 
ابن المسيب لعبد الملك ذريعة لرمي علماء المدينة كلهم بالكذب والوضعء 
ولكنه لا يذكر لنا دور سعيد فى هذه الحركة» لقد كان من حقه أن يكون 
على رأسهاء ولكنه لم يذكر له دوراً في هذه الحركة» فلماذا؟ هل هو يتهمه 


)١(‏ انظر أعلام الموقعين ١7/١‏ وما بعدها. 


5730 


في الحقيقة بالوضع كما اتهم الزهري» ولكنه لم يجرؤ على ذلك إذ لم 
يجد بين يديه ولو رواية مفتعلة يؤيد بها دعواه كما فعل مع الزهري؟ أم أله 
يبرئه من تهمة الوضع؟ فكيف كان ذلك وهو على رأس العلماء الأتقياء 
للبو اة فوت اا او اى ا ك له ا ا 
هكذا يتهافت الكذوب ويضطرب في دعواه. . 

لقد تتبع علماؤنا الوضاعين في الحديث» ورموهم بالزندقة والفسوقء 
فلم يعجب المستشرق هذا الوصف»ء بل أطلق عليهم لقب «العلماء الأتقياء) 
ثم زاد على ذلك أن مقرهم كان في المدينةء وما كان في المدينة حقاً إلا 
كل عالم وتقي» ولكن بالمعنى الذي يفهمه المسلمون: من العلم والتقوى. 
وهو الاجتهاد في دين الله» والصدق في شريعتهء. ومحاربة الكذابين 
الا ا الع الل عة هاا الارن 2 و الاي اف ا 
رسول الله والافتراء عليه دفاعاً عن دینه. 
؟ ‏ هل استجاز علماؤنا الكذب دفاعا عن الدين؟ 

ثم يقول هذا المستشرق اليهودي : اكات لأن ما وقع في أيديهم ‏ 
أي العلماء ‏ من ذلك لم يكن ليسعفهم في تحقيق أغراضهمء أخذوا 
يخترعون من عندهم أحاديث رأوها فقوا فيها ولا تنافی الروح الإسلامية. 
وبرروا ذلك أمام ضمائرهم بأنهم إنما يفعلون هذا في سبيل محاربة الطغيان 
والإلحاد والبعد عن سئن الدين». 


هكذا يبرر جولد تسيهر وضع علمائنا للحديث.. وهو قول من لم 
يصل ولن يصل إلى مدى السمو الذي يتصف به علماؤنا الأثبات» ولا 
المدى الذي وصلوا إليه في الترفع عن الكذب حتى في حياتهم العادية» ولا 
مبلغ الخوف الذي استقر في نفوسهم بجنب الله خشية ورهبة» ولا مدى 
استنكارهم لجريمة الكذب على رسول الله كَل حتى قال منهم من قال 
بكفر من يفعل ذلك وقتله وعدم قبول توبتهء إن هذا المستشرق معذور إذا 
لم يفهم عن علمائنا هذه الخصائص» لأنه لا يجد لها ظلا في نفسه ولا 
فيما حولهء ومن اعتاد الكذب ظن في الناس أنهم أكذب منهء واللص يظن 


۲٦ 


جميع الناس لصوصاً مثله. . . وإلا فمن الذي يقول: إن مثل سعيد بن 
المسيب الذي تعرض للضرب والإهانة والتنكيل» حتى لا يبايع بيعتين في 
وقت واحد فيخالف بذلك سنة رسول الله بيا يستبيح بعد ذلك لنفسه أن 
يكذب ليدافع عن سنة رسول الله كل ومن الذي يرضى لنفسه أن يتهم 
قوماً جاهروا بالإنكار على بعض ولاتهم لأنهم خالفوا بعض أحكام السنةء 
بأنهم استجازوا لأنفسهم بعد ذلك أن يضيفوا إلى السنة أحكاما لم يقلها 
رسول الله كله أيها الناس أليست لكم عقول تحكمون بها؟ أم أنتم 
تتكلمون لقوم لا عقول لهم؟ 
٤‏ كيف بدأ الكذب في الحديث؟ 

ثم قال بعد ذلك: «ونظراً لأنهم كانوا ‏ أي العلماء الأتقياء - يؤملون 
في أعداء البيت الأموي وهم العلويون» فقد كان محيط اختراعهم من أول 
الأمر موجهاً إلى مدح أهل البيت» فيكون هذا سبيلا غير مباشر في ثلب 
الأمويين ومهاجمتهم! وهكذا سار الحديث في القرن الأول سيرة المعارضة 
الساكنة بشكل مؤلم ضد هؤلاء المخالفين للسنن الفقهية والقانونية!» . 

هكذا انقلب الأمر من رغبة في وضع الحديث دفاعاً عن الدين» إلى 
وضع للحديث هجوماً على الأمويين.. وهكذا يزعم هذا المستشرق أن 
علماءنا الأتقياء هم الذين وضعوا الأحاديث في مدح أل ليت دير 
خاف على المشتغلين بعلوم السنة» أن الله مدح بعض الصحابة في الكتاب 
الكريم: وأن رسول الله كله مدح علياء كما مدح أبا بكر وعمر وعثمان 
وطلحة وعائشة والزبير وأمثالهم من كبار الصحابة» فهنالك بلا شك قسط 
من الحديث صحيح في مدح كبار بعض الصحابة ومنهم ال البيت» ولكن 
الشيعة تزيدوا في ذلك» وبدؤوا في وضع الأحاديث في فضائل آل البيت 
نكاية بالأمويين وأشياعهم» فقاومهم علماء السنة» وبينوا ما وضعوه في هذا 
السبيل من أحاديث كاذبة» فليس الذي وضع الأحاديث إذا في أهل البيت 
هم العلماء الأتقياء من أهل المدينة بل إن هؤلاء العلماء الأتقياء هم الذين 
قاوموا هذا الوضعء ووقفوا دون هذه الحركة. حتى ليقول ابن سيرين - كما 


۷ 


نقلنا ذلك من قبل -: لم يكونوا يسألون عن الإسناد» فلما وقعت الفتنة 
قالوا: سموا لنا رجالكمء فينظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم» وينظر إلى 
أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم . 


وإذا أراد «جولد تسيهر) أن يعرف من هم أهل البدع في نظر هل 
السنة» فليرجع إلى المصادر العربية التي نقل منها وحرف فيهاء ليعلم أنهم 
هم الشيعة والخوارج ومن سار على طريق هؤلاء.. فكيف يقاوم علماؤنا 
الطوائف التي تزيدت ووضعت الأحاديث في فضل آل البيت» ثم يفعلون 
هم مثل ذلك الفعل فيضعون الأحاديث لهذا الغرض نفسه؟ 

ولقد كان الأولى» إذا كانوا على استعداد لوضع الأحاديث في ذلك 
ألا يقاوموا حركة الشيعة» وأن يسيروا معهم في طريق واحدء فلماذا لم 
يفعلوا؟ ومن الغريب أنهم في الوقت الذي يعترف فيه عالم شيعي كابن أبي 
الحديدء بأن الشيعة هم أول من كذبوا في الحديث وزادوا في فضائل أهل 
ات باي جولد تسيهر فيلصق بأهل السنة أو (العلماء الأتقياء من علماء 
المدينة على رأيه) بأنهم هم أول من فعل ذلك أليس هذا اانا في 
تحريف حقائق التاريخ إلى حدّ لا يصل إليه إلا باغ أثيم؟ . 
ه ‏ هل تدخلت الدولة الأموية في وضع الحديث: 

ثم قال : تولم ايقتصر الام على علا فإن الحكومة نفسها لم تقف 
ساكنة إزاء ذلك فإذا أرادت أن تعمم راتا أو تسكت هؤلاء الأتقياء؛ 
تذرعت أيضاً بالحديث الموافق لوجهات نظرهاء فكانت تعمل ما يعمله 
خصومهاء فتضع الحديث أو تدعو إلى وضعه). 

وهذه دعوى جديدة لا وجود لها إلا في خيال كاتبهاء فما روى لنا 
التاريخ أن (الحكومة الأموية) وضعت ادت لتعمم ما اا مو ارا 
ونحن نسأله أين هى تلك الأحاديث التي وضعتها الحكومة؟ إن علماءنا 
اعتادوا ألا ينقلوا E‏ الا به a‏ أسانيد الأحاديث الصحيحة 
محفوظة في كتب السنة» ولا نجد في حديث واحد من آلافها الكثيرة» في 


717 


سنده عبد الملك أو يزيد أو الوليد أو أحد عمالهم كالحجاج وخالد بن 
عبد الله القسري وأمثالهم» فأين ضاع ذلك في زوايا التاريخ لو كان له 
وجود؟ وإذا كانت الحكومة الأموية لم تضع» بل دعت إلى الوضعء» فما 
الدليل :غلى: ذلك؟ . 


١‏ - أسباب الاختلاف في الحديث: 

يقول جولد تسيهر: (إنه لا توجد مسألة خلافية سياسية أو اعتقادية إلا 
ولها اعتماد على جملة من الأحاديث ذات الإسناد القوي»! 

أهذا هو الدليل على أن الحكومة الأموية هي التي دعت إلى الوضع؟ 
لماذا لا يكون وضع هذه الأحاديث في المسائل الخلافية من وضع المذاهب 
المختلفة نفسها؟ ولماذا لا يكون لهذه الأحاديث المختلفة سبب إلا الوضع. 
لقق اا وجرا رة لأسنات الات الي 

منها تعدد وقوع الفعل الذي حكاه الصحابي مرتين في ظرفين 
مختلفين» فيحكي هذا ما شاهده في ذلك الظرف» ويحكي الثاني ما شاهده 
في ظرف آخر كحديثي (الوضوء من مس الذكر) (وهل هو إلا بضعة 
منك؟) . 

ومنها أن يفعل النبي الفعل على وجهين إشارة إلى الجوازء فيروي 
صحابي ما شاهده في الحالة الأولى» ويروي الثاني ما شاهده في الحالة 
الثانية» كأحاديث صلاة الوتر أنها سبع أو تسع أو إحدى عشرة. 

ومنها اختلافهم في حكاية حال شاهدوها من رسول الله وه مثل 
اختلافهم في حجة الرسول» هل كان فيها قارناً أو مفرداً أو متمتعأء وكل 
ذلك حالات يجوز أن يفهمها الصحابة من النبي» لأن نية القران أو التمتع 
أو الإفراد مما لا يطلع عليه الناس . 

ومنها اختلاف الصحابة في فهم المراد من حديث النبي» فهذا يفهم 
الوجوب» وذلك يفهم الاستحباب. ) 

ومنها أن يسمع الصحابي حكماً جديداً ناسخاً للأول» ولا يكون 
الثاني قد سمعه» فيظل يروي الحكم الأول على ما سمع . 


۲۹ 


وقصارى القول أن علماءنا بينوا أسباب اختلاف الحديث» فما كان 
مرجعه إلى الوضع بينوه» وما كان مرجعه إلى غير ذلك بيئوه أيضاًء وقد 
صنفوا فيه كتباً قيمة من أشهر من ألف فيه الإمام الشافعي» وابن قتيبة» 
والطحاوي وغيرهم› فالزعم بأن ذلك دليل على وضع الأحاديث المختلفة 
كلها زعم باطل» وأشد منه بطلاناً أن يتخذ ذلك دليلا على تدخل الحكومة 
الأموية في الوضع ودعوتها إليه. 


١‏ - هل تدخل معاوية في الوضع؟ 

ولا ينسى جولد تسيهر أن يأتي لنا بدليل آخرء فيروي عن معاوية أنه 
قال للمغيرة بن شعبة: (لا ی أن تسب علياًء وأن تطلب الرحمة 
لعثمان» وأن تسب أصحاب علي» وتضطهد من أحاديثهم» وعلى الضد من 
هذا أن تمدح عثمان وأهله وأن تقربهم وتسمع إليهم» ثم يقول جولد 
تسيهر: «على هذا لاان قامت أحاديث الأمويين ضد علي» . 

انظر إلى هذا الدليل! معاوية يقول لأحد أتباعه أو أمرائه: اضطهد 
أصحاب علي وقرب إليك أصحاب عثمان» فأي شيء في هذا يدل على 
وضع الأحاديث؟ اليس هذا ما يقع دائما فى كل يا مع أنصارها 
وخصومها في الرأي؟ فما علاقة ذلك بوضع الحديث؟ وأين تجد معاوية 
يقول للمغيرة: لا تهمل في أن تضع الأحاديث على علي› وأن تضع 
الأحاديث في عثمان؟ لو قال ذلك معاوية لكان دليلا على ما يزعم» ولكن 
أين قال ذلك؟ وكيف نعلم ذلك من النص الذي نقله؟ . 

أما قول معاوية: (وأن تسب أصحاب علي وتضطهد من أحاديثهم) 
واستدلال المستشرق على أن بعض الحديث قد اضطهد فهاهنا مجال العبرة 
لمن يحسن الظن بعلم هؤلاء المستشرقين وأمانتهم» إن أصل العبارة كما 
رواها الطبري”" ١لا‏ تحجم عن شتم علي وذريته» والترحم على عثمان 
والاستغفار له» والعيب على أصحاب علي والإقصاء لهم» وترك الاستماع 


E/T CY) 


۳۰ 


منهمء وإطراء شيعة عثمان» والإدناء إليهم والاستماع منهم) فانظر كيف 
حرف هذا المستشرق لفظ «والإقصاء لهم» بلفظ «وتضطهد من أحاديثهم' 
فإن كلمة أحاديثهم لا وجود لها في أصل النص» أفرأيت كيف تكون أمانة 
العلماء؟ ولو فرضنا أنها واردة فلا معنى لأحاديثهم هنا إلا كلامهم 
ومحاوراتهم في مجالسهم» لا الأحاديث بمعنى الأقوال المنسوبة إلى 
رسول الله کیا . 


هذه هي أدلته التي يبني عليها حكماً خطيراً بأسلوب قاطع» بأن 
الحكومة الأموية و صعت الأحاديث ودعت الى وضعها. 


/ - هل استغل الأمويون الزهري لوضع الحديث؟ 

ثم يقول بعد ذلك: «ولم يكن الأمويون وأتباعهم ليهمهم الكذب في 
الحديث الموافق لوجهات نظرهمء فالمسألة كانت في إيجاد هؤلاء الذين 
تنسب إليهم» وقد استغل هؤلاء الأمويون أمثال الإمام الزهري بدهائهم في 
سبيل وضع الأحاديث. .. إلخ2. 


وهنا نجد من حقنا وواجبنا أن نزيح الستار عن مؤامرة هذا اليهودي 
المستشرق على أكبر إمام من أئمة السنة في عصره» بل على أول من دون 
السنة من التابعين» لنرى ما فيها من خبث ولؤم ودس وتحريف» وإنها 
لخطة مبيتة من هذا المستشرق أن يهاجم أركان السنة واحدا بعد آخرء فلقد 
هاجم ا صحابي روى الحديث عن رسول الله لاء وهو أبو هريرة 
رضى الله غنه». وسترى كيف ناقشنا هذه الاتهامات التى أوردها الأستاذ 
ا ا في «فجر الإسلام)» وتابع فيها المستشرق لغير وجه الله 
تعالى» حتى إذا فرغ من تهديم أبي هريرة على زعمه» جاء هنا ليهدم ركن 
السنة في عصر التابعين» حتى إذا تم له انهارت السنة بعد أن وجه إليها 
المعاول من ناحيتين» ناحية رواتها وأئمتهاء وناحية الشك بها جملة» كما 
ترى صنيعه هناء ولكن الله غالب على أمرهء ولا بد للحق من هزيمة 
الباطل مهما أوى الباطل إلى ظل ظليل وركن متين. 


3 


الإمام الزهري ومكانته في التاريخ" 

وقبل أن أبداً بدرء الاتهامات التي وجهها هذا المستشرق إلى الإمام 
الزهري أفعل كما فعلت في موقف أبي هريرة إذ أعرض صفحته التي عرف 
بها فى تاريخنا. وآراء علمائنا فيه» ومكانته الحقيقية في التاريخ» لتكون عند 
المقايسة فيصلا حاسماً فيما يسوقه هذا المستشرق إليه من تهم وافتراءات. 
اسمه وولادته وتاريخ حياته: 

هو أبو بكر محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن 
عبد الله بن الحارث بن زهرة القرشي الزهري› ولد سنة إحدى وخمسين 
على الأرجح. كان أبوه مسلم بن عبيد الله ممن اشترك مع عبد الله بن 
الزبير في حروبه ضد الأمويين» ولما توفي أبوه ترك الزهري شاباً حدثاً لا 
لم يرو التاريخ عنه شيئا يذكر. 

توجهت عنايته قبل كل شيء إلى حفظ القرآن» فأتمه في ثمانين ليلة 
كما يقول ابن أخيه محمد بن عبد الله بن مسلمء. ثم أخذ يتردد على 
عبد الله بن ثعلب يتعلم منه أنساب قومهء ثم رأى بعد ذلك أن يتحول إلى 
معرفة الحلال والحرام ورواية الحديث» فطاف على من استطاع لقاءه من 
الصحابة» وهم عشرة : منهم ان وابن عمر وجابر وسهل بن سعد» على 
خلاف في بعضهم ثم جلس إلى كبار التابعين فى عصره» كسعيد بن 
المسيب» وعروة بن الزبيرء وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود. 
سنين متواصلة» وكان كثير الترداد على الشام» وفد إليها لأول مرة في زمن 


)١(‏ أخذنا تاريخ الزهري من مصادر مختلفة أكثرها مخطوط في خزائن الكتب العامة» من 
أشهرها: تاريخ ابن عساكر» والجرح والتعديل لابن أبي حاتم» وتاريخ الإسلام 
للذهبي؛ وطبقات المحدثين للسيوطي» هذا عدا عن تذكرة الحفاظ للذهبي» والتهذيب 
لابن حجر» وتهذيب الأسماء واللغات للنووي وغيرها. 


Y۲ 


مروان وهو محتلم» ثم اتصل بعبد الملك بعد مقتل عبد الله بن الزبير» 
واتصل بالخلفاء من بعده: الوليد وسليمان» وعمر بن عبد العزيز» ويزيد 
الثاني وهشام بن عبد الملك» وكان يتردد إلى العراق ومصرء حتى وافته 
المنية بضيعته في (أدامى) آخر عمل الحجازء وأول عمل فلسطين» سنة 
أربع وعشرين ومائة على الأرجح. وعمره اثنان وسبعون سنة» وأوصى أن 
يدفن على قارعة الطريق حتى يمر به مار فيدعو له رحمه الله ورضي عنه. 
أبرز أخلاقه وصفاته: ) 

كان قصيراً قليل اللحية» خفيف العارضين» يصبغ رأسه ولحيته 
بالحناء» أعيمش» فصيح اللسان» وكان يقال: «فصحاء أهل زمانهم ثلاثة : 
الزهري» وعمر بن عبد العزيز» وطلحة بن عبيد الله» ومن أشهر أخلاقه 
الكرم والسخاء فقد كان في ذلك آية عجبأء قال الليث بن سعد: كان ابن 
شهاب من أسخى من رأيت». يعطي كل من جاء يسأله. حتى إذا لم يبق 
شيء يستلف من أصحابه فيعطونه. حتى إذا لم يبق معه شيء استلف من 
عبيده» وربما جاءه السائل فلا يجد ما يعطيه فيتغير عند ذلك وجهه ويقول 
له: أبشر فسوف يأتي الله بخير» فيقيض الله لابن شهاب على قدر صبره 
واحتماله» إما رجلا يُهدي لهم ما يسعهم وإما رجلا يبيعه ويُنظره. 

وكان يمد للناس على الطريق موائد الثريد والعسل» نزل مرة بماء من 
المياه فشكا إليه أهل الماء أن لهم ثمانية عشر عجوزا ليس لهن خادم ولم 
يكن معه شيء» فاستلف ثمانية عشر ألفأء وأخدم كل واحدة منهن جارية» 
وكان إذا أبى أحد من أصحاب الحديث أن يأكل معه طعامه حلف ألا 
يحدثه عشرة أيام» وله رحلات تعليمية إلى الأعراب يعلمهم ويفقههمء فإذا 
كان في الشتاء أطعمهم عسل وزبداً وإذا كان الصيف أطعمهم عسلا وسمناء 
وبمثل هذا الكرم العجيب كانت تركبه الديون مرة بعد مرة» فيقضيها عنه 
خلفاء بني أمة تازه »: :و أضندقاوؤه"تارة اخر» 

ومن أبرز صفاته التي مكنت له في العلم وأكسبته شهرة في الآفاق 
وتفوقاً على الأقران اثنتان : 


Y۳ 


الى - في طلب 0 فقد كان شديد ارصن اد لقيا 
يحفظه ويتقنه, ل 


قال أ الزناد: كنا لكت الحلال والحرام» وكان ابن شهاب كتنب 
كل ما سمع» فلما احتيج إليه علمت أنه أعلم الناس. 


وقال إبراهيم بن سعد: قلت لأبي: بم فاتكم ابن شهاب؟ قال: كان 
يأتي المجالس من صدورهاء ولا يلقى في المجلس كهلا ولا شابا إلا 
ا ا الدار من دور الأنصارء فلا يلقى شابا e‏ ولا كهلة 
إلا سأله» حتى يجادل ربات الحجال. 


وبلغ من حرص الزهري على العلم أنه كان يخدم عبيد الله بن 
عتبة بن عبد الله بن مسعود ليأخذ عنه» حتى كان يستقي له الماء ثم يقف 
بالباب» فيقول عبيد الله لجاريته: من بالباب؟ فتقول له: غلامك الأعمش 
(تعنى به الزهري وكان به عمش) وهى تظنه غلامه لكثرة ما ترى من خدمته 
لك وو لك ينام برك درن كله اهكان [ اسان تن من ونم كد جر 
واشتغل بها عن كل أمر من أمور الدنيا إلى أن ضاقت به امرأته ذرعاء 
نالك له ذاضه لبلة: وو اک افيد على من ت فبراكن: بوكان 
من عادته أنه إذا سمع من بعض الشيوخ وعاد ال خاريتة وقال 
لها: اسمعي حدثني فلان بكذاء وحدثني فلان بكذا فتقول له: مالي ولهذا 
لد دولل عليت انلك 1 ن هه رلك س ان 


فاردت ان اشد کره: 


الثانية: حفظه وقوة ذاكرتهء فقد كان آية عجباً فى ذلك» وقد سمعت 
E‏ معدت هده A E A‏ 
الت ع الزهرى أنه :قال ها البخووعت ثلني لما افلميكة». .ووو عن 
عبد الرحمن بن إسحاق : ا ات ا ا وما شككت فى حديث 
إا جد وعدا فاا فاج اس ا ن 


¢ 


ومن نوادره في الحفظ ما أخرجه مؤرخ الشام ابن عساكر في تاريخه 
بسنده إلى عبد العزيز بن عمران: أن عبد الملك كتب إلى أهل المدينة 
يعاتبهم فوصل كتابهم في طومارين (صحيفتين) فقرئ الكتاب على الناس 
عند المنبرء فلما فرغوا وافترق الناس اجتمع إلى سعيد بن المسيب 
جلساؤه» فقال لهم سعید: ما كان في كتابه؟ ليت أنا وجدنا من يعرف لنا 
ما فيه؟ فجعل الرجل من جلسائه يقول: فيه كذاء ويقول الأخر: فيه كذ 
قال: فكأن سعيداً لم يشتف فيما سأل عنه بخبرهم» فبان ذلك لابن شهاب 
فقال: أتحب يا أبا محمد أن تسمع كل ما فيه؟ قال: نعمء فقرأه حتى جاء 
عليه كله كأنما كان يقرؤه من كتاب بيده. 

ولقد بلغ الزهري في الحفظ أن أراد هشام بن عبد الملك أن يمتحنه 
بنفسه» فسأله أن يملي على بعض ولده» فدعا بكاتب فأملى عليه أربعمائة 
حديث» ثم إن هشاماً قال له بعد شهر أو نحوه: يا أبا بكر إن ذلك الكتاب 
ضاع› فدعا بكاتب فأملاها عليه» ثم قابله هشام بالكتاب الأول فما غادر 
حرفاً. 

ومما يطرف ذكره هنا ما يروونه عن الزهري» أنه كان يشرب العسل 
كثيراً ويقول: أنه يُذكرء ويكره أكل التفاح الحامض والخل ويقول: إن كلا 
منهما يُنسي» ويروون غنه أنه قال: من سره أن يحفظ الحديث». فليأكل 
اع 


اشتهاره بالعلم وإقبال الناس عليه: 

لم يكن غريباً بعد أن عانى الزهري في صباه ما عانى من السهر 
والسفر وخدمته لشيوخه» وبعد أن عرف الناس قوة حفظه» وشدة إتقانه 
وأمانته وصدقه في العلمء أن ينتشر صيته في الآفاق» ويقبل عليه الناس من 
كل فح يكتبون حديثه . 

قال الإمام مالك: «كان الزهري إذا دخل المدينة لم يحدث بها أحد 
من العلماء حتى يخرج منهاء وأدركت بالمدينة مشايخ أبناء سبعين وثمانين 
لا يؤخذ منهمء ويقدم ابن شهاب وهو دونهم في السن فيزدحم عليه . 


۳0 


ثناء العلماء عليه بسعة العلم: 

أخرح الذهبي في تذكرته» والحافظ ابن عساكر في تاريخهء أن 
اللي بن سعد قال؛ «ما وأنق عالماً قط أجمع من الزهري› يحدث 
ع ركه ا 

وروى الإمام مالك أن ابن شهاب قدم المدينة» فأخذ بيد ربيعة ودخلا 
إلى بيت الديوان» فلما قرب وقت العصر خرج ابن شهاب وهو يقول: «ما 
العلم ما بلغ ابن شهاب» . 

وقال عمرو بن دينار بعد أن اجتمع بالزهري طويلا: «والله مثل هذا 
القرشى ما رأيت قط). 
مكانته فى السنة: 


أخرج ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل»» والحافظ ابن عساكر 
وغيرهما. أن عمر بن عبد العزيز قال لجلسائه فا هل تاتون ابن شهاب؟ 


قالوا: إِنّا لنفعل» قال: فأتوهء فإنه لم يبق أحد أعلم بسنة ماضية منه» قال 
معمر : وإ الحسن وضرباءه لأحباء يومئذ. 
وقال على بن المديني : دار علم الثقات على الزهري وعمرو بن دينار 


بالحجاز وقتادة ويحيى بن أبي كثير بالبصرة» وأبي إسحاق والأعمش في 
الكوفة ‏ يعني أن غالب الأحاديث الصحاح لا تخرج عن هؤلاء الستة. 


وقال عمرو بن دينار: مأ راتت أنص وأبصر بالحديث من الزهري . 


الحجاز من يحيى بن بكير» فقال له سفيان: لم يكن في الناس أحد أعلم 


وقال مكحول: ما بقي على ظهرها أعلم بسئة ماضية من الزهري. 


5775 


وقال يحيى بن سعيد: ما بقى عند أحد من العلم ما بقي عند ابن 
شهاب . 


وهكذا تتضافر نصوص العلماء على أنه كان أعلم الناس بالسنة في 
عصر ه٠‏ ولعل ذلك راجع إلى ما ذكره الزهري نفسه فيما رواه ابن عساكر: 
«مكثت خمساً وثلاثين أو ستأ وثلاثين سنة أنقل أحاديث أهل الشام إلى الحجاز 
وأحاديث أهل الحجاز إلى الشام» ا اجك انا يطرفني بحديث لم أسمعه . 


للزهري في تاريخ السنة مآثر جلى أهمها ثلاثة : 

الأولى: تدوينه للسنة بتكليف من عمر بن عبد العزيز. وقد قدمنا في 
بحث (ثمار جهود العلماء في مقاومة الوضع) ما يتضح منه أن الزهري كان 
أول من دون السنة في عصره بعد أن أمر عمر بن عبد العزيز بذلك. حين 
كتب إلى عامله بالمدينة أبي بكر بن حزم» وإلى ولاته بالأمصار أن يجمعوا 
سنة رسول الله كل واستظهرنا هناك أن أبا بكر لم يجمع إلا جزءاً يسيراًء 
وأما الذي ثابر على الجمع وعرف عنه ذلك فهو الزهري . 


قال الحافظ ابن حجر في «الفتح»: «أول من دون العلم ابن شهاب». 
بأمر عمر بن عبد العزيز»» كما رواه أبو نعيم من طريق محمد بن الحسن 
عن مالك » قال : «أول من دول العلم ابن شهاب». 

آقول وكذلك. رامت في تاريخ ابن عساكر نسبة تدوين السنة إلى 
الزهري» وأخرج ابن عبد البر بسنده إلى عبد العزيز بن محمد الدراوردي 
قال * «أول من دول العلم وكتبه اش ا و يجمع بين 
الروايات› و د ن للزهري فخر السبق إلى تدوين السنة وجمعهاء ثم تتابع 
العلماء من بعده بالجمع الت تا 





)۱( جامع بیان العلم 7/١‏ . 


۷ 


الثانية : تمرده يحفظ اشا من الستن لولاه لضافت»© فمل أخرج ابن 
عساكر عن الليث بن سعد» أن سعيد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن جميل 
الجمحي» قال له: «يا أبا الحارث لولا ابن شهاب لذهب كثير من السنة» . 
وأخرج مسلم يي الاصحيحه) من کات الأيمان والنذور 378 3 : «للزهري 
نحو من تسعين حديثاً يرويه ولا يشاركه فيه أحد بأسانيد جياد) . 

الثالثة: أنه كان أول من نبه الناس إلى العناية بالأسانيد» وقد كانوا 
من قبل لا يهتمون بذلك» قال مالك: أول من أسند الحديث ابن شهاب . 
ولعله قصد بذلك في بلاد الشام حيث أخرج ابن عساكر عن الوليد بن 
مسلم : أن الزهري قال: يا أهل الشام ما لي أرى أحاديثكم ليس لها أزمة 
ولا خطم؟ وتمسلك: أفيحاننا بالاسانيل هن وما ` 


آراء علماء الجرح والتعديل فيه: 

قال اين سعد صاع اقات كان الزهرى 4 كير الك 
والحديث والرواية» فقيهاً جامعاً. 

وقال النسائي : أحسن أسانيد تروى عن رسول الله ية أربعة: الزهري 
عن علي بن الحسن عن أبيه عن جده» والزهري عن عبيد الله عن ابن 
عباس» وذكر الطريقين الا خرين. 

وقال الإمام ا الزهري أحسن الناس حدیغاً وأجودهم ااا 

وقال ابن أبي حاتم: سئل أبو زرعة: أي الإسناد أصحء فقال: أربعة 
أولهاء الزهري عن سالم عن أبيه. 
القرشى كنيته أبو بكرء رأى عشرة من الصحابة» وكان من أحفظ أهل زمانه 
وأحسنهم سياقاً لمتون الأخبار» وكان فقيهاً فاضلا روئ عنه الناس. 


وقد دک مسلم مقدمة (( صح حه) فقال : فأما من تراه يعمد لمثل 


TTA 


الزهري في حلالته وكثرة أصحابه الحفاظ المتفنيق لحديثه وحديث غيره. . 
إلخ 

وقال الذهبي في «تذكرة الحفاظ»: وهو علم الحفاظ الإمام الحافظ 
الحجة . 

وقال ابن حجر في «تهذيب التهذيب»: هو الفقيه أبو بكر الحافظ 
المدنى أحد الأئمة والأعلام» وعالم الحجاز والشام. 
افا 
توثيقه وأمانته وجلالة فدره ونبله قن أعين المحدثين . 


من روى عنه وخرج له: 

روى عنه خلق كثير من أشهرهم: مالك وأبو حنيفة''' وعطاء بن أبي 
رباح وعمر بن عبد العزيز وابن عيينة والليث بن سعد والأوزاعي وابن 
جريج» وخرج له الشيخان البخاري ومسلمء. وكتب السئن الأربعة» ومالك 
فى «موطئه» والشافعى وأحمد فى «مسنديهما». ولا يخلو مسند محدث ولا 
حافقة ين تيع أحاهيك له إل ليان يداو وا من ازراب اللحليف إلا 


للزهري فيه حديث أو أثر أو رأي. 


رد الشبه الواردة على الزهري: 

تلك هي مكانة الزهري في العلم»ء وآراء علماء المسلمين فيه» لم 
يتهم أحد منهم الزهري بما لم يقع منه. ولا أثر عن أحد منهم أي تشكيك 
في أمانته وثقته ودينه» ولا نعلم في الدنيا أحداً اتهم الزهري بأمانته وصدقه 
فى الخدت فل هذا المسشكخرق: البهووئ ‏ المخصبي: جولك سر وقد رات 
a‏ ل E O‏ 


)١(‏ كما في طبقات المحدثين للسيوطي (مخطوط). 


۹ 


صلة الزهري بالأمويين: 

يزعم جولد تسيهر أن صلة الزهري بالأمويين هي التي مكنت لهم أن 
يستغلوه في وضع الأحاديث الموافقة لأهوائهم. ولا ندري كيف تكون 
الصلة بين رجل كالزهري صادق ثبت حجة» وبين خلفاء بني أمية علامة 
على استغلالهم لهء وقديماً كان العلماء يتصلون بالخلفاء والملوك» دون أن 
يمس هذا أمانتهم في شيء»ء وعالم مثل الزهري» إذا اتصل بهؤلاء الخلفاء 
أو اتصلوا به» لا سبيل إلى أن يؤثر ذلك في دينه وأمانته وورعهء 
والمستفيد منه على كل حال هم المسلمون الذين يغدو شيخهم ويروح من 
حلقات العلم إلى مجالس الخلفاء يروي حديثاء أو يبث فكرة» أو يبين 
حكمأء أو يؤدب لهم ولداً أو يذكرهم بما للأمة عليهم من حقوق وما لله 


عليهم من واجبات . 


جاء في «العقد الفريد»”'' «دخل الزهري على الوليد بن عبد الملك 

فقال له: ما حديث يحدثنا به أهل الشام؟ قال: وما هو يا أمير المؤمنين؟ 

قال: يحدثوننا أن الله إذا استرعى عبداً رعيته كتب له الحسنات ولم كتنب 

له السيئات!. قال الزهري: باطل يا أمير المؤمنين! أنبيٌ خليفة أكرم 

على الله؟ أم خليفة غير نبي؟ قال: بل نبي خليفة قال: bs‏ 
يقول لنبيه داود عليه السلام: 8 يَدَاوِدُ إِنَّا جَعَلْتَكَ حَلِيقَةٌ فى الْأرضٍ اسک بين 

الاس اَي ولا یع لهك ميك عد سيل للا إ الي ا 

تنيع کے ص 2 2 

عات ود 0 سوأ 00 َلِسَابِ | م - 0 وعيدكد ا سير 


م عن 00 اه . 

فانظر إلى مدى ما تنتجه هذه الصلة من فائدة للأمة بين رجل 
كالزهري وبين خليفة كالوليد؟ ثم انظر هل ترى موقف الزهري موقف عالم 
يخضع لتأثير البيت المالك و يخرج عن هواهم» ويستجيب إلى رغباتهم 


)١(‏ الجزء الأول ص٠٠‏ (الطبعة الجديدة). 


E 


في وضع الأحاديث على رسول الله بي؟ أم هو موقف العالم الناصح ينصح 
لدين الله والمسلمين ويذب عن سنة رسول الله بي أكاذيب الوضاعين؟ 
ويدفع عن خليفة المسلمين وقوعه تحت تأثير الرواة الكذابين» فلا يستمر 
في ظلم ولا يتمادى في باطل! . 


وانظر بعد ذلك فيما رواه ابن عساكر بسنده إلى الشافعي رحمه الله 
أن هشام بن عبد الملك سأل سليمان بن يسار عن تفسير قوله تعالى: 
«واليّى مَل كرو مهم لم عَدَابُ عَم [النور: ]١١‏ فقال هشام: من 
الذي تولى كبره فيه؟ قال سليمان: هو عبد الله بن أبي بن سلول. فال 
هشام: كذبت: إنما هو علي بن أبي طالب - ويظهر أن هشاماً لم يكن 
جادا فيما يقول» ولكنه يريد أن يختبر شدتهم في الحق ‏ فقال سليمان بن 
يسار: أمير المؤمنين أعلم بما يقول» ثم وصل ابن شهابء. فقال له 
هشام: من الذي تولى كبره منهم؟ قال الزهري: هو عبد الله بن أبي بن 
سلولء فقال له هشام: كذبت إنما هو علي بن أبي طالب. قال الزهري 
وقد امتلأ غضباً: آنا أكذب؟ لا أبالك! فوالله لو ناداني منادٍ من السماء 
أن الله أحل الكذب ما كذبت.. حدثني فلان وفلان أن الذي تولى كبره 
منهم هو عبد الله بن أبي بن سلولء قال الشافعي: فما زالوا يغرون به 
هشاماً حتى قال له: ارحل فواله ما كان ينبغي لنا أن نحمل عن مثلك» 
قال ابن شهاب: ولم ذاك؟ آنا اغتصبتك على نفسي أو آنت اغتصبتني 
على نفسي فخل عني. قال له: لاء ولكنك استدنت ألفي ألف» فقال 
الزهري : قد علمت وأبوك قبلك أني ما استدنت هذا المال عليك ولا 
على أبيك ثم خرج مغضباً. فقال هشام: إنا نهيج الشيخ» ثم أمر فقضى 
عنه من دينه ألف ألف. فأخبر بذلك فقال: as‏ 


عنذه . 


ذلك ما الت اتن غساكر :فى تاره مد ماد رون قا عن الشناقعى 
وهو إمام من أئمة الصدق والحق من قبل أن يظهر إلى عالم الوجود رجل 
يرمى الزهري بالكذب ويتهمه ف دينه لاتصاله بالخلفاء! . ألا ترى هذه 


E 


الحادثة ما يدلك على مبلع أمانة الزهري» وعلى أن الصلة بينه وبين الخلفاء 
كانت أدنى وأضعف من أن تصل إلى دينه وأمانته؟ رجل يقول لخليفة 
المسلمين: لا أبالك!. وهي كلمة لا يقولها رجل عادي لآخر مثله يحترمه. 
دليل على أن صلته بالخليفة ليست صلة ضعيف بقوي» ولا مخدوع بخادع» 
بل صلة واثق بدينه» معتز بعلمه يغضب إن كذب» ويثور إذا حرفت حقيقة 

من حقائق التاريخ غ المتصل بصحابة رسول الله ية ورجل يزأر في وجه 
اليل كل الاك لاك أن كن اسن ال بت ان 1 1 ودام 
أهل العلم من قبله» هل من المعقول أن يستخذي لأهواء الخليفة» فيضع له 
أحاديث عن رسول الله كيه لا أصل لها! ألا ترى إلى قول الزهري: «أنا 
أكذب؟ لا أبالك! فوالله لو نادانى مناد من السماء إن الله أحل الكذب ما 
كنع إن الوهوى كان سن الك لفان E ER‏ 
رباهم محمد ب وأخرجهم للدنيا آيات باهرات في صدق اللهجة. 
النفس» والترفع عن الكذب حتى ولو كان مباحاً. 


ثم ماذا يبتغي الزهري من مسايرته لآأهواء اام اهو يبتغي 
المال؟ لقد اعترف معنا هذا المستشرف نان الزهري لم يكن فن طرار 
أولئك الرجال الذين يستعبدهم المال» حيث نقل لنا عن عمرو بن دينار 
قوله في الزهري: «ما رأيت الدينار والدرهم عند أحد أهون منه عند 
الزهري» كأنهما بمنزلة البعر» أم هو يبتغي الجاه؟ إن المستشرق يعترف 
معنا بأن الزهري كان ذائع الصيت عند الأمة الإسلامية» فأي جاه يطلب 
بعد هذا؟ وإذا لم يكن الزهري طالب جاه ولا طالب مال» وهو في دينه 
وجرأته. كما رأيت» فهل يبلغ به الحمق والغباوة أن يبيع دينه للأمويين» 
خم سةد ين المسلفية قر لا يطيع تن جاه نولا تال بولا 


الأتقياء من علماء المدينة كانوا يحاربونهم ويُرّورونَ عنهم» وحن نعلم أن 
الزهري نشأ بالمدينة وأخذ عن شيوخهاء جلس إلى سعيد بن احمسيب حتى 


۲ 


مات سعيدء وأخذ عنه مالك في كل مرة يأتي بها إلى المدينة» وظل يتردد 
بين المدينة والشام ‏ كما قال الزهري ‏ خمساأً وثلاثين سنة» فلماذا لم 
يبغضه علماؤها؟ لماذا لم يكذبوه لو صح أنه كذب للأمويين؟ لماذا لم يتبرأ 
منه شيخه سعيد وهو الذي لم يبال بعبد الملك في سطوته وجبروته؟ ما 
الذي دعاهم إلى السكوت عنه؟ أهو الخوف؟ لم يكونوا يعرفون خوفا في 
نقد الرجال» من الخليفة إلى أقل رجل في المجتمع؛ وهب أنهم خافوه. 
فلماذا لم ينقده العلماء في دولة بني العباس؟ لماذا لم يهاجمه أنصار بني 
العباس» كما هاجموا خلفاء بني أمية وأمراءهم وأعوانهم؟ لماذا سكت عنه 

علماء الجرح والتعديل: من أحمد بن حنبل ويحيى بين معين والبخاري 
ومسلم وابن أبي حاتم وأضرابهم ممن كانوا لا يخافون في الله لومة لائم» 
فكيف إذا كان النقد لرجل من أكبر رجال الدولة الأموية وأعظمهم شهرة؟ 
أليس في سكوت علماء المدينة وشيوخها وفي مقدمتهم شيخه سعيد» ثم 
في أخذهم عنه وأخذ العلماء عنه من كل فج» وفي توثيق علماء الجرح 
والتعديل له في العصر العباسي ‏ رغماً عن صلته بالخلفاء الأمويين - أكبر 
دليل على أن الرجل كان فوق متناول الشبه» وأرفع من أن تعلق به ألسنة 
السوءء وأكرم من أن يوصف بكذب» أو وضعء أو ممالأة لأهل الظلم 
والباطل؟ . 

قصة الصخرة وحديث لا تشد الرحال: 

يزعم هذا المستشرق أن ميد الملك بنى قبة الصخرة ة ليحول بين أهل 
الشام والعراق وبين الحج إلى لح واه آراف أن سليمن عفله هذا ثونا 
دينيا»ء فوضع له صديقه الزهري حديث: «لا تشد الرحال... إلخ» فهذا 
لعمري عجب من أعاجيب الافتراء والتحريف والتلاعب بحقائق التاريخ : 

أولاً: إن المؤرخين الثقات لم يختلفوا في أن الذي بنى القبة (قبة 
ابتك هرال م غيل املك فكلا دكن این عستاكن بوالطيرف: نواين 


الأثير وابن خلدون وابن كثير وغيرهم» ولم نجدهم ذكروا ولو رواية واحدة 
نسبة بنائها إلى عبد الملك ولا شك أن بناءها ‏ كما يزعم جولد تسيهر - 


TE 


م 


لتكون بمثابة الكعبة يحج الناس إليها بدلاً من الكعبة» حادث من أكبر 
الحوادث وأهمها في تاريخ الإسلام والمسلمين» فلا يعقل أن يمر عليه 
هؤلاء المؤرخون مرّ الكرام» وقد جرت عاداتهم أن يدونوا ما هو أقل من 
ذلك خطراً أو أهمية» كتدوينهم وفاة العلماء وتولي القضاء وغير ذلك فلو 
كان عبد الملك هو الذي بناها لذكروهاء ولكنا نراهم ذكروا بناءها في 
تاريخ الوليدء وهؤلاء مؤرخون أثبات في كتابة التاريخ» نعم جاء في كتاب 
«الحيوان» للدميري نقلا عن ابن خلكان: أن عبد الملك هو الذي بنى القبة 
وعبارته هكذا: «بناها عبد الملك وكان الناس يقفون عندها يوم عرفة» 
ورغماً عما فى نسبة بنائها لعبد الملك من ضعف» ومن مخالفته لما ذكره 
أئمة التاريخ» فإن هذا النص لا غبار عليه» وليس فيه ما يدل على أنه بناها 
ليفعل الناس ذلك» بل ظاهره أنهم كانوا يفعلون من تلقاء أنفسهم» وليس 
فيه ذكر الحج عند القبة بدلا من الكعبة» بل فيه الوقوف عندها يوم عرفة. 
وهذه العادة كانت شائعة في كثير من أمصار الإسلام نص الفقهاء على 
كراهتهاء وفرق كبير بين الحج إليها بدلا من الكعبة» وبين الوقوف عندها 
تشبهاً بوقوف الحج في عرفة؛ ليشارك من لم يستطع الحج الحجاج في 
شيء من الأجر والثواب» ولم يكن ذلك مقصوراً على قبة الصخرة» بل 
كان كل مصر إسلامي يخرج أهله يوم عرفة إلى ظاهر البلد فيقفون كما 
يقف الحجاج . 


اا ا ف العا كا افيا :بجو لن هر ن ادن ن اة 
شيء ليحج الناس إليه كفر صريح» فكيف يقدم عبد الملك عليه» وهو 
الذي كان يلقب ب «حمامة المسجد» لكثرة عبادته؟ على أن خصومه طعنوا 
فيه بأشياء كثيرة ولم نجدهم اتهموه بالكفرء ولا شنعوا عليه ببناء القبة» ولو 
كان الأمر ثابتاً لجعلوها في أول ما يشهرونه به. 

ثالثاً: أن الزهري وا اا ےم سدق ,ومين أن لمان 
ومقتل عبد الله بن الزبير كان سنة ثلاث وسبعين» فيكون عمر الزهري 
حينذاك على الرواية الأولى اثنين وعشرين عامأء وعلى الثانية خمسة عشرء 


Y€ 


فهل من المعقول أن يكون الزهري في تلك السن ذائع الصيت عند الأمة 
الإسلامية بحيث تتلقى منه بالقبول حديثاً موضوعاً يدعوها فيه للحج إلى 
القبة بدلا عن الكعبة؟ . 


رابعاً: إن نصوص التاريخ قاطعة بأن الزهري في عهد ابن الزبير لم 
يكن يعرف عبد الملك ولا رآه بعدء فالذهبي يذكر لنا أن الزهري وفد 
لأول مرة على عبد الملك في خود سنه تمانو وای عتشاكر :وو أن 
ذلك كان سنة اثنتين وثمانين» فمعرفة الزهري لعبد الملك لأول مرة إنما 
كانت بعد قتل ابن الزبير ببضع سنوات» وقد كان يومئذ شاباً بحيث امتحنه 
عبد الملك» ثم نصحه أن يطلب العلم من دور الأنصارء فکیف يصح 
الزعم بأن الزهري أجاب رغبة صديقه عبد الملك فوضع له حديث بيت 
المقدس ليحج الناس إلى القبة في عهد ابن الزيير؟ . 


خامساً: إن حديث ١لا‏ تشد الرحال... إلخ». روته كتب السنة كلهاء 
وهو مروي من طرق مختلفة غير طريق الزهري» فقد أخرجه البخاري عن 
أبي سعيد الخدري من غير طريق الزهري» ورواه مسلم من ثلاث طرق 
إحداها من طريق الزهري وثانيتهما من طريق جرير عن ابن عمير عن قزعة 
عن أبي سعيد» وثالثتهما من طريق ابن وهب عن عبد الحميد بن جعفر عن 
عمران ن ات انس عن سلمان الأغر عن أبي هريره . فالزهري لم ينفرد 
برواية هذا الحديث» كما يزعم جولد تسيهرء بل شاركه فيه غيره كما 
سمعت» وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن حكم «زيارة بيت 
المقدس والصلاة فيه - وهو ممن ينكر السفر لاجل زيارة الق فمّال: 
ثبت فى «الصحيحين» عن النبى ية أنه قال: «لا تشد الرحال... إلخ» 
وهو في «الصحيحين» من حديث أبي سعيد وأبي هريرة وقد روي من طرق 


)١(‏ كان هنا في الطبعة الأولى: (وهو ممن ينكر زيارة القبور) ثم عدلت» لأنه هكذا حقيقة 


رأيه» كما يظهر من كتبه ومنها «الجواب الباهرا وغيره. 


50 


وتلقيه بالقبول والتصديق» واتفق علماء المسلمين على استحباب السفر إلى 
بيت المقدس للعبادة المشروعة فيه» وكان ابن عمر يأتي إليه فيصلي» اه. 

سادسا : إن هذا الحديث رواه الزهري عن شيخه سعيد بن المسيب» 
ومن المعلوم ان سادا ما کان كخ عن :الرهرى .لو انه وضع هذا 
الحديث على لسانه إرضاء لأهواء الأمويين» وهو الذي أوذي من قَبّلهم 
وضرب» وقد توفي سعيد (سنة )٩۳‏ من الهجرة أي بعد مقتل ابن الزبير 
بعشو ا CE N TT‏ 
شامخاً من جبال القوة في الحق لا يبالي في الله لومة لائم؟. 

سابعاً: لو فرضنا أن الزهري وضع هذا الحديث إرضاء لعبد الملك» 
فلم لم يصرح فيه بفضيلة قبة الصخرة وقد أراد عبد الملك أن يحج الناس 
إليها؟ كل ما في هذا الحديث وما صححوه من أحاديث بيت المقدس فضل 
الصلاة فيه ا کر قيةة يوقت معيو وف ع ت ان 
جنك قن N O a‏ من الع 
في أيام الحج . 

ثامناً: إن حديث لا تشد الرحال الذي صححه العلماء لا يربط بما 
ورد فى فضائل بيت المقدس والصخرة أو غيرها من أحاديث مكذوبة ليس 
للزهري رواية فيهاء وقد نقدها العلماء جميعاً. حتى قالوا: كل حديث في 
الصخرة فهو كذب. وقالوا: لم يصح في فضل بيت المقدس إلا ثلاثة 
أا بر ن ل الا جد ال کن أول بيت وضع في 
الأرض قال: المسجد الحرام» قيل: ثم ماذا؟ فقال: المسجد الأقصى». 
وحديث : (إن الصلاة فيه تعدل سبعمائة صلاة في غيره» . 


قصة إبراهم بن الوليد الأموي: 


زعم جولد تسيهر أن إبراهيم بن الوليد الأموي جاء إلى الزهري 
فأجازه الزهري من غير تردد» وقال له : من يستطيع أن يجيزك بها؟ وهكذا 


5” 


استطاع الأموي أن يروي ما کت في الصحيفة على أنها مروية عن الزهري. 
وهنا أخطاء ومغالطات : 


أولاً: إن ابن عساكر صرح بسماع إبراهيم من الزهري» فيكون إبراهيم 
قد عرض على شيخه صحيفة سمعها منه» وهذا يسمى في اصطلاح 
المحدثين (عرض المناولة) قال الشيخ ابن الصلاح في مقدمته: القسم الرابع 
من أنواع تحمل الحديث (المناولة) فإن كان معها إجازة مثل أن يناول 
الشيخ الطالبَ كتاباً من سماعه ويقول: إرو هذا عنيء أو يأتيه الطالب 
بكتاب قد سمعه من الشيخ فيتأمله الشيخ. ثم يقول له: إرو عني هذاء 
ويسمى هذا (عرض المناولة) وقد قال الحاكم: إن هذا سماع عند كثير من 
المتقدمين» وحكوه عن مالك والزهري وربيعة ويحيى بن سعيد ومجاهد 
وسفيان إلخ. وقال أيوب: كنا نعرض العلم على الزهريء وقال 
عبيد الله بن عمر:أتيت الزهري بكتاب فتأملهء ثم قال: أجزيك بهء ومثله 
أخبر به كثير من تلاميذ الزهري كانوا يعرضون عليه أجاديثه التي سمعوها 
منه فيتأملها ويجيزهم بهاء وما صنع إبراهيم بن الوليد ‏ إن صحت الرواية - 
إنما هو من هذا القبيل حتماء يؤكده تصريحه بالعرض كما في رواية ابن 
عساكر والعرض - كما رأيت ‏ إعطاء الشيخ الكتاب ليتأمله. 5206 أما 
أن يكون إبراهيم دون أحاديث من عنده» ثم طلب من الزهري أن يسمح له 
بروايتها عنه ووافقه الزهري على ذلك» فهذا ما يستحيل صدوره من رجل 
كالزهري كان ذائع الصيت عند الأمة الإسلامية» وما ذاع صيته إلا بأمانته 
وصدقه وضبطه. 


ثانياً: إن قول الزهري: من يستطيع أن يجيزك بهاء أصله كما نقل 
يستطيع أن يجيز تلاميذ الزهري كإبراهيم بأحاديث لم يسمعوها إلا من 
شيخهم على أنه كان أعلم أهل زمانه بالسنة» وقد نقلنا قول غير واحد من 


)۱( مقدمة ابن الصلاح ص۰۷۹ واختصار علوم الحديث ص .١ 5١‏ 


۷ 


أكمة اللحديك» أنه لولاة. لقنافة: أشياء كثيرة من السنة» واعترف مسلم له بأنه 
يروي تسعين حديثاً لا يرويها غيره» فيكون معنى قوله لإبراهيم» هو: ومن 
يعلم بهذه الأحاديث غيري حتى يجيزك بها؟ وليس معناه أنه لا يجرؤ أحد 
من المسلمين أن يبيح له وضع الأحاديث غيري. . 

ثالثاً: إن إبراهيم هذا لم ترو له كتب السنة عندنا شيئاء ولم تذكره 
كتب الجرح والتعديل» لا في الثقات ولا في الضعفاء والمتروكين» . فأين 
هذه الأحاديث التى نشرها على الناس بإذن من الزهري؟ وأين موضعها من 
كتب السنة؟ ومن رواها عنه؟ وكيف اختفت هذه الصحيفة فلم يبق لها مكان 
في كتاب التاريخ؟ . 


قول الزهري: أكرهونا على كتابة أحاديث: 

زعم جولد تسيهر أن الزهري اعترف اعترافاً خطيراً في قوله الذي 
رواه عنه معمر: (إن هؤلاء الأمراء أكرهونا على كتابة أحاديث» وأن ذلك 
يفهم استعداد الزهري لأن يكسو رغبات الحكومة باسمه المعترف به عند 
الأمة الإسلامية. 


قدمنا لك عند الحديث عن صدق الرهري وجرأته. أنه أبعد الناس 
عن الرضوخ لأهواء الحاكمين» وذكرنا لك من الوقائع التاريخية بينه وبين 
خلفاء بني أمية ما تجزم معه بأنه ليس ذلك الرجل المستعد لأن يكسو 
رغبات الحكومة: راقيمة المترت. ره عتل: المسلمس”:.. 

أما هذا النص الذي نقله ففيه تحريف متعمد يقلب المعنى رأساً على 
عقب» وأصله كما في ابن عساكر وابن سعد: أن الزهري كان يمتنع عن 
كتابة الأحاديث للناس - ويظهر أنه كان يفعل ذلك ليعتمدوا على ذاكرتهم. 
ولا يتكلوا على الكتب كما ذكرنا من قبل - فلما طلب منه هشام وأصر عليه 
أن يملي على ولده ليمتحن حفظه كما تقدم» وأملى عليه أربعمائة حديث. 
خرج من عند هشام وقال بأعلى صوته: «يا أيها الناس إنا كنا منعناكم أمرا 
قد بذلناه الآن لهؤلاءء وإن هؤلاء الأمراء أكرهونا على كتابة «الأحاديث» 


۲۸ 


فتعالوا حتى أحدثكم بها فحدثهم بالأربعمائة الحديث» هذا هو النص 
التاريخي لقول الزهري› وقد رواه الخطيب بلفظ آخر وهو: كنا نكره كنات 


من المسلمين . ا : 


فانظر كم الفرق بين أن يكون قول الزهري» كما روى جولد تسيهر 
«أكرهونا على كتابة أحاديث» وبين أن يكون قوله كما رواه المؤرخون: 
«أكرهونا على كتابة الأحاديث» أو كما رواه الخطيب «على كتاب العلم» ثم 
انظر إلى هذه الأمانة العلمية حذف «ال) من «الأحاديث» فقلبت الفضيلة 
رذيلة . . حيث كان النص الأصلى يدل على أمانة الزهري وإخلاصه فى نشر 
العلم» فلم يرض أن يبذل للأمراء ما منعه عن عامة الناس إلا أن يبذله 
للناس جميعاًء فإذا أمانة هذا المستشرق تجعله ينسب للزهري أنه وضع 
للأمراء أحاديث أكرهوه عليهاء فأين هذا من ذاك؟ ؟ . 
ذهابه للفصر وتحركه فى حاشية السلطان: 

ثم يقول جولد تسيهر: «ولم يكن الزهري من أولئك الذين لا يمكن 
الذهاب إلى القصرء بل كان يتحرك كثيراً فى حاشية السلطان» . 
ودسهمء ولا يجعلهم صرعى أهواء الخلفاء ونفوذهم › وقدمنا لك أدلة على 
المعتز بعلمه ودينه ومكانته» العالم الذي لا يتردد عن مجابهة الخليفة فى أية 
لحظة بالحق. حين يجد من واجب الحق أن يقف هذا الموقف» وقديماً تردد 
الصحابة على معاوية» وتردد التابعون على الأمويين» وتردد أبو حنليفة على 
المنصورء وكان أبو يوسف من أشد الناس ملازمة لهارون الرشيد» ومع 


ذلك فلم يطعن فيهم أحدء ولم ينزلهم عن مرتبة العدالة لأنهم خالطوا 
حجه مع الحجاح: 

وهذا الذي زعمه «جولد تسيهر» ليزيد في التنفير من الزهري والتدليل 
على قلة دينه هو زعم باطل» فالزهري لم يكن مع الحجاج في حاشيته 
حين حج» وإنما كان مع عبد الله بن عمر حين اجتمع مع الحجاج» وإليك 
النص على حقيقته كما ورد في «تهذيب التهذيب» لابن حجر: «أخرج 
عبد الرزاق في مصنفه عن الزهري قال: كتب عبد الملك إلى الحجاج أن 
اققل .بابق قم فى المناسك» فأرسل إليه الحجاج يوم عرفة إذا أردت أن 
تروح فَآذِنّاء فراح هو وسالم وأنا معهماء قال ابن شهاب: وكنت صائما 
فلقيت من الحر شدة» فالزهري» إنما كان مع عبد الله بن عمر حين اجتمعا 
بالحجاج في الحج لا في معية الحجاج . 


تربيته لأولاد هشام: 

وقد زعم «جولد تسيهر) أنه مما يطعن به على الزهري أن هشاما 
جعله مربياً لولئّ عهده» وهذا عدا ما فيه من الخطأ التاريخي» فإن وَلِيّ 
عهد هشام هو ابن أخيه الوليد بن يزيد. a‏ 
عبد الملك» وقد كان الوليد هذا ماجنا مستهترا بينه وبين الزهري من 
العلا راق ,و كناك تاحار و و ا ا و 
هشام حين حج معه سنة ست ومائة وعدا هذا الخطأ التاريخي» فإنا لا 
ندري أي ريب يلحق بالزهري إذا ربى أولاد هشام؟ لسن لك را من أن 
يتولى تهذيبهم الخلعاء والماجنون وأعداء الله وأعداء رسوله؟ على أن ب 
:ن اراد هشام كانت لهم غزوات موفقة في بلاد الروم. ولهم أياد 
بيضاء في نشر الإسلام في أصقاع كثيرة» أفليس من الإنصاف أن تُرجع شيئا 
من الفضل في ذلك إلى شيخهم الزهري» لا سيما والمؤرخون يذكرون عنه 
أنه كان «جندياً جليلآ» وأنه قدم الشام مرة يريد الغزوء وأنه كان يلبس زي 
الجنود . 


توليه القضاء: 

وأخيراً يعيب «جولد تسيهر» على الزهري أنه تولى القضاء ليزيد 
الا وا عا لو کان ع اا ت كا جرت الي 
والصا لحرن فهل هذا النقد حق؟ أما منصب القضاء فما نعلم أحدأ عذه 
موجباً للجرح والاتهام في العدالة» وقد ولى رسول الله هٍ القضاء علي بن 
أبي طالب ومعادً بن جبل ومعقل بن يسار وغيرهم» وتولى كثيرون من 
التابعين القضاء لبني أمية وغيرهم» وهذا شريح»› وأبو إدريس الخولاني» 
وعبد الرحمن بن أبي ليلى» والقاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن 
مسعود» وكثير غيرهم تولوا القضاء في عهد بني أمية» ومنهم من تولى 
القضاء للحجاج نفسه» وما نعلم أن أحدا جرح هؤلاء العلماء لتوليهم 
القضاءء أما أن الشعبي كان يهرب من القضاءء وأنه حارب الحجاج مع ابن 
الأشعثء فها هنا مغالطة منكرة» إذ الواقع أن الشعبي بعد أن حارب 
الحجاج تولى القضاء في عهد الحجاج ليزيد بن عبد الملك بعد خمود فتنة 
ابن الأشعث» فلماذا تجاهل آخر الأمر الذي كان عليه الشعبى وهو الأولى 
بالاحتجاج؟ ۰ 


اعون ا ا ا خر ون مو الا ولون اه م غا 
للثقة بالقاضي» واحتجاجه بحديث: «من وَلِيَ القضاء أو جعِل قاضيا فقد 
ذبح بغير سكين"!* فهذا نقل عن أئمتنا لا يتفق مع الواقع» فقد نصوا على 
أن القضاء تعتريه الأحكام الخمسة» وأن تَوّلي القضاء للظلمة جائز بلا نزاع» 
وأن المراد بقوله: من تولى القضاء. . إلخ. حث القاضي على أن يتوقى 
الحكم ويعدل فيه. 

قال شيخ الإسلام المرغيناني في «الهداية»: ويجوز التقلد من السلطان 
الجائر كما يجوز من العادل. لأن الصحابة رضي الله عنهم تقلدوا من 


)1( أخرجه اؤ داود والترمذي عن اب هريرة وقال: حسن غريب 557/5 (سنن الترمذي 


معاوية رضى الله عنه» والحق کان بيد على فى نوبته» والتابعون تقلدوا من 
الحجاج وكان جائرأًء إلا إذا كان لا د اقا س اة 

وقال ابن العربي من علماء المالكية عند شرحه لكتاب القضاء فى 
الترمذي: «والولاية ليست بفرض على الأعيان وإنما هو على الكفاية» فلو 
دعا الإمام إلى العون جميع الناس» فلم يقبلوا لأيُمُواء وإذا قبل بعضهم 
أجروا وسقط الفرض عن الباقين» . اه. 

وقال ابن فرحون في «تبصرة الحكام»: «واعلم أن كل ما جاء من 
الأحاديث التي فيها تخويف ووعيدء فإنما هي في حق قضاة الجور العلماءء 
أو الجهال الذين يدخلون أنفسهم في هذا المنصب بغير علم» ففي هذين 
ال خاب ال 

وبهذا يتبين لنا أن القضاء ليس كما أراد أن يصوره لنا «جولد تسيهر» 
مسقطأ للعدالة» بل هو شرف عظيمء ولو لم يكن فيه إلا النيابة عن 
رسول الله يله في الحكم بين الناس بما أنزل الله» لكفاه شرفاً وفضلاا. 
نعم فرّ كثيرون من العلماء من القضاءء وتحمل بعضهم في سبيل ذلك 
بعض الأذى» ولكنهم لم يفعلوا هذا لأنه مسقط للعدالة وداعية إلى الجرح. 
بل فعلوه بداعي الورع والزهد وتحرزهم من أن يلقوا الله وعليهم تبعات من 
أمور الناس» قال ابن العربي تعليلا لامتناع بعض الصحابة عن تولي 
القضاء: «إن المرء فيما يعمل من الأعمال الصالحة ينبغي أن يكون على 
وجل من التقصير في شروطهاء وعلى تقية من عدم القبول لها مما دخل 
فيها بما لاا يحصيهء وهذا فيما كان من الطاعة يختص به لا يتعداه» فكيف 
بما يتعلق بحقوق العباد التي نيطت به وألزمت طوق عنقهء فالوجل في ذلك 
يجب أن يكون أكثر والتقية ينبغي أن تتخذ أعظم». 


ودعد فهذا بحث مستهميض حول الإمام الزهري رصي الله عنه» وما 


.8554/7 فتح القدير‎ )١( 
على هامش فتح العلي المالك.‎ ٠١ 4/١ (؟)‎ 


YoY 


حاول أن يلصقه به المستشرق «جولد تسيهر» من تهم وأباطيل» إن صحت 
أذهبت الثقة بهذا الإمام وبحديثه ومروياته» وإذا ذهبت الثقة به فقد ذهبت 
الثقة بكتب السنة كلهاء لما ذكرناه لك من عظيم مقام الزهري في علم 
السنة» ولأنه أول من دونهاء ولكننا ‏ بحمد الله - كشفنا الستار عن تلك 
الأباطيل» وبيّنا ما فيها من تحامل على هذا الإمام العظيم الذي كان كه 
قال شيخ الإسلام «ابن تيمية» خادم الإسلام سبعين سنة. 

إن إماماً كالزهري كان يقول: ما عبد الله بشيء أفضل من العلم» إن 
هذا العلم أدب الله الذي أدب به نبيه عليه الصلاة والسلام» وهو أمانة الله 
إلى رسوله ليؤديه على ما أدى إليه؛ فمن سمع علماً فليجعله أمامه حجة 
فيما بينه وبين الله عز وجل» وكان يقول: «إن للتعليم غوائل» فمن غوائله 
أن يتركه العالم حتى يذهب علمهء ومن غوائله النسيان» أما ومن غوائله 
الكذب فيه وهو أشد غوائله» إن إماما كهذا الإمام العظيم» كان في حياته 
علماً من أعلام الهدى» وسيظل كذلك إلى ما شاء الله» رغم أنف 
الجاحدين والمتعصبين والمبطلين» والحمد لله رب العالمين. ) 

عود إلى مناقشة شبه المستشرقين 

1 - تغيير الأمويين الحياة الدينية: 

ثم يقول المستشرق «جولد تسيهر» بعد أن فرغ من الكذب على 
الزهري: «ولم يقتصر الأمر على وضع أحاديث سياسية أو لصالح البيت 
الأموي. بل تعدى ذلك إلى الناحية الدينية في أمور العبادات التي تف 
مع ما يراه أهل المدينة» مثل ما هو معروف من أن خطبة الجمعة كانت 
خطبتين»؛ وكان يخطب الخلفاء وقوفأء وأن خطبة العيد كانت تتبع الصلاة 
فغير الأمويون من ذلك» فكان يخطب الخليفة خطبة الجمعة الثانية جالساء 
وجعلوا خطبة العيد قبل الصلاة» واستدلوا لذلك بما رواه رجاء بن حيوة 
من أن الرسول والخلفاء كانوا يخطبون جلوساً في حين قال جابر بن سمرة: 
من حدثكم أن رسول الله خطب جالساً فقد كذب. ومثل ذلك ما حصل 
من زيادة معاوية في درجات المنبرء وما كان من جعله المقصورة التي 


YoY 


أزالها العباسيون بعد ذلك» كما لم يقتصر الأمر على نشر أحاديث ذات 
ميول» بل تعداه إلى اضطهاد أحاديث لا تمثل وجهات النظر الرسمية 
والعمل على إخفائها وتوهينهاء فمما لا شك فيه أنه كانت أحاديث فى 
مصلحة الأمويين اختفت عند مجيء العباسيين». ۰ 


إن هذا الرجل يتكلم بعقلية غريبة عنا ‏ نحن المسلمين ‏ بل بعقلية 
غريبة عن المحيط العلمي». وذلك أن الناس ما زالوا منذ قديم الزمان حتى 
اليوم» يرون من بعض الملوك الحاكمين إجراءات تتعلق بالمحافظة على 
حياتهم أحياناء أو تتعلق بزيادة مظاهر العظمة والنفوذء أو يقومون 
بإصلاحات تتعلق ببلادهم وأماكن العبادة فيهاء وقد يكون لهؤلاء الملوك 
مخالفون كما يكون لهم مؤيدون» ومع ذلك فلا يخطر في بال أحد أن مثل 
هذه المظاهر تدل على تلاعب بالدين» أو استخدام للعلماء في سبيل هذا 
التلاعب بالدين» يقع هذا بين سمعنا وبصرناء ووقع لمن قبلنا وما زال 
الخلفاء والملوك منذ عصر الصحابة حتى اليوم يفعلون مثل هذاء فها هو أبو 
بكر يجمع القرآن في مصحف. وعمر يجمع الناس على التراويح وعثمان 
يُحدث الأذان الأول يوم الجمعة خارج المسجد» وعمر بن عبد العزيز يزيد 
فى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم . 


وها هم الملوك والرؤساء يجددون المساجد ويزيدون فيها وينقصون. 
ويتخذون من الحيطة لأنفسهم عند الذهاب إلى الصلاة ما يدفع عنهم خطرا 
را أو متوقعاء فلماذا لا يعتبر عمل هؤلاء تزيدا في اللي ندل :على 
انحراف عنه؟ ونعتبر مثل زيادة معاوية في درجات المنبر» واتخاذه المقصورة 
دليلاً على تغيير الحكام الأمويين للحياة الدينية؟ إن المنبر غَيّر على عهد 
الرسول ييا في حياته» فبعد أن كان رسول الله يقف بجانب جذع النخل» 
اتخذ منبراً من ثلاث درجات» حين تزايد الناس في المسجدء واحتاج الأمر 
إلى مكان عال ليسمع البعيد كما يسمع القريب» فما الذي يمنع من زيادة 
الدرجات على هذا إذا اتسع المسجد أكثر من ذلك؟ وزاد الناس فيه عما 
كانوا عليه في حياة الرسول يَكةِ؟ لا شيء يمنع من هذا لا دينا ولا شرعا 


56 


ولا تق ولا ورعاًء وهذا هو ما فعله معاوية حين زاد درجات المنبرء 

اتخاذة المقضووة: فلبس لتغيير الحياة اللديفة» بز حطة لفسه من الاغتنال 
بعد أن تآمر الخوارج عليه وعلى على وعمرو بن العاص. فلما قتل علي 
ونجا هو وعمروء رأى من الحيطة أن لا يصلي مختلطأ بالناس بل في 
مقصورة تمنع الاد وقد ذكر ذلك ابن خلدون في صريح الا ا 


أما الجلوس في الخطبة الثانية» فنحن نعترف بأنه تغيير من شكل 
العاكة بيدا جد معابي ان وى لز SNA I‏ 
شحمه ولحمهء فلم يعد يستطيع الوقوف كثيراًء قال الشعبي: «أول من 
خطب الناس قاعداً معاوية وذلك حين كثر شحمه وعظم بطنه»”'' ومع ذلك 
فقد لقي من إنكار العلماء يومئذ ما يعطيك الدليل القاطع على أن علماعنا 
لم يكونوا يجاملون في حق أو يتساهلون في إنكار منكر يعتقدونه. 


أخرح البيهقي عن كعب بن عجرة» أنه دخل المسجد يوم الجمعة 
وعبد الرحمن بن الحكه"'". يخطب قاعداًء فقال: انظروا إلى هذا الخبيث 
يخطلي تاعد ا ا ول لوسوله: و EE‏ 
الا وتك ابا € [الجمعة: ]١١‏ ومع ذلك فلم يحتج ابن الحكم بحديث»› 
SUNK SEER‏ 


أما ما ادّعاه «جولد تسيهر» من أن رجاء بن حيوه روى لهم أن 
نسو الك الفا كا نوا يوون Eg ls E a‏ 
على إمام ثقة من أئمة المسلمين› ويستحيل أن يقول رجاء هذا في عصر لا 
يزال فيه كثير من الصحابة يدافعون عن سنة رسول الله دفاع المستميت» ولم 
نجد لنسبة هذا الحديث إلى رجاء أثرأ في أي كتاب من كتب السئة 


(۱) المقدمة ص199. 
(۲) تاريخ الخلفاء للسيوطي ص١٤٠‏ نقلا عن ابن قتيبة. 
(۳) البيهقي ٠١١/۳‏ ورواه مسلم في صحيحه (ص٤٦۸)‏ إلا آنه قال فيه: (عبد الرحمن بن 


أم الحكم). 


Y 00 


المعتمدة» ولعله رآه في كتاب ككتاب «ألف ليلة وليلة»» الذي كثيراً ما 
اعتمد عليه فى النقل أثناء بحوثه العلمية» أو فى كتاب «حياة الحيوان» 
للدميري الذي ينمل عله کا ورجاء بن حيوة علد أكهرة الحديث تمه 
حافظ. قال الذهب °7 قال ابن سعد: كان رجاء فاضلا ثقة كثير العلمء 
وقال ابن عون: لم أرَ مثل رجاء بالشام ولا مثل ابن سيرين بالعراق ولا 
مثل القاسم بالحجازء قال الذهبى: قلت: هو الذي أشار على سليمان 
أنه كان بالشام وكان متصلا بخلفاء الأمويين كذنب الزهري تماماً. 


وأما قول جابر بن سمرة: «من حدثكم أن رسول الله خطب جالساً 
فقد کذب»» فليس فيه رد على حديث وضع بالفعل» بل يحتمل أن يكون 
ردا لما قد يطرأ في أذهانهم من جواز ذلك» فقطع لهم بأنه مخالف لسنة 
وسو له الله ا 

وأما تقديم الخطبة على الصلاة في العيد» فقد اعتذر مروان عن ذلك 
بأنه فعله مضطراء لأن الناس لم يعودوا يستمعون إلى خطبهم بعد انتهاء 
الصلاة. ولم يرد عنه أنه احتج لذلك بحديث أو أنه دفع بعض أتباعه إلى 
وضع حديث يؤيد ذلك» ومع هذا فقد أنكر عليه الصحابة والتابعون. 

أخرج البخاري في «صحيحه)» عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه 
أنه أنكر على مروان والي المدينة من قبل معاوية تقديم الخطبة على صلاة 
العيد» وجذبه من ثوبه» فجذبه مروان فارتفع فخطب» فقال أبو سعيد فقلت 
له: غيرتم والله» فقال: يا أبا سعيد قد ذهب ما تعلمء فقلت: ما أعلم 
والله خير مما لا أعلم» فقال مروان: إن الناس لم يكونوا يجلسون لنا بعد 
الصلاة. وأخرج مسلم بهذا المعنى ما يؤيده. 


فأين ترى استدلال مروان بالحديث؟ وأين ترى استدلال معاوية على 


.١١١/١ تذكرة الحفاظ‎ )١( 


الخطبة جالساً وعلى اتخاذه المقصورة وزيادة درجات المنبر بالحديث؟ نحن 
لا ننازع في وقوع هذه الحوادث» ولكن الذي ننازع فيه اتخاذ هذه 
الحوادث التى وقعت من أصحابها اجتهادا ولظروف خاصة اقتضتهاء دليلا 
على أنهم وا تغيير الحياة الدينية ووضعوا الأحاديث لذلك» وهذا ما لم 
يقع» بل الواقع أن هؤلاء المستشرقين يخبطون فيه على غير هدى, 
ويتوهمون الأمر فيحكمون فيه بحكم قاطع» ثم لا يستطيعون أن يجدوا لما 
تخيلوا دليلا . 

وأما زعم المستشرق بأنه مما لا شك فيه أنه كانت هناك أحاديث في 
مصلحة الأمويين قد اختفت عند مجيء العباسيين» فهذا الذي لا يشك فيه 
الي ك عا اله ا ع ا ا هي ا ا 
ركنت لحنت بركك عمل اا ع ا وا جن اعا 
الحديث من ذكرها في أسانيدهم؟ نعم لئن كان اختفى بعض الحديث في 
عصر دون عصر» فذلك اختفاء الكذب حین يفتضح › والباطل حين ينهزم› 
وإنما يختفي من ميادين الكتب الصحيحة والمسانيد الموثوقة» أما أن تختفي 
من الوجود هي وأصحابها ورواتها ومدونوهاء فهذا ما لم نعلم له مثيلا في 
تاريخناء ونتحداهم أن يأتونا بمثال واحد عليه . 


٠‏ - كذب الصالحين وتدليس المحدثين: 

ثم استدل المستشرق لتأييد قوله بما قدح به بعض العلماء «فمن 
ذلك: قول المحدث أبي عاصم النبيل: ما رأيت الصالح يكذب في شيء 
أكثر من الحديث» ويقول مثل ذلك يحيى بن سعيد القطان» ويقول وكيع 
عن زياد بن عبد الله البكائي: إنه - مع شرفه في الحديث - كان كذوبا (وقد 
سبق إنكار ابن حجر ورود هذه الكلمة فيه). ويقول يزيد بن هارون: إن 
أهل الحديث بالكوفة فى عصره ما عدا واحدا كانوا مدلسين حتى السفيانان 
انالا ` 

قدمنا لك في أوائل هذه الرسالة جهود العلماء لمقاومة الوضع 
والوضاعين وأنه كان من مظاهر هذه الجهود نقد الرواة نقدا دقيقا وتصنيفهم 


Yo¥ 


إلى من يقبل حديثه» ومن يرد ومن يتوقف فيه» وأنهم حصروا الوضاعين 
في فئات» منهم الزاهدون والجهلة الذين حملهم جهلهم على وضع 
الخدت عن رول ا ا اخسابا وسن تة وقد كف الجلها: 
أمرهم» وبينوا حقيقتهم» حتى لا يخدع الناس بمظاهر صلاحهم عن غفلة 
قلوبهم» ومن ذلك ما ذكره هذا المستشرق من قول أبي عاصم : «ما رأيت 
الصالح يكذب في شيء أكثر من الحديث». فإنه واضح أنه ليس المراد منه 
الصلاح الحقيقي الذي يتمثل في صلاح العلماء وأئمة الدين وحفاظ 
الحديث» بل هو ذلك الصلاح الذي تحدثنا عنه» وإلا لكان يجب أن يكون 
سعيد بن المسيب وعروة والشافعي ومالك وأحمد وأبو حنيفة والحسن 
والزهري من أكذب الناس في الحديث» ومن يقول بهذا؟ ويدلك على ذلك 
أن قول يحيى بن سعيد القطان الذي قال بمثل ما قال أبو عاصم قد ذكره 
مسلم في مقدمة صحيحه وهو يتحدث عن وجوب الاحتياط في قبول 
الأخبار وعدم الأخذ ممن كثر غلطه وساءت عقيدته وعرفت غفلته» كهؤلاء 
الصالحين» ثم قال مسلم بعدما ذكر قول يحيى بن سعيد القطان: أي يجري 
الكذب على لسانهم ولا يتعمدونه. فهل ترى مسلما يريد بالصالحين هنا 
أئمة الحديث الثقات المتشبتين فيكونوا كذابين؟ أم يُخرج هؤلاء المحدثين 
الثقات عن حظيرة الصلاح فيكون البخاري وأحمد والأوزاعي ومسلم نفسه 
غير صالحين؟ واسمع تفسيراً آخر للصالحين غير ما ذكرناه من قبل. قال 
الشعراني في «العهود الكبرى»: وسمعت شيخنا شيخ الإسلام زكريا 
رحمه الله يقول: إنما قال بعض المحدثين: «أكذب الناس الصالحون» لغلبة 
سلامة بواطنهم» فيظنون بالناس الخير»ء وأنهم لا يكذبون على 
رسول الله مء فمرادهم بالصالحين المتعبدون الذين لا غوص لهم في علم 
البلاغة فلا يفرقون بين كلام النبوة وغيره» بخلاف العارفين» فإنهم لا يخفى 


عليهم 30 , 


.٠٤١ص قواعد التحديث للقاسمي‎ )١( 


أما ما نقله «جولد تسيهر» من قول وكيع عن زياد بن عبد الله البكائي 
من أنه كان مع شرفه في الحديث ‏ كذوبأ. فهذه إحدى تحريفات هذا 
السسكشرق الخ اض العبارة كما وردت في «التاريخ الكبير» للإمام 
البخاري: وقال ابن عقبة السدوسي عن وكيع: هو (أي زياد بن عبد الله) 
أشرف من أن يكذب. اه من القسم الأول الجزء الثاني ص۲۹". 

فأنت ترى أن وكيعاً ينفي عن زياد بن عبد الله الكذب مطلقاً لا في 
الحديث فحسب» وأنه أشرف من أن يكذب» فحرفها هذا الس 
اليهودي إلى أنه كان مع شرفه في الحديث ‏ كذوباً. وهكذا تكون أمانة 
هذا المستشرق! 

وأما أمر التدليس فليس هو كما يتبادر من لفظه اللغوي أنه الغش 
والتزوير الذي يعتبر صاحبه كذاباً مزوراء بل هو اصطلاح خاص بالمحدثين 
وهو عندهم قسمان. وإليك عبارة الشيخ ابن الصلاح رحمه الله : 

«التدليس قسمان: أحدهما: تدليس الإسناد» وهو أن يروي عمن لقيه 
ما لم يسمع منه. موش ا س أو عمن عاصره ولم يلقه موهما أنه 
قد لقيه وسمعه عنهء والثاني: تدليس الشيوخ وهو أن يروي عن شيخ حديثاً 
سمعه منه» فيسميه أو يكنيه أو ينسبه أو يصفه بما لا يعرف به کی لا 
يعرف» أما القسم الأول فمكروه جداً ذمه أكثر العلماء. وبعد أذ اذك 
اختلافهم في قبول رواية المدلس. قال: والصحيح التفصيل» وهو أن ما 
رواه المدلس بلفظ محتمل لم يبين فيه السماع والاتصال حكمه حكم 
المرسل وأنواعه» وما رواه بلفظ مبين للاتصال نحو سمعت وحدثنا وأخبرنا 
وأشباهها فهو مقبول محتج به» وفي الصحيحين وغيرهما من الكتب 
المعتمدة من حديث هذا الضرب كثير جداًء كقتادة والأعمش والسفيانين 
وهشيم بن بشير وغيرهم» وهذا لأن التدليس ليس كبا وإنما هو ضرب من 
الويهام بلفظ محتمل. ثم قال: «وأما القسم الثاني فأمره أخف. . .» إلخ. 

ومنه يتبين أن السفيانين وغيرهما ممن لم يكن تدليسهم جارحا وأن 
روايتهم في كتب الصحاح مقبولة ثابتة» فلا معنى للتهويش باصطلاح خاص 


۲0۹ 


في دعوى خطيرة كوضع (العلماء الأتقياء للحديث) على أن ما ذكره إنما 
هو علماء بلد واحد من بلاد الإسلام وهي الكوفة» فكيف ينطبق على 
علماء سائر البلاد الإسلامية الأخرىء وقد قال الحاكم في كتابه «معرفة 
علوم الحديث»: إن أهل الحجاز والحرمين ومصر والعوالي ليس التدليس 
مذهبهم. » وكذلك أهل خراسان والجبال وأصبهان وبلاد فارس وخوزستان 
وما وراء النهرء لا يعلم أحد من أئمتهم دَلين وأكثر المحدثين تدليساً أهل 
الكوفة ونفر يسير من أهل البصرة. 

على أن علماء الحديث اعتذروا للسفيانين بأعذار مقبولة. فأما 
سفيان بن عيينة فقد قالوا: كان يدلس على الثقات فيقبل تدليسه لأنه إذا 
وقف أحال على ابن جريج ومعمر e‏ وهذا ما رجحه ابن حبان» 
وقال: هذا شيء ليس في الدنيا إلا لسفيان بن و 


وأما سفيان الثوري› فقالوا: كان تدليسه من قبيل إبدال الاسم بالكنى أو 
الکو وها زین واس ایی : حكاه البيهقي في «المدخل» عن أبي عامر . 
١‏ - الاعتراف بصحة الحديث (شكلي): 

لم قال جولد تسهير : ((وقد شعر المسلمون في القرن الثانى بأن 
الاعتراف بصحة الأحاديث يجب أن يرجع إلى (الشكلي) فقطء وأنه يوجد 
شر الأحاديث الجيدة الإسناد كثير من الأحاديث الموضوعة» وساعدهم على 
هذا ما ورد من الحديث «سيكثر التحديث عني» فمن حدثكم بحديث 
فطبقوه على كتاب الله فما وافقه فهو مني قلته أو لم أقله» هذا هو المبدأ 
الذي حدث بعد قليل عند انتشار الوضع). 

افترى المستشرق هنا على علماء الإسلام في موضعين : 
بين الأحاديث الجيدة الإسناد كثير من الأحاديث الموضوعة» وهذا افتراء منه 





. وتمامه: فإنه كان لا يدلس إلا عن ثقة.‎ ۸٤/١ شرح ألفية العراقي‎ )١( 


51 


عليهم وهم لم يقولوا بذلك قطعاًء وكيف يعترفون بأن هنالك كثيراً من 
الأحاديث الموضوعة ھی حيدة الإسناد؟ وإنما الذي قاله العلماء حين بحثوا 
مسألة العمل بخبر الواحد: هل يفيد القطع أو الظن؟ فذهب بعضهم إلى أنه 
يفيد القطع وذهب الجمهور إلى أنه يفيد الظن لأنه وإن كان صحيحاً بحسب 
الشروط والقواعد العامة» إلا أنه يحتمل ألا يكون صحيحاً (في الواقع) 
وهذا منهم مجرد احتمال عقلي دعاهم إليه الاحتياط في دين الله والتثبت في 
الأحكامء فأين هذا مما ينقله عنهم هذا المستشرق. . . 

الخاتى :فته أن الهيدا الذى خدرة معد..قليل. عؤ .ديت ااسيكدر 
التحديث عني. . . إلخ» وهذا افتراء محض» إذ أن هذا الحديث نقده الأئمة 
وحكموا بوضعه» وقد قدمنا شيئاً من ذلك عند الكلام على حجية الأخبارء 
وقدمنا ما قاله الشافعى . 


الكانى؟ :زعنمه أن" الجيدا الذق. حداف بعد قليل هو ديت كر 
التحديث» الذي حكموا بوضعه هو القاعدة التى ساروا عليها والمبداً الذي 
قالوا به؟ . . 


١‏ . نقد ابن عمر لأبى هريرة: 

وامعدل؛ لما :ذكره اجر لك ييا" ضفن : العلداء سايقا بجا ويف عو نقد 
ابن عمر لأبي هريرة في حديث «كلب الزرع» وقد أشبعنا هذا الحديث بحثا 
عند نقاشنا للأستاذ «أحمد أمين» الذي اهتدى بملاحظة المستشرق» فأثارها 
هنا على أنها ملاحظة منهء ومرحى مرحى للعلم والعلماء! . 


١‏ - الصحف المكتوبة: 

وختم المستشرق بحثه بأن العلماء لم يكتفوا بالروايات الشفهية لإثبات 
قواعدهم الفقهية» بل اخترعوا الصحف المكتوبة التي زعموا أنها تبين إرادة 
الرسول وعنى بذلك مسألة «تعريف الصدقة» وتعرض للروايات التي تنص 
على وجود صحف متعددة تحتوي على نظام مفصل للدفع. ثم مثل لسهولة 
قبول الناس بهذا النوع من الوثائق» بالحلف المكتوب الذي أعلن حين 


51١ 


النزاع بين عرب الشمال وعرب الجنوب ويرجع تاريخه إلى عصر تبع معد 
کت فصدقه الناس رغم قلمه فكيف لا يصدقون مأ هو أحدث منه. .؟ 


التاريخ› فإن هذه النصوص المكتوبة التي ظهرت في القرن الأول أو الثاني 
لم يتقبلها العلماء كما زعم «جولد تسيهر» من غير أن يبحثوا عن صحتهاء 
بل نقدوها وأجروها على قواعدهم الدقيقة التي ذكرناها من قبل» ولذلك 


أما الكتب التي تفصل شؤون الزكاة وأنصبتها في الإبل والبقر والغنم» 
فقد كان لها من عنايتهم ونقدهم النصيب الأوفى» وقد أجمع العلماء على 
صحة كتاب أبي بكر إلى أنس وخرجه البخاري والنسائي وأبو داود 
والدارقطني والشافعي والحاكم والبيهقي» واختلفوا في غيره من الكتب بين 
تصحيح وتحسين ومنها ما جاء مرسلاء ماتيا EE Ue‏ 
فإن بحوثهم ‏ لمن أراد أن يرجع إليها في مظانها ‏ تدل دلالة قاطعة على 
أنهم لم يتلقوها بالقبول بدون نقدء وعلى أنهم لم يعتمدوا فقط على مجرد 
النص المكتوب» بل رووا محتوياته بالطرق المعتادة» مشافهة راويا عن راو 
وهكذاء فكان اعتمادهم عليها من ناحيتين» النص المكتوب والرواية الشفوية 
المتصلةء وأياً ما كان فما علاقة هذا بالوضع في الحديث؟ وهل يتخذ من 
وجود نص قديم مكتوب منذ عهد الرسول دليلا على أنهم كانوا يخترعون 
الكتب حين تعوزهم الروايات! وهل يعجز الذين وضعوا الحديث في 
مختلف نواحيه أن يضعوا بضعة أحاديث تفصل مقدار الزكاة دون أن يلجؤوا 
إلى اختراع نص مكتوب؟ ومتى كان الاختلاف في صحة نص في مسألة 
وزدت ها عدة صوص دللا على أن كل ما ورد موضوع: لا أسامن. له؟؟ 

أما قضية النزاع بين عرب الشمال وعرب الجنوب» وتصديقهم نصا 
مكتوباً من عصر تَبّع» فهذا من أغرب الأمور في هذا الموطن» إن الناس 
يتساهلون في کل شيء وقد يصدقون کل شيء» إلا آن يکون متصلا 
برسول لله منسوباً إليه» فهنا تتفتح العيون» وهنا 5 البحث والاستقصاء. 


51 


لأن هذا دين» وما كان لأحد أن يقبل دين الله بالوهم والظن والهوى»ء ثم 
إن الذين قبلوا النص المكتوب في النزاع بين عرب الشمال وعرب الجنوب 
لم يكونوا من علماء الحديث فما صلة هذا بالموضوع؟ 

الحق أن هذا المستشرق من أقل الناس حياء في مجال العلم» فهو 
كما رأيت يخترع الأكذوبة ويتخيلهاء ويركب لها في نفسه هيكلا, ثم يلتقط 
من هنا وهناك ما يوهم أنه يؤيده فيما ادعى ولا يبالى أن يكذب فى 
النصوص أو يغالط في الفهمء أو يستدل بما ليس بدليل ويعرض عما يكون 
دليلا قاطعاء ولكن صد فکرته» وَليسن أدل ا لعحيزه وبعله عن 
الإنصاف» وتعصبه لآرائه من أن يرفض نصوصاً قاطعة أجمع على صحتها 
آهل العلم» بنصوص ملفقة من كتاب ك«الحيوان» للدميري» أو كتاب «ألف 
ليلة وليلة»» أو «العقد الفريد»ء أو «الأغانى» أو غيرها من كتب الأدب التى 
التجرد للعلم؟ وهل هؤلاء هم الذين اتخذهم أمثال أحمد أمين أئمة يهتدون 

سبحانك تهدي من تشناء وتضل من ناء" #فمن برد 1 أن دهده 
EEE GI NES‏ 
کڈ فی السا َلك يجصلُ له اجس ل لزت ل يبرج 409 
[الأنعام] . 


Y1 





اأ 2 ||| لايع 
السُنة مع بع ضالكاببين حديًا 





قذمنا لك شبهة بعض الطوائف: الاسلامية على السدة :وشبهلة أل 
المعاصرين على السنة وإنكاره لحجيتهاء وهذا لون آخر من ألوان الهجوم 
على السنة يقوم به فريق من المسلمين الذين تتلمذوا على المستشرقين» 
وهو هجوم لا يبدو واضحاً سافراء كما بدت آراء المستشرقين من قبل» بل 
مقنعا بستار العلم والبحث» متجنبا المصارحة» مفضلا المواربة والمخاتلةء 
حين لا “كير اجه عله ثائزة الجميور وص ان هاا ان اخ ا 
وأسواً نتيجة وأقوى سلاحاً والله المستعان» وهو حسبنا ونعم الوكيل. 

من أبرز الكتّاب المعاصرين الذين سلكوا هذا السبيل (المرحوم) أحمد 
أمين خريج القضاء الشرعي وعميد كلية الآداب سابقاً مؤلف كتب «فجر 
الإسلام) و(ضحاه» و«ظهره) وقد تحدث في : افجر ال سلام» عن «الحديث» 
فمزج السم بالدسم. وخلط الحق بالباطل»ء وها أنا أذكر هنا خلاصة ما 
رأيت فيه تحريفا للحقائق الإسلامية وانحرافا عن جادة الصواب وتحاملا 
على فريق من كبار الصحابة والتابعين . 
خلاصة فصل «الحديث» فى «فجر الإسلام»: 

أفرد الأستاذ أحمد أمين في كتابه «فجر الإسلام» فصلا خاصاً بالحديث 
استغرق نحواً من عشرين صحيفة» حاول فيه أن يؤرخ السنة وتدوينهاء فبين 
معنى السنة وقيمتها في الشرع» ثم ذكر أن الحديث لم يدون في عهد 
الرسول بء بل كان بعض الصحابة يكتبون لأنفسهم فقط. وأن الصحابة 
كانوا فريقين بعد وفاة الرسول» فمنهم من كان يكره التحديث عنه بكثرة» 
وكان يطلب من الراوي دليلا على صحة ما يروي» ومنهم من كان يكثر في 


51 


الرواية» ونشأ عن عدم تدوين الحديث في كتاب خاص» واكتفائهم بالاعتماد 
على الذاكرة» كثرة الوضع والكذب على الرسول» واستظهر أن الكذب عليه 
بدأ في عهده قبل وفاته» وأشار إلى أن دخول الشعوب في الإسلام كان له 
أثر كبير في الوضع الذي بلغ من الكثرة أن اختار الإمام البخاري «صحيحه) 
من ستمائة ألف حديث كانت شائعة في عصره» ثم ذكر أهم الأمور التي 
حملت على الوضع ‏ وقد تعرضنا لها في بحوثنا السابقة - وذكر منها تغالي 
الناس في إعراضهم عن العلم إلا ما اتصل بالكتاب والسنة اتصالاً وثيقاً: 
وانتهى من ذلك إلى بيان جهود العلماء في مكافحة الوضعء وذكر ما يؤخذ 
عليهم من أنهم لم يعنوا بنقد المتن عُشْر ما عنوا بنقد السندء ثم تكلم عن 
أكثر الصحابة حديثاً فذكر أبا هريرة» وقال عنه: إنه لم يكن يكتب» بل كان 
يحدث من ذاكرته. وأنه كان يحدث بما لم يسمعه هو مباشرة من النبي عليه 
الصلاة والسلام وإن بعض الصحابة شكوا في حديثه وبالغوا في نقده» ثم 
ختم هذا الفصل بالآدوار التاريخية التي مرّ بها تدوين السنة حتى عصر 
البخاري ومسلم وغيرهما من أصحاب الكتب الستة . 

تلك هي خلاصة فصل الحديث من صحيفة ٠٠١‏ إلى ۲۷٤‏ وأريد أن 
أنبه قبل الانتقال إلى نقده تفصيلياً إلى أن رأي المرحوم الأستاذ أحمد أمين 
فى السنة معروف» فقد نشر أحد الملاحدة المسلمين فى مصر (إسماعيل 
اا رال في عا ۴١‏ د عن ن ال أن عا ن هد ار 
الغالية من الحديث الموجودة بين أيديناء والتي تضمنتها كتب الصحاح» 
ليست ثابتة الأصول والدعائم» بل هي مشكوك فيها ويغلب عليها صفة 
الوضع» وقد قوبلت هذه الرسالة بنقمة الأوساط الإسلامية» حتى اضطرت 
الحكومة المصرية بناء على طلب مشيخة الأزهر إلى مصادرة الرسالة من 
الأيدي» وقد اضطر إلى أن يدافع عن نفسه في كتاب أرسله إلى إحدى 
المجلات الإسلامية"“ زعم فيه أن ما ذهب إليه من الشك في صحة السنة 
لم ينفرد به» بل قد وافقه عليه جماعة من كبار الأدباء والعلماء» وذكر منهم 


.٠؟ص‎ 6494 مجلة الفتح. عدد‎ )١( 


۳٥ 


الأستاذ أحمد أمين بكتاب أرسله إليه» وانتظرنا أن يكذب الأستاذ هذا الزعم 
فلم يفعل» بل كتب في بعض المجلات الأسبوعية الأدبية"'' ما يفيد تألمه مما 
حصل لصاحبه؛ واعتبار ذلك محاربة لحرية الرأي وحجر عثرة في سبيل 
البحوث العلمية. ولما ثار النقاش في الأزهر حول الإمام الزهري عام ١٠١١ه‏ 
قال الأستاذ أحمد أمين للدكتور علي حسن عبد القادر وهو الذي أثيرت الضجة 
0-7 (إن الأزهر لا يقبل الآراء العلمية الحرة. فخير طريقة لبث ما تراه انا 

فخ أقوال الاو ألا د ) إليهم بصراحة» ولكن ادفعهاً إلى الأرعربية 
ل وألبسها ثوباً رقيقاً لا يزعجهم مسهاء كما فعلت أنا في 
(فجر الإسلام) و(ضحی الإسلام) هذا ما سمعته من الدکتور علي حسن يومئذ 
نقلا عن أ الأستاذ أحمد أمين ؛ فإذا 0 آراءه وبيَّا ما فيها من تشكيك بالسنة 
وتحريف للحقائق الإسلامية» فلن نكون ممن يتصيدون التهم لإويقاع بريء في 
شباك الجريمة» بل ممن يجمعون الأدلة للتحقيق مع متهم أحيط بالشبهات› 
ونسبت إليه أقوال في التهمة المنسوبة إليه. . على ضوء هذه الحقيقة سيكون 
نقدي لما جاء في «فجر الإسلام) عن السنة وتاريخهاء وقد كنت نشرت في هذا 
المعنى أبحاثاً مستفيضة في حياة الأستاذ أحمد أمين» واطلع عليها واعترف بأنها 
أول نقد علمي لكتابه «فجر الإسلام» . 





هل بدأ الوضع في عهد الرسول؟: 

قال صاحب «فجر الإسلام» ص۸٠٠‏ متكلماً عن نشأة الوضع: 
«ويظهر أن هذا الوضع حدث في عهد الرسول» فحديث: من كذب علي 
متعمداً فليتبوأ مقعده من النار» يغلب على الظن أنه إنما قيل لحادثة زور 
فيها على الرسول». وهذا الذي استظهره لا سند له في التاريخ الثابت» ولا 
في سبب الحديث المذكور كما جاء في الكتب المعتمدة. 


أما التاريخ» فقاطع بأنه لم يقع في حياة الرسول أن أحدأ ممن أسلم 
(۲) أخبرني بذلك العالم الباحث الدكتور علي عبد الواحد وافي في إحدى مجالسنا بدار 


511 


وصحبه زوّر عليه كلاماً ورواه على أنه حديثه عليه الصلاة والسلام» ولو 
وقع مثل هذا لتوافر الصحابة على نقله لشناعته وفظاعته» كيف وقد كان 
حرصهم شديداً على أن ينقلوا لنا كل ما يتصل به يِل حتى مشيه 
وقعوده» ونومه ولباسه» وعدد الشعرات البيض في رأسه الشريف؟ . 


وأما الحديث المذكور فقد اثفقت كتب السنة الصحيحة المعتمدة على 
أن الرسول إنما قاله حين أمرهم بتبليغ حديثه إلى من بعدهم» فقد أخرج 
البخاري في باب ما ذكر عن بني إسرائيل من طريق عبد الله بن عمرو أن" 
النبي كلم قال: «بلغوا عني ولو آية» وحدثوا عن بتي. إسرائيل ولا حرج”''. 
ومن كذب على متعمدا فليتبوأ مقعده من النار؛. وروى مسلم من طريق أبي 
سعيد الخدري قال: قال رسول الله كَله: «لا تكتبوا عني ومن كتب عني 
غير القرآن فليمحه وحدثوا عني ولا حرج» ومن كذب على متعمداً فليتبوأ 
مقعده من النار» وروى الترمذي عن ابن عباس عن النبي يو قال: «اتقوا 
الحديث عني إلا ما علمتم فمن كذب على متعمداً فليتبوأ مقعده من النار) 
وروى الإمام أحمد عن أبي موسى الغافقي آنه قال: إن رسول الله يياو كان 
آخر ما عهد إلينا أن قال: «عليكم بكتاب الله وسترجعون إلى قوم يحبون 
الحديث عني»› فمن قال علي ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النارء ومن حفظ 
ا فليتحدث ا ورواه غيرهم ا بهذا المعنى. وظاهر من هذه 
الروايات أن النبي وقد علم أن الإسلام سينتشر وسيدخل فيه أقوام من 
أجناس مختلفة» نبه بصورة قاطعة على وجوب التحري فى الحديث عنه. 
دونب الكلي د علي E. ISE EG O‏ 
لأنهم هم المبلغون إلى أمته من بعده» وهم شهداء نبوته ورسالته» وليس 
في هذه الروايات إشارة قط إلى أن هذا الحديث إنما قيل لوقوع تزوير على 
النبي صلى الله عليه وسلم. 
)١(‏ أي في أخبار الأمم السابقة مما لا يعارض ما جاء في الكتاب والسنة الصحيحة. 
(۲) ورواه الطحاوي في «مشكل الآثار» ١7١/١‏ بقريب من هذه الألفاظء وفيه يذكر أبو 


موسى الغافقي أن الرسول عليه السلام قال ذلك في حجة الوداع. 


1¥ 


وهنالك روايتان تذكران للحديث سبباً غير ما ذكرته الروايات السابقة : 


(الأولى) : ما أخرجه الطحاوي في مشكل الآثار عن عبد الله بن بريدة 
عن أبيه قال: جاء رجل إلى قوم في جانب المدينة فقال: إن 
رسول الله َة أمرني أن أحكم برأيي فيكم في كذا وكذا. . وقد کان خطب 
امرأة منهم في الخاهلة فاا إن دوجوف اهب حى زل على المرأة 
فبعث القوم إلى النبي با يسألونه فقال: «كذب عدو الله» ثم أرسل رجلا 
فقال: «إن أنت وجدته حيّاً فاضرب عنقه وما أراك تجده حياء فإن وجدته 
ميتاً فاحرقه»› فوجده قد لدع فمات فحرقه» فعند ذلك قال النبي ىي «من 
کات کد ا 


(الثانية) : ما أخرج الطبراني في «الأوسط» عن عبد الله بن عمرو بن 
العاص أن رجلا لبس حلة مثل حلة النبي ية ثم أتى أهل بيت من المدينة 
فقال: إن النبي بي أمرني آي أهل بيت شئت استطلعت» فأعدوا له بيتا 
وأرسلوا رسولاً إلى رسول الله فأخبروه» فقال لأبي بكر وعمر: انطلقا إليه 
فإن وجدتماه حيا فاقتلاه ثم حرقاه بالنار» وإن e‏ میتا فقد كفيتماه ولا 
أراكما إلا وقد كفيتماه. فحرقاه فأتياه فوجداه قد خرج من الليل يبول 
فلدغته حية أفعى فمات فحرقاه ثم رجعا إلى رسول الله ية فأخبراه الخبرء 
فقال يياة: «من كذب عليّ...2 الحديث . 


والكلام على هاتين الروايتين من وجوه: 

أولاً: أن متنهما منكر عليه أمارات الوضع واضحة, فلسنا نعلم من 
سيرة رسول الله َة أنه كان يأمر بإحراق الموتى»ء ولم تنقل لنا كتب السنة 
المعتمدة أنه فعل ذلك ولو مرة واحلة . 

اننا أن سندهما ضعيف وفى رواتهما من لا يقبل حديثه» ولذلك 
حكم السخاوي على هذه القصة بالوضع فقال: (لا تصح) . 


.١55/١ مشكل الآثار‎ )١( 


الئاً: على فرض الصحة فإنهما صريحتان في أن سبب الحديث تزوير 
في حادث دنيوي خاص بالمزوّرء وأين هذا من التزوير في حديث دينيٌ عام 
يروى للمسلمين على أنه حديث رسولهم»ء وكيف يكون التزوير فى حادث 
دنيوي وهو حادث واحد لا يروي الرواة غيره» دللا على أن الوضع في 
الحديث النبوي قد بدأ في حياة الرسول ذاته؟ . 


رابعاً: من الواضح في هاتين الروايتين أن الذي فعل هذا الحادث 
مجهول» وقد جاء قوماً خارج المدينة» ويغلب على الظن أنه لم يلق النبي 
عليه السلام بل ربما لم يكن أسلم فهو ليس من الصحابة» فلا مستند فيه 
لمن يريد التشكيك في صدق الصحابة . 

بهذا تعلم أنه سواء كان سبب الحديث ما ذكرته كتب السنة المعتمدة» 
أو ما جاء في تلك الروايتين اللتين حكم عليهما بعض النقاد بعدم الصحة» 
فليس فيه ما يدل على حصول الوضع في عهد الرسولء» فاستظهار ذلك 
خطأ قائم على غير أساس فلا يصح الذهاب إليه» لا سيما وأن من أول 
نتائجه نسبة الكذب إلى أصحاب الرسول عليه السلام» وهو مناف للحق 
والواقع والمعروف من تاريخ هؤلاء الأصحاب» ومخالف لما ذهب إليه 
جمهور المسلمين من عدالتهم على الإطلاق لم يشذ في ذلك إلا الشيعة 
وطواتف الخوارج والمعتزلة ‏ كما سبق فإن كان الأستاذ يريد بما استظهره 
الإشارة إلى هذا الراى المشوذ» :والقينييد الما سيد كوه عن أن ري 1و لقن 
ااه مي لخن ام ك آل ا ي عاد ا ا ا 
الطريق وجانب الحق وبنى أمراً خطيراً على ظنون لا يؤيدها تاريخ صحيح 
ولا حديث ثابت. 

ومن الإنصاف للأستاذ أن نقول بعدئذ: إن هذا الاستظهار لم يكن 
وليد بحثه وتفكيره» بل هو يكاد يكون بنص عبارته مأخوذاً من خطبة 
منسوبة إلى الإمام علي رضي الله عنه في «نهج البلاغة»» وقد نقل 


.٠١/۳ شرح ابن أبي الحديد‎ )١( 


اأ وه كاوها م ن كا خرن ابن ان الحديد في شرج 
الخطبة المذكورة مما يدل على أنه مطلع عليها بيقين» ولكن إن كان لغلاة 
الشيعة هوى في تجريح الصحابة ورميهم بالكذب» ليخلصوا إلى إمامة علي 
وعصمة الأئمة من بعده» فما هو هوى الأستاذ في هذا إلا أن يكون غرضه 
التشكيك بهم وهم نقلة السنة إلينا وعنهم أخذناها؟ 


أحاديث التفسير: 

وقال في صر۲۹٥:‏ «وحسبك دليلا على مقدار الوضع أن أحاديث 
التفسير التي ذكر عن أحمد بن حنبل أنه قال: لم يصح عنده منها شيءء 
قد جمع فيها آلاف الأحاديث» وأن البخاري وكتابه يشتمل على سبعة آلاف 
حويك ها تر و الات رة الوا الها اختادها ر 
ستمائة ألف حديث كانت متداولة في عصره» 

كثرة الوضع في لخت هما لذ يكن أحد»: ولكنه أراد أن يسعدل 
على مقدار الوضع فاستشهد بشيئين: أحاديث التفسيرء وأحاديث البخاري . 
وظاهر عبارته في أحاديث التفسير أنه يشكك فيها كلها إذ ينقل عن الإمام 
أحمد أنه قال لم يصح منها شيء 0 مع أنهم قد جمعوا فيها مئات 
الأحاديث» والإمام أحمد لا تخفى مكانته في السنة» فإذا قال في أحاديث 
التفسير : لم يصح منها شيء كان كل ما روي فيها مشكوكاً بصحته إن لم 
بعك عليه بالوضع» أليست هذه نتيجة منطقية لكلام الأستاذ؟ والكلام معه 
ف قان 

الأول: في أحاديث التفسير. 

والثاني : فيما نقله عن الإمام أحمد. 


أما أحاديث التفسيرء فلا يخفى على كل من طالع كتب السنة أنها 





)01 وقد سبق له أن نقل هذا القول عن أحمد في بحثه السابق عن القرآن في كتابه افجر 
الإسلام؟ . 


۷۹ 


أثبتت شيئاً كثيراً منها بطرق صحيحة لا غبار عليهاء وما من كتاب في السنة 
الصحابة أو التابعين› وقد اشترط علماء التفسير على من يفسر كتاب الله 
عز وجل أن يعتمد فيه على ما نقل عنه َة في ذلك. 


قال الإمام أبو جعفر الطبري فى تفسيره: ان مھا ازل الله من القرآن 
على نبيه ما لا يوصل إلى علم تأويله إلا ببيان الرسول لت وذلك تأويل 
8 أ أ شا | ا 0010 
جح فيه من وجوه امره ونهيه› وبدبه وإرساده. . ال حره : 


وقال أبو حيان الأندلسي المفسر صاحب البحر المحيط في صدد ما 
يحتاج إليه المفسر: (الوجه الرابع) تعيين مبهم» وتبين مجمل» وسبب 
نزول» ونسخ . ويؤخذ ذلك من النقل الصحيح عن رسول الله وقوه وذلك 
من علم الحديث» وقد تضمنت الكتب والأمهات التي سمعناها ورويناها 
ذلك كالصحيحين» والجامع ا وسن ای قود واا د کت 
ا 


وفي «الإتقان) للسيوطى”" قال ابن تيمية: يجب أن يعلم أن النبي ي 
لأصحابه معاني القرآن» كما بيّن لهم ألفاظه» فقوله تعالى: لين 
لتاس ما رل إل [النحل: ]٤٤‏ يتناول هذا وهذا. 


سے 


هذا وقد قسم الزركشي القرآن إلى قسمين: قسم ووک سه الل 
وهو إما عن النبي لار أو الصحابة والتابعين» وقسم لم يرد. 

فأنت ترى أنهم جعلوا التفسير بين منقول وغير منقول» وأوجبوا على 
المفسر أن يرجع إلى الأول ويعرفه. ولو لم يصح فيه شيء بل لو لم يصح 
منه شيء كثير لما فعلوا ذلك. ا ی ی 
يجوز التفسير إلا بما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم. 





50/١ )١(‏ من الطبعة الأميرية. 
(۲) ۱۷۹/۲ طبع مصطفى البابى» الطبعة الثانية . 


۲۷۱ 


قال السيوطي في «الإتقان»: «اختلف لتاس ي سیر اران بها 
و لا يجوز لأحد أن يتعاطى تفسير 
شيع فزق ا ن ن أديبا متسعاً في معرفة الأدلة والفقه والنحو ‏ 
والأخبار والآثار. وليس له إلا أن ينتهي إلى ما روي عن النبي يه في 
3 إلخ». 

وهذا وإن كان خلاف المعتمد إلا أنه يدل على أن هنالك آثاراً فى 
التفسير لا يصح تجاهلها ولا يسوغ لأي عالم إنكارهاء كيف وقد ذكر 
الشافعي في مختصر البويطي أنه لا يحل تفسير المتشابه إلا بسنة عن 
ا لا * خبر عن أحد 5 أصحابه» أو إجماع العلماء؛ نعم إن الذي 
نقل عن النبي ملو تفسيره. أقل مما لم ينقل. وأن ما صح عنه أقل مما لم 
يصح › ولكن هذا لا يجوز تشكيك الناس في جملته . 

وأما ما نقله عن الإمام أحمد في أحاديث التفسيرء و ر ل :ذا 
روي عنه من قوله: «ثلاثة ليس لها أصل : التفسير والملاحم والمغازي». 
وفي رواية: «ثلاث كتب لا أصل لها: المغازي والملاحم والتفسير» والكلام 
عن هذه العبارة من وجوه: 

أولا : أن في النفس من صحتها شيئاًء فإن الإمام أحمد نفسه قد ذكر 
فى مسنده أحاديث كثيرة في التفسير. فكيف يعقل أن يخرج هذه الأحاديث 
ويثبتها عن شيوخه في مسنده» ثم يحكم بأنه لم يصح في التفسير شيء؟ 
وأشا فمقتضى هذه العبارة أن يكون كل ما روي عن أخبار العرب ومغازي 
المسلمين مكذوباً من أصله. ومن يقول بهذا؟ 

ثانياً: إن نفي الصحة يستلزم الوضع أو الضعف» وقد عرف عن 
الإمام أحمد خاصة نفي الصحة عن أحاديث وهي مقبولة» وقالوا في تأويل 
ذلك : إن هذا اصطلاح خاص بهء قال اللكنوي في «الرفع والتكميل)9: 


. 860١/5 )1١( 
. من طبعة حلب‎ ۸٦ص‎ (۲) 


V1 


اكثيراً ما يقولون (لا يصح و«لا يثبت» هذا الحديث» ويظن منه من لا 
علم له أنه موضوع» أو ضعيف» وهو مبني على جهله بمصطلحاتهم وعدم 
وقوفه على مصرحاتهم» فقد قال علي القاري في اتذكرة الموضوعات»: لا 
يلزم من عدم الثبوت وجود الوضع. وقال الحافظ ابن حجر في تخريج 
أحاديث الأذكار المسمى بانتائج الأفكار»: ثبت عن أحمد بن حنبل أنه 
قال: لا أعلم في التسمية (أي التسمية بالوضوء) حديثاً ثابتاء قلت (أي ابن 
حجر): لا يلزم من نقي العلم ثبوت العدم» وعلى التنزل: لا يلزم من نفي 
الثبوت ثبوت الضعف. لاحتمال أن يراد بالثبوت الصحة» فلا ينتفي 
الحسن)اه . 


ثلانة ن لها اصل» والظاهر أن مراده نمي کب خاصة بهذه العلوم 
الثلاثة» بدليل ما جاء فى الرواية الثانية مصرحاً به «ثلاثة كتب». وهذا 
كتب مخصوصة فى هذه المعانى الثلاثة» فأشهرها كتابان: للكلبى 
ومقاتل بن سليمان» وقد قال الإمام أحمد في «تفسير الكلبي»: من أوله إلى 
آخره کا ل يحل النظر فيه . 

راغا يحتمل أن يكون مراد الإمام ا في عبارته المذكورة أن ما 

ففي «الإتقان»' قال ابن تيمية: وأما القسم الذي يمكن معرفة 
الصحيح منه فهذا موجود كثير ولله الحمدء وإن قال الإمام أحمد: ثلاثة 
ليس لها أصل.. إلخ. وذلك لأن الغالب عليها المراسيل . 

وقال الزركشى فى «البرهان»: للناظر فى القرآن لطلب التفسير مآخذ 


۱۷۸/۲١ )١(‏ الطبعة السابقة. 


9 ك نقلة الوط عه ف الكتقاق 1/1 الطبعة السابقة : 


VY 


فاا ارا الاوك النقل عن النبي َء وهذا هو الطراز المعلم 
لكن يجب الحذر من الضعيف منه والموضوع فإنه كثير» ولهذا قال أحمد: 
ثلاثة كتب لا أصل لهاء المغازي والملاحم و التفسيو.: قال المحققون من 
اضحابة 3 حتواده. أن" الغاليية لسن لها اساند صحاح متصلة وإلا فقد صح من 
5 

وقصارى القول أن الاستشهاد بعبارة الإمام أحمد للتشكيك في 
الكتب الصحيحة كالبخاري ومسلم والموطاً والترمذي» بل في مسند الإمام 


| خوك نفسة . 


هل استوعب البخاري كل الصحيح في جامعه؟: 
) وقد زعم الأستاذء أن البخاري قد انتقى أحاديث صحيحة من ستمائة 
ألف حديث والكلام هنا في موضعين: 

الأول عدة الأحادية: القى ا و ن ا ادف 
التي تداولها الناس في عصر 50 کک یت سا اا 
ال فقد نقل عن الإمام أحمد أنه قال: صح من الحديث سبعمائة ألف 
وكسر وهذا الفتى (يعني أبا زرعة) قد حفظ سبعمائة ألف. ولكن ما حقيقة 
هذه الكثرة الهائلة؟ كلها أحاديث تختلف في المواضيع»ء أم هي طرق 
متعددة للأحاديث؟ وهل كلها أحاديث تنسب إلى النبي أم تنسب أيضاً إلى 
الصحابة والتابعين؟ 

للإجابة عن هذا ينبغي أن نذكر لك اختلافهم في معاني الحديث» 
والخبرء والآثر. 

فقد قال جماعة: إن الحديث هو ما أضيف إلى النبى كلل فيختص 
بالمرفوع عند الإطلاق ولا يراد به الموقوف إلا بقرينةء أما الخبر فإنه أعم 
من أن يطلق على المرفوع الموقوف» فيشمل ما أضيف إلى الصحابة 


والتابعين وعليه یسمی کل حدیث خبراً ولا يسمى كل خبر حديثا. 


VE 


وقال آخرون: الحديث هو المرفوع إلى النبي يل والموقوف على 

وأما الأثر فإنه مرادف للخبر بالمعنى السابق فيطلق على المرفوع 
والموقوف». وفقهاء خراسان يسمون الموقوف بالأثر والمرفوع بالخبر"". 

ذلك هو اختلافهم في تحديد المراد بالحديث والخبر والأثرء وإذا 
كان كذلك سهل علينا أن نفهم معنى لهذه الكثرة الهائلة ستمائة ألف أو 
سبعماثة ألف. فهي شاملة للمتقول عن النبي يِه ولأقوال الصحابة والتابعين 
طرق مختلفة إذ يكون للصحابي أو التابعي رواة متعددون ‏ وهذا هو الغالب 
فيُعنى المحدث بجمع طرق الحديث من رواته فقد تبلغ أحياناً عشرة طرق 
فيعدها عشره ادف وهصى لمشت إلا ا اداه وقد کان إبراهيم بن 
سعيد الجوهري يقول: «كل حديث لم يكن عندي من مائة وجه فأنا فيه 
0ك 

وبهذا إذا جمعت أقوال النبي بيا وأفعاله وتقريراته إلى أقوال الصحابة 
والتابعين وجمعت طرق كل حديث منسوب للنبي وللصحابة وللتابعين لا 
يستغرب أبداً أن يبلغ ذلك كله مئات الألوف بهذا المعنى. 

قال العلامة الشيخ طاهر الجزائري: «وبما ذكرنا أن بعض المحدثين 
قد يطلق الحديث على المرفوع والحسوقوف» يرول الاشكال الذى: يخرض 
لكثير من الناس عندما يحكى لهم أن فلاناً كان يحفظ سبعمائة ألف حديث 
صحيح» فإنهم مع استبعادهم ل ل ا و لم 
تصل إلينا؟ وهلا نقل الحفاظ ولو مقدار عشرها؟ وكيف ساغ لهم أن يهملوا 
أكثر ما ثبت عنه عليه الصلاة والسلام؟ مع أن ما اشتهروا به من فرط العناية 
اليف ي آلا ا ع الأمكاق تجا متم بو ادك E EN‏ 





oa a 0 


(© تأنيبي المخطبي عحن 18١‏ . 


في قدر الحفاظ: نقل عن الإمام أحمد أنه قال: صح من الحديث سبعمائة 
ألف وكسرء وهذا الفتى يعني أبا زرعة» قد حفظ سبعمائة ألف. قال 
البيهقي: أراد ما صح من الأحاديث وأقوال الصحابة والتابعين» وقال أبو 
بكر محمد بن عمر الرازي الحافظ: كان أبو زرعة يحفظ سبعمائة ألف 
حديث» وكان يحفظ مائة وأربعين ألفاً فى التفسير. ونقل عن البخاري أنه 
قال: أحفظ مائة ألف حديث صحيح. ومائتي ألف حديث غير صحيح. 
ونقل عن مسلم أنه قال: صنفت هذا المسند الصحيح من ثلاثمائة ألف 
حديث مسموعة» ومما يرفع ان زرعة من أنه كان 
يحفظ مائة وأربعين ألف حديث في التفسير ن النعيم في قوله تعالى: 
ر لل وا ن ااي 7 0 وقد ذكر فيه المفسرون عشرة 
SSS‏ 
والماعون في قوله تعالی: لذن هم براموت ل ويسم ناعون ©4 
[الماعر نا دك دوا هة سفة أقواله أكار اقول ما ناهذا السااين 6 عة 
حدیغا ES‏ 


الثاني: ما صح عند البخاري: زعم مؤلف «فجر الإسلام» أن ما 
جمعه البخاري في حديثه وهو أربعة آلاف من غير المكرر هو كل ما صح 
عندله من علد الأحاديث 5 كانت متداولة فى عصره وبلغت تاه ألف» 
أن البخاري لم يجمع في كتابه كل ما صح عنده. 


قال ابن الصلاح رحمه الله في مقدمته: لم فا ا ا 


أنه قال: ما أدخلت في كتاب الجامع إلا ما صح وتركت من الصحاح 


)١(‏ توجيه النظر ص۳ - 5. وانظر فتح الملهم شرح صحيح مسلمء الجزء الأول» ص". 


۷٦ 


)۱( 
عليه 4 


وقال الحافظ ابن كثير: ثم إن البخاري ومسلماً لم يلتزما بإخراج 
جميع ما يحكم بصحته من الأحاديث فإنهما قد صححا أحاديث ليست في 
كتابيهما كما ينقل الترمذي عن البخاري تصحيح أحاديث ليست عنده (أي: 
: ' : : )۲( 

وقال الحافظ الحازمى فى كتابه «شروط الأئمة الخمسة»: وأما 
البخاري فلم يلتزم أن يخرج كل ما صح من الحديث» ويشهد لصحة ذلك 
کا عن آي شفيك. المالي أنبانا عبد الله ين عدى. قال خد محمد بن 
أحمد قال: سمعت محمد بن حمدويه يقول: سمعت محمد بن إسماعيل - 
يعني البخاري ‏ يقول: أحفظ مائة ألف حديث صحيح وأحفظ مائتي ألف 
حديث عير صحيح . وکر 2 سئده اف البخاري ا قال : الم أخرج ع 
هذا الكتاب إلا صحيحاًء وما تركت من الصحيح أكثر»” "اه. 


فإذا كان العلماء يقرون أن البخاري لم يستوعب الصحيح في 
«جامعه)»» وأنه يحفظ مائة ألف حديث صحيح. يكون ما نقله المؤلف عنهم 
نقلا غير صحيحء هذا إذا عناهم بقوله «قالوا» أما إذا كان يعني بهم عامة 
الناس والشائع على ألسنة الطلبة فذلك شيء آخرء إلا أن المقام مقام علم 


مه ©" امي 


و تحفیں . 


)١(‏ مقدمة علوم الحديث ص 2٠١‏ وعبارة مسلم هذه فين صح حه ۲0/۲ فی باب التشهد 
فى الصلاة» بصدد حديث انتقد عليه تصحيحه إياه رغم أنه لم يودعه فى صحيحه 
فأجاب بذلك . 


(۲) اختصار علوم الحديث ص٩‏ - .٠١‏ 
(۳) شروط الأئمة الخمسة للحازمي ص۷٤‏ وهو المطبوع مع شروط الأئمة الستة للحافظ 


VV 


عبد الله بن المبارك وهل كان مغفلا؟: 

قال المؤلف ص٠٠۲‏ متكلماً عن الوضاعين في الحديث: «وبعضهم 
كان سليم النية يجمع كل ما أتاه على أنه صحيح» وهو في ذاته صادق 
فيحدث بكل ما سمعء فيأخذه الناس عنه مخدوعين بصدقه» كالذي قيل في 
عبد الله بن المبارك فقد قيل: إنه ثقة صدوق اللسان ولكنه يأخذ عمن أقبل 
وأدبر». وأشار فى هامش الكتاب إلى أن هذا القول فى عبد الله بن المبارك 
SS‏ ۰ 

المؤلف يتكلم عن الوضاعين في الحديث» والوضاعون هم الدين 
كانوا يختلقون الأحاديف على .رسول الله كه لأغراضن. متبايتة: ذكرناها فن 
مواضعها من هذا الكتاب» أما سليم النية الذي يجمع كل ما أتاه وهو اذى 
ذلك صادق فهذا ليس من الوضاعين بحال» لأنه لم يكذب لا في سند 
الحديث ولا في متنهء وغاية ما يقال فيه أنه «ذو غفلة» يتلقى الحديث بلا 
نقد ولا تمحيص» فيتوقف في قبول حديثه إلى أن يتبين ما يرويهء فإن كان 
عن ثقات وشاركه الثقات 58 ينقل قبل» وإلا فلاء أما إدراجه ضمن 
الوضاعين كما فعل المؤلف فهو خطأ بيّن ناتح عن عدم الدقة في التعبير 
والتأليف» وأيضاً فالكلام عن عبد الله بن المبارك في صدد الحديث عن 
الوضاعين يوهم أنه منهم. هذا نقد شكلي للعبارة» أما النقد الموضوعي› 
فالذي يُستخلص مما ذكر المؤلف ثلاثة أمور: 

أولا: أن عبد الله بن المبارك كان سليم النية يحدث بكل ما سمع من 
غير نقد للرجال. 


ثانياً: أن الناس خدعوا بصدقه فتلقوا كل أحاديثه التى سمعوها منه 
على أنها صحيحة. 


ثالثاً: أن العبارة التي نقلها عن (صحيح مسلم» إنما هي في 


والأستاذ المؤلف مخطئى فى هذه الأمور الثلاثة كل الخطأ. 


YA 


١‏ أما أن عبد الله بن المبارك كان سليم النية يحدث بكل ما سمعء 
فهذا ما لا يتفق مع الحق في شيءء فقد كان ابن المبارك من مشاهير أئمة 
رة الدية.عتوا ينقد الخال قدا ديد :> وهذا مسلم رحمه الله يذكر لنا 
في مقدمة «(صحيحه» عدة أمثلة عن نقده للرجال. فقد ذكر بسنده إلى أبي 
إسحاق إبراهيم بن عيسى الطالقاني. قال : «قلت لعبد الله بن المبارك: يا 
أبا عبد الرحمن الحديث الذي جاء أن من البر بعد البر أن تصلى لأبويك 
رتعووم ليما E a‏ نا آنا ساق من a‏ 
قال: قلت لهء هذا من حديث شهاب بن خراش فقال: ثقة» عمن؟ قال 
قلت: عن الحجاج بن دينار» قال: ثقة عمن؟ قال قلت: قال 
رسول الله كَل قال: يا أبا إسحاق إن بين الحجاج بن دينار وبين النبي كله 
مفاوز تنقطع فيها أعناق المطي» ولكن ليس في الصدقة اختلاف». 

وأخرج مسلم في المقدمة أيضاً بسنده إلى علي بن شقيق قال: 
سمعت عبد الله بن المبارك يقول على رؤوس الناس : «دعوا حديث 
عمرو بن ثابت فإنه كان يسب السلف». 

وبسنده إلى أحمد بن يوسف الأزدي قال: سمعت عبد الرزاق يقول: 
ارات ابن المبارك يفصح بقوله: «كذاب» إلا لعبد القدوس. اهم 
يقول له: «كذاب». 

فهذه الأمثلة وكثيرة غيرها ذكرها مسلم في مقدمة «صحيحه» تدل على 
أن عداو ار E‏ ا ا اا ایق 

وأصرح من ذلك ما رواه مسلم أيضاً بسنده إلى العباس بن أبي رزمة 
قال: سمعت عبد الله بن المبارك يقول: بيننا وبين القوم القوائم» يعني 
الا 

وذكر الحافظ الذهبي في تذكرته قال المسيب بن واضح: سمعت ابن 
وسئل عمن نأخذ؟ قال: من طلب العلم لله» وكان في إسناده أشد. 

الرجل ثقة وهو يحدث عن غير ثقة. وتلقى الرجل غير ثقة وهو 
يحدث عن ثقة» ولكن ينبغي أن يكون ثقة عن ثقة. 


۷۹ 


وکر ااه أا ا ال دا ا ا ل ا ات د 
آلف حديث وضعتها؟ فقال الرشيد: أين أنت يا عدو الله من أبي إسحاق 
المبارك: هذه الأحاديث الموضوعة؟ فقال: «تعيش لها الجهابذة». 

؟ ‏ وأما زعمه بأن الناس خدعوا بصدقه. . إلخ. فقد سمعت أنه كان 
نقاداً للرجال متشدداً في الأسانيد» ومتى اجتمع الصدق والعدالة والتثبت في 

هذا على أن أئمة الجرح والتعديل أجمعوا على توثيق ابن المبارك 
وإمامته وجلالة قدره. قال ا مهدي . الأئمة أربعة: الثوري ومالك 
وحماد بن ريد وابن الوياركة: 
أمرأ ظا ما كان أحد أقل ا منه» کان وياد صاحب حديث» وكان 
يحدث من كتاب» . 

وقال ا معين : «(كان كيساً فخا دة وكان عالماًء صحيح 
الحديث) . 

وتال اين عة صاكيي الطنقاك ١‏ ان ا مایا ا کر 
الحديث» . 

وقال الحاكم: (هر إمام عصره في الآفاق» وأولاهم بذلك عا 
هدا راغ وس 6 

وقال النسائي: «لا نعلم في عصر ابن المبارك أجل من ابن المبارك 

ولا أعلم منه» ولا أجمع لكل خصلة محمودة منه). 


5 


على حلالته وإمامته, وكبر محله وعلو مرتبته» اھ . 


فرجل فح نماد الحديث وأئمة الجرح والتعديل على نشښته وجوده 
حديثه وقلة سقطه» يكون من المحزن أن يجيء في آخر الزمان من يقول 
عنه : «إن الناس كانوا يأخذون عنه» مخدوعين بصدقه». 


أنه كان يحدث بكل ما سمع. فقد ذكر مسلم بسنده إلى الإمام مالك 
رحمه الله قال : اعلم أنه ليس يسلم رجل يحدث بكل ما سمع. ولأ يكون 
إماماً أبداً وهو يحدث بكل ما سمعء وذكر عن عبد الرحمن بن مهدي 
قوله: لا يكون الرجل إماماً يقتدى به حتى يمسك عن بعض ما سمع. إلى 
ما هنالك من أقوال تدل على أن علماء هذا الشأن لا يقرون بالإمامة لرجل 
E N‏ فتها" دوقن E YF‏ ما . 


۳ وأما العبارة التي نقلها عن «صحيح مسلم» في حق عبد الله بن 
المبارك فهاهنا لا يكاد المرء ينتهي عجباً من صنيع المؤلف. إن عبارة 
الإمام مسلم في «الصحيح» هكذا: «حدثني ابن قهزاذ قال: سمعت وهبا 
قزل غ فيان عن :انق الارك قال فة دوق اللسان .ولكنه ياحل. من 
أقبل وأدبر» وأنت لا تشك خين تقرأ هذا أن القول هو قول عبد الله بن 
المبارك في «بقية» وهو أحد المحدثين في عصرهء ولكن المؤلف فهم هذا 
النص على أنه قول فى عبد الله بن المبارك» وأنه هو الموصوف بهذه 
افم ا هان ا كان نقسة حليه يكذ التهنع ,دقان اليد 
هكذا: عن سفيان عن ابن المبارك قال» أي ابن المبارك. فهو القائل 
والمتحدث لا المتحدث عنه. ثم إن اللفظ «بقية» لا «ثقة» فابن المبارك 


العلماء وما كان عليه رحمه اله من علم بالرواة ونقد لهم (التقدمة : 1 .(YA*‏ 


۲۸1 


يتكلم عن بقية بن الوليد المحدث الحمصي» وهو مشهور بما وصفه به ابن 
المبارلة ويؤكد هذا ما رواه مسلم بعد ذلك بقليل عن أبي إسحاق الفزاري : 
اكتب عن «بقية») ما روى عن المعروفين» ولا تكتب عنه ما روى عن غير 
المعروفين» ويؤيده أيضاً ما نقله الذهبي عن ابن المبارك نفسه أنه كان يقول 
في لابقية) : إنه يدلس عن فوم ضعمفاء ويروي عمن ونه ودرج»ء وهذا في 
معنى قوله الذي رواه مسلم نه : لاأعمن أقبل وأدير) . 

فتبين لنا مما تقدم أن المؤلف أخطأ في عبارة مسلم خطأين : 

الأول: أن الكلام لغير ابن المبارك في عبد الله بن المبارك» مع أنه 
كلام عبد الله بن المبارك في غيره. 


الثاني : أنه نقل اللفظ «ثقة» وهي في ااصحيح مسلم) (بقية) والمؤلف 
بين ثلاثة أمور لا رابع لها: إما أن يكون ذكر هذا في كتابه بعد أن قرأ 
العبارة بنفسه في صحيح مسلمء ولكنه لم يفهمها فوقع في تلك الأخطاء. 
وإما أن يكون فهمها ولكنه تعمد تحريفها لغاية في نفسهء وإما أنه رآها 
لبعض المستشرقين الذي نقلها نقلاً ممسوخاً عن «صحيح مسلم»» فاكتفى 
بنقله عن خصوم هذه الشريعة المحمدية دون أن يرجع بنفسه إلى أصل 
النص في مسلمء وأنا أرجح هذا الأخيرء إذ من البعيد على المؤلف آلا 
يفهم هذا النص مع وضوحه وجلائه» ومن البعيد عليه أيضاً أن يتعمد مثل 
هذا التحريف في نص من كتاب مشهور لا يخلو منه بيت عالم مسلم» وقد 
رجعت إلى النسخ المطبوعة عن «صحيح مسلم» لعلي أجد إحدى النسخ 
ذكرت العبارة خطاً كما نقلها المؤلف» فيكون له بعض العذر وإن كان 
سياق الكلام يفسده كما تقدم» ولكني رایت النسخ المطبوعة كلها ذكرت 
النص صحيحاً من غير تحريف» فترجح عندي أن أحد أعداء الإسلام وقع 
في هذا التحريف» إما عمداأً لتشويه سيرة إمام كبير من أئمة الحديث - كما 
فعل جولد تسيهر مع الزهري ‏ وإما خطأ بحيث اشتبه عليه الأمر بين «بقية» 
و«ثقة) لقرب تشابههما في الرسم. وإذا كنا نجد للمستشرق عذرا في ذلك 
لعجمته» أو عدم وفائه للإسلام, أو فقده الذوق العربي الذي يدرك بسياق 


YAY - 


الكلام صحة الكلمة ومعناهاء فأي عذر للمؤلف فى متابعته على هذا 
التحريف لا سيما وقد بنى عليه رأياً خطيراً فاسداً في إمام جليل من أئمة 
النقاد في عصره؟ . 


حا يست سد الأبواب: 


ثم تكلم المؤلف في ص٠٠۲‏ أيضاً عن أهم الأمور التي حملت 
الوضاع على الوضع» وذكر من أولها الخصومة السياسية بين علي وأبي 
كر وبين علي ومعاوية. وبين عبد الله بن الزبير وعبد الملك» ثم بين 
ااا 


وهذا كلام لا غبار عليه» ثم نقل بعد ذلك كلاماً لابن أبي الحديد 
جاء فيه : «إن أصل الكذب في أحاديث الفضائل جاء من جهة الشيعة فلما 
رأت البكرية - أي: مفضلو أبي بكر ما صنعت الشيعة وضعت الصاحبها 
أحاديث فى مقابلة هذه الأحاديية نحو: «لو كنت متخذاً خليلا» فإنهم 
وضعوه في مقابلة حديث الإخاء» ونحو سد الأبواب» فإنه كان لعلىّ فقلبته 


ا لے ایک:2 


لا كيك أن ابن الحديد معذور في عده هذين الحديثين من 
الموضوعات ما دام معلا ا يتعصب ا ولكنا يه سرى للأستاذ 


)١(‏ اعتبرنا «الإسكافي» و«ابن أبي الحديد» من علماء الشيعة» وهذا لا ينفي أنهما كانا 
معتزليين كما تذكره كتب التراجم» فالمعتزلة إنما ا صبرمع من اهبر 
المسسليين تشيالة العدل الإلهي. ورأيهم في أعمال الإنسان أنها مخلوقة له بقدرة 
من الله تعالى وبعض مسائل أخرى في العقائدء ولكنهم فيما عدا ذلك ينقسمون إلى 
فرق وطوائف واتجاهات علمية متباينة» فمنهم من كان يهاجم الصحابة جميعاً بما فيهم 
أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم كما نقلنا ذلك عن النظام» ومنهم من 
كان شيعياً كالإسكافي وابن ا الحديد وغيرهماء ومنهم بل أكثرهم كانوا في الفقه 
على مذهب أبي حنيفة رحمه الله. ومن أمثلة هذا التباين في اتجاهاتهم أن الشرشف 
الرضى رحمه الله وهو من رؤساء الطالبيين في عصره ه كان معتزلياً في عقيدة القضاء 
والقدر كما لا يخفى على من طالع مؤلفاته وأبحاثه . 


YAY 


عذراً في عدم تعقبه له إلا أن يكون متفقاً معه ‏ على ما ذهب إليه في 
عدهما من الموضوعات. والحديثان صحيحان» خرجهما أئمة الحديث. 

أما الحديث الأول» فقد أخرجه البخاري من طريق ابن عباس وابن 
الزبير ورواه مسلم من طريق أبي سعيد وابن مسعود. 

وأما الحديث الثاني» وهو سد الأبواب إلا خوحة أبي بكرء فقد رواه 
الا ی فن طريق: أب سد وان اس رزو ل من ری ای سیا 
وجندب وأبي بن كعب» وروى الحديثين - غير البخاري ومسلم - مالك 
والترمذي والطبراني وأحمد وابن عساكر وابن حبان وغيرهم. 

أما حديث الإخاء الذي زعمته الشيعة من أن النبي آخى بينه وبين 
على فلم يصح من طريق يوثق به» ولم يخرجه كتاب من كتب السنة 
المعتمدة» ولا رواه من يوثق به» وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية: إن 
هذا الحديث موضوع عند أهل الحديث لا يرتاب أحد من أهل المعرفة 
بالحديث -أنه موضوع. وة ا کا ای کا اد ب 

وأما حديث سد الأبواب الذى يرويه الشيعة ويستثنون منه باب عليٌ؛ 
فقد ذكر أكثر النقاد أنه حديث موضوع» حكم بذلك ابن الجوزي ا 
وابن تيمية وغيرهم» وعلى فرض صحته فقد أجاب عنه العلماء بما ذكره 
ابن حجر في «فتح الباري» من أن النبي كلو انر أولا يسف: الأنوات: إلا 
باب عليئّ» فلما سدوها أحدثوا خوخاً يستقربون الدخول منها إلى المسجدء 
فأمر Rw‏ إلا خوخة أبي بكر» وحمل الباب الوارد في بعض الروايات في 
ا كر عا لكر جك سي ب عض لامر حي بق انان 
فهذه طريقة لا بأس بها في الجمع بين الحديثين» وبها جمع أبو جعفر 
الطحاوي في «مشكل الآثار» وأبو بكر الكلاباذي في «معاني الأخبار). 
وصرح بأن بيت أبي بكر كان له باب من خارج المسجد و إلى داخل 
المسجد. وبيت علي لم دك له باب إلا من داخل المسجد . اه. 


.45/5 منهاج السنة‎ )١( 


YAS 


أحاديث الفضائل: 

وقال في ص١55:‏ «وتلمح أحاديث كثيرة لا تشك ‏ وأنت تقرؤها ‏ 
أنها وضعت لتأييد الأمويين والعباسيين أو العلويين أو الحط منهم... 
ويتصل بهذا النحو أحاديث وضعها الوضاعون في تفضيل القبائل. .. فكم 
من الأحاديث وضعت في فضل قريش والأنصار وجهينة ومزينة. . ومثل 
ذلك» العصبية للبلد فلا تكاد تجد بلدا كبيراً إلا وفيه حديث» بل أحاديث 
في فضله. ذامكة» و«المدينة») وجبل «أحد» و«الحجاز» و«اليمن» و«الشام» 
وابيت المقدس» و«مصر» و«فارس» وغيرها كل ذلك وردت فيه الأحاديث 
المتعددة في فضله). . . إلخ . 

كان رسول الله ية بين أصحاب يفتدونه بأرواحهم وأموالهم» وقد 
كانوا متفاوتين في الفداء والتضحية والمواهب» كما كانوا متفاوتين في السبق 
إلى الإسلام» فليس بغريب أن يخص رسول الله بي بعض أصحابه بثناء أو 
إعجاب» أو كشف عن موهبة أو غير ذلك مما يدل على فضلهم ومكانتهم 
وقل مثل ذلك فى «مكة) التى كان منها بدء الدعوة» وفى «المدينة» التى 
كان فيها اسر الا ا المقدس» الذي أثنى ا في 52 
وغير ذلك من المدن أو القبائل التي كانت تسارع إلى الخير ويسهم أبناؤها 
في سبيل الله والإسلام بسهم وافر. 

كما أن من الجائز - بل الذي وقع فعلاً - أن يضع المتعصبون 
والجاهلون أحاديث في فضائل رؤسائهم أو بلدانهم أو قبائلهم يزيدون على 
ما في الحديث الصحيح من فضائل». أو يضعون فضائل لم يَرِدْ بها حديث 
00 

هذان قرا لا ينازع فيهما منازع . فورود أحاديث صحيحة ثابتة في 
فضائل بعض الأشخاص والبلدان والقبائل» لا يمنع من وجود أحاديث 
مكذوبة في ذلك أيضاًء وشأن العالم المنصف في مثل هذه الحالة ألا 
يسارع إلى تصديق هذه الأحاديث كلهاء ولا إلى تكذيبها كلهاء لا يحمله 
وجود الكذب فيها على أن يكذب جميعهاء ولا وجود الصحيح فيها على 


50 


أن يسلم بجميعها. وللعلماء طرق في معرفة الثابت من المكذوب» وهي 
نقد السند والمتن معاء فما ثبت بعد البحث صحة سنده ومتنه» حكمنا 
بصحته» وما لا فلا. هذا هو الطريق المعقول فى مثل هذه الحالات»› وهذا 
فى اللاي فك الا عن راج لك لكر الا من اا حاو ا 
فيها أحاديث الفضائل» وقد ثبت منها بعد البحث والتمحيص طائفة كبيرة 
أثبتها الأئمة في مصنفاتهم» فالإمام البخاري مثلآً وكتابه أصح كتب الحديث 
وأدقهاء وأكثرها تشددأً ‏ باعتراف صاحب «فجر الإسلام» ‏ أفرد في 
صحيحه أبواباً متعددة» أثبت فيها ما صح عنده من فضائل المهاجرين 
والأنصارء وفضائل رجال بأسمائهم من الفريقدةة كاب بكر وعمر وعثمان 
وعلي وسعد وأبيّ ومعاذ وكثير من أعيان الصحابة» كما أثبت أحاديث 
متعددة في فضائل مكة والمدينة واليمن والشام وغيرهاء وأحاديث في 
فضائل قبائل مختلفة كقريش ومزينة وجهينة» ومثل ذلك صح لدى أئمة 
الحديث كأحمد ومسلم والترمذي وغيرهم» وفي الوقت نفسه بيّنوا 
الأحاديث الموضوعة في ذلك» وكشفوا حال رواتهاء ونقدوها نقدا دقيقاء 
وبيّنوا الباعث على وضعها من رجال وأحوال. 

فما الذي دعا مؤلف «فجر الإسلام» إلى أن يتجاهل هذه الحقيقة 
المعلومة» ويشكك في أحاديث الفضائل كلها؟ إنها ‏ ولا ريب - خطة 
المستشرقين الذين سمعت رأيهم في الموضوع فاقتفى الأستاذ أثرهم. والله 
الان 

ثم قال في ص١١٠‏ في الباعث الثاني على و وشو الخلافات 
الكلامية والفقهية: «وكذلك فى الفقه فلا تكاد تجد فرعا فقهيا إلا وحديث 
Ca‏ ل حر ولا ل لا ار ال مه 
أنه لم يصح عنده إلا أحاديث قليلة. قال ا خلدون: (إنها سبعة عشر) 
ولقف كن ا عا القن لل ثعته بواحيانا نتصومن. حي انها تكون 
Mo‏ | 


YA“ 


أما إن الخلافات الفقهية والكلامية كان لها أثر في الوضع فهذا ما لا 
ننكره وقد سبق الإشارة إليه عند الكلام على حركة الوضع وأسبابهاء وأما 
الادعاء بأن أبا حنيفة لم يصح عنده إلا سبعة عشر حديثا ونسبة ذلك إلى 
العلماء فهذا ما أخطأ فيه المؤلف جانب الحق وسلك غير سبيل العلماء. 

ذلك أن مذهب أبي حنيفة أوسع المذاهب الفقهية تفريعاً واستنباطاً: 
عض ت امال ال ارت عنه معات: الألوف» :ولسن من التعقول أن 
سح الى عية ذلك من راث الأحكام القليلة وبضعة عشر حديثاً فقط› 
فإن قيل: إنه استنبط هذا الفقه من القياس» قلنا: إن ما جمع من أحاديث 
أبى حنيفة فى مسانيده التى رواها عنه أصحابه وتلاميذه» بلغت بضعة عشر 
Ss‏ ل هلان أن قور كبيراً من فقهه مأخوذ من السنةء ولا يصح. 
أن يقال: إن ما صح عنده منها بضعة عشر حديثا فقط» إذ كيف لم تصح 
عنده وهو يحتج بها ويفرع عليها؟ 

آنا قول ابن ادوا :“ققد ذكره يصيخة 'التسريضني إشارة إلى أنه غير 
جازم بذلك» وأيضاً فلا نعلم لابن خلدون سلفاً في هذه المقالة» بل 
نصوص العلماء متضافرة على أنه صح عند أبي حنيفة قدر من الأحاديث 
كبير» وسنرى ذلك عند البحث عن أبي حنيفة رحمه الله في آخر الرسالة 
جد علدا وكات ا ۰ 
تغالى الناس في الاعتماد على السنة: 

ويقول المؤلف في ص٠۲‏ متكلماً عن أسباب الوضع: «يخيل إِليّ 
أن من أهم أسباب الوضع تغالي الناس إذ ذاك في أنهم لا يقبلون من العلم 
إلا على ما اتصل بالكتاب والسنة اتصالا وثيقا وما عدا ذلك فليس له قيمة 
كبيرة» فأحكام الحلال والحرام إذا كانت مؤسسة على مجرد الاجتهاد لم 
يكن لها قيمة ما أسس على الحديث ولا يقرب منه» بل كثير من العلماء 
في ذلك العصر كان يرفضها ولا يمنحها أية قيمة» بل بعضهم كان يشنع 
على من ينحو هذا النحوء والحكمة والموعظة الحسنة إذا كانت من أصل 
هندي أو يوناني أو فارسي› أو من شروح التوراة والإنجيل لم يؤبه له. 


YAY 


فحمل ذلك كثيراً فك الحاسن أن يصبغوا هذه الأشياء كلها صبغة دينية حتى 
يقبلوا عليهاء فوجدوا الحديث هو الات الوحيد المفتوح على مصراعيه› 
فدخلوا منه على الناس ولم يتقوا الله فيما صنعواء فكان من أثر ذلك أن 
نرى الحكم الفقهي المصنوع» والحكمة الهندية» والفلسفة الزردشتية؛ 
والموعظة الإسرائيلية والنصرانية» . اه . 

اتفق المسلمون سلفاً وخلفاً ‏ إلا من لا يعتد بهم من أصحاب البدع 
والأهواء - على أن الكتاب والسنة أصلان من أصول اشر الإسلامى. لا 
TT‏ ت OT‏ 

ا ل E‏ 
القياس وهم الظاهرية وأكثر أهل الحديث . 

وقسم يرى إعمال الفكر في استنباط الأحكام من النصوص فعملوا 
هم جمهور المجتهدين وحملة العلم منذ عصر الصحابة حتى يومنا هذا. 
الإحاطة بالسنة وشروط صحتها والعمل بها ومن هنا كان الخلاف بين 
مدرسة الرأي ومدرسة الحديث» ولكنهم متفقون جميعاً على أنه لا يصح 
الاجتهاد فى الفقه مجرداً غير منظور به إلى الحديث» بل أوجبوا على 
المجتهد أن يحيط بأحاديث الأحكام كلها لا يألوا فى ذلك جهداً. 


أخرج الحافظ ابن عبد البر في كتابه «جامع بيان العلم» عن الشافعي 
رحمه الله تعالى أنه قال: اليس لأحد أن يقول فى شيء: «حلال» ولا 
«حرام» إلا من جهة العلم وجهة العلم ما نص في الكتاب أو في السنة أو 
فى الإجماع أق «القيافى فى هه اال ا ف معا 


TTY Y) 


TAA 


والمجمع عليه لدى الأئمة المجتهدين» أن المجتهد ينظر أولاً في 
كتاب الله ثم في سنة رسولهء وفي أقوال الصحابة» ثم ينقلب إلى 
الاستنباط والقياس إن لم يكن هناك إجماع» وسترى عند الكلام على الأئمة 
الأريعة من أصول مذاهبهم في الاجتهاد ما يؤكد لك ذلك . 

فما ادعاه المؤلف من أن أحكام الحلال والحرام» إذا كانت مؤسسة 
على الاجتهاد لم يكن لها قيمة ما أسس على الحديث» يفيد أن هنالك 
اجتهاداً غير مؤسس على الحديث مع وجوده في يد المجتهد» وهذا لم يقع 
لإمام من الأئمة المجتهدين قطء ومن قواعدهم المسلمة لهم جميعاًء أن 
الاجتهاد في مقابلة النص لا يجوز. 

أما الحكمة والموعظة الحسنةء فلا نعلم إماماً من الأئمة رفض الأخذ 
بها لمجرد آنها لم ترد في القران والسنة» ما دامت لا تصادم نصوص 
الشريعة» ولا روحهاء ولا غايتها السامية ولا آدابها المطلوبة» ومن المأثور 
عندهم أن الحكمة ضالة المؤمن'''» يلتقطها أنى وجدهاء وقد ذكر الله في 
وصف عباده المؤمنين أنهم يستمعون القول فيتبعون أحسنه» وقص علينا 
كرا فن تف الاه ركهم ووا وكا جل 
رسول الله ية تنبيهاً على أنه لا مانع من الأخذ عن الماضين بما لا يختلف 
عن مقاصد الشريعة» ومن هنا جاءت القاعدة الأصولية «شرع من قبلنا شرع 
لنا إذا قصه الله أو رسوله علينا من غير نكير). 


وقد أخرج البخاري في «صحيحه) عن عبد الله بن عمروء عن 
رسول الله : «بلغوا عني ولو آية› وحدثوا عن بني إسرائيل ولا جر 
قال الحافظ ابن حجر: «أي لا ضيق عليكم في الحديث عنهمء لأنه كان 
تقدم منه ية الزجر عن الأخذ عنهم والنظر في كتبهم» ثم حصل التوسع 
في ذلك» وكان النهي وقع قبل استقرار الأحكام الإسلامية والقواعد الدينية 
خشية الفتنة» ثم لما زال المحذور وقع الإذن في ذلك لما في سماع 


)١(‏ هذا نص حديث أخرجه الترمذي وابن ماجه بإسناد حسن. 


51 


الأخبار التي كانت في زمانهم من الاعتبار» ثم قال ابن حجر: وقال مالك: 
فاا . اھ ا وقد أكثر بعص الصحاية من الأخذ عن كعب الأحبارء» 
الصوفية والأخلاق بالحكم المنقولة عن الأمم الأخرى»ء فكيف يصح الزعم 
بعدما ذكرناه كله بأن المسلمين رفضوا الحكمة والموعظة الحسنةء إذا كانت 
من أصل غير إسلامي؟ 


وصفوة القول أن هذا السبب الذي استظهره المؤلف وتخيله لا أساس 
له من الواقع» ولا دليل يسنده» وكتبنا الإسلامية حافلة بما ينقضه» ولا 
أدري ما الذي دعاه إلى هذا التخيل إلا أن يكون مراده الزعم بأن التشدد 
في التمسك بالكتاب والسنة كان له من الضرر على الدين ما حمل الناس 
على الوضع والكذب. 
عدالة الصحابة: 

وقال في ص750: «وأكثر هؤلاء النقاد ‏ أي نقاد الحديث ‏ عدلوا 
الصحابة كلهم إجمالاً وتفصيلاء فلم يتعرضوا لأحد منهم بسوءء ولم ينسبوا 
لأحد منهم كذباًء وقليل منهم أجرى على الصحابة. ما أجرى على غيرهم. 
إلى أن قال في الصحيفة التالية: وعلى كل فالذي جرى عليه العمل من 
ا ا ف ای 
يرموا أحداً منهم بكذب» ولا وضع» وإنما جرحوا من بعدهم». 

مما اتفق عليه التابعون» ومن بعدهم من جماهير المسلمين من أهل 
السنة والجماعة» ونقاد الحديث قاطبة تعديل الصحابة وتنزيههم عن الكذب 
والوضع» وشذ عن ذلك من ذكرنا لك من الخوارج والمعتزلة والشيعة» هذا 
هو الواقع والمعروف في المسألة . 


۹۰ 


ولكن المؤلف - لغرض في نفسه سبق التنبيه إليه - يريد أن يشككنا 
في هذه الحقيقة» فزعم أولاً أن أكثر النقاد عدلوا الصحابة» مع أن النقاد 
ج عدڏلوهم» وزعم ا أن قليلا منهم من أجرى على الصحابة ما 
أجرى على غيرهم» واستشهد بعبارة للغزالي» مع أن الذين تكلموا في 
تاريخ الإسلام بالتعصب لبعض الصحابة على البعض الآخر. 

قال الحافظ الذهبي: «فأما الصحابة رضي الله عنهم فبساطهم مطوي 
وإن جری ما جرى... إذ على عدالتهم وقبول ما نقلوه العمل وبه 
ا ا 

قال الحافظ ابن كثير: «والصحابة كلهم عدول عند أهل السنة 
والجماعة» ثم قال: وقول المعتزلة: الصحابة عدول إلا من قاتل علياً قول 
باطل مردود) . 

ثم قال : «وأما طوائف الروافض وجهلهم. وقلة عقلهم› ودعاويهم أن 
الصحابة كفروا إلا سبعة عشر صحابياً - وسموهم ‏ فهو من الهذيان بلا 
و 

فأنت ترى أن الذين تكلموا في الصحابة إنما هم أصحاب الفرق 
وصفهم المؤلف بقوله: «جماعة من العلماء الصادقين» نهضوا لتنقية 
الحديث مما ألم بهء وتمييز جيده من رديئه»» وزعم المؤلف ثالثاً: أن هذا 
التعديل كان من أكثر نقاد الحديث وخاصة المتأخرين منهم» مع أنه لم يؤثر 
عن أحد من المتقدمين من أهل العلم من التابعين› فمن بعدهم أنه طعن 
في صحابي أو تر الحديث عنه »2 والغريب أن المؤلف استشيك بعبارة 


5 رسالته فى الرواة الثقات المتكلم فيهم بما لا يوجب رد‎ )١( 
في فيهم يبوجب ردهم ص‎ 
.۲۲۲ - (؟) اختصار علوم الحدیث ص۲۲۰‎ 


۲۹۱ 


الصحابة» وذلك هو قوله: «والذي عليه سلف الأمة» وجماهير الخلف» 
أفلا ترى هذا رداً واضحا على ما زعمه المؤلف من أن المتأخرين هم أكثر 
مين ١‏ النتقدمين ندید للصحابة؟ 
هل كان الصحابة يكذب بعضهم بعضا؟: 
ولم يكتف المؤلف هذا عل زا على ذلك زعا ار تأاكيدا” لها 
رمى إليه من التهوين بشأن الصحابة» وذلك أنه قال بعدما تقدم'': «ويظهر 
أن الصحابة أنفسهم في زمنهم كان يضع بعضهم بعضاً موضع النقدء 
وينزلون بعضاً منزلة أسمى من بعض» إلخ . يريد بذلك أن يعترض على 
موقف (أكثر) النقاد من عدالة الصحابة» ويبين ألا مجال لهذا التعديل على 
الإطلاق» فقد كان الصحابة يشك بعضهم في صدق بعض» ويضع بعضهم 
بعضاً موضع النقدء ودلل على ذلك بثلاثة أمور: 
١‏ - ما نقله من نقد ابن عباس» وعائشة لأبي هريرة. 
؟ - ما سبق أن ذكره من أن بعض الصحابة كان إذا روي له حديث طلب 
من المحدث دليلا على صدقه. 
ا ما ضفل بو عمسن قاط بقث كن 
وإليك ما يرد استدلاله بهذه الأدلة الثلاثة» ويجعل دعواه عرجاء لا 
أما أن الصحابة كان يشك بعضهم فى صدق بعض فهذه دعوى لا 
برهان لها إلا فى كتب الروافض من غلاة الشيعة الذين نقلوا عن علي 


فيهم. ولكن النقل الصحيح والتاريخ النزيه عن أهواء ذوي الغايات» يثبت 


ت 
٠.‏ 
٠‏ 


بعضاء أو ا بعضهم 6 صدق بعص والآدلة على هذا متوافرة لا 


.١ 160 ص‎ (010 


فقد كان الصحابي إذا سمع من صحابي آخر حديثاً صدق به ولم يخالجه 
الشك في صدقه» وأسنده إلى الرسول كما لو كان سمعه بنفسه. وقدمنا لك 
القول عن مرسل الصحابي» وذكرنا لك قول أنس: «لم يكن يكذب بعضنا 
بعضاً) وقول البراء: «ما كل الحديث سمعناه من رسول اللهيَكئة» كان يحدثنا 
أصحابه عنه» مما يدلك على ثقة الصحابة بعضهم ببعض» ثقة لا يشوبها 
شك ولا ريبة» لما يؤمنون به من تدينهم بالصدق وأنه عندهم رأس 
الفضائل» وبه قام الإسلام» وساد أولئك الصفوة المختارة من أهله الأولين. 


١‏ - وأما ما نقله من رد عائشة وابن عباس على أبي هريرة فنرجئ 
الحديث فيه إلى الكلام عن أبي هريرة رضي الله عنه. 

۲ - وأما طلب بعض الصحابة دليلا على صدق المحدث» فهو يشير 
بذلك إلى ما سبق أن ذكرناه في بحث موقف الصحابة من السنة من طلب 
أبي بكر من المغيرة من يشهد معه» وطلب عمر من أبي موسى من يشهد 
معهء وبيّنا هنا الحكمة التي رمى إليها كل من أبي بكر وعمر في هذين 
الموقفين» وأثبتنا أنهما قبلا أخبار بعض الصحابة دون أن يطلبا شاهدا 
آخرء وأن ذلك كان عادتهما التي درجا عليها في قبول الأخبارء ولم يشذا 
عنها إلا في مواقف خاصة رميا منها إلى تعليم المسلمين التثبت في 
الحديث» وكيف يكون عمر شاكاً في صدق أبي موسى وهو الذي يقول 
له: «إن كنت لأميناً على رسول الله كله ولكني أردت ألا يتجرأ الناس 
على اديه فاظن إلى ارا اه ا اجا عاتب من .على 
اة حن ای یی وال ١‏ و عا عا ارات 
يسول اله E‏ ا ل ان عر وف 
من أحد الصحابة موقفاً ا مألوفاً لديهم. 

۳ وأما موقف عمر من فاطمة بنت قيس فقد قال المؤلف عن 
ولك رالاق روئ أن فاط بدت "فيس روف أن :توصي للق :فت 


.١ ص16‎ 6 


AT 


الطلاق فلم يجعل رسول الله كه نفقة ولا سكنى» وقال لها: «اعتدي في 
بيت ابن أم مكتوم فإنه رجل أعمى)» فردها أمير المؤمنين عمر قائلا: لا 
نترك كتاب ربنا وسنة نبينا بقول امرأة لا ندري أصدقت أم كذبت» حفظت 
أم نسيت» وقالت لها عائشة: ألا تتقين الله. .. إلخ2. 

هذا الحديث مروي في أكثر كتب السنة» ومعروف عند الفقهاء. 
والبحث فيه من وجوه: 

أولاً: أن الصحابة كانوا يتفاوتون في الفهم والدقة في الاستنباط» كما 
كانت لبعضهم ظروف خاصة يعامله بها الرسول فيحكيها للناس على أنها 
ا ا ا ل ل ل ل ا لضف ل ان 
الريبة فى الصدق» ولا أثر فيه للتصديق أو التكذيب» فهذا يروي حديثا 
فيراه الآخر م اا رص ار و وا ت با دوا 
الآخر خاصاً بمن حكم له الرسول صلوات: الله عليه لظروف خاصة به. 
وهذا يذكر خبراً فيذكره الآخر على وجه آخر ويحكم عليه بأنه وهم فيه أو 
نسي » أو نقص منه أو ما أشبه ذلك» فكل ما ورد في الاثار عن الصحابة 
في رد بعضهم على بعضء واستدراك صحابي على آخرء مرده إلى ما 
ذكرناه» وليس معناه تكذيباً من فريق لفريق. 

نانياً إن قول عمر: ١لا‏ ندري أضدقع: أم كذيت» "لم برد في كاب 
من كتب الحديث قاطبة» وقد بحشت فى كل مصدر استطعت الوصول إليه 
ن مار الت ر ات دور ااب ا ل ار ول م 
بهذا اللفظء بل الذي فيها «حفظت أم نسيت» ولم يرد ذلك اللفظ إلا في 
بعض كتب الأصول» ک«مسلم الثبوت» معزوا إلى «(صحيح مسلم»» وليس 
فى مسلم إلا «حفظت أم نسيت» وقد نبه شارح «مسلم الثبوت» إلى هذا 
فقال: «والمحفوظ في «صحيح مسلم» حفظت أم نسيت»2.اه. 

وإن تعجب فعجبك من صاحب «فجر الإسلام» بعد أن نقل هذا 
الحديث بهذا اللفظ قال في الهامش: انظر شرح «النووي على مسلما 
وشرح «مسلم الثبوت». وبالرجوع إلى شرح النووي لم نجد فيه ذكراً 


4۹٤ 


لقوله: «صدقت أم كذبت» وبالرجوع إلى شرح «مسلم الثبوت» نجده فد 
نص على أن هذه الزيادة التي ذكرها صاحب «المسلم» ليست واردة في 
صحيح مسلم. على أن المؤلف يعلم أن «مسلم الثبوت» ليس من كتب 
السنة ولا يرجع إليه في معرفة حديث رسول الله» وقد تابع فيه غيره من 
الفقهاء والأصوليين بدون تثبت ورجوع إلى كتب الحديث» وقد كان من 
واجب المؤلف وهو يؤرخ تدوين الحديث أن يرجع في نصوصه إلى 
مصادره الأصلية» فلا ينقل نصا اا هذه المصادرء كما أن من واجبهء 
وهو عالم أن يتحلى بصفة العلماء وهئ الأمانة في النقل والتثبت فيه» فلا 
ينقل نصاً إلا بعد تثبته منه واطمئنانه إلى أنه وارد وصحيح» ولكنه لم يفعل 
ذلك» فلا هو رجع إلى كتب الحديث ولا هو كان أمينا في الإحالة إلى 
كتب الحديث وكتب الأصول» بل أحال النص «المكذوب» إلى شرح 
النووي وشرح «مسلم الثبوت». ولا ندري هل كان يظن أن قراءه يكتفون 
منه بادعاء وجوده في هذين المصدرين فيطمئئون؟ أم يرتابون في ذلك 
ويبحثون؟ 

ثالثاً: على فرض صحة هذه العبارة - وهو ما لم يثبت حتى الآن - 
فكان ينبغي له حمل كلمة «كذبت» على الخطأء وحمل كلمة «صدقت» على 
الصواب» وقد قال ابن حجر: إن أهل المدينة يطلقون «الكذب» على 
الخطأ . اه . 

رابعاً: إنما رد عمر خبر فاطمة» لأنه وجده متعارضاً مع ما صح عنده 
من الكتاب والسنة» ومن المعلوم أن الخبرين إذا تعارضا يصار إلى الأقوى 
مهما ومدلرل الكفاب أقوئ مخ مذلول السنة بيقين »فلا جرم .أن كان 
متعيناً على عمر ترك خبرها والأخذ بما قام عنده من الأدلة» واعتذر عنها 
بأنها لعلها نسيت فأخبرت بما أخبرت» وليس في هذا تشكيك ولا طعن. 

خامساً: إن قول عائشة: «ألا تتقين الله» إنما كان بناء على ما علمته 
من أن الرسول لم يحكم لها بالنفقة والسكنى لعارض لها خاصةء لا أنه 
حكم عام في كل مطلقة مبتوتة» فلما رأتها تحدث الناس بما حكم لها 


40 


الرسول على أنه حكم عام نبهتها إلى هذه الحقيقة» وأفهمتها أن الحكم 
خاص بها. وقد ثبت في مسلم أن فاطمة قالت: يا رسول الله» زوجي 
'طلقني ثلاثاً وأخاف أن يقتحم علي فأمرها فتحولت» وأكد هذا ما جاء في 
بعض روايات البخاري أن عائشة قالت: «أما إنه ليس لها خير فى ذكر هذا 
الحتييف: :إن قاعتدا كانس تن لكان وحن الخدت على العتها ذا بخن :لها 
النبي صلى الله عليه وسل“ . : 

والذي اتضح لنا بعد أن رددنا شبه المؤلف واحدة بعد أخرى» أنه لم 
يقع من الصحابة شك ولا نقد قائم على التكذيب من فريق نحو فريق. 
وكل ما أثر عنهم ‏ مما ذكره المؤلف وما لم يذكره ‏ لا يخرج عن كونه 
نقاشاً علمياً في فهم الحديث؛ أو يكون تعليماً للجيل الناشئ لينشأ على ما 
كان عليه الصحابة من التحري والتثبت» وكل ذلك يدل على حرصهم على 
الحق» وإخلاصهم للعلمء واهتمامهم بحديث رسول الله كلل وتأديته إلى 
الأمة من بعدهم خالياً من اللبس والوهمء فرضي الله عن هذا الجيل الممتاز 
في تاريخ الإنسانية وجزاهم عنا أكمل الجزاء. 
اختلاف العلماء في التعديل والتجريح: 

قال المؤلف في ص755: «وكان للاختلاف المذهبي أثر في التعديل 
والتجريح» فأهل السنة يجرحون كثيراً من الشيعة حتى إِنَّهم نصوا على أنه 
لا يصح أن يروى عن علىيٌّ ما رواه عنه أصحابه وشيعته» إنما يصح أن 
يروى ما رواه عنه أصحاب عبد الله بن مسعودء. وكذلك كان موقف الشيعة 
من أهل السنةء فكثير منهم لا يثق إلا بما رواه الشيعة عن آهل البيت»› 
وهكذا. ونشأ عن هذا أن من يُعَذُلُهُ قوم قد يجرحه آخرونء قال الذهبي: 
الم يجتمع اثنان من علماء هذا الشأن على توثيق ضعيف ولا على تضعيف 
ثقة» ومع ما في قوله هذا من المبالغة فهو يدلنا على مقدار اختلاف الأنظار 
في التجريح والتعديل» ولنضرب لك مثلا محمد بن إسحاق - أكبر مؤرخ 


. سيأني معنا تأويل آخر عند حديثنا عن أمثلة للإلحاق عن طريق القياس‎ )١( 


505 


فى حوادث الإسلام الأولى ‏ قال فيه قتادة: لا يزال في الناس علم ما 
عاش محمد بن إسحاق» وقال النسائى: ليس بالقوي» وقال سفيان: ما 
محفت ادا يتهم محمد بن إسحاق» قال الدارقطني : لا يحتج و 
وقال::مالك :- أشهيك أنه كذاسية ... 


والكلام هنا في مود صعين . 
الأول: في قواعد الجرح والتعديل . 


والثاني : في عبارة الذهبي› والاراء في محمد بن إسحاق . 


أما الموضع الأول» فقد أجمل المؤلف الكلام هنا عن قواعد الجرح 
والتعديل كما أجمل الكلام عن أثر الاختلاف المذهبي وأوهم ظاهر قوله: 
«ونشأ عن هذا أن من يعدله... إلخ». أن منشأ الاختلاف في التجريح 
والتعديل هو الاختلاف المذهبي» وتفصيل الكلام أن الاختلاف في التجريح 
والتعديل» إما أن يكون فيما بين أهل السنة بعضهم مع بعض› أو بين أهل 
السنة وبين من خالفهم من الفرق الأخرى. 


أما الاختلاف فيما بين أهل السنة» فمنشؤه تباين الأنظار فى صدق 
الراوي وكذبه» وعدالته وفسقه » وحفظه ونسيانه . 


وأما الاختلاف بين أهل السنة وغيرهم فليس ناشئاً عن تباين المذاهب 
بل إن أهل السنة كما قدمناه - في بحث الجرح والتعديل - لا يجرحون 
مخالفهم إلا إذا كانت بدعته تؤدي إلى كفرء أو وقوع في صحابة 
رسول الله» أو كان داعية إلى بدعتهء أو لم يكن داعية ولكن حديثه موافق 
لما يدعو إليه» ويرون في ذلك كله ما يشكك في صدقه وأمانته» فالخلاف 
في التجريح بين أهل السنة وغيرهم راجع في الحقيقة إلى الشك بصدق 
الراوي أو الثقة به لا إلى مجرد الخلاف المذهبي» ولهذا أخرجت كتب 
السنة وفي مقدمتها الصحيحان لجماعة من المبتدعة الذين دل تاريخهم على 
أنهم لا يكذبون» كعمران بن حطان الخارجي» وأبان بن تغلب الشيعي› 


4۹۷ 


قال الحافظ الذهبي رحمه الله في ترجمة أبان بن تغلب الكوفي «شيعي 
جلد» لكنه صدوق» فلنا صدقه. وعليه بدعته . 


أما إن أهل السنة لا يقبلون رواية أصحاب علىيّ عنه فذلك لأنهم 
أفسدوا علمه ودسوا عليه اراء لم يذهب إليها وقولوه ما لم يقله» وقد روي 
عن ابن إسحاق أنه قال: «لما أحدثوا تلك الأشياء بعد على قال رجل من 
TE ETO‏ 
أصحابه تركوا روايتهم احتياطا وتشتا». وبهذا تعلم ما في عبارة المصنف من 
إجمال وغموض فضلا عما فيها من إيهام أن الاختلاف في التجريح 
والتعديل منشؤه الاختلاف المذهبي فحسب . 


يجرحه آخرون» واستشهد بعبارة الذهبى وساق دلبلا على ذلك خلافهم في 
محمد بن إسحاق وهاهنا أخطاء متلاحقة : 


أولاً: إن تمثيله لأثر الاختلاف المذهبي بالاختلاف في أمر ابن 
إسحاق غير صحيح. فإن الاختلاف في أمره ليس ناشئاً عن اختلاف 
مدهي ١‏ فان خمد بن شحاف عن أهل 'السنة» .والذيق :اختلفوا' فيه تجميعا 
من أهل السنة» فلا يصح التمثيل في هذا المقام. 


ثانياً: إنه فهم عبارة الذهبي على غير ما تؤدي إليه» وعلى غير ما 
أرادها الذهبي نفسهء فقد فهمها المؤلف على أنها دليل على شدة اختلاف 
الأنظار» وأن معناها لم يتفق اثنان على توثيق رجل ولا على تضعيفه» بل 
من يوثقه هذا يجرحه ذاك» والعكس بالعكس» ولكن المتأمل في عبارة 
الذهبي أدنى تأمل» يفهم منها خلاف ما فهمه المؤلف تماماء فالذهبي يريد 
أن يقول: إن علماء هذا الشأن متثبتون في نقد الرجال» فلم يقع منهم أن 
اختلفوا في توثيق رجل اشتهر بالضعف» ولا في تضعيف رجل عرف 
بالتثبت والصدق» وإنما يختلفون فيمن لم يكن مشهوراً بالضعف أو التثبت. 
وحاصله أنهم لا يذكرون الرجل إلا بما فيه حقيقة. ألا ترى إلى قوله: 


4۹۸ 


توثيق (ضعيف) وتضعيف (ثقة) ولو كان مراده كما فهم المؤلف لقال: لم 
يجتمع اثنان على توثيق راو ولا ان ا 

الثاً: إن الخلاف في محمد بن إسحاق ليس فيه تأييد لعبارة الذهبي 
بل هو وارد عليها مورد الاعتراض» وأصل المسألة» أن صاحب ا 
الثبوت» بعد أن ذكر عبارة الذهبي اعترض عليه الشارح بأن هذا التعميم غير 
صحيح» والاستقراء ليس تامأ فقد اختلفوا مثلا في محمد بن إسحاق وذكر 
أقوال العلماء فيه بين تعديل وتجريح ثم قال: «فانظر فإن كان هو ثقة فقد 
اجتمع أكثر من اثنين على تضعيفه. وإن كان ضعيفاً فقد اجتمع أكثر من 
اثنين على توثيقه» ولكن المؤلف لم يعجبه فهم الشارح ولا فهم صاحب 
«المسلم» ولا مراد الذهبي نفسه» بل ساق ما قيل في ابن إسحاق تأكيداً لما 
حاول فهمه من عبارة الذهبي» فانظر هل هو في الحقيقة لم يفهم عبارة 
الذهبي» ولم يفهم عبارة الشارح» ولم يفهم أن ما قيل في ابن إسحاق 
اعتراض على ما يستفاد من عموم عبارة الذهبي» أو هو فهم ذلك كله 
ولكنه تجاهله وحمل عبارة الذهبي عكس ما تحتمله ليصل من ذلك كله إلى 
تهوين أمر علماء الجرح والتعديل» وإفهام القارئ أنهم مضطربون 
متناقضون» وأنهم في أحكامهم على الرواة يصدرون عن تباينهم في النزعات 
والمذاهب» وأن أي راو وثقه أحد آئمة الحديث» هنالك من يضعفه غالباء 
فلسنا ملزمين بأن نقبل حديئاً اعتبر البخاري - مثلاً ‏ حال رواته ووثقهم؟ 
انظر في هذا وتأمله . 


)١(‏ وهناك تفسير آخر لمراد الذهبي من تلك العبارة وهو أنه لم يقع الاتفاق على توثيق 
راو حقه التضعيف بل الذي يقع هو أن يوثقه بعضهم ويضعفه بعضهم كما لا يتفقون 
على تضعيف راو شأنه التوثيق» بل ربما يضعفه بعضهم ويوثقه آخرون. وقوله: «لم 
يجتمع اثنان» أي: لم يحصل اجتماع من علماء الجرح والتعديل ولا يريد من لفظ 
(اثنان) التقييد بل مراده مطلق الاجتماع والاتفاق كما يقولون: «هذا أمر لا يختلف فيه 
اثنان» أي: لا يحدث فيه اختلاف لا من اثنين ولا من أكثر. فالمراد هنا نفي مطلق 
الاختلاف» والمراد في عبارة الذهبي نفي مطلق الاجتماع على توثيق ضعيف أو 


تضعيف ثقة. 


1 


قواعد النقد في السند والمتن: 

وقال في ص٠٠۲‏ أيضاً: «وقد وضع العلماء للجرح والتعديل قواعد 
ليس هنا محل ذكرها. ولكنهم ‏ والحق يقال عنوا بنقد الإسناد أكثر مما 
عنوا بنقد المتن» فقلَّ أن نظفر منهم بنقد من ناحية أن ما نسب إلى 
النبي كلل لا يتفق والظروف التي قيلت فيه» أو أن الحوادث التاريخية الثابتة 
تناقضه» أو أن عبارة الحديث نوع من التعبير الفلسفي يخالف المألوف في 
تعبير النبي» أو أن الحديث أشبه في شروطه وقيوده بمتون الفقه وهكذاء 
ولم نظفر منهم في هذا الباب بعشر معشار ما عنوا به من جرح الرجال 
وتعديلهم حتى نرى البخاري نفسه ‏ على جليل قدره ودفيق بحثه ‏ يثبت 
أحاديث دلت الحوادث الزمنية والمشاهدة التجريبية على أنها غير صحيحة. 
لاقتصاره على نقد الرجالء كحديث: «لا يبقى على ظهر الأرض بعد مائة 
سنة نفس منفوسة» وحديث: «من اصطبح كل يوم سبع تمرات» لم يضره 
سم ولا سحر ذلك اليوم إلى الليل» . 


٠ هوه‎ 


الأول: نقد القواعد التى وضعها العلماء لنقد الحديث . 

والثانى : نمك حديئين وردا فون صحيح البخاري» E‏ مع القواعد 
الجديدة التى وضعها للنقد. ظ 
أولا: قواعد العلماء فى نقد الحديث: 

نبحث هذا الأمر لنرى هل قصر العلماء في نقد المتن؟ وهل كان 
هناك مجال للتوسع في النقد أكثر مما فعلوه؟ 

إذا أخبرك رجل عن آخر ختيرا» كان أول :ها يسبق. إلى. خاطرك». أن 
تستوثق من صدق المخبرء بالنظر في حاله وأمانته ومعاملته وغير ذلك» فإذا 
استوثقت منه نظرت بعد ذلك فى الخبر نفسه» وعرضته على ما تعرف عن 
صاحبه من أقوال وأتحوال» فإذا اتمق مع ما تعلمه من ذلك لم تناف 
بصدق المخبر والاطمئنان إليه» وإلا كان لك أن تتوقف في قبول الخبر 


و9 


لريبة في المخبر ‏ فآنت واثق من صدقه ‏ بل لشبهة رأيتها في الخبر نفسه. 
ويصح أن يكون مرجعها وهماً أو نسياناً من المخبرء كما يصح أن ترجع 
ويوضح لك ما غاب عنك» فإذا أنت لم تقتصر على التوقف فى الخبر فى 
هذه الحالة» بل حكمت بكذبهء كان ذلك افتئاتاً منك على من أخبرك 
وا ا ي لخر وات له كن ونه وا 
ذلك مثل لموقف العلماء مما وجدوه بين أيديهم من حديث 
رسول الله عش فقد كان نقدهم لاه على خطوتين : الأولى تقك الستك 
أما السند فقد قدمنا لك ما اشترطوا فى الراوي من العدالة والضبط 
والحفظ والسماع في كل راو في السلسلة إلى أن يصل إلى الصحابىء 
وا الما اون مها عر ال نن ا طن ان ترا 
علماءنا بالتفريط فى نقد حال الرواة» ووضع الشروط الدقيقة لقبول 
أخبارهم. فهم مجمعون معنا على أن علماءنا رحمهم الله بلغوا فى ذلك 
الشوط الذي چ بعذه غاية. ولا وراءه مطمع لناقد أو متشت . 
أما المتن فقد تقدم لك ما يرشدك إلى القواعد التي وضعوها لنقده 
وأهمها: 
١‏ ألا يكون ركيك اللفظء بحيث لا يقوله بليغ أو فصيح . 
د "الأ يكون مقا لهات العقرل» بحت ل بك تارك 
۳ - ألا يخالف القواعد العامة في الْحِكم والأخلاق. 
چ ألا يكون ج و 
5 - ألا يكون داعية إلى رذيلة تتبرأ منها الشرائع . 
۷- ألا يخالف المعقول فى أصول العقيدة من صفات الله ورسله. 


۲۰۱ 


۸ے الا يكوق:.محالفا له اله ف الكون«والانسيان: 
٩‏ ألا يشتمل على سخافات يصان عنها العقلاء. 
ألا يخالف القرآن أو محكم الست أو المجمع عليه أو المعلوم من 
الدين بالضرورة»› مث لا بخ الاو 
انو ألا كوت مكاننا الحقاق لار اعرف ف غص الى قله 
۲ _ أن لا يوافق مذهب الراوي الداعية إلى مذهبه. 
۳ - ألا يخبر عن أمر وقع بمشهد عظيم ثم ينفرد راو واحد بروایته. 
٤‏ ۔ آلا یکون ناشتاً عن باعث نفسئّ» حمل الراوي على روايته. 
ا ا كمل على اا ت ارت ال على الل الع 
على هذه الأسس الرصينة المحكمة جردوا أنفسهم لنقد الآحاديث› 
المنصف أن يكابر في قوتها وعمقها وكفايتهاء ولم يكتف علماؤنا بهذاء 
بل نقدوا المتن بعد سلامته من العلل السابقة به كلها نقدوه من ناحية 
اضطرابه أو شذدوذه أو إعلاله» كينا" كرا :فيها: مك أن يمع فيه من قلب؛ 
أى اطا إدراج”' ١‏ ولكل ذلك أمثلة وا او 
رحمهم الله . 
ومع ذلك التدقيق الشديد والاعتناء البالغ» فقد قالوا باحتمال ألا تكون 


)١(‏ الاضطراب بالحديث هو أن يجيء على أوجه مختلفة في المتن أو السند من راو أو 
أكثر وتكون الروايات متساوية بحيث يمتنع الترجيح» وهو موجب لضعف الحديث. 
والشذوذ هو رواية الثقة حديئاً يخالف ما زوئ الأوثق. .منه أو. الأكثر . 
© وإعلال الحديث: الاطلاع على علة تقدح في صحته مع أن الظاهر سلامته منهاء 
وذلك بجمع طرقه والنظر في اختلاف رواته. 
© وقلب الحديث: تبديل لفظ في متنه بآخر أو إبدال راو براو آخر. 
فاو الا دواع قن E‏ لسع »دفن "سنك أن الوق 


۳۲ 


هذه الأحاديث صحيحة في نفس الأمر إذا كانت أحاديث أحاد ‏ وإن كان 
هذا الاحتمال في منتهى الضعف والبعد ‏ وقالوا باحتمال وهم الراوي 
ونسيانه - وإن كنا لم نطلع عليه ولهذه الاحتمالات قال الجمهور: إن 
أحاديث الأحاد تفيد الظن مع وجوب العمل بهاء وهذا لعمري غاية 
الاحتياط في دين الله عز وجل» وغاية الاحتياط في إثبات الحقائق العلمية. 


كل هذا الاحتياط»ء وهذه الشدة في النقد لم تعجب مؤلف «فجر 
الإسلام» لأنها لم تعجب أساتيذه المستشرقين فانتقدها بما ذكرناه في صدد 
هذا البحث» وزعم أنه كان عليهم أذ بحققوا خن القد في الال الا 
١‏ - وهل الحوادث التاريخية تؤيده؟ 
٣۳‏ - وهل هذا الحديث نوع من التعبير الفلسفي يخالف المألوف في تعبير 
النبى؟ 
٤‏ - هل الحديث أشبه فى شروطه وقيوده بمتن الفقه؟ 
وزاد في (ضحى الإسلام: 2١121١ - ٠١١/۲‏ النواحي الآتية : 
ه - هل ينطبق الحديث على الواقع أم لا؟ 
ا هل هنالك باعث سياسي للوضع؟ 
۷ هل يتمشى الحديث مع البيئة التي حكي فيها آم لا؟ 
هذه هى القواعد الجديدة التى وضعها مؤلف «فجر الإسلام» و(اضحأه) 
لنقد المتن» وزعم أنها فاتت علماءناء ولو تنبهوا لها لانكشف لهم حال أحاديث 
كثيرة حكموا بصحتها, وهي في الواقع - على زعمه ‏ موضوعة . 
و ل في افجر الإسلام) بحديثين في البخاري› ومنل في 
«ضحى الإسلام» بحديث رواه الترمذي عن أبي هريرة «الكمأة من المن 


۳ 


وماؤها شفاء للعين» والعجوة من الجنةء وهي شفاء من السماء وقال: 
إنهم لم يتجهوا في نقد الحديث إلى امتحان الكمأة رغم زعم أبي هريرةء 
أنه جربها فأدت إلى الشفاء . 


النفسي› مثل نقد ابن عمر ا هريره في زيادة «(أو كلب ر في 
الحديث بأن ا هريره ا 


تعال بناء ننظر فيما زعمه من مقاييس جديدة» ولننظر في أمثلتها التي 
اختارها لنرى إلى أي مدى كان المؤلف موفقاً؟ 


١‏ أما أنهم لم يحققوا فيما نسب إلى النبي» هل يتفق والظروف 
التي قيلت فيه أم لا؟. فقد رأيت عدم صحة هذا الزعمء بل إنهم جعلوا 
للقن ا ل ومئّلنا ذلك فيما مضى بحديث الحَمَّام ی 
رده العلماء بأن النبي لم يدخل حماما قط» وأن الحجاز في عصر النبي لم 
تكن تعرف الحمامات. 


١‏ وا الجوادث: التاريحية دة ار ده فك رات أنهم عدوا 
ذلك من علائم الوضع أيضاء ومثلوا له في ردهم لحديث وضع الجزية 
على آهل سكير فق رذ العلماء ان الحواذت: القارريفية ده ورات كتفت 
استعملوا التاريخ لكشف كذب الرواة في لقياهم الشيوخ . 

اك وأما كون الجحديك نوها من التغيير الفلسى يخالفه. المالوف م 
كلام النبي» فإن ذلك داخل تحت بحث «ركة ال ا أن تقطع بأن 
النبي لا يقول مثل هذا الكلام» ونقلنا لك قول ابن دقيق العيد: «كثيراً :ما 
يحكمون بذلك ‏ أي الوضع - باعتبار أمور ترجع إلى المروي» يعرفون بها 
ما يجوز أن يكون من ألفاظ النبى» وما لا يجوز» وحيث كانوا كذلك فمن 
عل عا آذ وروا عدي داسجا الى يكن ار ی کے ا رق ت 
ونحن نتحدى المؤلف أن ينقل لنا حديثاً واحداً صححه أئمتناء وكان من 
هذا النوع . 


٤‏ . وأما أن الحديث أشبه. بشروطه وقيوده بمتن الفقه. فك رایت كفن 
اشترطوا ألا يكون المروي موافقاً لمذهب الراوي المتعصب» وقد ردوا أحاديث 
كثيرة فى العقائد» لأنها تؤيد مذاهب الرواة» وكذلك ردوا أحاديث في الفقه 
كقيرة س ا مثل : اال الا كان لعفي تلان فويض ا 
ومثل : «إذا كان في الثوب قدر الدرهم من الدم غسل الثوب وأعيدت الصلاة» 
وأمثال هذه الأحاديث التي حكم عليها العلماء بالوضع كثيرة. انظر «نصب 
الراية»» و«موضوعات ابن الجوزي» و«اللآلئ المصنوعة» للسيوطي . 


كه وأما أن الحديث هل ينطبق على الواقع أم لا؟ فقد ذكروا ذلك. 
كما رأيت» ومن أجله ردوا أحاديث كثيرة. منها: «لا يولد بعد المائة 
مولود لله فيه حاجة»» لأنه يخالف الواقع المشاهدء فإن أكثر الأئمة 
وأشهرهم ذكراً ممن ولدوا بعد القرن الأول الهجري» ومنها: «الباذنجان 
شفاء من كل داء» ومنها: «عليكم بالعدس» فإنه مبارك يرقق القلب ويكثر 
الدمعة» قالوا: هذان حديثان باطلان لمخالفتهما للواقع المعروف في علم 
الطب» وتجربة الناس. 


ا أنه هل هناك باعث سياسى للوضع؟ فقد رأيت أنهم نصوا 
على رفض رواية ذوي المذاهب والأهواء المتعصبين» وبذلك رفضوا 
أحاديث غلاة الشيعة 0 على ؛ وغلاة الیک ية ف ا بكري وغلاة العثمانية 


م ره ي ي 





فى عثمان» والمتعصبين للأمويين في بني أمية» والمتعصبين للعباسيين في 
لای زف رات آم ا إلى أن الات الا ی اف 
عوامل الوضع› فتتبعوا الأحاديث في ذلك ونقدوها نقدأ شديداء وكان ما 
قبلوه منها ‏ بعد النقد والتمحيص - أقل بكثير مما رفضوه. 

- وأما أنه هل يتمشى الحديث مع البيئة التي قيل فيها أم لاب 

فقد نصوا على ذلك وردوا من أجله أحاديث متعددة . 


مدها: «رمدت وكوت ال جبريل »› فقال لي : أدم الط ا 
المصحف) . 


قالوا: لأنه لم يكن على عهد النبى مصحف حتى ينظر فيه . 


6 وأما أنه هل هنالك باعث نفسي يحمل على الوضع أم لا؟ فقد 
رأيت أنهم لم يُعْفِلوا ذلك» بل قالوا: قد يستفاد الوضع من حال الراوي» 
ومثلوا لذلك بحديث: «الهريسة تشد الظهر» فإن راويه كان ممن يصنع 
الهريسة» وحديث: «معلمو صبيانكم شراركم... إلخ»). فإن راويه سعد بن 
طريف» قاله حين جاء إليه ابنه يبكي وأخبره أن معلمه ضربه. 


فها أنت ترى أن كل ما زعم المؤلف استدراكه على علماء الحديث 
من قواعد في نقد المتن لم يغفلها علماؤناء بل نصوا عليها وذهبوا إلى 
أبعد منها في وضع القواعد وبها ردوا كثيرا من الأحاديث» ولو رجع 
المؤلف إلى کب الموضوعات ودرس ما كته علماء المصطلح. وراجع 
على مثل ما ذكره حتى لقد بلغت القواعد التي وضعوها للتعرف على وضع 
ال أك م هي وة قاعدة كما رأيت. 
على وجه التأكيد فقد شرط من شروط الصحة. ووجود علامة من علامات 
السئة» آلافاً بل عشرات الألوف من الأحاديث المكذوبة» ثم نقدوا المتن 
في الحدود التي ذكرناها على نطاق ضيق» إذ كانوا متثبتين لا يلقون الكلام 
مما وقع فيه المؤلف من أخطاء شنيعة حين أراد أن يستعمل تلك المقاييس 
بدون تثبت وحيطة» وحسن توجيه» فحكم بوضع أحاديث صحيحة لا غبار 
عليها كما سترى . 


وعذر العلماء رحمهم الله واضح فيما فعلوه. ذلك أنهم إنما يبحثون 
في أحاديث تنسب إلى النبي يلوه وللنبي ظروف خاصة به» تجعل مقياس 


۳۰٦ 


النقد في حديثه أدق وأصعب من مقياس النقد في أحاديث الناس» لأنه 
رسول يتلقى الوحي من الله» أوتي جوامع الكلم» وأعطي سلطة التشريع› 
وأحاط من أسرار الغيب بما لم يحط به إنسان عادي» فلا مانع يمنع عقلا 
من أن يقول حديثاً يعلو عن أفهام الناس في عصره» فيكون أشبه بالتعريف 
الفلسفي لعصور تبلغ فيه الفلسفة مداهاء ولا مانع عقلاً من أن يضع للناس 
أحكام المعاملات بألفاظ موجزة هي أشبه ما تكون بألفاظ القوائين» فإذا قال 
لنا: «المتبايعان بالخيار ما لم يفترقا» وإذا قال: «لا تنكح الخراة غل عا 
ولا خالتها» وإذا قال: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب». كان ذلك 
في حدود السلطة التي أعطيت له في جو البلاغة التي عرف بها فلا يصح 
أن يستبعد منه مثل تلك الأقوال القانونية بحجة أنها أشبه ما تكون بمتون 
الفقه» إذ ماذا كان ينبغي أن يقول لو لم يستعمل هذه الألفاظ العربية 
الفصيحة لمدلولاتها الصريحة» وإذا جاء الفقهاء بعد ذلك فأخذوها بألفاظها 
ووضعوها في متونهم. أنقتال + :إن هده الأحاديية: انيه ما كرون برل 
الفقه» ومثل ذلك ما أخبر به من خواص بعض النباتات أو الثمار» فقد 
يكون ذلك من إعجاز النبوة لتعطي الناس في كل عصر دليلا على صدقهاء 
فإذا لم يكتشف الناس في عصر سرٌ ما أخبر به الرسول» لا يكون ذلك 
دليلا على كذب الحديث ووضعه.ء ومن هنا ضيق علماؤنا دائرة نقد المتن 
بمقدار ما وسعوا في دائرة نقد السنده لأن الذين ينقد حالهم في السند 
رجال يجري عليهم من القوانين ما يجري على الناس جميعاء أما المتن فإنه 
كلام ينسب إلى من هو فوق البشرية في علومه ومعارفه واستعداده. 


فقد يخرج كلامه مخرج المجاز لا الحقيقة ‏ كما فعل القرآن كثيراً ‏ 
فيتوهم من ينظر فيه لأول مرة أنه غير صحيحء بينما المراد منه غير حقيقته 
اللغوية التي تتبادر إلى الذهن . 

وقد يحرج كلامه محرج الإخبار عن المغيبات التي تع في مستقبل 


الزمان» ولم يكن وقت النقد ‏ قد حان زمان تحققهال» فلا يصح التسرع 
فى الإنكار. 


وقد يخرج كلامه مخرج الإخبار عن حقائق علمية لم تكتشف في 
عصر الرسالة ولا في عصور الناقدين» وإنما تكتشف فيما بعد كحديث 
ولوغ الكلب في الإناءء فقد أثبت العلم الحديث صحة ما جاء فيه» في 
حين عدها علماؤنا من قبلء من الأمور التعبدية التي يحيط الناس بمعناها 
وحكمتهاء وتسرع بعض الباحثين حديثا فأنكر صحة هذا الحديث» كل هذا 
يجعل علماءنا رحمهم الله على حق في تثبتهم وتأنيهم في رد الأحاديث إذا 
بدت عليها بادرة شبهة» أو تردد العقل في فهمهاء ولم يجزم باستحالتها بعد 
تأكدهم بو ص الست وشلافة وحالة» من أن يكرت فهر كدت أو 
ضعيف أو متهم . 

أما المستشرقون فلم يقفوا من رسول الله هذا الموقف بل نقدوا 
أحاديثه على وفق ما يعرفون من أصول النقد العام لأخبار الناس العاديين» 
ذلك لأنهم ينظرون إلى الرسول كرجل عادي لم يتصل بوحي» ولم 
بطلعه الله على مغيبات» ولم يميزه عن بني الإنسان بأنواع من المعارف 
والكرامات» فإذا روي عنه حديث ينبىئ عن معجزة علمية لم تكن معروفة 
في عصرهء قالوا: إن هذا موضوع لأنه لا يتفق مع علوم الناس ومعارفهم 
في عصره» وإذا روي لهم حديث عليه صبغة القانون قالوا: إن هذا موضوع 
لأنه يمثل الفقه الإسلامي بعد نضوجه» ولا يمثله في سذاجته وبساطته في 
عصر النبي والصحابة» وإذا رويت لهم بشارة من الرسول أو إخبار عن أمر 
يقع للمسلمين في المستقبل» قالوا: إن ظروف النبي لم تكن تسمح له أن 
نشول هذا القول: 

وهكذا وقفوا من رسولنا عليه الصلاة والسلام موقف المنكر لرسالته. 
المتشكك في صدق ما بلغ به عن الله المماري في سمو روحه التي 
اتصلت بالملاً الأعلى. ففاض منها النور والحكمة والعلم والمعرفة» ولم 
يكتفوا بذلك بل حملوا على علمائنا لأنهم لم يقفوا منه هذا الوقف. 

وعلماؤنا معذورون إن لم يتجهوا مع المستشرقين في هذا الاتجاه 
الخاطيء» لأنهم فون E E‏ 0005 لا يسك الى 


۳۹۸ 


الناس أجمعين بشرع محكم» وسعادة شاملة للناس في دنياهم وآخرتهم . 

أما أتباع المستشرقين من المسلمين كمؤلف «فجر الإسلام» فمن 
المؤسف أنهم انساقوا في ذلك الاتجاه» ولم يفطنوا إلى خطأً تلك الطريقة 
وخطورتها والدس في الدعوة إليها. فأخذوا ينعون على علمائنا تقصيرهم 
في نقد المتن» غير مستمسكين من الحجج إلا بما أتى به المستشرقون. ‏ 

وها أنا لم أعثر في كل ما كتبه «أحمد أمين» في هذا الموضوع على 
رأي طريف لم يأخذه عن المستشرقين» ثم أخذ يضرب هو ومثاله على 
وتيرة تحكيم العقل» في نقد الأخاديثة ولا أدري أي عمل يريدون أن 
يحكموه ويعطوه من السلطة أكثر مما أعطاه علماؤنا في قواعدهم الدقيقة؟ 
ليس عندنا عقل واحد نقيس به الأمورء بل العقول متفاوتة» والمقاييس 
مختلفة» والمواهب متباينة» فما لا يعقله فلان ولا يفهمهء. قد يراه آخر 
عقر ل و 

وك يدعي ر اااي ,اا ا د ا ا 

كما أن ما يخفى على الناس في بعض العصور حكمته وسر تشريعه» 
قد يتجلى لهم في عصر آخر معقول الحكمة واضح المعنى حين تتقدم 
العلوم وتنكشف أسرار الحياة» ففتح الباب في نقد المتن بناء على حكم 
العقل الذي لا رت له ا والسير في ذلك بخطى واسعة على حسب 
رأي التاقك .هوا أى اقشاهة الناشئ في الغالب عن قلة اطلاعء أو قصر 
نظرء أو غفلة عن حقائق أخرى» إن فتح الباب على مصراعيه لمثل هؤلاء 
الناقدين» يؤدي إلى فوضى لا يعلم إلا الله منتهاهاء وإلى أن تكون السنة 
الصحيحة غير مستقرة البنيان ولا ثابتة الدعائم» ففلان ينفي هذا الحديث› 
وفلان يثبته» وفلان يتوقف فيه» كل ذلك لأن عقولهم كانت مختلفة في 
الحكم والرأي والثقافة والعمق» فكيف يجوز هذا؟. ثم الس لا کی غ 
فيما وقع فيه مؤلف «فجر الإسلام» من أخطاء بشعة حين أراد أن يسير في 
هذا الاتجاه» فكذب ما لا مجال لتكذيبه» وحكم بوضع ما قامت الأدلة 
وال افد قل صحف ! .الك البيات:: 


ثانيا: نقد أحاديث فى صحيح البخاري: 
الحديث الأول: 
«لا يبقى على ظهر الأرض بعد مائة سنة نفس منفوسة). 


هذا حديث أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما من أئمة الحديث» وفهم 
منه المؤلف أن مراد الرسول وء الإخبار بانتهاء الدنيا بعد مائة سنة ومن 
هنا حكم عليه بالوضع › لمخالفته للحوادث التاريخية والحس والمشاهدة . 


ولكن هذا الحديث الذي ذكره» هو جزء من حديث كامل أخرجه 
البخاري في باب السمر في الفقه والخير بعد العشاء من كتاب الصلاة» وهو 
أن عبد الله بن عمر قال: صلى النبي بيا صلاة العشاء في آخر حياته» فلما 
سلم قام النبي يي فقال: «أرأيتكم ليلتكم هذه» فإن على رأس مائة سنةٍ لا 
يبقى ممن هو «اليوم» على ظهر الأرض أحد» فوهل الناس في مقالة 
رسول الله يله إلى ما يتحدثون في هذه الأحاديث عن مائة سنة» وإنما قال 
النبي: لا يبقى ممن هو «اليوم» على ظهر الأرض. يريد بذلك أنها تخرم 
ذلك القرن»ء فهذا نص الحديث واضح في أن الرسول أخبر صحابته في آخر 
حياته وجاء في رواية جابر ‏ قبل وفاته بشهر ‏ أن من كان منهم على ظهر 
الأرض حياً حين قال الرسول تلك المقالة لا يعمر أكثر من مائة سنة» ولم 
يفطن بعض الصحابة إلى تقييد الرسول بمن هو على ظهرها - اليوم - فظنوه 
على إطلاقه وأن الدنيا تنتهي بعد مائة سنة» فنبههم ابن عمر إلى القيد في 
لفظ الرسول وبيّن لهم المراد منه» وكذلك فعل علي بن أبي طالب في 
رواية الطبراني . 


وقد استقصى العلماء من كان آخر الصحابة موتا فوجدوه أبا الطفيل 
عامر بن واثلة» وقد مات سنة عشر ومائة وهي رأس مائة سنة من حديث 
الرسول يلاء فيكون الحديث معجزة من معجزات الرسول عليه الصلاة 
والسلام» حيث أخبر بأمر مغيب فوقع كما أخبره. ذلك هو ما يفيده نص 
الحديث من الوقائع المؤيدة له وإليك أقوال الشراح أيضا. 


1۰ 


قال الحافظ ابن حجر فى افتح لا «وقد بين ابن عمر فى 
هذا الحديث مراد النبى كَل وأن مراده أن عند انقضاء ماءة سنة من مقالته 
ينخرم ذلك القرن فلا يبقى أحد ممن كان موجوداً حال تلك المقالة» 
وكذلك وفع بالاستقراء . 

فكان آخر من ضبط أمره ممن كان وکوا ت آي الطفيل 
عامر بن واثلة» وقد أجمع أهل الحديث على أنه كان آخر الصحابة موتا. 

وغاية ما يقال فيه أنه بقى إلى سنة عشر ومائة» وهى رأس مائة سنة 
من مقالة النبي صلى الله عليه وسلم. 

وذكر امام مسلم هذا الحديث بطرق متعددة وفى إحدى طرقه عن 
جابر: «ما من نفس منفوسة «اليوم» تأتي عليها مائة سنة وهي حية يومئذ». 

قال النووي : هذه الأحاديث قد فسر بعضها بعضاًء وفيها عَلَمُ من 
أعلام النبوة» والمراد: أن كل نفس منفوسة كانت الليلة على الأرض» لا 
تعيش بعدها أكثر من مائة سنة سواء قل عمرها قبل ذلك أم لا. وليس فيه 
نفي عيش أحد يوجد بعد تلك الليلة فوق مائة سنة" . 

ونقل الكرماني عن ابن بطال قوله: «إنما أراد الرسول ييو أن هذه 
المدة تخترم الجيل الذي هم فيه» فوعظهم بقصر أعمارهم» وأعلمهم أن 
أعمارهم ليست كأعمار من تقدم من الأمم» ليجتهدوا في العبادة». 

أما وفاة أبي الطفيل فقد قال ابن الصلاح في «مقدمته»: آخرهم على 
الإطلاق موتا أبو الطفيل عامر بن واثلة مات سنة مائة من الهجرة . وفي 
(أسد الغابة»): توفى سنة مائة» وقيل: سنة عشر ومائة. وهو آخر من مات» 
ممن رأى النبي صلى الله عليه وسلم. 

قال ابن حجر في «الإصابة»: وأما الشرط الثاني وهو المعاصرة. 
00 ۲/۲ 
(0) 05"5/4. 


(9) مقدمة علوم الحديث صص١١1١.‏ 


51١ 


فيعتبر بمضي مائة سنة وعشر سنين من هجرة النبي ييه لقوله ييه في آخر 
عمره لأصحابه : «أرأيتكم ليلتكم هذه؟ فإن على رأس مائة سنة منها لا يبقى 
على وجه الأرض ممن هو اليوم عليها اچد روآه البخاري ومسلم من 
حديث ابن عمرء زاد مسلم من حديث جابر أن ذلك كان قبل موته 
بشهر.. ولهذه النكتة لم تصدق الأئمة أحدأً ادعى الصحبة بعد الغاية 
المذكورة» وقد ادعاها جماعة فكذبوا منهم رَنْن الهندي)”''.اه. 

فأنت ترى أن هذا الحديث الذي كان في الواقع معجزة من معجزات 
الرسول وه ينقلب فى منطق النقد الجديد الذي دعا إليه صاحب «فجر 
الإسلام» إلى ا وا رئ 

أما كيف وقف الأستاذ هذا الموقف. وكيفف حكم بكذب هذا 
الحديث فههنا محل العبرة» ذكر ابن قتيبة فى «تأويل مختلف الحديث» فيما 
ذكره من مطاعن النّظام وجماعته على أهل الحديث أنهم يروود أحاديث 
يكذبها الواقع» وذكر فيها هذا الحديث» ثم تعقبهم ابن قتيبة وأجاب عن 
هذا الحديث بخلاصة ما ذكرنا من قبل» ولكن مؤلف «فجر الإسلام» الذي 
يخرض.غلى. أن يأتينا نقد خدين. :وشت تتضير .غلهاتنا ف نفك السة 
والذي يطمئن إلى حك كبر إلى طعون النظام وغيره ين السنة دتما 
ولا ما كتبه الشراح حول هذا الحديث بل أغضى عن ذلك كله» وأغضى 
صحيح مسلم واقتصر على جزئه الذي ذكره البخاري في كتاب العلم. أما 
البخاري فعذره ما جرى عليه من تقطيع الحديث في أبواب متعددة . 

ومؤلف «(فجر الإسلام» لا عذر له 0 اقتصاره على نقل هذا الجزء 
لهذا الجزء من كتاب العلم قوله: «لا يبقى ممن هو على ظهر الأرض أي 


.6/١ الإصابة في معرفة الصحابة‎ )١( 


IT 


ممن كان موجوداً إذ ذاك وقد ثبت هذا التقييد من رواية شعيب عن الزهري 
كما سيأتي في الصلاة من بقية الكلام غل ثم نقل عبارة «ابن بطال» 
و«النووي». وقد نقلناها من قبل . 

وإن تعجب فعجبك من أن مؤلف «فجر الإسلام» ذكر في آخر فصله أهم 
مراجع بحثه» وفي مقدمتها فتح الباري على البخاري» والقسطلاني على 
البخاري» وشرح النووي على مسلم» وهؤلاء الشراح نبهوا على معنى الحديث. 
وبيّنوا تقسيم البخاري له في موضعين» وأشاروا عند الجزء المختصر إلى موضع 
الحديث الكامل» فإن كان الأستاذ اطلع على روايات الحديث وأقوال الشراح› 
فكيف حكم بعد ذلك بكذبه؟ وإن لم يطلع عليها فكيف عد تلك الشروح من 
مراجع بحثه» بل كيف استباح الخوض في هذا الموضوع على غير هدى؟ . 
الحديث الثاني: 

«من اصطبح كل يوم سبع تمرات من عجوة لم يضره سم ولا سحر 
ذلك اليوم إلى الليل» . 

هذا حديث أخرجه البخاري في «كتاب الطب» وأخرجه «مسلم) 
أيضأء وأخرجه «أحمد) عن سعد بن أبي وقاص» وللعلماء فيه مسالك: 

فمنهم من جعل هذا الحديث خاصاً بتمر المدينة عملا برواية مسلم: 
«من أكل سبع تمرات مما بين لابتيها» ويؤكده حديث عائشة في مسلم عن 
رسول الله ب : «إن هذه عجوة العالية شفاء» قالوا: ولا مانع أن يخص الله 
بلدا بميزة لا تكون في غيرها كما وجد الشفاء لبعض الأدواء في الأدوية 
الى تكون فى يعض :تلك البلاة دون ذلك الحسن ف عيوة» التائ يكون 
فى تلك الأرض أو ذلك الهواء ببركة النبى عل e‏ يده الكريمة» فقد 
كانت العجوة مما غرسه النبي ييه في ل 


.امكمك/١‎ )١( 
وقد جربت ذلك بنفسي حين ذهبت إلى الحج عام 7885١ه فاستمررت على التصبح‎ )۲( 
بسبع تمرات من تمر المدينة مدة خمسة أشهر كاملة» وأنا مصاب بمرض «السكرا ثم‎ 
- حللت البول والدم فلم يظهر أي أثر للسكر في البول ولم يزد السكر في الدم عما‎ 


1۳ 


ومنهم من قال: إن هذا عام في كل عجوة» لأن السموم إنما تقتل 
لإفراط برودتها» فادا داوم على التصبح بالعجوة تحكمت فيه الحرارة» 
وأعانتها الحرارة الغريزية, فقاوم ذلك برودة السم ما لم يستحكم . 

والذي ارتضاه الأكثرون تخصيصه بعجوة المدينة: قال «ابن القيم» في 
«زاد المعاد»: والتمر غذاء فاضل حافظ للصحة» ولا سيما لمن اعتاد الغذاء 
به كأهل المدينة وغيرهم» وهو من أفضل الأغذية في البلاد الباردة 
والحارة التي حرارتها في الدرجة الثانية... إلى أن قال: وتمر العالية من 
أجود أصناف تمرهم فإنه مليِّن للجسم. لذيذ الطعم. صادق الحلاوة» 
للحرارة الغريزية› ولا يتولد عنه من الفضلات الرديئة ما يتولد عن غيره من 
الأغذية والفاكهة» بل يمنع لمن اعتاده من تعفن الأخلاط وفسادها. وهذا 
الحديث من الخطاب الذي أريد به الخاص كأهل المدينة ومن جاورهم. 
ولا ريب أن للأمكنة اختصاصاً ينفع كثيراً من الأدوية في ذلك دون غيره. 
فيكون الدواء الذي قد نبت في هذا المكان نافعاً من الداءء» ولا يوجد فيه 
ذلك النفع إذا نبت في مكان غيره لتأثير نفس التربة أو الهواء أو هما 
حيتت فإن للأآرض خواص وطبائع يقارب اختلافها اختلاف طبائع 
الإنسان» وكثير من النبات يكون فى بعض البلاد غذاءً مأكولاء وفى بعضها 
سما قاتلا. وذكر في موضع آخر: أن التمر على الريق يقتل الدود فإنه مع 
حرارته فيه قوة ترياقية» فإذا أديم استعماله على الريق ضعف مادة الدود. 
وأضعفه وقلله وقتله وهو فاكهة وغذاء وشراب وحلوى. ويقول في مكان 
آخر: ونفع هذا العدد من التمر من هذا البلد من هذه البقعة بعينها من السم 
وغيرهما من الأطباء لتلقاها عنهم الأطباء بالقبول والإذعان والانقياد» مع أن 


= كان عليه قبل سفري إلى الحج (انظر مقالي في ذلك في مجلة «حضارة الإسلام» في 
العدد الثالث من السنة الخامسة). 


1€ 


وبرهان ووحيء أولى بأن تتلقى أقواله بالقبول وترك الاعتراض"'؟.اه. 

هذا خلاصة ما ذكروه في هذا المقام» والذي أراه أن المبادرة إلى 
تكذيب حديث ورفضه لا يصح. إلا إذا وهن طريقه» أو حكم العقل 
والطب حكماً قاطعاً بتكذيبه وبطلانه» وهذا الحديث قد صح سنده من غير 
طريق عن أئمة الحديث» ورواه ثقات عدول لا مجال لتكذيبهم» ومتنه 
صحيح على وجه الإجمال» وقد جربه كثير من الناس» وكنت ممن جربه 
فظهر صدقه إذ أثبت للعجوة فائدة» وحض على أكلهاء ومن المقرر حتى 
في الطب الحديث أن العجوة مغذية» ملينة للمعدة» منشطة للجسم» مبيدة 
للديدان المنتشرة فيهء ولا شك أن الأمراض الداخلية من تعفن الأمعاء 
وانتشار الديدان سموم تودي بحياة الإنسان إذا استفحل أمرها. وإذا 
فالحديث من حيث معالجة العجوة للسموم بالجملة» صادق لا غبار عليه. 


أما السحر فإذا ذهبنا إلى أنه مرض نفسي» وآنه يحتاج إلى علاج 
كه وان الانساء المي له اذى ي کے اا ي ا ل 
لتر قي جرف كنا" عكر a O O‏ 
قاتلة للديدان» قاضية على تعفن الفضلات» وأنها من عجوة المدينة» مدينة 
النبي يِه وأن هذا علاج وصفه عليه الصلاة والسلام» وهو الذي لا ينطق 
عن الهوى. لا أشك في أن ذلك يحدث أثرأ طيبا في نفس المسحورء وقد 
أثبت الطب أثر التخيل والوهم والإيحاء النفسي في كثير من الأمراض شفاء 
أو إصابة» أفليس ذلك من شأنه ألا نتسرع في تكذيب الحديث ما دام من 
الممكن تخريجه على وجه معقول؟ 

وإذا كان الطب الحديث لم يوفق في اكتشاف سائر خواص العجوة 
حتى الاه اتلس من الخطاًء التسرع الى الحكم بوضعه» وهل ادعى أحد 
أن الطب انتهى إلى غايته» أو أنه اكتشف كل خاصة لكل من المأكولات 
والمشروبات والنباتات والثمار التى في الدنيا؟ إنك لا تشك معي في أن 


.۹٤/۳ زاد المعاد:‎ )١( 


T10 


إقدام مؤلف «فجر الإسلام» على القطع بتكذيب هذا الحديث جرأة بالغة منه 
لا يمكن أن تقبل في المحيط العلمي بأي حال» ما دام سنده صحيحاً بلا 
نزاع» وما دام متنه صحيحاً على وجه الإجمالء ولا يضره بعد ذلك أن 
الطب لم يكتشف حتى الان بقية ما دل عليه من خواص العجوة» ويقيني 
أنه لو كان في الحجاز معاهد طبية راقية أو لو كان تمر العالية موجوداً عند 
الغربيين» لاستطاع التحليل الطبي الحديث أن يكتشف فيه خواص كثيرة» 
ولعله يستطيع أن يكتشف هذه الخاصة العجيبة» إن لم يكن اليوم ففي 
المستقبل إن شاء الله . 
الحديث الثالث: 

(الكمأة من المن وماؤها شفاء للعين والعجوة من الجنة وهي شفاء 
من السم». 

هذا الحديث رواه الترمذي عن أبى هريرة رضى الله عنه ورواه أحمد 
في «مسنده» عن سعيد بن لك e‏ ده ملك فجر الإسلام : «فهل 
اتجهوا في نقد الحديث إلى امتحان الكمأة. وهل فيها ترياق؟ نعم إنهم 
ووقا أذ ابا هرد قال [أخدت: ثلاث اكيز أو جا أو سا فص 
في قارورة» وكحلت به جارية لي عمشاء فبرئت» ولكن هذا لا يكفي لصحة 
الحديث فتجربة جزئية لا تكفي منطقياً لإثبات الشيء في ثبت الأدويةء وإنما 
الاريك أن "حجري دارا بوكب من هاا ذا e‏ 
يكن التحليل في ذلك العصر ممكناً فلتكن التجربة مع الاستقراءء فكان مثل 


ا ال حبيدية السدفكه او وض باق 


وهنا أمران: الأول: أن الحديث ثابت فى الصحيحين وغيرهماء 
وسنده من ناحية النقد متين ليس في روايته متهم ولا 2 1 الثاني : أن 
ایا هريرة جرب هذا الحديث فوجده ا وجربه كثيرون من بعده 


)١(‏ المسند ١١١/۳‏ الطبعة الحديثة بتحقيق العلامة الشيخ أحمد محمد شاكر. 


(۲) ضحى الإسلام: .٠١١/۲‏ 


۳1٦ 


فو جدوه ا ا وها هو النووي يروي أن بعض علماء زمانه کان قد عمي 
وذهب بصره فاكتحل بماء الكمأة مجرداً فشفي وهو شيخ له صلاح ورواية 
للحديث» ومنهم من ادعى أنه إذا أضيف إليه الإثمد كان نافعاً مفيداً» وقد 
بحثه أطباء المسلمين أيضاً فاعترفوا بصحته» فابن القيم في الهدي النبوي 
يذكر لنا اعتراف مشاهير الأطباء قديماً بأن ماء الكمأة يجلو البصر. منهمء 
المسيحى» وابن سيناء وغيرهما» وذكروا بأن فيها جوهراً يدل على خفتهاء 
اال وت ا الي رة اوقل ن ار اا ف 
امفرداته»: ماء الكمأة أصلح الأدوية للعين إذا عجن بماء الإثمد واكتحل به 
فإنه يقوي الجفن» ويزيد الروح الباصرة حدة وقوة). وقال داود في 
«تذكرته»: (إن ماءها يجلو البياض كحاة) , 

فها أنت ترى أن العلماء لم يقصروا في التجربة وأن الأطباء لم 
يقصروا في البحث» ومع ذلك فلم يرض مؤلف فجر الإسلام إلا أن يأتي 
كل مسلم إلى كمية من الكمأة» ثم يعصرها ويقطر عينيه بمائهاء فإن 
أصابهم العمى جميعاً كان الحديث مكذوباً وإلا كان صحيحاً.. ونحن 
نسأله؟ إن أبا هريرة والنووي والأطباء قديماً جربوا الكمأة فوجدوها نافعة 
للعين» فهل قام هو بمثل هذه التجربة فأصابه مكروه؟ أم هل سمع أن أحدا 
فعل ذلك فأصابه مكروه؟ وهل استقراً هو جميع جزئيات الكمأة على 
اختلاف أنواعها فوجدها تخالف الحديث؟ ولو سلمنا أنه قام بمثل هذه 
التجربة فلم تنجح. أليس لنا أن نسأله: هل تحققت أن الكمأة التي حللتها 
وقمت بتجربتها هي عين الكمأة التي تنبت في أرض الحجاز في عهد 
الرسول والتي أخبر الحديث عن خاصيتها؟ وهل بلغ الطب اليوم نهايته حتى 
إذا خالف الحديث جاز لكم أن تحكموا بكذب الحديث ووضعه؟ 

الحق أن الأستاذ لم يوفق في هذا المثال كما لم يوفق في الحديثين 
السابقين» ولا أدري كيف يسوغ له أن يشك في حديث لا غبار على سنده. 
وقد جرب متنه واتفق الأطباء على صحتهء ولو أنه أثبت لنا من بحوث الطب 


.18١ص الجزء الثالث‎ )١( 


1۷ 


اليوم» ما لا يتفق مع ما دل الحديث لجاز له أن يقف ويتساءل ويشك ويرمي 
القدامى بالتقصيرء ولكنه لم يفعل وهيهات أن يفعل . 
الحديث الرابع: 

روى ابن عمر عن رسول الله كَةٍ أنه قال: «من اقتنى كلباً إلا كلب 
صيد أو ماشية انتقص من أجره كل يوم قيراطان»» فقيل لابن عمر: إن أبا 
هريرة يزيد في الرواية (أو كلب زرع) فقال ابن عمر: (إن لأبي هريرة زرعاً) 
قال صاحب «١ضحى‏ الإسلام» بعد ذلك: وهذا نقد من ابن عمر لطيف في 
الاعف الف باه يريد أن ابن عمر يتهم أبا هريرة بزيادة (أو كلب زرع) 
في لفظ الحديث لأنه كان صاحب زرع فزادها لاتخاذه الكلب لزرعه. 

حديث أبي هريرة الذي ذكر فيه اتخاذ الكلب للزرع أخرجه البخاري 
في باب اقتناء الكلب للحرث من كتاب المزارعة» من غير تعرض لابن 
عمر وحليثه. وأخرج عن سفيان بن زهير ما يؤيد روايته عن أن هريرة 
وكذلك أخرجه الترمذي في كتاب الصيد» وتعرض لحديث عبد الله بن عمر 
وداه ن مل ر رعا و ارچ مل ت کات الان رال ر 
وذكر حديث ابن عمر. ثم ساق أحاديث أخرى تثبت أن بعض الرواة رووا 
عن ابن عمر هذه الزيادة التي أثبتها أبو هريرة. وأن بعض الصحابة وافق أبا 
هريرة على روايته تلك الزيادة» وأنه لم ينفرد بها بل رواها غيره ممن 
سمعها من النبي صلى الله عليه وسلم . 

وقد تعرض الشراح لزيادة أبي هريرة ومن وافقه فيهاء وبينوا مراد ابن 
عمر من مقالته تلك في أبي هريرة. قال الحافظ ابن حجر في «فتح 
الا بعد أن بيّن أن مراد ابن عمر تثبيت رواية 5 هريرة: وقد وافق 
أبا هريرة على ذكر الزرع سفيان بن زهير» وعبد الله بن مغفل» وهو عند مسلم . 


وقال النووي ل قول ابن عمر» إن ا هريره غا اليبس هذا 


0 ضحى الإسلام: ۱۳۱/۲ ۔ ۱۳۲. 
(۲) 1/9. 


۳۱1۸ 


توهيناً لرواية أبي هريرة ولا فنا فيها: بل معناه أنه لما كان صاحب زوع 
وحرث اعتنى ذلك وحفظه وا والعادة أن المبكلى بشيء يتنه ما لا 
يتقنه عيره» ويتعرف من أحكامه ما لا يعرفه عيره» وقد ذكر مسلم هذه 
الزيادة 7 اتعخاذه للزرع من رواية ابن مغفل ومن رواية سميان بن زهير»› 
وذكرها أيضاً من رواية ابن الحكم واسمه عبد الرحمن بن أبي نعيم البجلي 
عن ابن عمر» فيحتمل أن ابن عمر لما سمعها عن أب هريرة وتحققها عن 
الي کا ۰ رواها عنه بعد ذلك» وزادها فى حديثه الذي كان يرويه بدونهاء 
ويحتمل أنه تذكر في وقت آنه سمعها من النبي بيه فرواهاء ونسيها في 
وقت» فتركها والحاصل أن أبا هريرة ليس منفرداً بهذه الزيادة» بل وافقه 
جماعة من الصحابة في روایتها عن النبى میا ولو انفرد بهاء لكانت مقبولة 
١ 0‏ 

مرضية مكر مة) اھ ۔ 

هذا هو الوضع الصحيح للمسألة» ومنه تعلم أنه ليس فيها تكذيب ابن 
غر لات هريزرة فى “تلك الريادة» ونان الاعف النفسى على. اخغلاقها 
بأن أبا هريرة كان أحفظهم لحديث رسول الله يله وسيأتي معنا مزيد بيان 
لمكان أبي هريرة في نمس ابن عمر ونموس الصحابة خا أم كيف يذكر 
الأئمة قول ابن عمر ويخرجونه فى صحاحهم لو كان تكذيباً منه لأبى 
هريرة؟ أم كيف يعمل الفقهاء برواية أبي هريرة ويبنون عليها أحكامهم لو 

الواقع أنه ليس في الأمر شيء من هذا ولكن أمانة صاحب «فجر 
الإسلام» أبت عليه إلا أن يرى فيما صنع ابن عمر نقداً لطيفاً. . لان 
1 * وبيانا لاعت له على هذه ا وتأبى عليه أمانته العلمية ف 
الصحيفة: «انظر النووي على مسلم» وأنت سمعت كلام النووي فهل 
شممت فيه رائحة التكذيب من ابن عمر لأبي هريرة؟ بل ألم تره يرد على 


.0606/5 )١( 


۲۱۹ 


ما قد يخطر بالبال ردا ا ا ولك أن تتساءل بعد هذا: أهو لم يفهم 
عبارة النووي؟ أم فهمها ولكنه آثر رأي المستشرق اليهودي جولد تسيهر 
(وسيأتي كلامه في هذا المعنى تماماً) على رأي علماء المسلمين وأئمة الدين؟ . 


وبعد» فهذه هي الأحاديث التى ذكرها أمثلة لما يريد من E‏ 
دقيق ولا ريب أنه قد اتضح ا أن صاحب «فجر الإسلام» لم 
يأت بشيء جديد في قواعد النقد لم ينتبه له علماؤناء ولكن الجديد هو أنه 
كان جريئاً في تطبيق هذه المقاييس بغير اتزان ولا تثبت» فطبقها على 
أحاديث كانت قوتها وصحتها كافية لهزيمته في هذا الميدان» وكشف هزال 
ما اقئيسة عن المستشزنين من علم محرف ورأي خاطئ» وأن علماءنا 
رحمهم الله لم تخرجهم الأهواء عن جادة الهدى»ء ولم تندفع بهم عواطفهم 
إلى أن يركبوا الصعب من الأمور فلا يجدوا لهم مخرجاًء وأن ما وضعوه 
من قواعد لنقد الرجال ونقد المتن» وما وفقوا إليه من حسن مسارم هذه 
القواعد وتطبيقهاء هو الطريق الواضح الأمين الذي يتحتم المصير إليه» فما 
دام الحديث قد وصلنا عن طريق علمي صحيح› Mausam:‏ 
الثبت وهكذا إلى رسول الله ييو وليس في متنه ا بوجت ردم تما فلا 
يجوز إنكاره ولا تكذيبه» لأنه إما أن يعتبر إنكاراً لقول رسول الله» وهذا لا 
يصير إليه مسلمء أو تكذيباً لرواة الحديث من الصحابة والتابعين ومن 
بعدهم» وقد فرضنا أنهم ثقات أثبات بحكم التاريخ» وأن من تتبع سيرتهم. 
ودرس أخلاقهم لا یری في بني الايسيان أصدق منهم ولا أتقى لله 
عز وجل» والشك - مع هذا - فيما نقلوا يستلزم (من باب أولى) الشك في 
كل ما حوته بطون التاريخ من أخبار الأمم» فإن قال الأستاذ: إنا لا نقول 
بتكذيب هؤلاء الرواة الثقات العدول» ولكن بتجوز الوهم والخطأ عليهم. 
قلنا: هذا احتمال ضعيف فلا يغلب الظن القوي» على أن علماءنا احتاطوا 
لهذا الأمر فقالوا - إلا قليلا منهم ‏ بإفادة حديث الآحاد غلبة الظن» فأي 
حاجة لشيء بعد هذا؟ 


ثم نتابع نقدنا ل«فجر الإسلام» فنقول : 


5 


العمل بخبر الواهد: 

ذكر المؤلف227 ((أن علماء الحديث قسموه إلى قسمين: «متواتر) وهو 
يفيد العلم ولكنه لم يوجد» وبعضهم قال بوجود حديث واحد» وبعضهم 
أوصل المتواتر إلى سبعة» وآحاد: وهو يفيد الظن» ويجوز العمل به عند 
ترجيح الصدق. . . إلخ». 

وهذا كلام ينبغي الوقوف عنده» فإن الذين اختلفوا في عدد المتواتر 
كانت وجهات نظرهم مختلفة» كما نص على ذلك السيوطي وإلا فمما 
لا شك فيه أن أحاديث المتواتر كثيرة لا تنحصر فى واحدء أو اثنين» أو سبعة. 
أنكر حجيّة السنة كغلاة الروافض لا يرى العمل بها أصلاً إذا كانت مروية 
عن غير طريق أئمتهم ومن قبلها وقال بحجيّتها وهم جمهور المسلمين» 
يوجبون العمل بحديث الآحاد قولا واحدأ إذا صح طريقه ومنهم من قال 
بوجوب اعتماده أ أي أن يوج العلم والعمل عا فما حكاه الأستاذ 
من جواز العمل بهء إمأ أن يكون عن عدم اطلاع ومعرفةء فيلزمه الجهل. 
وهذا عجيبا ممن يتصدى لتاريخ الدعوة الإسلامية وحضارتهاء وتفمك العلماء 
والرجال» ويجعل نفسه حَكماً بين الطوائف والمذاهب» وإما أن يكون عن 
معرفة› فیلز مه التحريف› ولا ثالث بينهما . 

وهلا التتذزيف» لاغاية له إلا التشكك في السنة كليا: كما دكت لك 
من قبل» فإنه إذا كان المتواتر غير موجودء والآحاد «يجوز» العمل بها 
فماذا بقي من السنة» وأين مكانها إذاً من مصادر التشريع؟ وما حاجة 
المسلمين إليها؟ فكر في هذه النتيجة» ثم احكم بعد ذلك على هذا العالم 


الأميه؟؟؟ . 


. ۲٦۷ص‎ )1١( 


۲1 





حول أرة_هرريّرة ۔ کالہ 





ننتقل بعد ذلك إلى القسم الأخير من نقدنا لفصل الحديث في «فجر 
الإسلام»» وهو متعلق بأبي هريرة» رضي الله عنه» وأشهد أن المؤلف كان 
لبقأ جداً في توجيه المطاعن نحو أبي هريرة» ومجاراة المستشرقين والنظام» 
في التحامل على هذا الصحابي الجليل. فقد وزع طعونه في مواضع متفرقة 
من بحثه» وكان حديثه عنه حديث محترس متلطف». محاذر أن يجهر بما 
يعتقده في حقه من سوءء ولكن أسلوب المؤلف» وتحريفه لبعض الحقائق 
في تاريخ اين هريرة» وحرصه على التشكيك في صدقه» ونقل شك 
الصحابة في هذا الصحابي الجليل» كل ذلك قد نم عن سريرة مؤلف «فجر 
الإسلام»» وأزاح الستار عن خبيئة نفسه. 


وقد رات ف الا أن أذكر ترجمة محتصرة لأبى هريره د قبل 
التعرض لمناقشة المؤلف فيما كتبه عنه ‏ لتعرف رأي التاريخ الصادق» ورأي 
صحابة الرسول» وعلماء التابعين» وأئمة المسلمين في هذا الشيخ الصحابي 
الجليل › شع لتقارن بعل ذلك لین هذه الصورة الرائعة المشرقة. وبين الصورة 
التي أظهره بها مؤلف «فجر الإسلام» تبعاً لشيوخه من المستشرقين. 
اسمه وكنيته 7" : 

اختلف في اسمهء واسم أبيه على أقوال كثيرة أبلغها القطب الحلبي 
إلى أربعة وأربعين قولا أرجعها الحافظ ابن حجر إلى أقوال ثلاثة. ومن 


)١(‏ أخذنا هذه الترجمة من مصادر متعددة >«الاستيعاب» لابن عبد البر و«الإصابة» لابن 


حجر و«تهذيب الأسماء») للنووي» وغيرها. 


۲ 


أشهرها أنه كان في الجاهلية يسمى عبد شمس بن صخرء فلما أسلم سماه 
الرسول كلوه عبد الرحمن» وهو من قبيلة دوس إحدى قبائل اليمن» وأمه 
أميمّة بنت صفيح بن الحارث دو 

وسبب تكنيته بأبي هريرة ما حكاه الترمذي عنه قال: كنت أرعى غنم 
أهلي» وكانت لي هريرة صغيرة» فكنت أضعها بالليل في شجرة» وإذا كان 
النهار ذهبت بها معي فلعبت بهاء فكنوني أبا هريرة. 


إسلامه وصحبته: 

المشهور أنه أسلم سنة سبع من الهجرة بين الحديبية وخيبر» وكان 
عمره حينذاك نحواً من ثلاثين سنة'''» ثم قدم المدينة مع النبي كَل حين 
رجوعه من خيبر» وسكن «الصّفة)”'' ولازم الرسول ملازمة تامة» يدور معه 
حيثما دار» ويأكل عنده في غالب الأحيان»ء إلى أن توفي عليه الصلاة 
ا 
أوصافه وشمائله: 
) كان رضي الله عنه» آدم بعيد ما بين المنكبين»› ذا ضفيرتين أفرق 
الثنيتين يصفر لحيته ويعفيهاء ويحفي شاربه» وكان صادق اللهجة خفيف 
الروح» محببا إلى الصحابة» محبا للمزاح . 

أخرج ابن أبي الدنيا في كتاب المزاح عن الزبير بن بكار أن رجلا 
تال ای هرت اس ات وا ا نجعت ےی عدت شود شيا 
ا ات GEE eS‏ ا اكاك فقال أبو هريرة: الله 
أطعمك› فخرجت حتى أتيت فلانا» فوجدت عنده نعجة تحلب» فشربت 


)١(‏ سيأتي معنا ترجيح إسلامه قبل أن يعلن إسلامه قادماً من بلاده بعد الإنتهاء من غزوة 

(۲) مكان في المسجد النبوي خصصه الرسول عليه الصلاة والسلام لفقراء المهاجرين الذين 
لم يجدوا بيوتاً يوون إليها في المدينة. ولا يزال مكان الصفة معروفاً في المسجد 
النبوي حتى الان. 


TY 


من لبنها حتى رويت» قال: الله أسقاك» قال: فرجعت إلى أهلى فقلت (من 
القيلولة)» فلما استيقظت دعوت بماء فشربته» فقال: يا ابن أخي» أنت لم 


وروى ابن قتيبة في «المعارف) أن مروان بن الحكم استخلف أبا 
هريرة على المدينة» فر کب ارا قل شل عليه بردعة. وفي و الحمار 
خلية من ليفء فيسير فيلقى الرجل فيقول: الطريق قد جاء الأمير» وقد 
استغل الطاعنون في أبي هريرة (أمثال جولد تسيهر)'' هذه الدعابة التي 
كانت فيه فبنوا عليها أنه كان ضعيف العقل . 

ويظهر أن مؤلف (فجر الإسلام» يستحسن هذا الرأي؛ ولذلك اناز 
فيما كتبه عن أبي هريرة إلى ما ذكره ابن قتيبة من نوادرهء ولم ير في جميع 
خلاله وأخلاقه ما يستحق منه مثل هذا التنبيه» ولا ريب أن هذا تحامل 
على أبي هريره وتشوية الحقيقيه على غير أساس» فظهور الرجل بمظهر 
المتلطف المداعب المحب للمزاح لا يحط من قدره» ولا يكون مظهراً من 
مظاهر اضطراب عقله وخفتهء وإلا لزم أن يكون كل لطيف Eg‏ خفيف 
العقلء وكل ثقيل الظل جافي الطبع» كبير العقل وافر التفكير. 
زهده وعبادته وورعه: 

تقدم ا کان من آهل اة وأنه كان رصح إت َي في أكثر 


SS. ٠ 


الأوقات» ويأكل عنده» وكثيراً ما تحمل آلام الجوع e‏ على أن لا 
يفوته شيء من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم . 

أخرج البخاري عن أبي هريرة: «والله الذي لا إله إلا هو إن كنت 
لاغ الأرض بكبدي من الجوع. وأشد الحجر على بطني»› ويقول : 
«لقد رأيتني أصرع بين منبر رسول الله بلي وحجرة عائشة»ء فيقال: 
مجنون» وما بي جنون» وما بي إلا الجوع». 


)١(‏ انظر ما كتبه عنه هذا المستشرق في «دائرة المعارف الإسلامية»: 508/١‏ مادة أبي 


Yé 


ولقد افترى على الحق من زعم أن أبا هريرة كان مصاباً بالصرع 
استناداً إلى كلمته «أصرع» الواردة في هذا الأثرء فقد فسر أبو هريرة هذا 
الصرع بأنه صرع جوع وفاقة» لا صرع جنون ومرض. وأيضاً فالذين تكلموا 
عن حياة أبن هريرة من المؤرخين المسلمين لم يذكروا لنا أي شيء عن 
إصابته بهذا المرض» فمن أين جاء بعض المستشرقين بهذه الفرية» وليس 
لهم ما يرجعون إليه في تاريخ حياته إلا ما كتبه المؤرخون المسلمون؟! . 

أما عبادته وورعه فقد نقل ابن حجر عن الجريري عن أبي نضرة عن 
رجل من الطفاوة قال: نزلت على أبي هريرة» ولم أدرك من الصحابة رجلا 
أشد تشميراً ولا أقوم على ضيف منه. وأخرج أحمد عن أبي عثمان النهدي 
فال دمت انا هريره اه فكان هو وامرأته وخادمه يقسمون الليل 
أثلاثاً»ء يصلي هذاء ثم يوقظ هذا. وأخرج ابن سعد عن عكرمة أن أبا 
هريرة كان يسبح في كل يوم اثنتي عشرة ألف تسبيحة يقول: أسبح بقدر 
ذنبي. وروى عبد الرزاق عن ابن سيرين أن عمر استعمل أبا هريرة على 
ارت فقدم بعشرة آلاف» فقال له عمر: استأثرت بهذه الأموال» فمن أين 
لك؟ قال: خيل نتجت» وأعطيات تتابعت» وخراج رقيق لي. فنظر فوجدها 
كما قال» ثم دعاه ليستعمله فأبى. فقال عمر: لقد طلب العمل من كان 
خيراً منك. قال: إنه يوسف نبي الله بن نبي اللهء وأنا أبو هريرة بن أميمة. 
أخشى ثلاثاً: أن أقول بغير علمء أو أقضي بغير حكمء وأن يضرب 
ظهري» ويشتم عرضي» وينزع مالي . 
حفظه وقوة ذاكرته: 

كان من أثر ملازمة أبي هريرة للرسول بي ملازمة تامة» أن اطلع 
على ما لم يطلع عليه غيره من أقوال الرسول وأعماله» ولقد كان سيء 
الحفظ حين أسلم» فشكا ذلك إلى رسول الله يا فقال له: افتح كساءك 
فبسطه» ثم قال له: ضمه إلى صدرك فضمه»ء فما نسي حديثاً بعده قط . 

وهذه القصة ‏ قصة بسط الثوب ‏ أخرجها أئمة الحديث كالبخاري 
ومسلم وأحمدء والنسائي» وأبي يعلى» وأبي نعيم . 


Yo 


فما زعمه (جولد کن کان هذه القصة موضوعة وضعها العامة 
لكثرة حد يته » انما هو افتراء محص › وتخيل لا يبرره العلم. وتعصب 
ولا أدري ما هي أدلته العلمية في أن هذه القصة مختلقة؟ هل عثر فيما بين 
يديه من صوص التاريخ على ما يويد هذه الدعوة» حتى يكذبف ا 
الحديث الذين نقلوا هذه القصة ووثقوا رواتها؟!. 


والمستشرقون» ومن لف لمهم يتظاهرون باستخراب قوة الحفظ عند 
أبي هريرة إلى هذا الحد» ولو نظروا إلى الأمر بعين الإنصاف. وعلى ضوء 
ع ال رل ال اوجرا ف اة لا د كل ا سر 
تمتاز بها على غيرها. 

والحفظ من الميزات التي امتاز بها العرب» وفي الصحابة وكبار 
التابعين ومن بعدهم» من E‏ عجباً في سرعة e‏ وقوة الذاكرة» 
ومن علم أن البخاري كان يحفظ ثلاثماتة ألف حديث بأسانيدهاء وأن 
أحمد بن حنبل كان يحفظ ستمائة ألف حديث. وأن أبا زرعة كان يحفظ 
سبعمائة ألف حديث» لا يستغرب على أبى هريرة أن يحفظ ما حفظ» وكل 
رت عي قي ار السب ا رز وه في ان 
وثلاثمائة 3 وسبعون حديثاء زال ا وكبار الشعراء قديما 
وحديثاً يحفظون من الشعر والنثر ما لا يعد شيئا بجانبه حفظ أبي هريرة 
لأحاديثه التي حدث بها gC‏ 
أرجوزة من أراجيز العرب كما يذكر الرواة. 

ولقد ذكر الكاتب المحقق الأستاذ محب الدين الخطيب ما شاهده من 
حفظ الشيخ الشنقيطي رحمه الله ما يدعو إلى الدهشة» وإليك ما قاله في 
ذلك: «نحن نعرف معرفة شخصية الأستاذ العلامة الشيخ أحمد بن الأمين 
الشنقيطى رحمه الله وكان يحفظ الشعر الجاهلي كله» ويحفظ شعر أبي 
ال الي کا رلو ردا هدوا و لكان كتين ا 
«الوسيط في تراجم علماء وأدباء شنقيط» كتبه من أوله إلى آخره من حفظه 


۲٦ 


إجابة لاقتراح شيخنا الشيخ طاهر الجزائري» وفي هذا الكتاب أنساب أهل 
شنقيط رجالاً ونساءء وذكر قبائلهم وما نظموه وما يؤثر عنهم من مؤلفات 
وأخبار» ولم يكن لذلك مرجع يرجع إليه قبل كتاب الوسيط الذي ألفه 
الشيخ أحمد بن الأمين على ما نعرفه نحن شخصياًء فما حفظه أبو هريرة 
رضى الله عنه من أحاديث رسول الله لي فى طول صحبته لا يجىء فى 
کا ا ی ا ا ا وا کن ر 
من رجال أمتنا الممتازين بجودة الحفظ وقوة الذاكرة" .اه. 

على أن الصحابة في عصره اعترفوا له بكثرة الحفظ كما ستسمع› 
وامتحنه مروان في دقة حفظه» فخرج من الامتحان فائزا» وذلك كما نقله 
ابن حجر في «الإصابة» عن أبي الزعيزعة كاتب مروان: من أن مروان أرسل 
إلى أبي هريرة فجعل يحدثه» وأجلس آبا الزعيزعة خلف السرير يكتب ما 
لات ب معدن إذا كان في راس الول ا ل ال ای هو ال ف 
تلك الأحاديث». فأعادها 5 فنظر مروان فى ا عنده فما 
حرفاًء ولعل في هذا ما يرد إفك الارن التي وأذنابهم من 
المسلمين الذين يشككون في حفظ أبي هريرة وصدقه لا لغرض منهم عند 
أبن هريرة نفسه» ولكنها إحدى محاولاتهم للنيل من الإسلام والتشكيك في 
سلامة يثيانه . 
ثناء الصحابة عليه والتابعين وأهل العلم: 

قال طلحة بن عبيد الله: لا أشك أن أبا هريرة سمع من 
رسول الله كل ما لم نسمع. وقال ابن عمر: أبو هريرة خير مني وأعلم بما 
يحدث. وجاء رجل إلى زيد بن ثابت فسأله فقال له زيد: عليك بأبي 
هريرة فإني بينما أنا وأبو هريرة وفلان في المسجد ندعو الله ونذكره» إذ 
خرج علينا رسول الله َة حتى جلس إلينا فقال: عودوا للذي كنتم فيه. 
قال زيد: فدعوت أنا وصاحبي فجعل رسول الله كَلِةَ يؤمن على دعائناء 


.۷۲١ مجلة الفتح › العدد‎ )١( 


¥ 


ودعا أبو هريرة فقال: اللهم إني أسألك مثل ما سأل صاحباي وأسألك علماً 
لا ينسى» فقال رسول الله كَلهِ: آمين». فقال زيد وصاحبه: ونحن يا 
زول ا ال غاا لا ينسى» فقال: سبقكم بها الغلام الدوسي. وقال 
عمر الى هرس إن کت الها لرسول الله ية وأحفظنا لحديثه. وقال 
ع إن أبا هريرة كان جريئاً على أن يسأل رسول الله ية عن 
أشياء لا يسأله عنها غيره. 

وقال الشافعي: أبو هريرة أحفظ من روى الحديث في دهره. وقال 
البخاري: روى عنه نحو الثمانمائة من أهل العلم. وكان أحفظ من روى 
الحديث في عصره.. وقال أبو صالح : كان أبو هريرة أحفظ أصحاب 
محمد يَلَِةِ. وقال سعيد بن أبي الحسن (أخو الحسن البصري) لم يكن أحد 
من الصحابة أكثر حديثاً من أبي هريرة. وقال الحاكم: كان من أحفظ 
أصحاب رسول الله ب وألزمهم له» صحبه على شبع بطنهء فكانت يده مع 
يده» يدور معه حيثما دار إلى أن مات عليه الصلاة والسلام» ولذلك كثر 
حديثه. وقال أبو نعيم: وكان أحفظ الصحابة لأخبار رسول الله ية ودعا 
بأن يحببه إلى المؤمنين فكل مؤمن محب لأبي هريرة. وقال ابن حجر: 
أجمع أهل الحديث على أنه أكثر الصحابة حديثاً» وقال ‏ بعد أن ساق قصة 
الوب -: والحديث المذكور من علامات النبوة» فإن أبا هريرة كان أحفظ 
الناس للأحاديث النبوية في عصره. 


من روى عنهم ومن رووا عنه: 

روى عن كثير من الصحابةء منهم. ابو بكر و مر »© والفضل بن 
العباس»› وات بن كعب» وأسنامة سن زيذ» وعائشة رضوان الله عليهم› 
وروی عه من الصحابة كثيرون. منهم . ابن عمر › وابن عباس › وجابر»› 
. وأنس» وواثلة بن الأسقع . 
وعروة بن الزبير› وقبيصة بن درتت وسلمان الأغرء وسليمان بن يسار »› 


TYA 


عبد الرحمن بن عوف» ومحمل بن سيرين» وعطاء چن ابن رباح » 
وعطاء بن يسار وكثيرون جداً بلغوا كما قال البخاري: ثمانمائة من أهل 
ونقلهم لحديثه. وثقتهم ده » لثمانمائة برهان على جلالة قذره وصدق 
لهجته» وثمانمائة تكذيب لمن أكل الحسد والعداوة والتعصب قلوبهم من 
المستشرقين ومن تبعهم من المسلمين . 
مرضه ووفاته: 
قال : دخلت و ا هريرة وهو شديدك الوجع فاحتضنته » فقلت: اللهم 
اشف أبا هريرة» فقال: اللهم لا ترجعها ‏ قالها مرتين - ثم قال: إن 
انحطنيف أن تورك مته وا لی کس ای خرو ده ان غل الا 
زمان يمر الرجل على قبر أخيه فيتمنى أنه صاحبه. 

وروى أحمد والنسائي بسند صحيح عن عبد الرحمن بن مهران عن 
ا هريرة أن قال حين حضره الموت : لا تضربوا علي فسطاطا ولا تتبعوني 
بمجمرة وأسرعوا بي . 

وأخرج البغوي عن أبي هريرة أنه لما حضرته الوفاة بكى فسئل فقال : 
من قلة الزاد وشدة المفازة. 
أبو هريرة : اللهم إني حب لقاءك فأحب لقائي . ثم حرج مروان فما بلغ 

وصلى عليه الوليد بن عقبة بن أبي سفيان بعد العصر سنة سبع أو 
ثمان أو تسع وخمسين. وعمره ثمان وسبعون أو تسع وسبعون سنة. ولما 
بلغ معاوية نعيه أمر عامله بالمدينة أن يدفع إلى ورثته عشرة آلاف درهم 
عنه وأجزل مثوبته . 


۹ 


شبه مؤلف «فجر الإسلام» على أبي هريرة: 

هذه هي الصورة الصادقة لأبي هريرة كما جاءت في التاريخ» وكما 
عرفها علماؤناء فكيف أبرز مؤلف «فجر الإسلام» هذه الصورة؟ 

لقد ذكر فى أوائل فصل الحديث رد ابن عباس وعائشة عليهء 
وتكذيبهما له ا من بعض الأحاديث» ثم زعم أنه يترجم له فاقتصر 
على ذكر نسبه وأصله وتاريخ إسلامه» وأشار إلى ما روي من دعابته 
ومزاحه - وعرفت غرضه من ذلك وكان من حق الأمانة العلمية عليه أن 
يذكر لنا مكانته في الصحابة والتابعين وأئمة الحديث» وثناءهم عليه. 
وإقرارهم له بالحفظ والضبط والصدق لأن هذا الجانب من ترجمة أبي 
هريرة أدخل في موضوعنا وأمس به من کل شيء سواه» ولکنه لم يفعل 
شيئاً من هذاء بل تعرض لأمور يسيء ظاهرها إلى أبي هريرة جد الإساءةء 
فكانت محاولة مستورة للطعن فيه» تمشياً مع (جولد تسيهر) وأمثاله من 
المستشرقين. وتتلخص دسائسه عليه في الأمور التالية : 

أولآ: :إن عفن الصا د كان غاس وعا اب روا عاب يعفر 
حديثه وكذلبوه. 

انياً: إنه لم يكن يكتب الحديث» بل كان يعتمد في روايته على 
ذاكرته . 

ثالثا: إنه لم يكن يقتصر على ما سمع من الرسول» بل كان يحدث 

رابعاً: إن بعض الصحابة أكثروا من نقده» وشكوا في صدقه. 

خامنا : :إن الحتنية يتركون. جد إا غارف القاس وران حه 
إنه غير فقيه. 


سادساً: إن الْوُضّاع انتهزوا فرصة إكثاره» فزورّروا عليه أحاديث لا 


وستری ما ع هده المسائل من اطا وتحريفات ومغالطات › وستری 


PY. 


كيف يتمزق ستر هذه المؤامرة العلمية على رجل جليل كأبي هريرة 


١‏ د رد بعض الصحابة على أبي هريرة: 

تعرض المؤلف لأبي هريرة عند الكلام على موقف الصحابة بعضهم 
550 ا 

«فقد روي أن أبا هريرة روى حديث: «من حمل جنازة فليتوضاً». 
فلم يأخذ ابن عباس بخبره وقال: لا يلزمنا الوضوء من حمل عيدان يابسة. 
وكذلك روي أنه حدث بحديث جاء في الصحيحين وهو: «متى استيقظ 
أحدكم من نومه فليغسل يده قبل أن يضعها في الإناء فإن أحدكم لا يدري 
أين باتت يده». فلم تأخذ به عائشة وقالت: كيف نصنع بالمهراس؟ (وهو 
حجر ضخم منقور يملأ ويتوضأ منه) فليغسل يده قبل أن يضعها في الإناء 
فإن أحدكم لا يدري أين بانتت يده». فلم تال به وأشار في ذيل الصحيفة 
إلى أن هذه النقول عن شرح «مسلم الفبوت»:: ؟178/7: 

يذكر المؤلف هاتين الواقعتين دليلا على أن الصحابة كان يضع 
بعضهم بعضاً موضع النقدء وينزلون بعضهم منزلة أسمى من بعض وقد 
ينك نيما ببق اند كلها كانه يع من الصدالة عن رد يعقوم على بی 
إنما هو نقاش علمي محض» مبني على اختلاف أنظارهم وتفاوت مراتبهم 
في الاستنباط والاجتهادء أو على نسيان أحدهم ا وتذكر الآخر له 
وليس ذلك ناشئا عن شك أو ريبة أو تكذيب واحد لآخرء وعلى هذا ينبغي 
أن يفهم كل ما كان من نقاش بين أبي هريرة وغيره من الصحابة» ولا 
يجوز حمله على غير ذلك لما ذكرناه من تصديق بعضهم لبعض› 
خصوصاً أبا هريرة الذي ذكرنا سابقاء شيئاً من ثقتهم به واعترافهم له 
بالحفظ والتثبت. وهذه كلمة إجمالية شان کل ما یرد من نقاش :ب بدن أبن 
هريرة والصحابة» وسننظر في خصوص ما نقله المؤلف هنا: 


۳1 


١‏ - أما الحديث الأول وهو: «(من حمل جنازة فليتوضاً) وة أبن 
عباس على أبي هريرة ) فالكلام عنه من وجوه: 

أولا: لم أرَ لهذا الحديث بهذا النصض أثراً فى كتب الحديث قاطبةء 
ولا في كتب الفقه والخلاف» ولم أر فيها ذكراً لهذه الحادثة التى رد فيها 
ابن عباس على أبي هريرة» ولو ثبت الحديث وثبتت الحادثة لما أغفلوا 
النص عليهاء نعم ذكرها بعض علماء الأصول ‏ بينهم صاحب المسلّم ‏ 
وهؤلاء قوم يتساهل بعضهم في ذكر الأحاديث التي ليس لها أصلء أو لها 
أصل من طريق ضعبف › لأن الحديث ليس من اختصاصهم› وعلى كل 
حال فإن كتبهم ليست مرجعاً في علم الحديث. ولا يرجع إليها فيه 
ا دواوينه المعتبرة - إلا حاطب ليل. أو صاحب غرض . 


ثانياً: إن الموجود فى بعض كتب الحديث غير هذا. 


فقد أخرج الترمذي عن أبي هريرة مرفوعاً: «مِنْ عْسْله الغسل» ومن 
حمله الوضوء»» ثم قال الترمذي: «وفي الباب عن علي وعائشة» قال أبو 
عيسى : (يعني نفسه) حديث أبي هريرة حديث حسن» وقد روي عن أبى 
عريرة ور رو ااا ا الل ف ای ی ات ل ن 
آهل العلم من أصحاب النبي بيه وغيرهم: إذا غسل ميتأ فعليه الغسل. 
وقال بعضهم: عليه الوضوءء وقال مالك بن أنس: أستحب الغسل من 
غسل الميت ولا أرى ذلك واجباء وهكذا قال الشافعي. 

ؤقال اح مز غفل ها رجو آلا بج عله الما ة اما الوت 
فأقل ما فيه. وقال إسحاق: لا بد من الوضوء. وقد روي عن عبد الله بن 
المبارك أنه قال: لا يغتسل ولا يتوضاً من غسل الميت». 


والذي يستخلص منه أن أبا هريرة لم ينفرد برواية الحديث» بل رواه 
علي واخانشة وأنه روي عن أبي هريرة مرفوعاً وموقوفاء ولا أثر لود ابره 
عباس إذ لو ثبت لنقله كما نقل غيره» مما رد فيه بعض الصحابة على 
بعض» وأن أهل العلم مختلفون في ذلك اختلافا كبيرأ» وفى هذا كله ما 


5005 


1 سقط احتجاج مؤلف اافجر الإسلام) بهذه الواقعة التي لم يثبت وقوعهاء. 
فين أبن هريرة وابن عباس ١‏ وأن أبا هريرة روى حديثا في غسل الميت لم 
ينفرد به» بل شاركه فيه غيره على ما سمعت . 


الا عا وق حا الا وتوف بود نان غاي افليس محا 
التكذيب ولا الطعن» بل هو خلاف في فهم الحديث وفقهه» فأبو هريرة 
يوجب الوضوء من الجنازة عملا بظاهر الحديث» وابن عباس يرى الوجوب 
غير مراد من الحديث بل هو محمول على الندب» ولذا قال: لا يلزمنا 
0 فكلمة «لا يلزمنا» نص في تحرير النزاع بين الطرفين: أبو هريرة 

يثبت اللزوم» وابن عباس ينفيه» وكل منهما صحابي جليل فقيه مجتهد». فلا 
حرج في اختلافهما في فهم الحديث واستنباط فقهه. 

١‏ وأما الحديث الثاني وهو: «متى استيقظ أحدكم من منامه. 
إلخ» فهو صحيح أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما من أصحاب الصحاحء 
وهو مروي عن ابن عمر وجابر وعائشة 


أما رد عائشة عليه وقولها له: ماذا نصنع بالمهراس؟ فهذا لم يصح 
في كتب الحديث» ولا ذكر له فيهاء بل الذي صرح به ابن العربي والحافظ 
الولي العراقي في او التثريب شرح التقريب»› نق عن البيهقي : «أن 
الذي اعترض على أبي هريرة هو قين الأشجعي من أصحاب عبد الله بن 
مسعود» وتلك هي عبارة العراقي: «تقدم أنه في رواية مسلم بدل قوله في 
وضوئه: «في إنائه» وفي رواية: «في الإناء» وهذا يدل على أن النهي 
مخصوص بالأواني دون البرك والحياض التي لا يخاف فساد مائها بغمس 
اليد فيها على تقدير نجاستهاء ولذلك قال قين الأشجعىّ لأبي هريرة حين 
حدث بهذا: فكيف إذا جئنا مهراسكم هذا فكيف نصنع به؟ فقال أبو 
غزيرة 3 أغود بال هن شرك رواد اليهقى. فكرة أبو «قريرة ضرنتث: الأمثال 
للحديث» وكذلك ما رواه الدارقطني والبيهقي من حديث ابن عمر في هذا 
الح E‏ ا اا كان روا که این غر ب 
الأمثال بحديثه بياةء وكان شديد الاتباع للأثر».اه. 


EEF 


فهذا صريح في أن أبا هريرة لم ينفرد برواية الحديث» بل رواه ابن 
غمر أيضيا» وا اق ا رو قن عائقة الضناء وان ابم حك اكد 
اعترض عليه أيضاً حين روايته للحديث» وأن المعترض على أبي هريرة قين 
الأشجعي» لا ابن عباس ولا عائشة» وقين هذا تابعي من أصحاب ابن 
مسعود» كما تقدم» وإليك عبارة ابن حجر في «قين» ليتأكد لديك ما سبق : 


«(فين الأشجعى : تابعى من أصحاب عمك الله بن مسعود جرت سنه 
وبين أن هريرة قصة» فذكره اتن منده في الصحابة. وأخرج من طريق 
يحيى بن كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة» أن قينا الأشجعي قال: فكيف 
سيلمة غین انى هريرة قال: قال رسول الله كَلةِ: «إذا قام أحدكم من 
النوم... إلخ». فقال له قين الأشجعى: فإذا جئنا مهراسكم هذا فكيف 
نصنع؟ وروی لأف عن ا صالح› ن ابی هريرة» الحديث المرفوع . 
قال الأعمش فذكرته لإبراهيم فقال: قال أصحاب عبد الله بن مسعود فكيف 


)۱( 
. أه. 


يصنع أبو هريرة بالمهراس» 

وبهذا يتبين أنه لا صحة لما نقل من رد عائشة على أبي هريرة. 
وعلی فرض صحته تکون لفسال نا فى فهم الحديث» ف«أبو هريرة) 
یری وجوت غسل الآيدي› وده قال اخ وداود والطبري» وعائشة وابن 


عباس لا يريان ذلك» وهو قول جمهور أهل العلم» وليس في الأمر 
تكذيب ولا ا 


وهنا شيء ينبغي التأمل فيه والوقوف عنده» وهو أن المؤلف بعد أن 
ذكر رد عائشة على أبي هريرة أسنده إلى «شرح مسلم الثبوت»» وبالرجوع 
إليه يعلم أن الذي ذكره إنما هو صاحب «المسلم»» أما الشارح فمك نبه إلى 
خطئه فى هذا النقل وأنه لا صحة له عن عائشة. وتلك هي عبارة الشارح : 
قال في «التيسير»: «لم يثبت هذا منهما ‏ أي من عائشة وابن عباس - وإنما 


.1860 /" الإصابة‎ )١( 


€ 


ثبت من رجل يقال له قين الأشجعي وفي صحبته خلاف» انتهى. وعبارة 
(التتسيرة التى أشار إليها الشارح» منقولة عن «التقرير» لابن أمير الحاج وفيه 
يقول: على أن ما ذكر عن عائشة وابن عباس قال شيخنا الحافظ: لا وجود 
له في شيء من كتب الحديثء وإنما الذي قال هذا لأبي هريرة رجل يقال 
له «قين الأشجعي»» فروى سعيد بن منصور عن أبي هريرة قال: قال 
رسول الله اة : «إذا قام أحدكم. . إلخ». فقال له 8 الأشجعي : كيف 
نصنع بمهراسكم؟ فقال له أبو هريرة: نعوذ بالله من شرك وقين الأشجعي 
ذكره ابن منده في الصحابة» فقال: له ذكر في حديث أبي سلمة عن أبي 
هريرة (يعني هذا) وتعقبه أبو نعيم بأنه ليس فيه ما يدل على صحبته» قال 
شيخنا الحافظ : بل ولا إدراكه"'".اه. 

إذا تبين لك هذاء علمت أن مؤلف «فجر الإسلام» جانب الحق في 
هذا النقل في موضعين : 

|١‏ - نسبة ما نقله إلى «شارح المسلم»» مع أن الذي ذكره» صاحب 
«المسلم» نفسه. 

؟ ‏ تغافله عن تنبيه الشارح إلى خطأ المصنف وعن تصحيحه 
للواقعة» فبأي شىء تفسر عمله هذا أكثر من أن يكون حرصا منه على 
ات كاب الجا عض لم راد كديب الحا ی هري 
خاصة» مهما تحمل في سبيل ذلك من أخطاء ومجانبة للحق؟ فقاتل الله 
العصبية والهوى . 


؟ ه عدم كتابك أبى هريرة للحدیت: 
أما أنه لم يكن يكتب الحديث» بل كان يحدث من ذاكرته'' فهذا 
شيء لم ينفرد به أبو هريرة» وإنما هو صنيع كل من روى الحديث من 





.5٠١١ /7” التقرير‎ )١( 
.١ ص86 ا‎ 2 


TO 


صحابة رسول الله مء ما عدا عبد الله بن عمرو بن العاص» فقد كانت له 
صحيفة يكتب فيهاء وذلك معروف للمطلعين على تاريخ الحديث» ويعترف 
به المؤلف نفسه إذ يقول''': «وعلى كل حال» مضى العصر الأول ولم 
يكن تدوين الحديث شائعاء إنما كانوا يروونه شفاهاً وحفظأًء ومن كان 
يدون فإنما كان يدون لنفسه». انتهى . 


ويشير بذلك الف من دون الحديث من التابعين في القرن الأول» أما 
من الصحابة فلم يكن يدون الحديث لنفسه في صحيفة خاصة إلا 
عبد الله بن عمرو بن العاص»› فما وجه تخصيص أبي هريرة بهذا؟ وما 
الفائلة من و وهو معلوم مشهور؟ ليس لذلك سر إلا أن المؤلف يريد 
الشيكيك بأحاديث ا هريرة » فما دام الرجل لم کب الحديث وما دام 
يروي من داکرته فقط › وما دامت الذاكرة قل تخطىئء وتحون. فنحن ين 
شك من صحة آحاديثه» إلى هذا يرمي مؤلف «فجر الإسلام» حتماً ولولاه 
لما أغفل عمداً ثناء الصحابة عليه فى حفظه وصدقه ودينه وزهده وإقرار 
العلماء له بالتقدم على الصحابة جميعاً فى حفظ الحديث وروايته» حتى 
ليبلغ الآخذون عنه ثمانمائة من أهل العلم» كما قال البخاري. 


ولو أنه ذكر ذلك لما تأتى له الطعن فى أبى هريرة من هذه الناحية» 
فالرجل الحافظ الصادق المتثبت في حفظه» المعترف له من أهل العلم 
بالأمانة والإتقان» لا يضره آلا يحدث من كتاب» بل من العلماء من يفضل 
الأخذ عن الذي يحدث من حفظه إذا كان متثبتاً صدوقاً على الأخذ عن 
الذي يحدث من كتاب غيره» حتى لقد ذهب علماء الأصول إلى أنه إذا 
تعارض جديكان: أحدهيما مسموع والآخر مکتوب» کان المسموع أولى 
وأرجح› قال الآمدي ين (الإحكام)”"' : «وأما ما يعود ا المروي 
فترجيحات : الأول أن تكون روان اا الخبرين عن سماع من النبی ميا 


.۲۷۲ ص‎ (۱) 
T/6 )9( 


٦ 


والرواية الأخرى: عن كتابة» فرواية السماع أولى» لبعدها عن تطرق 
التصحيف والغلط) . 

ومن هنا كره فريق من السلف الصالح من الصحابة والتابعين كتابة 
الحديث كيلا يتكل على الكتابة وحدها فتضعف ملكة الحفظ. أخرج ابن 
عبد البر في «جامع بيان العلم)”") بسنده إلى إبراهيم النخعي قال: لا تكتبوا 
فتتكلوا. وقال أيضاً: قلما كتب رجل كتاباً إلا اتكل عليه. وأخرج أيضاً عن 
الأوزاعي كان هذا العلم شيئاً شريفاً إذ كان من أفواه الرجال يتلاقونه"" 
ويتذاكرونه» فلما صار في الكتب ذهب نوره وصار إلى غير أهله. قال ابن 
عبد البر: والذين كرهوا الكتاب كابن عباس والشعبي وابن شهاب والنخعي 
ااا تعب ق وا ا ا لتعوا على ا 
فكان أحدهم يجتزئ بالسمعة» آلا ترى ما جاء عن ابن شهاب أنه كان 
يقول: إني لأمر بالبقيع فأسد آذاني مخافة أن يدخل فيها شيء من الخناء 
فوالله ما دخل في أذني شيء قط فنسيته. وجاء عن الشعبي نحوه» وهؤلاء 
كلهم عرب» وقال النبي بية: «نحن أمة أمية لا نكتب نحسب» وهذا 
مشهور أن العرب قد خصت بالحفظ» كان أحدهم يحفظ القصيدة في سمعة 
واحدة» وقد جاء أن ابن عباس رضي الله عنه» حفظ قصيدة عمر بن أبي 
ربيعة: «أمن آل نُعَم أنت غاد فمبكر» في سمعة واحدة على ما ذكرواء 
والحادثة مشهورة في كتب الأدب والتاريخ. 


» - تتحديثه بغير ما سمعه: 


وأما أن أبا هريرة «لم يكن يقتصر على ما سمع من رسول الله ويا 
بل يحدث عله بما عر به غيره » فل روى أن ا الله قال : اللمن أصبح 
جنباً فلا صوم له» فأنكرت ذلك عائشة وقالت: كان رسول الله يدركه الفجر 
في رمضان وهو جنب من غير احتلام فيغتسل ويصوم› فلما ذكر ذلك لأبي 


."58/١ (1) 


(۲) كذا في الأصل ولعل صوابها «يتناقلونه». 


۷ 


هريرة قال: إنها أعلم مني وأنا لم أسمعه من النبي وه وسمعته من 
الفضل بن العباس"'"2. 

فالكلام في ناحيتين : 

الأولى : في إسناد أبي هريرة إلى الرسول ما لم يسمعه. فهذا لم ينفرد 
به أبو هريرة» بل شاركه فيه صغار الصحابة ومن تأخر إسلامه» فعائشة وأنس 
والبراء وابن عباس وابن عمر» هؤلاء وأمثالهم أسندوا إلى الرسول ما سمعوه 
من صحابته عنه» وذلك لما ثبت عندهم من عدالة الصحابي وصدقه» فلم 
يكونوا يجدون حرجاً ما في صنيعهم هذاء فقد روى ابن عباس عن 
النبي ية : «إنما الربا في النسيئة» «وأن النبي كله لم يزل يلبي حتى رمى 
جمرة العقبة» وقال و في الخبر الأول لما روجع فيه: أخبرني به أسامة بن 
ر وقال في الخبر الثاني : أخبرني به أخي الفضل بن عباس" وروی 
ابن عمر عن النبي ياو آنه قال: «من صلى على جنازة فله قيراط»)» وأسنده 
بعد ذلك إلى أبي هريرة“. وقد قدمنا لك قول نس رضي الله عنه: «ما كل 
ما نحدثكم به عن رسول الله كد سمعناه منهء ولكن لم يكن يكذب بعضنا 
بعضاً» وقول البراء: «ما كل الحديث سمعناه من رسول الله كله كان يحدثنا 
أصحابه عنه وكانت تشغلنا عنه رعية الإبل». 


1 ا 


وشلا مأ يسمى عند العلماء بمرسل الصحابي› وقد أجمعوا على 
الاحتجاج به» وأن حكمه حكم المرفوع» ما عدا الأستاذ أبا إسحاق 
الاسفرايينى فإنه قال: يحتمل أن يكون الصحابي راوياً ذلك الحديث عن 
تابعى» وهو قول مردودء ويكفي إجماع أهل الحديث والأصول على 
خلافه . 


.١69ص‎ )۱( 

(؟) أخرجه البخاري في باب بيع الدينار بالدينار نساء» وأخرجه مسلم أيضاً. 

(۳) الإحکام للآمدي ۲۰٤/١‏ وفي كتب السنة جاء فى أكثرها رواية ابن عباس عن الفضل 
(في حديث التلبية) وفي مسند أحمد رواية ابن عباس عن النبي ية من غير واسطة. 

(6) المصدر السابق» وفي كتب السنة أيضاً ذكر لهذه الحادثة. 


۸A 


قال الشيخ ابن الصلاح في «مقدمته»: ثم إنا لم نعد في أنواع المرسل 
ونحوه ما يسمى في أصول الفقه بمرسل الصحابي مثل ما يرويه ابن عباس 
وغيره من أحداث E‏ عن رسول الله يو ولم سكو مه لان ذلك 
في حكم الموصول المسند لأن روايتهم عن الصحابة» والجهالة بالصحابي 
غير قادحة لأن الصحابة كلهم عدول"'' اه. وفي شرح العلامة العراقي على 
المقدمة جواباً عما اعترض به على المصنف في قوله: «ما يسمى في أصول 
النقدةة :ف لمجاتيى ون ذكروا ا ا و ا 
الاحتجاج بهاء وأما الأصوليون فقد اختلفوا فيهاء فذهب الأستاذ أبو إسحاق 
الإسفراييني إلى أنه لا يحتج بها وخالفه عامة أهل الأصول فجزموا 
بالاحتجاج بها. | 


وقال الإمام النووي بعد أن ذكر الخلاف في حجية المرسل : هذا كله في 
غير مرسل الصحابي» أما مرسل الصحابي كإخباره عن شيء فعله النبي كَل أو 
نحوه ‏ مما نعلم أنه لم يحضره لصغر سنه أو لتأخر إسلامه أو غير ذلك 
فالمذهب الصحيح المشهور الذي قطع به جمهور أصحايبنا وجماهير أهل العلم به 
حجة» وأطبق المحدثون المشترطون للصحيح القائلون بأن المرسل ليس بحجة» 
على الاحتجاح به وإدخاله في الصحيح› وفي صحيحي البخاري ومسلم من هذا 
ما لا يحصى . وقال الأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني من أصحابنا: لا يحتج به 
بل حكمه حكم مرسل غيره؛ إلا أن يبين أنه لا يرسل إلا ما سمعه من النبي كَل 
أو صحابي» قال : لأنهع قد يزوون عن غير صحابي» ثم قال النووي: والصواب 
الأول وأنه يحتج به مطلقاً لأن روايتهم عن غير الصحابي نادرة. وإذا رووها 
بينوهاء فإذا أطلقوا ذلك فالظاهر أنه عن الصحابي والصحابة كلهم عدول”'' اه. 


أبى هريرة e‏ حاول افجر يام أن يتخذ منذه وا 


(۱) صا ؟. 


(۲( المجموع شرح المهذب ١/؟1.‏ 


۳۹ 


الثانية: وهى الحديث الذي ساقه المؤلف شاهداً لذلك فالكلام فيه من 
وجوه. 


أولاً: إن كتب الصحيح لم تذكر إنكار عائشة عليه ولكنها ذكرت 
المسألة على أن أبا هريرة» استفتي في صوم من أصبح جنباً فأفتى بأنه لا 
صوم لهء فاستفتيت عائشة وأم سلمة في المسألة نفسها فكلتاهما أفتت 
بصحة صومهء وقالت: كان رسول الله يصبح جنبا ثم يصومء فلما قيل 
ذلك لأبي هريرة رجع عن فتواه وقال: هما أعلم مني» فالواقعة واقعة 
فتوی» آفتی فيها كل بما علمه وصح عنده عن رسول الله ٤ة‏ ولیس فيها 
إنكار عائشة ولا ردها عليه . 


ولنسق لك نص «مسلم» رحمه الله فقد أخرج بسنده إلى أبي بكر بن 
عبد الرحمن بن الحارث قال: سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يقول في 
ددا بد ريه لل سكا رو اقرف لك افيد الور بن 
الحارث (أي لأبيه) فأنكر ذلك فانطلق عبد الرحمن فانطلقت معه حتى 
دخلت على عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما فسألهما عبد الرحمن عن 
ذلك» قال: فكلتاها قالت: كان النبي يله يصبح جنباً من غير حلم ثم 
يصوم» فانطلقنا حتى دخلنا على مروان فذكر ذلك له عبد الرحمن فقال 
مروان: عزمت عليك إلا ما ذهبت إلى أبى هريرة فرددت عليه ما يقول» 
فا ا هور دوأو كر بن هة ارخ يبن العارت اض ذلك كاه 
قال: فذكر له عبد الرحمن» فقال أبو هريرة: أهما قالتاه لك؟ قال: نعم 
قال: هما أعلم ثم رد أبو هريرة ما كان يقوله إلى الفضل بن العباس» فقال 
أبو هريرة: سمعت ذلك من الفضل ولم أسمعه من النبي ييا قال: فرجع 
أبو هريرة عما كان يقول في ذلك . 

هذا نص «مسلم) وهو صريح في عدم وقوع الإنكار والرد من عائشة 
على أبي هريرة» وقد صرح بذلك شارح «مسلم الثبوت» حيث قال بعد أن 
صحح نقل المصنف بما نقله من «سفر السعادة»: «وليس في هذا رد أم 
المؤمنين على أبي هريرة» ولا يعرف له إسناد» ثم قال: وما في الحاشية 


5 


من أن أم المؤمنين إنما ردت لمخالفة الكتاب» فشجرة نبتت على الأصل 
الموهون» فإن الرد لم يثبت وإنما روت فعله ئلا . | 

فاقراً هذا ثم اعجب من صنيع مؤلف «فجر الإسلام» إذ لم يكتف 
بالتغاضي عن موقف الشارح من تصحيح الحادثة؛ ونفي الإنكار والرد من 
عائشة» بل زاد على ذلك نسبة القول بالإنكار والرد إلى هذا الشارح نفسهء 
وقد سبق للمؤلف مثل هذا في مواطن كثيرة» فهنيئاً له هذه الأمانة العلمية! 

ثانيً: لو سلمنا ثبوت الإنكار عنها فليس معناه تكذيب أبي هريرة فيما 
روى» بل معناه أنها لا تعرف هذا الحكمء ا فيكون من 
الاستدراكات التي استدركتها عائشة أم المؤمنين على كبار الصحابة كعمر وابنه 
عبد الله وأبي بكر وعلي وابن مسعود وابن ا ور ثابت وأبي سعيد 
الخدري وغيرهم " ٤‏ وما زال الصحابة يستدرك بعضهم على بعض لا يرون 
ذلك كديا بل تبجا للعلم» وأداء للأمانة على ما يعرفها الصحابي» وقد 
قال عليه الصلاة والسلام: «من كتم علماً ألجمه الله بلجام من نار“ 

ثالثاً : أكثر الروايات لم تذكر رفع أبي هريرة الحديث إلى النبي َك 
بل ذكرت أن ذلك كان فتوى منهء وقليلها هي التى جاء فيها الحديث 
مرفوعاًء وكذلك ورد في بعض الطرق أن أبا هريرة نسب ذلك إلى الفضل» 
وفى بعضها إلى أسامة بن زيدء وفى رواية» أخبرنى فيه فلان وفلان» فدل 
ذلك على أنه سمعه من الفضل ا لكن عي الزواة اقتضير على 
أسامة» وكثيراً ما يقع مثل هذا للرواة. 

رابعاً : قال العلامة ابن حجر: قد رجع أبو هريرة عن الفتوى بذلك» 
إما لرجحان رواية أم المؤمنين في جواز ذلك صريحاً على رواية غيرهماء 


2000 شرح مسلم الثبوت ؟'/ 76 .١‏ 
(؟) وفي هذا ألف البدر الزركشي كتابه النفيس «الإجابة لإيراد ما استدركته عائشة على 
الصحابة» في نحو /٠٠١/‏ صفحة., وهو مطبوع بدمشق بتحقيق الأستاذ سعيد 
الأفغا: 
اي * 


(۳) أخرجه اس داود والترمذي وغيرهما. 


E 


مع ما في رواية غيرهما من الاحتمال» إذ يمكن أن يحمل الأمر بذلك على 
الامعحيات: فى .غمر الفرظى::و كذ اله هن فدوم ذللقه الجوو» واا 
لاعتقاده أن يكون خبر أم المؤمنين ناسخاً لخبر غيرها ‏ وهذا ما عليه أكثر 
العلماء - وقد بقي على مقالة أبي هريرة هذه بعض التابعين كما نقله 
الترمذي ثم ارتفع ذلك الخلاف واستقر الإجماع على خلافه كما جزم به 
لو و اف 

هذا وجه الحق في هذه المسألة لمن أراد الحق مجرداً عن كل هوى 
وعرصض: 

: إنكار الصحابة عليه كثرة الحديث‎  :5 

BUS ENE دفن‎ a O 
رسول الله علد وشکوا فیه» کما يدل على ذلك ما روی مسلم فى صحيحه‎ 
أن أبا هريرة قال: إنكم تزعمون أن أبا هريرة يكثر الحديث عن‎ 
رسول الله يي والله الموعدء كنت رجلا مسكيناً أخدم رسول الله على ملء‎ 
بطني . وكان المهاجرون يشغلهم الصفق بالأسواق؛ وكانت الأنصار يشغلهم‎ 
القيام على أموالهم. وفي حديث آخر في مسلم أيضاً أن أبا هريرة قال:‎ 
يقولون إن أبا هريرة قد أكثر  والله الموعد  ويقولون: ما بال المهاجرين‎ 
والأنصار لا يتحدثون مثل أحاديثه؟ وسأخبركم عن ذلك: إن إخواني من‎ 
الأنصار كان يشغلهم عمل أرضيهم» وإن إخواني من المهاجرين» كان‎ 
يشغلهم الصفق بالأسواق» وكنت ألزم رسول الله كَل على ملء بطني».‎ 
يواه‎ E ا‎ 

هذه العبارة تكاد تكون عين عبارة «جولد تسيهر» إلا أن هذا كان أكثر 
أدباً واحتراساً من اتهام أبي هريرة بتكذيب الصحابة له حيث يقول 
جولدتسيهر»: ويظهر أن علمه الواسع بالأحاديث التي كانت تحضره دائما 


)0200 فتح الباري / ١‏ . 
69 ص14 .١‏ 


€۲ 


قد أثار الشك في نفوس الذين أخذوا عنه مباشرة والذين لم يترددوا في 
التعبير عن شكوكهم بأسلوب ساخر (يشير بذلك إلى الحديثين اللذين نقلهما 
لوعن ا 


فأساس الطعن مأخوذ من هناء كما رأيت مع فارق بسيط وهو أن 
المستشرق نسب الشك إلى نفوس الذين أخذوا عنه مباشرة - أي التابعين ‏ 
أما المؤلف فقد نسب الشك إلى بعض الصحابة. . . وهكذا كان في طعنه 
الخفي أشد وأنكى من طعن جولد تسيهر ‏ الظاهر ‏ وهي براعة لا يحمد 
E‏ ۰ 

ومهما يكن من أمر فليس فيما نقله المؤلف عن أبي هريرة وما دافع 
به أبو هريرة عن نفسه ما يؤدي إلى الطعن فيه أو التشكيك بصدقه» إذ من 
المعلوم أن أبا هريرة كان من المكثرين في التحديث عن رسول الله» رغم 
تأحر إملامة: لكثرة ولازمقة للوسول تن كان ندور معا جما دار قلها 
توفي رسول الله يياو كان يسأل كبار الصحابة عن حديث الرسول» كما كان 
يفعل صغار الصحابة» كعبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر وأنس 
وغيرهم» وبذلك وبحرصه على استیعاب كل أخبار رسول الله - وقد شهد 
لة-رسول آله يانه أكثر الضحاة خرصا على الخدت د كان من أشن 'الناس 
حفظاً للحديث واحتفاءً به. فلما كان عهد الخلفاء الراشدين وتفرق الصحابة 
في الأمصارء رأى من واجب الأمانة عليه أن يبلغ ما حفظه عن النبي إلى 
أمته» وخاف عاقبة الكتمان إن هو امتنع عن التحديث» بهذا صرح أبو 
هريرة نفسه إذ يقول في حديث أخرجه البخاري ومسلم: ولولا آيتان من 
كتاب الله ما حدثت حديثاء ثم تلا: #إنَّ ألِبنَ يَكْمُونَ مآ را مى اليب 
- ما بد ما بيّككة لئان فى الكتب أؤليك يمه ال معاي 3 
) إل لدي تابا راا وینوا اوک انوب عل ون الاب 
€ [البقرة 


\ 


53 


26 


)١(‏ دائرة المعارف الإسلامية: 1١٠8/١‏ في ترجمة أبي هريرة. 


E 


Fue‏ 2 ره 
و2 وم کا ا 
س م 8 د 
ell, 4 8 1‏ 
e‏ كع ١‏ 40 س 


"5 EE 1 nê 
4 3 
am 4 


كان من الطبيعي أن يثير تدفق أبي هريرة في الحديث عن 
رسول الله ية هذا التدفق العجيب - مع ما علم من تأخر إسلامه ‏ الغرابة 
في نفوس بعض التابعين أو من كان بعيداً عن محيط المدينة من صحابة 
رسول الله كَكِه وأن يقولوا: ما بال أبي هريرة يكثر الحديث» وأصحاب 
رسول الله یه لا يكثرون مثله؟ سؤال يرد على أذهانهم فيوجهونه إلى أبي 
هريرة» لا شكا ولا تكذيباء ولكن رغبة في إزالة هذا العجب من نفوسهم› 
فيكشف لهم آبو هريرة عن السبب» وهو ما حدثناك بهء فإذا هم ساكتون 
راضون مطمئنون» فأين تجد الإكثار من نقدهم له» كما زعم صاحب «فجر 
الإسلام» ثم أين الشك في صدقه وحفظه؟؟ إن كل ما في الحديث سؤال 
يدل على الا ات كةو خا زف کن اا ات کيا قد 
يحدثك صديقك الذي لا تشك في صدقه» بحديث فيه شيء من الغرابة» 
فتظهر له العجب والدهشة لا مكذباً ولا مستنكراًء بل طالباً منه أن يزيل 
عجبك ويكشف لك عن سر حديثه» وهذا ما حدث مع أبي هريرة بدليل 
أنهم تلقوا منه بالرضى والقبول تلك المقالة التي بين فيها سر إكثاره من 
الحديث دون سائر صحابة رسول الله عليه الصلاة والسلام» أفرأيت لو أنهم 
کانوا مکذبین له» أو شاكين في صدقه أو حفظه» أكان يكفي لحملهم على 
تصديقه أن يقول لهم: إني سمعت ما لم تسمعوا وحفظت ونسیتم؟ . .. ثم 
أرأيت لو أنهم كانوا يشكون في حديثه» أكانوا يسمحون له بالاستمرار في 
التحديث عن هادي الأمة ومشرعها الأعظم؟ أم كان يكف عنه أمير المؤمنين 
عمر وهو من هو في شدة بأسه وصلابته في الحق؟ أم كانت تسكت عنه 
عائشة وهي التي أخرجها الانتصار للحق ‏ في رأيها ‏ من بيتها لقتال 
علىّ؟ . . أم كان يسكت عنه كبار الصحابة وجمهورهم وقد كانت وفاته في 
عهد غير متأخر لا يزال فيه كثير من الصحابة على قيد الحياة؟. وهم الذين 
بلغ من حرصهم على الشريعة أن كانوا يردون على من أخطأ في الحديث 
ولو كان عمر أمير المؤمنين» أو عائشة زوج الرسول»ء فكيف يسكتون على 
من يزيد في الحديث ويكذب؟ . 


Et 


بقي أن يقال: من هم هؤلاء الناس الذين عناهم أبو هريرة في 
حديثه؟ آنا لا أرى في عبارة الحديث ما يدل على أنهم كانوا من كبار 
الصحابة أو فقهائهم أو البارزين فيهم» أو الذين عرفوا بالسبق إلى الإسلام 
وطول الصحبة للرسول» بل الذي يرجح عندي أنهم ليسوا من الصحابة 
مطلقاء ألا تراه يقول: ويقولون ما بال المهاجرين والأتضار لا يتحدثون 
بمثل حديثه؟ فلو كان القائلون هم صحابة الرسول من المهاجرين والأنصار 
لأسند الكلام إليهم» فقال: ما بالنا لا نتحدث بمثل حديثه؟ ثم ألا تراه 
يقول في الرد عليهم: إن إخواني من المهاجرين» وإن إخواني من الأنصار. 
ولو كانوا هم الناقدين لقال لهم: «يقولون: إنكم كنتم تشتغلون بالتجارة أو 
الزراعة» وألا تراه يقول في آخر الحديث» كما في رواية البخاري: «ويحضر 
مالا يحضرون ويحفظ مالا يحفظون». وكان 8 لو كان الصحابة هم 
المعترضين أن يقول لهم: مالا تحضرون. هذا ما ترجح عندي بالتأمل في 
الحديث» ثم لما أمعنت النظر في ترجمة أبي هريرة عساي أجد اسم واحد 
من الصحابة الذين اعترضوا على أبي هريرة بهذا الاعتراض» وجدت في 
الاهاية لان تحص مداق #اراخرع ا ن 
سمعت أبا هريرة يقول لمروان: حين أرادوا أن يدفنوا الحسن عند جده: 
«تدخل فيما لا يعنيك» ‏ وكان الأمير يومئذ غيره ‏ ولكنك تريد رضا 
الغائب» فغضب مروان وقال: إن الناس يقولون أكثر أبو هريرة الحديث. . 
إلخ ومروان كما لا يخفى تابعي» وقد وقعت هذه القصة في عصر متأخر. 
ومروان يقول ذلك عند الغضب وينسبه إلى الناس» ولو كان الصحابة هم 
الذين شكوا لما تركوا إبلاغ شكهم إلى أبي هريرة حتى يأتي مروان فيبلغه 
هذا الشك في مناسبة من المناسبات . 


وأا ما كان فليس في الحديث الذي تحدث به أبو هريرة عن نفسه ‏ 
ولم نجد رواية لغيره في هذا المعنى ‏ ما يدل على أن الناقدين له كانوا من 
الصحابة أو من ذوي الشهرة فيهمء ولو حصل ذلك لرواه التاريخ كما روى 
غيره من رد بعض الصحابة على بعض» ونحن نتحدى صاحب «فجر 


E0 


الإسلام» ونتحدى شيوخه من المستشرقين وجميع أذنابهم في أقطار الأرض 
أن يأتونا بنص تاريخي صحيح يثبت أن أحدا من المعروفين في الصحابة 
قال هذا القول». أو أن الصحابة منعوه من التحديث أو صرحوا بكذبه. أو 
منعوا من الاستماع إليه» وهيهات أن يجدوا ذلك» بل نصوص التاريخ 
الثابتة قاطعة بإقرار الصحابة له بالحفظ واعترافهم بأنه أكثرهم إطلاعا على 
الحديث» ولقد كانت عائشة وابن عمر وغيرهما أحيانا يستغربون بعض 
أحاديثه ثم لا يلبثون أن يتقبلوها منه معترفين بإحاطته بما لم يحيطوا به. 


عدت أن كريرة يونا عن .سول الله كَلدِ أنه قال: «من تبع جنازة فله 
قيراط» فسمع ذلك ابن عمر"'' فقال: أكثر أبو هريرة عليناء فأيدت عائشة 
أبا هريرة فيما روى» فقال ابن عمر: إذا لقد فرطنا في قراريط كثيرة. ثم 
أصبح يروي الحديث ويسنده إلى النبي كَلِةِ. فلما روجع فيه قال: حدثني 
أو ق ريرج ون ها رد رل ل لقف كنيف ل ها لل اه 
وأعلمنا بحديثه . 

وفعد محمد بن عمارة بن عمرو بن حزم في مجلس فيه مشيخة من 
الصحابة بضعة عشر رجلا فجعل أبو هريرة يحدثهم عن رسول الله كله 
بالحديث فلا يعرفه بعضهم فيراجعون فيه حتى يعرفوهء ثم يحدثهم 
بالحديث كذلك» حتى فعل واوا يقول محمد: فعرفت يومئذ أن أبا هريرة 
أحفظ الناس ع أخرجه البخاري في «تاريخه» والبيهقي في «المدخل» . 
ه - ترك الحنفية حديثه أحيانا: 

قال صاحب «فجر الإسلام»: «والحنفية يتركون حديثه أحياناً إذا 


عارض القياس كما فعلوا في حديث المُصَّرَّاةا''. فقد روى أبو هريرة أن 
رسول الله يه قال: لا تصروا الإبل والغنم» من ابتاعها بعد ذلك فهو بخير 


(1) سبق لنا من قريب التحدث عن هذا الحديث ص۸"". 
)۲( هي التي يترك حلبها أياماً ليجتمع اللبن في ضرعها فيتوهم المشتري أنها تدر هذا القدر 
من اللبن كل يوم. 


1 


النظرين بعد أن يحلبهاء فإن رضيها أمسكهاء وإن سخطها ردها وصاعاً من 
تمر. قالوا: أبو هريرة غير فقيه» وهذا الحديث مخالف للأقيسة بأسرها فإن 
حلب اللبن تعد» وضمان التعدي يكون بالمثل أو القيمة» والصاع من التمر 
)1( 

ليس بواحد منها) © . 

ها هنا أشياء زعمها المؤلف: 

١‏ أن الحنفية يقولون بتقديم القياس على الخبر إذا عارضه. 

١‏ - أنهم فعلوا هذا في أحاديث 58 هريره التي خالفت القياس 
وظاهره أن هذا الموقف من أبي هريرة خاصة. 

کا يعدونه غير فقيه. 

والمؤلف ميخطىء ف هذه الاقور الغلا ثة ملا تعلم ماتا فيما بعد . 

أما أولا: فالحنفية لم يقولوا بتقديم القياس على الحديث» بل الإمام 
وصاحباه وجمهرة أتباعه على أن الخبر مقدم على القياس طلقا فقيهاً کان 
فخر الإسلام واختاره ابن أبان وأبو زيد وهم من الحنفية» إلى أن الراوي 
إذا كان فقيهاً قدم خبره على القياس مطلقاً. وإن كان غير فقيه قدم خبره 
على القياس أيضا إلا إذا خالف جميع الأقيسة وانسد باب الرأي بالكلية» 
ومثلوا لذلك بيحديث المصراة وذهب الكمال بن الهمام إلى ما اختاره ابن 
الحاجب والآمدي: من أنه إذا كان ثبوت العلة فى القياس راجحا على 
الخبر» وكان وجودها في الفرع كوجودها في الأصلء» فالقياس مقدم» وإن 
تساوى ثبوت العلة في الأصل والفرع وثبوت الخبر» فالتوقف» وإلا فيقدم 
الخير . 

هذا تفصيل أقوال العلماء في تعارض الخبر والقياس» ومنه يعلم أن 
جمهور الحنفية وعلى رأسهم الإمام وصاحباه يقولون بتقديم الخبر على 


١ ص15‎ 010) 


¥ 


القياس مطلقاً سواء كان الراوي فقيهاً أم لاء فما نسبه المؤلف إليهم غير 
صحيح قطعاء بل قول من ذكرنا سابقاً. ولا حاجة بي إلى أن أنقل أقوال 
ما بيزيدك” اطككتانا . 

وأما ثانياً: فهذا الموقف من تقديم القياس على الخبر ليس خاصا 
بأبي هريرة عند القائلين به» بل هم يعممونه في كل راو غير فقيه» وإليك 
عبارة المسلم الشبوت» وشرحه: 

«وقال فخر الإسلام: إن كان الراوي من المجتهدين كالأربعة والعبادلة 
وعيرهم دم الخبر» وإن كان من الرواة وعرف بالعدالة دون الفقاهة كأبي 
هريرة وان فالا ا خبره بمعارضة القياس إلا عتك: اتسداد باب الرأي 
كحديث المصراة) . 

وإذاً فتخصيص أبي هريرة بهذا الحكم كما يفيده ظاهر كلام المؤلف 

وأما ثالثاً: فما نقله عن الحنفية من قولهم بعدم فقاهة أبي هريرة غير 
صحيح أيضأء إذ لم يقل بذلك منهم إلا فخر الإسلام وصاحباه» وجمهور 
الحنفية على خلافهم › والتشنيع على مقالتهم تلك قال الكمال بن الهمام 
بعد ذكر قولهم السابق نقله عن «مسلم الثبوت»: «وأبو هريرة فقيه»» قال 
شارحه ابن أمير الحاج: لم يعدم أبو هريرة شيئاً من أسباب الاجتهاد» وقد 
أفتى في زمن الصحابة» ولم يكن يفتي في زمنهم إلا مجتهد» وروی عنه 
اکر من ثمانمائة رجل ما بين صحابي وتابعي» منهم ابن عباس» وجابر 
وأنس وهذا هو الصحي”'. 

نعم إن الحنفية مع كونهم يقدمون الخبر على القياس إذا تعارضاء فقد 
تو كوا خبر أبي هريره هنا لا لخصوص ل هريرة» ولا خروجا عض 


.07 /” انظر كذلك التيسير‎ »56١ 7/7” التقرير‎ )١( 


TEA 


قاعدتهم. دل اة غا اغا ار ما وا ای بل عند جميع 
العلماء» وهي أن الخبر إذا عارض الكتاب والسنة والإجماع لم يعمل به. 
والقاعدة في الترجيح عند تعارض الأدلة أن يصار إلى الأقوى. ولا شك أن 
ما دل عليه الكتاب والسنة بمجموعها والإجماع» أقوى مما دل عليه خبر 
الاحاد» وهذا الخبر قد عارض عندهم الكتاب والسنة والإجماع فلا يعمل 
به» ثم سلكوا في الجواب عنه مسالك مختلفة أوصلها ابن حجر في «فتح 
الباري» إلى ستة أقوال: أقربها أنه منسوخ. وروي ذلك عن أبي حنيفة 
نفسةة :وأا :ما كان فليس ف مسلك الخنفية هنا فا غود بالطعن .على أبن 
هريرة» وهذا فخر الإسلام الذي قال بعدم فقاهة أبي هريرة» نص ا 
على إجلاله وصدقه وأمانته. ومعاذ الله أن يذهب أحد من أهل العلم 
والخشية والورع إلى غير هذا. ) 


لعلك علمت الحق فى هذه المسائل الثلاث التى أخطأ فيها المؤلف 
خطأ كبيرأء أما كيف وقف هذا الموقف؟ ومن أين أتى بكلامه السابق؟ 
فإليك ما يستدعى عجبك من أمانة العلم ودقة الفهم وصدق البحث . 


عقد صاحب «المسلم» فصلا لبيان ما يشترط في الراوي ومالا 
يشترط» وذكر أن من الأمور التى لا تشترط فيه الاجتهاد قال: ولا الاجتهاد 
دن العين الجن عند مجالسة العراتى يمن كل ويجدي. ,و العراة يزيم اندر 
الإسلام ومن وافقه» وقد بين الشارح وجهة نظرهم التي حملتهم على 
التفرقة بين المجتهد وغيره» ثم قال: «مثلوا لذلك (أي فخر الإسلام ومن 
وافقه) بحديث المصراة وهو ما روى أبو هريرة - وساق الحديث - قالوا: 
(أي فخر الإسلام ومن معه) وبعد أن قرر الشارح كلامهم على هذا الوجه 
قال: كذا أقر شراح كلامه (أي فخر الإسلام) وفيه تأمل ظاهرء فإن أبا 
هريرة فقيه لا شك في فقاهته» فإنه كان يفتي زمن النبي كله وبعده. وكان 
هو يعارض قول ابن عباس وفتواه» كما روي في الخبر الصحيح أنه خالف 
ابن عباس في عدة الحامل المتوفى عنها زوجها حيث حكم ابن عباس بأبعد 
الأجلين» وحكم هو بوضع الحمل» وكان سلمان يستفتي منه» فهذاء - أي 


E: 


حدیث المصراة ل من الات في ی 


هذه هي عبارة شارح المسلم» ومنه تعلم أن الفضمير في قوله. 
قفاوا إلخ عائد إلى فخر الإسلام ومن وافقه» ولكن مؤلف «فجر 
الإسلام» اقتطع هذه العبارة بنصها من كلام الشارح وجعل الضمير عائداً إلى 
الحنفية جميعاًء ونسب إليهم القول بعدم فقاهة أبي هريرة» بعد أن نسب 
إليهم تقديم القياس على الخبر. وأغضى النظر عن تعقيب الشارح له في 
نفيهم فقاهة أبي هريرة.. والمؤلف بين أمرين: إما أن يكون غير فاهم 
لكلام المصنف والشارح. ولا واقف على المذاهب في هذه المسألة. فخلط 
بين الأقوال» وأضاف قول فخر الإسلام وموافقيه إلى الحنفية جميعاء وفهم 
عبارة الشارح على أنها قول الحنفية» ولم يمهم تعقيب الشارح» بعد ذلك» 
وهذا بعيد عن فهم طالب مبتدئ» فكيف بمن كانت له مكانة الأستاذ أحمد 
أمين وشهرته العلمية. وإما أن يكون فاهما للموضوع ولكنه تعمد الخبط 
والخلط في نسبة المذاهب إلى أربابهاء ليحكم نسيج المؤامرة على أبي 
هريرة» ويحمل القارئ على إساءة الظن به» وهذا ما يترجح لمن يريد أن 
يحسن الظن بعلم الأستاذ وفهمه» ولا حول ولا قوة إلا بالله. 

١‏ - استغلال الوضاع كثرة حديثه: 

وأما «أن الوضاع قد استغلوا فرصة إكثاره فزوروا عليه أحاديث لا 
تعدا" فهذا شيء لم يخص به أبو هريرة» بل إن عمر وعلياً وعائشة وابن 
عباس وابن عمر وجابراً وأنساً كل هؤلاء وغيرهم كذب عليهم الوضاعون» 
ونسبوا إليهم أحاديث كثيرة» فليس من ترجمتهم في شيء أن يقال عنهم : 
إن الوضاع وضعوا عليهم أحاديث لا تعدء أجل لا يصح أن يذكر هذا في 
ترجمة صحابي أو تابعي فكيف ذكره في ترجمة أبي هريرة؟ ولم خصه به 
دون عائشة وعلي وعمر وغيرهم من كبار الرواة من الصحابة؟ هنا تطل 


(۱( شرح مسلم اقروت 0/۲ - 1. 
)۲( ص ۱۷۰ . 


علينا «دائرة المعارف الإسلامية» لتخبرنا أن هذا هو ما انتهى إليه جولد 
تسيهر في بحثه عن أبي هريرة حيث يقول: (إن كثيراً من الأحاديث التي 
ا ر ا اع ف فر ا الك اا 
ر کا مج ل ت ر كل ها ارون فاا و 
أحاديث ا هريرة موقف ا وما دام جوا تمسو ا 
بحثه عن أبي هريرة بهذه النتيجة» كان لزاماً على أحمد أمين أن ينهي 
ترجمته لأبي هريرة بتلك الخاتمة» فهل رأيت إلى أي حد يخلص صاحب 
افجر الإسلام) في تتبع خطوات أعداء الإسلام؟ ثم أرأيت كيف جعل دأبه 
الطعن بهذه الشخصية الفذة في كل مناسبة؟ فهو إذن تكلم عن رد بعض 
الصحابة على بعض» كان أول ما يمثل به رد عائشة وابن عباس على أبي 
هريرة» وإذا ترجم له ذكر أنه كان يحدث من ذاكرته. كأنه شيء انفرد به 
من بين الصحابة جميعاًء وإذا أراد أن يعيب على الأقدمين اقتصارهم على 
نقد السند دون المتن مما جعلهم يحكمون بصحة أحاديث يخالفها الواقع 
على زعمهء لم يجد في التمثيل لذلك إلا حديث اص هريرة» وإذا حاول 
أن يثبت أن نقد الرواة في البواعث النفسية التي تحملهم على الوضع» قد 
حصل منه شيء في الصدر الأول» لم يجد لذلك مشلا إلا أبا هريرة 
وحديث أبي هريرة» وهكذا يحمل مؤلف «فجر الإسلام» حملات منكرة 
بأسلوب لطيف على هذا الصحابي العظيم من غير تثبت ولا تحقيق أو 
متعمداً لذلك ليحقق فكرة خبيئة في ذهن مستشرق ومغلوب على هواه 
ليشوه بها سيرة عظمائنا الذين نقلوا إلينا هذا الشرع وحفظوه» ولكنا نقول 
للأستاذ أحمد أمين ولمن سبقه من المستشرقين ولمن يلحق بهم من 


المعاندين› إن مجان بظل يحدث الناس نا وأربعين ف بعك وفأة 
الرسول ية على مسمع من كبار الصحابة وأقرب الناس إليه» من زوجته 
وأصحابه ثم لا يلقى إلا تجلة وإعظاماء يرجع إليه في معرفة الأحاديث, 


ويهرع إليه التابعون من كل جانب» ويتزوج منه سيد علماء التابعين الإمام 


.غام/١‎ )1١( 


الجريء التق الوون “سعية نين المسيي: انفده .علي عن اة وجرت 
ويبلغ الآخذون عنه ثمانمائة من أهل العلمء لم نسمع أن أحدأ من الصحابة 
بلغ مبلغه في الاخذين عنه» وكلهم يجمعون على جلالته والثقة به» 
وينطوي في تاريخ الإسلام ثلاثة عشر قرناًء وهي كلها شهادات صدق في 
أحاديثه وأخباره. إن صحابياً بلغ في التاريخ ما بلغه أبو هريرة» يأتي إليه 
اليوم من يزعم أن المسلمين جميعاً أئمة وأصحاباً وتابعين ومحدثين لم 
يعرفوه على حقيقته» وأنه في الواقع كان يكذب ويفتري» إن موقفا كهذا 
يقفه بعض الناس من مثل هذا الصحابي العظيم» لجدير بأن يجلب لأهله 
والقائلين به الاستخفاف والازدراء بعلومهم وعقولهم معاً. 


o1 





على السنة المحمدية» فى حق أبى هريرة رضى الله عنه ليكون الحديث عنه 

تدور مطاعن (أبى رية) ےا هريرة رصى اللّه نه حول احتقاره 
حديثه عن رسول الله ييه وحبه لبطنه وللمال وتشيعه لبني أمية إلى غير ذلك 
متخا سنتعر ضص له بالتفصيل › وا أن «أبا رية) كان أفحش وأسنوا أدياً من 
كل من تكلم في حق أبي هريرة من المعتزلة والرافضة والمستشرقين قديما 
RET‏ مما يدل على دحل وسوء عقيدة و خث طوية» وسيجزيه الله بما 
افترى وازدرى و حرف وشوه من الحقائق . وسيلقى ذلك في صحيفته و 

أما تفصيل هذه التهم والافتراءات فإليك مناقشتها مع شيء من 
الويجاز : 
أولا: الاختلاف فى اسمه: 

يقول أبو رية": «لم يختلف الناس في اسم أحد ‏ في الجاهلية 
والإسلام ‏ كما اختلفوا في اسم أبي هريرة» فلا يعرف أحد على التحقيق 
الاسم الذي سماه به أهله ليدعى بين الناس» ثم نقل عن النووي أن اسمه 
(أنه قد اجتمع في اسمه وأسم أبيه أربعة وأربعون قولا) . 


. ۱٥۲ص‎ (۱) 


or 


ترود أب دية أن يمون مق شان أن هريرة يانه لم.يكق. معرونا فى 
وسط الصحابة حتى إن اسمه فيه خلاف كثير. والجواب عن هذا: 

١‏ إن الاختلاف في اسم الرجل لا يحط من شأنه وقيمة الرجل 
بعمله لا باسمه واسم أبيه ع وما جعل الله دخول الجنة وبلوع مراتب السعادة 
عنده بالأسماء والكنى والألقاب. ومن زعم مثل هذا فهو جاهل بدين الله. 

؟ ‏ إن كثيراً من الصحابة قد اختلف في أسمائهم اختلافاً كبيرأء ولم 
ينقص ذلك من أقدارهم وخدمتهم للإسلام وتقدير المسلمين لهم 
ولأعمالهم . 

۳ - إن سبب هذا الاختلاف في اسم أبي هريرة يعود إلى أنه منذ 
أسلم لم يعرف إلا باسم «أبي هريرة» ولم يكن من قريش وقبائلها حتى 
يعرفه الصحابة باسمه الأصلي» وإنا لنشاهد أكثر المسلمين اليوم لا يعرفون 
الاسم الحقيقي لأبي بكر الصديق رضي الله عنه لأنهم منذ نشؤوا لم يعرفوه 
إلا بكنيته» فأي ضرر فى هذا؟ لقد كان من قبيلة دوس» من مكان ناء عن 
مكة والمديئة» ومنذ أسلم ولزم النبي كل لم يناد إلا بأبي هريرة» فهل 
يستغرب بعد ذلك أن تس اسدمة الا الذي سماه به أبوه وأمه؟ . 

٤‏ إن الاختلاف في اسمه واسم أبيه إلى ثلاثين أو أربعين قولاء 
يس على حقيقته» بل هو ناشئ من وهم الرواة وتقديم لفظ على لفظ› 
والخلاف الحقيقي لا يتجاوز على التحقيق ثلاثة أقوال. ) 

قال الحافظ ابن حجر في «الإصابة»: «مع أن بعضها (بعض الأسماء 
التي رويت له) وقع فيه تصحيف أو تحريف. مثل بر وبرير ويزيد» والظاهر 
أنه تغيير من بعض الرواة» وكذا سكن وسكين» الظاهر أنه يرجع إلى واحد 
وكذا سعد وسعيد». ثم قال: «فعند التأمل لا تبلغ الأقوال عشرة خالصة» 
ومرجعها من جهة صحة النقل إلى ثلاثة: عميرء وعباد الله 


010 
وعد الرحمن) 9 


.١١ 5/5 الإصابة فى تمييز الصحابة‎ )١( 


فالخلاف الحقيقى هو فى ثلاثة أقوال. ونحن نجد فى عشرات 
الصحابة من اختلف في ل اريغة أفوال: أو خمسة أو ستةء فلماذا 
التهبويش .فى هدا الشأن؟ إلآ أن تكون النية خبيثة» والقصد التشنيع 
والتشويش؟ . 
ثانياً: نشأته وأصله: 

رل ا «وإذا كانوا قد اختلفوا في اسم أبي هريرة» فإنهم 
كذلك لم يعوقوا شين عن نشاته ولا"غن: تاريخة قبل إسلامة غير ها ذكرة 
هو عن نفسه من أنه كان يلعب بهرة صغيرة وأنه كان فقيراً معدماً يخدم 
الناس بطعام بطنهء وكل ما يعرف عن أصله أنه من عشيرة سليم بن فهم 
من قبيلة أزد ثم من دوس»). 

ما كنا نظن إنساناً يحترم نفسه ويدعي العلم والمعرفة يَهُوِي إلى مثل 
هذا القرار في تجريح صحابي مشهور ‏ لم تخف شهرته على معاصريه ولا 
على الأجيال المتعاقبة من بعده ‏ وبمثل هذا الكلام الذي نقلناه عنه. 
والجواب ما يلي : 

١‏ إنه من قبيلة دوس وهى قبيلة معروفة ذات شرف ومكانة فى 
الق ال ۰ 


شيء عنهم في جاهليتهم قبل الإسلام . فلقد کان العرب كلهم مغمورين في 
جاهليتهم» محصورين في جزيرتهم» لا يهتمون بشؤون العالمء ولا يهتم 
العالم بشؤونهم إلا ما يتصل بالتجارة التي كانت تمر قوافلها ببلادهم. فلما 
يكتب» وشؤون يتحدث عنهاء ورواة يتتبعون أخبارهم» وتلاميذ ينقلون 
عنهم العلم والهداية» فهل كان شأن أبي هريرة فى هذا يختلف عن شأن 


هو 


. ۱٥۳ ص‎ )۱( 


حمهون القمحابة؟ .ولما كانت «جهالة ‏ تاريخة "فى الحاهلية تقير. تمكاثقة :تحط 
من شأنه في الإسلام» وأي يجد «أبو رية) في كتاب الله أن الذي لا يعرف 
تاريخه قبل الإسلام يجب الحط من شأنه والانتقاص من مكانته؛ والشك 
فيما يروي من أحاديث رسول الله؟ سبحانك هذا بهتان عظيم . 

کک وی اروا ان ال «أبا رية» عن تاريخ آلاف من الصحابة الذين 
بلغوا في حجة الوداع مع رسول الله ييةٍ مائة وأربعة عشر ألفاً كما ذكر 
بعض المحققين» هل لهؤلاء تاريخ يعرف قبل الإسلام إلا عشرة أو عشرين 
وكل تاريخهم الذي يعرف عنهم لا يتجاوز سطراً أو سطرين. أفيكون من 
عدا هؤلاء العشرين مجروحين عند أبي رية محتقرين لا قيمة لهم ولا شأن؟ 


أهذا هو التحقيق العلمي الذي لم ينسح أحد من قبل على منواله كما ادعى 


ثالثا: أميته: 

eS يقرا ولا‎ VY OSA Os 

لم تكن أمية الصحابي مجالا للطعن في صدقه في عصر من عصور 
الإسلام حتى جاء أبو رية» فعد ذلك من جملة المطاعن فيه. 

على أن الأمية هي الصفة الغالبة على العرب الذين بعث فيهم 
رسول الله کیا ومن المعلوم أنه لم يكن في مكة ‏ حين بعثة الرسول ‏ 
من يعرف القراءة والكتابة إلا نفرا يعدون بالأصابع وبذلك يكون جمهور 
افا لل برا مات واه عير اا ج كما تاا ا أ 
يقرؤون ولا يکتبون» فما سر تخصيص ا هريرة بالإشارة إلى أميته؟ 
هل ذلك للتشكيك في صحة ما يرويه من الأحاديث من حفظه دون 
الرسول يل إلا ما كان من عبد الله بن عمروء فهل يريد أن يطعن أبو 


. ۱١۳ ص‎ 21) 


رية بكل ما رواه الصحابة عن رسول الله علا لأنهم قالع اميه 
يقرؤون ولا يكتبون؟ لا أدري إن كان هذا مما يؤدي إليه التحقيق 
العلمي الذي لم ينسج على منواله أحد! . 


رابعا: فقره: 

لقد حرص أبو رية» في أكثر من موضع من بحثه عن أبي 
هريرة أن يظهر احتقاره لذبن هريرة وتشهيره به لأنه كان فقيراً 56 لا 
يملك شيئاً: ولانة كان يلازم رسول الله ا يحفظ حد يته ويتعلم هدايته 
على أن ينال مع ذلك ما يشبع بطنهء وقد كرر القول بأنه كان مهينا 
في قبيلته» وأنه لم يكن من أشراف العرب ولا رؤسائهم المعروفين. . 
ون أجل فا كله اسح أي هة د اا ا ان 
والاحتقار!. 


لقد ګنا نفهم من رجل غني صاحب جاه ونفوذ أن يحتقر الفقراء 
ويزدريهم. وكنا نفهم من أعداء الأنماء ومحاربي دعواتهم أن E‏ 
قال قوم نوح لنوح عليه السلام: لاوما رنت امعت إل الت هم أَنازِنا 
باوى اريه [هود: ۲۷]. 


وكنا نفهم أن يكون الذين لا يؤمتون بالله واليو م الآخرء يجعلون من 

وكنا نفهم أن تكون البيئات الأرستقراطية الرأسمالية هي التى تستعلى 
على الفقراء ونزدريهم وتمتهن أقدارهم . 

لقد كنا نفهم كل هذا إلا من مثل «أبي رية» فبأية عقلية يتكلم عن 
فقر أبي هريرة وعدم وجاهته! أبعقلية الذين يكذبون رسل الله وأنبياءه؟ فإن 
كان هو ممن يؤمن بالله ورسله وبما جاء في كتابه. فإن الله حكى عن نوح 
عليه السلام أنه قال للذين ازدروا أتباعه المؤمنين الفقراء: #وما آنا بطارد 


ا د 


TS‏ انهم ملقو رهم ولكوت ارك قرم 4 [هود: ۲۹] ثم 


oV 


قال لهم: مورك أ فول لِلَدِيَ تَرْدَرىَ اشک کن بوت اھ عب آله عَم ب بما فى 
نهم | ات إا 0 لعَلبِلِمِيتَ 4 [هود: .]|١١‏ 

وإن كان يتكلم بعقلية الأغنياء في وسط إسلامي» فإنه يعلم أن 
الإسلام أهدر جميع القيم المادية في التفاضل بين الناس ولم يعترف إلا 
بقيمة واحدة هي قيمة التقوى حين قال: ET:‏ ڪرم ند ا انگ 4 
[الحجرات: .]١١‏ 


ا أجد مسوغا «لأبي رية» في تلك النظرة الوقحة المخزية التي 
جاهر بهأ في نظر ته آلف فقر أبي هريرة وجوعه وقلة ذات يده . 


لقد كان بلال مؤدذن الرسول َيه وهو الذي صعد على ظهر الكعبة 
يوم فتح مكة فوق رؤوس سادة قريش وكبرائها ليعلن كلمة الإسلام» وكان 
عمر يقدم صهيبا وبلالا وأمثالهما من الضعفاء على كبراء القوم حين 
يستأذنون في الدخول عليه. 
يضيرهم شيئاً عند رسول الله ي؟ أم هل كان ذلك يضيرهم شيئا في تاريخ 
الدعوة الإسلامية وكفاحهم في سبيل الله ؟ 

أو لم يسجل تاريخ الإسلام لهؤلاء الفقراء الأرقاء المهينين في نظر 
كفار قريش وأمثال «أبي رية"» أروع صفحات الخلود والمجد والإخلاص 
للحق والتفاني في سبيل الله ونشر دينه؟ فأين يبلغ من مكانتهم أو قريب من 
مكانتهم من كان يسميهم كفار قريش وأمثال «أبي رية» بالأغنياء والشرفاء 
والوجهاء؟ ! 

ثم إن هذا المقياس الذي اتيا أو رية فى حق أبي هريرة ألا 
ينقلب على «أبي رية) نفسه ) فيجوز لقائل أن يزدري به ويمتهنه ويحط من 
شأنه لأنه - على ما نعلم - من الفقراء وليس من الأغنياء» وليست له منبهة 


0۸ 


56 قومه ولا شرف ولا مكانة ! . 


قدمنا أبا هريرة رضي الله عنه أسلم سنة سبع من الهجرة في غزوة 
خيبر ونزيد الآن أننا نرجح أنه أسلم قبل هذا التاريخ بزمن طويل» ولكن 
هجرته إلى رسول الله ب إنما كانت في تلك السنة» وإنما رجحنا ذلك 
لا 


الأول: ما ذكره ابن حجر في «الإصابة» من ترجمة الطفيل بن عمرو 
دري Ea I O‏ 
هريرة ‏ دعاهم إلى الإسلام فلم يجبه إلا أبوه» وأبو هريرة. وهذا صريح 
في أن إسلام أبي هريرة قد تم قبل قدومه إلى الرسول في غزوة خيبر 
بسنوات . 


الثاني : ما رواه البخاري ومسلم وغيرهما من أمر المشادة التي جرت 
بين أبي هريرة وبين أبان بن سعيد بن العاص حين قسمة الغنائم بعد فتح 
خيبر» فقد طلب أبان من الرسول أن يقسم له من الغنائمء فقال أبو هريرة: 
لا تقسم له يا رسول الله فإنه قاتل ابن قوقل - وهو النعمان بن مالك بن 
ثعلبة ولقبه قوقل بن أصرم - وذلك في معركة «أحد» إذ كان أبان لا يزال 
مشركاً فقتل ابن قوقل”'*. 


ومن هذه القصة ندرك أن أبا هريرة حين قدم خيبر مهاجراً إلى 
رسول الله بيو لم يكن حديث عهد بالإسلام» بل كان متتبعاً لمعاركه 


)١(‏ أورد البخاري القصة على عادته في مواضع متفرقة» ولکن أوفاها ما اورده فى باب 
غزوة خيبر ) انظر فتح الباري 40/۷ . 
(۲) فتح .الباري ۸/ ۸۳. 


وقد أساء أبو رية ‏ كعادته - فهم هذه القصة واستنتج ح منها غير ما يفهمه 
المنصفون. وأيأ ا إسلام ابي فزيرة الاما خالضا لوععة الله 
كإسلام الصحابة جميعاء سمع بالإسلام لأول 0 الطفيل بن عمرو 
جلت كان موا لع فيا زا متكيوقا للمشعزة للوسول: كله 
حتى قدم عليه» وقد كان الرسول والمسلمون في غزوة خيبر. 

وأكثر الروايات على أن قدومه وافق الانتهاء من الغزوة» ولكنه حضر 
قسمة الغنائم» وبعض الروايات - وهي الأوثق والأصح تنيت أن النبي كاد 
أمر المسلمين بأن يفرضوا له منها نصيباً. 

ثم لازم النبي ييا بعد ذلك على أن لا يلتفت إلى شيء من الدنيا إلا 
أن يستمع إلى الرسول ويحمل للمسلمين من بعده هدايته وينقل إليهم 
حديثه» وكان طبيعياً أن يكون مكان أبي هريرة في «الصّمّة) وهو مكان في 
المسجد كان يأوي إليه المنقطعون للعلم والجهاد مع رسول الله والذين 5 
ليدم مال ولا أهل في المدينة» وقد كان في الصفة كرام الصحابة» وكان 
رسول الله 55 يكرمهم ويحث على إكرامهم 

واستمر شأن أبي هريرة كذلك يلازم الرسول أينما ذهب حتى 
اختار الله رسوله لجواره. وبهذه الملازمة المستمرة من سنة سبع إلى عشر 
والحرص الشديد على تتبع حديث رسول الله من أفواه الذين سبقوا أبا 
هريرة إلى الإسلام» ومن أفواه زوجاته تجمع لأبي هريرة من الحديث ما لم 
يتجمع لغيره من الصحابة الذين لم يتفرغوا تفرغه لسماع الحديث ولم 
يلتزموا ما التزمه أبو هريرة من ملازمة الرسول أينما سار. 

تلك هي قصة إسلامه. وقد روى لنا البخاري وغيره كالدولابي في 
«الكنى) (المتوفى )١١١‏ حديث هجرته من دوس إلى الرسول في المدينة ثم 
خیبر» وكيف كان يتغنى في طريقه بقوله : 

فياليلة من طولها وعنائها 2 على أنها من دارة الكفر نت" 


. في رواية الدولابي «تنجيني»‎ )1١( 


۳۰ 


وفي الطريق أ غلام ا هريرة » فلما قدم على النبي 245 وبايعه 
ظهر الغلام فقال له الرسول: يا أبا هريرة! هذا غلامك» فقال أبو هريرة: 
هو لوجه الله" أعتقه فرحا بلقائه رسول الله ية ومبايعته على الإسلام! 


ومن هذا نرى أن في قصة إسلام أبي هريرة مثلا من أمثلة الصدق في 
محبة الرسول واعتناق الإسلام» وفي الشكر على نعمة الله بلقاء رسوله 
ومبايعته بإعتاق عبده الذي ليس له غيره» ولعمري إنه مثل يجد فيه 
المؤمنون الصادقون ما تفيض به النفس ثقة ورضى واطمئنانا. 

ولكن «أبا رية» وقد امتلأت نفسه ضغناً على أبي هريرة» لم ير في 
قصة إسلامه إلا قصة من قصص التشرد التي تحمل الجائع على التنقل من 
بلد إلى بلد ليملاً بطنه! ولم ير في صحبته لرسول الله إلا ذلك الرجل 
المتسول الذي همه في الحياة أن يسد جوعته ويشبع نهمته! فيا عجبا! هل 
يرضى أبو رية هذه الصورة لنفسه؟ أم هل يرضاها لولده؟ أم هل يرضاها 
لأحد أصدقائه؟ فكيف ارتضاها لصحابى من صحابة رسول الله مهما كان 
رأي أبي رية فيهء فلا شك أن اه الإسلام منذ عصر التابعين 
حتى اليوم يرونه المثل الكريم لحامل أمانة العلم عن رسول الله كه . 
سادسا: قصة جوعه وملازمته للرسول: 

كرر «أبو رية» القول عن فقر أبي هريرة وأنه لفقره اتخذ سبيله إلى 
الصفة» فكان أشهر من أمّها ثم صار عريفاً لمن كانوا يسكنونه. 

١‏ ولعمري إن أبا رية لا يخجل من الله ولا من الناس» فلا الفقر 
وسكنى الصفة عيبا ومهانة عند الله ورسوله» ولا هو عيبأ ومهانة عند ذوي 
النفوس الكريمة التى نبتت فى ظلال المكرمات من الأعمال والصفات› 
SWANN Noo a E,‏ 
الال واا ٤‏ 


.1١/١ انظر فتح الباري ۸۳/۸ والكنى والأسماء‎ )١( 
۱9 ن‎ (۲( 


1 


ويكفينا فى الرد على أبى رية ما تحدث به القرآن عن طبقة الأغنياء 

١‏ - ويقول: (إنه كان صريحاً صادقاً في الإبانة عن سبب صحبته 
للنبى ياء كما كان صریحا صادقاً فى الكشف عن حقيقة نشأته) (وهو أنه 
نشأ يتيماً كأن اليتم عيب عند أبي رية فواعجباً للذين لا يستحون) فلم يقل : 
إنه صاحبه للمحبة والهداية» كما كان يصاحبه غيره من سائر المسلمين» 
وإنما قال: (إنه صاحبه على ملء بطنه»» (ونقل في الهامش عن ابن هشام 
أن «على» تأتى للتعليل) . 

هذا كلام لا يقوله إلا موتور! ولا يفهم معنى كلام أبي هريرة على 
هذا إلا من فى عقله خلل» أو فى صدره دغل» وإلا فكيف يسوغ لعاقل 
أن يفهم أن أبا هريرة شرك بلاده وقبيلته وأرضه ال ا فا وتا ذلك 
كله بعيداً ليأتى إلى رسول الله كي ليأكل ويشرب فقط؟!. 

أكان ابو هريرة لا يجد فى قبيلته ما يأكل وبشيرات؟ أكانت أرض 
دوس وهي قبيلة عظيمة ذات شرف ومكانة» أرضاً مجدبة قاحلة ضاقت بأبي 
هريرة حتى لم يجد فيها طعامه وشرابه؟ ولِمَ جاء أبو هريرة إلى المدينة؟ أما 
وجد في تجارتها وزراعتها ما يأكل به ويشرب كما يأكل ويشرب التجار 
والزراع فيها؟ وهل نجد إلا عند المتسولين العالميين أن يهاجروا من بلادهم 
إلى بلاد نائية ليأكلوا ويشربوا؟ بل إِنا لنجد عند هؤلاء ليس مجرد الرغبة 
کی الأكل والشرمسء بل وجمع الأموال وأبو رية لايتهم أبا هريرة بأنه 
ڪڪ الرسول لجمع الأموال» فليس ا هريرة في رأي أن رية أحط شأناً 
من المتسولين العالميين (النَوَر أو الغجر)؟ أهكذا يصل عمى البصيرة والحقد 
الأسود بصاحبه إلى هذا الدرك؟ . 

۳ - ثم إن الرواية الصحيحة الثابتة في صحبته للنبي ييه ليست هي 
كما أوردها أبو رية بل هى كما رواها البخاري في (كتاب البيوع): «وكنت 
ألزم رسول الله مو على ملء بطني» يقول ذلك في إيضاح كثرة روايته 
للحديث كما سيق . 


1۲ 


ورواها مسلم أيضاً فى صحيحه في (فضائل الصحابة) يقول: «كنت 
رجلا مسكيناً أخدم رسول الله كله على ملء بطني» . 

فلا ذكر للصحبة هنا بل الملازمة والخدمة» ولم يكن ذلك في صدد 
الباعث له على صحبة النبي ييه كما زعم «أبو رية» بل في صدد السبب 
الذي من أجله كان أكثر الصحابة حديثا. لقد كان المهاجرون يشغلهم 
الصفق بالأسواق في التجارة» وكان الأنصار أصحاب زرع تشغلهم 
زراعتهم» في حين أنه هو كان يلازم النبي أينما ذهب» فأين يأتي زعم «أبي 
ونقا رانم ا صادقاً في كشف سبب صحبته للنبي له . 

E‏ اراد عن ذلك 
أن لفظ «على» في قوله «على ملء بطني» إنما هو للتعليل وأن ابن هشام 
ذكر أن معانى «على» هو التعليل كقوله تعالى: #ولتككبررا أنَّدَ عن ما 
هدنک [البقرة : 65 أي لما هداكو'''. 

وهذا افتراء آخر ودليل آخر على أنه لا يريد الحق وإنما يريد أن 
يتلمس الطريق إلى الحط من شأن أبي هريرة. 

إن ابن هشام رحمه الله ذكر أن «على» تأتي على تسعة معان» إحداها 
التعليل» فلماذا تعين عند «أبي رية» أن تكون لمعنى واحد من هذه المعاني 
التسع» مع أنها في قول أبي هريرة تصلح لأكثر تلك المعاني؟ . 

وقد فهمها العلماء الذين أنار الله بصائرهم وطهر قلوبهم من الحقد 
على صحابة رسول الله ييه على حقيقتها دون ما فهمه «أبو رية». 

قال الإمام النووي في شرح فول أبي هريرة «على ملء بطني) : «أي : 
ألازمه وأقنع بقوتي ولا أجمع مالا لذخيرة ولا غيرها ولا أزيد على قوتي» 
والمزاة. من حيبت خصول القرت من الوحوه المباحةء وليس هو مخ الخدمة 
اا اھ 


(۱) ص ١١‏ هامش رقم 8 


)۲( النووي على مسلم ۳. 


EY 


وقال الحافظ ابن حجر: «على ملء بطنى: أي مقتنعاً بالقوت» أي 
فلم نکن له غبة عه 

وقال العلامة العينى: «على ملء بطنى: أي مقتنعاً بالقوت». 

.وخلاصة القول إن أبا رية قد انكشف انكشافاً فاضحاً حين أراد أن 
يتخذ من قصة إسلام أبي هريرة وملازمته له مجالاً للتشكيك فى صدق 
إسلامه وإخلاصه فى صحبة النبى كك من حيث كانت تلك القصة وهذه 
الصحبة من مفاخر أبي هريرة ومن ا الالال غل خد ل و اة حا 
ا 

فا الدنيا فقد خلفها وراءه مند اعتزم أن لا يتاجر فى المدينة ولا 

وأما المال فإن أبا رية ‏ على سفهه وشططه في فهم النصوص - لم 
يجرؤ أن يفتري على أبي هريرة أنه كان في إسلامه راغباً في المال. 

وإنا لنجد فى بعض ما ذكره ابن كثير فى تاريخه عن أبى هريرة ما 
يرفع شانه ويعلي مكانته في قلوب اهل الحق . فمل أخرج بسئده ا 
سعيد بن هند عن أبى هريرة رضى الله عنه: أن النبى ية قال له: ألا 
ا من هذه الغنائم الت عالت أضتعابلة؟ قال أبو هريرة: فقلت: 
أسألك أن تعلمني مما علمك الله" فهل بعد هذا أروع من هذا الإخلاص 

وکر انه کین انشا أن ابئة أبى هريره اة ونا يأ أبنت إن 
)١(‏ فتح الباري .71١/5‏ 
(۲) عمدة القاري 5"95/5. 


(*) البداية والنهاية 7/8 .١١١‏ 


1¢ 


البنات يعيرننى ويقلن لي: لم لا يحليك أبوك بالذهب؟ فقال: يا بنية: 
5 ا 0 ' )00 

وأما الجاه فإن الرجل الذي رضي في سبيل الهجرة إلى رسول الله أن 
يخدم قافلة مسافرة في الطريق ويرضى أن يسكن في الصفة مأوى الذين لا 
نيت ليم ولا سکن › وأن يتحمل مرارة الجوع في سبيل العلم. وحمل 
أمانته هو رجل أبعد ما يكون عن طلب الجاه. 

حتى إن عمر رضي الله عنه لما استعمل أبا هريرة على البحرين › ثم 
قدم ببعض المال فحاسبه عليه عمر» فلم يجد في مكسبه مدخلا لإثى 
رفض أن يلى العمل مرة ثانية لعمر. وكان مما قاله: أخشى أن أقول بغير 

(۲) 5 

فهذا هو أبو هريرة في إسلامه وصحبته للنبي كك فكيف استجاز أبو 
رية أن يقلب الحقائق» ويمسخ التاريخ الناصع, ويفتري على الأبرياء وهو 
الذي قال: لعنة الله على الكاذبين متعمدين كانوا أم غير متعمدين؟!. 

وهذا افتراء آخر على التاريخ ونشويه لوجه الحى . . 

أما ا كان أكولاء فهذا لم ترد به رواية صحيحة محترمة› وعلى 
فرض ورودها فإن ذلك لا يضير أبا هريرة فى عدالته وصدقه ومكانتهء وما 
كانت كثرة الأكل في مذهب من المذاهب ولا في شريعة من الشرائع 
مسقطة للعدالة» داعية للجرح» وما حمل أبا رية على سلوك هذا المركب 
الخشن إلا حقده» وسو ء أديه مع صحابي جليل من صحابة رسول الله ليد . 


وأما أنه كان يطعم كل يوم في بيت النبي أو في بيت أحد أصحابه. 


التذابة و القواية 113/2 
© البذاية والدباية ١1/7‏ 


۳٥ 


فهذا هو ما ذكرناه قبلا من أنه لزم النبي با على ملء بطنه مقتنعاً بأكله في 
سبيل حفظه لحديث رسول الله ڪيا ونقله لا خاره: 

وقد قال طلحة بن عبيد الله - وقد سأل رجل عن كثرة أحاديث أبي 
نعلم إنا كنا قوماً أغنياء لنا بيوتات وأهلون» وكنا نأتي رسول الله كَل 
يده مع رسول الله ل وکان يدور معه حیثما دار» فما نشك أنه قد علم ما 

0010 : : 

فهذا هو الحق ولكن أبا رية أبى له تحقيقه العلمي الذي لم ينسج 
على منواله أحد إلا أن يجعل هذه الفضيلة منقصة فيجعل أبا هريرة كالشحاذ 
الدع رقت غل اواب ارك قيروة .هذا و اة لے وال الك الحا 
ر ار عو مدو ےه اداد اا هه ال اه لاون تعبا ردد 
حبا» لئلا يكثر غشيان بيوت الناس» وهذا افتراء قبيح يرده ما ذكره أبو رية 
نفسه من أن النبي قال له ذلك بعد أن سأله أين كنت أمسء فأجابه أبو 
هريرة بقوله: زرت أناسا من (أهلي) فأين ما زعم أن النبي قال له ذلك 
لكثرة غشيانه یوت الناسن ؟ : 

على أن الحديث لم يصح سنده إلى النبي بي وإليك ما قاله الحافظ 
السخاوي: قال العقيلي: هذا الحديث إنما يعرف بطلحة» وقد تابعه قوم 
نحوه فى الضعف» وإنما يروي هذا عطاء بن عبيد بن عمير من قوله. اه 
شين :الى ا روآه اع حبان فى الاصحيحه) عن عطاء قال : دخلت ا 
وعبيد بن عمير على عائشة»: ققالت لعبيد: قد آن لك أن تزورناء فقال: 
اقول لك ا آنه كينا ال الول ا ا فقالت: "دعويا ممم 
بطالتكم هذه. . . ثم قال السخاوي: والحديث مروي أيضاً عن أنس وجابر 


)١(‏ البداية والنهاية: .٠١53/8‏ وقال الحافظ ابن حجر: رواه البخاري في التاريخ وأبو يعلى 


بإسناد حسن (فتح الباري 1/ 11). 


۲1٦ 


وحبيب بن مسلمة وابن عباس وابن عمر وعلي ومعاوية بن حيدة وأبي 
الدرداء وأبي ذر وعائشة وآخرين» حتى قال ابن طاهر: إن ابن عدي أورده 
في أربعة عشر موضعاً من «كامله»» وعللها كلهاء وبمجموعها يتقوى 
الحديث وإن قال البزار: إنه ليس فيه حديث صحيح» فهو لا ينافي ما قلناه 
(أي من أنه ورد من طرق ضعيفة يقوي بعضها بعضاً)'. 

فالحديث كما ترى فيه مقال: وعلى فرض ثبوته» فلم يثبت أن 
النبي ية قاله لأبي هريرة خاصة» بل روي عن أكثر من عشرة من الصحابة 
لا يستطيع أبو رية أن يدعي أنهم كلهم كانوا ثقلاء يغشون بيوت الناس 
فنصحهم النبي بذلك وأدبهم!!. . 

وأما ما زعمه أبو رية من أن بعضهم كان ينفر منه فهذا هو الكذب 
الصريح المتعمد» ونحن نتحداه أن يأتينا برواية صحيحة معتمدة تثبت هذاء 
بل كان أبو هريرة محبوبا عند جميع المسلمين استجاب الله فيه دعاء 
رسوله و كما روي ذلك في البخاري وغيره من كتب السنة . 


5 ثم ذكر أبو رية أن أبا هريرة كان يستقرئ الرجل الآية وهي معه 
کي ينقلب به فيطعمه› وكان يفعل ذلك مع جعفر بن أبي طالب ومن أجل 
ذلك جعل أبو هريرة جعفر بن أبي طالب أفضل من أبي بكر وعمر وعلي 
وعثمان وغيرهم من كبار الصحابة ٠‏ وفي هذا عديد من الافتراء والكذب 
والتضليل أما قوله: إن أبا هريرة كان يستقرئ الرجل الاأية وهي معه فهذا 
نص ما جاء في «صحيح البخاري» وهو كلام يريد منه أبو هريرة غير ما 
يفهم من ظاهره» فإنه يقول: إني لأستقري الرجل أي أطلب منه القَرَي 
فيظن أني أطلب منه القراءة» كذلك فسر الحافظ ابن حجر كلام أبي هريرة 
ثم قال: ووقع بيان ذلك في رواية لأبي نعيم في الحلية عن أبي هريرة أنه 
وجد عمر فقال له: أقرني فظن أنه من القراءة فأخذ يقرئه القرآن ولم 


0 #المشاميف لحي 1 


.١66 ص‎ (۲) 


1۷ 


e 2.‏ 010 
يطعمه» قال أبو هريرة: وإنما أردت منه الطعام. 


وما مدحه لجعفر بن أبى طالب» فذلك أنه كان إذا سأله القرى أو 
القراءة لا يجيبه حتى يذهب به إلى بيته» يقول أبو هريرة: كان ينقلب بنا 
فيطعمنا ما كان في بيته حتى إن كان ليخرج إلينا العكة (ظرف السمن) التى 
ليس فيها شيء فنشقها ونلعق ما فيها (رواه البخاري) ومن أجل ذلك يقول 
عه ابو هريرة: إنه كان خير الناس للمساكين» وهذا حق» فإن كرم جعفر 
وسخاءه وحبه للمساكين كان مشهوراً معلوماً للنبى يله وصحابته حتى كان 
النبي با يكنيه بأبي المساكين". 


فهل يلام أبو هريرة على مدحه لجعفر بعد أن كناه النبي ييه بأبي 
المساكين؟. وعلى هذا المعنى يحمل ما روي عن أبى هريرة: ما احتذى 
النعال ولا ركب المطايا ولا وطئ التراب بعد رسول الله يله أفضل من 
جعفر بن أبي طالب» فإنه في صدد الذين يحبون الفقراء ويعطفون على 
المساكين › لا في صدد التفضيل بين صحابة رسول الله ية على الإطلاق 
حتى يدعي أبو رية أن أبا هريرة جعله أفضل من أبي بكر وعمر وسائر 
الصحابة؟ ومتى كانت لأبى رية هذه الغيرة على صحابة رسول الله ية وهو 
الذي رماس :فى "كلانه يدا رات م ا وبعضهم بالكذب› 
وبعضهم بالممالأة على الباطل؟! . 

ويؤيد ما قلناه من أن أبا هريرة لا يريد الإطلاق ما قاله الحافظ ابن 
حجر بعد أن ذكر قول أبي هريرة في جعفر: إنه كان خير الناس للمساكين. 
وهذا التقييد (للمساكين) يحمل عليه المطلق الذي جاء عن عكرمة عن أبي 
هريرة وقال: ما احتذى النعال”". إلخ. 


- ثم نقل أبو رية عن الثعالبي وبديع الزمان الهمذاني ما قيل في 
)۱( فتح الباري 11/۷ 
(۲) فتح الباري 17/ 17. 


(۳) فتح الباري 7/ 17. 


TA 


طعام يقال له: «المضيرة» وأن أبا هريرة كان يحبها حتى كان يسمى (شيخ 
المضيرة) واستشهد بعد ذلك بكلام لعبد الحسين شرف الدين في أبي هريرة 
من أنه قال: على أعلمء ومعاوية أدسمء والجبل أسله. 

لم يحظر الله في كتابه ولا في سنة رسوله» ولا في قواعد شريعته أن 
يحب الإنسان نوعاً معيناً من أطايب الطعام» وقد كان رسول الله يا يحب 
الدباء»ء ويحب من اللحم ذراع الشاة» ويحب الثريد» وهو سيد الرسل ‏ 
وأكرم الزهاد» وأفضل من يقتدى به» ولم يعرف الإسلام رهبانية البطون» 
كما لم يعرف رهبانية الفروج» فأي طعن في أبي هريرة» وأي حرج يناله 
في دينه أو كرامته أو عدالته إذا أحب لوناً دسماً من أنواع الطعام؟ . 


أما إنه كان يأكل المضيرة عند معاوية ويصلي وراء عليّ ويقول ما 
قال» فذلك مما ترويه كتب الشيعة وكتب الأدب التي لا تعنى بصحة 
الأخبار كالثعالبى والهمذانى . 


والثابت ا أن ب 5 الفتنة بين على ومعاوية. وقد طهر الله 
منها سيفه وصفحة تاريخه» كما طهر منها كثيراً من الصحابة وعلمائهم 
وعبّادهم . 


له .أ UE‏ 
و 3 يطعن في أبي هريرة بهذا | 


لمذهبهم. ٠‏ وأبو رية لا يعلن عن نفسه آنه شيعي› فلماذا ينقم على أبي 
هريرة صنيعه ذاك ‏ إذا صح - كما تنقم عليه الشيعة؟!. 


للا إلا | = 03 !| - 


دين استدوا في اسع سا 


وأياً ما كان فإن تجريح صحابي جليل كأبي هريرة بمجرد أخبار تروى 
للنكتة والتظرف في فال لاوت لبس فين شان أن العلم والإنصاف» إلا 
أن كون ذلك مر اسلو التحقيق العلمى الذي لم ينسح أحد على منواله! 


6 - ثم نقل أبو رية عن الحلية لأبي نعيم أن أبا هريرة كان يطوف 
(۱) ص٦١۱‏ ۔ .۱٥۷‏ 


۲714۹ 


بالبيت وهو يقول: ويل لي من بطني» إذا أشبعته كظني وإن أجعته سبني أو 
ا 3 0 


أبو نعيم من كبار الحفاظ في عصرة بلا شك» ولكنه لم يلتزم في 
كتابه حلية الأولياء ذكر الروايات الصحيحة» وكم ذكر فيه من موضوع 
وتالف وضعيف نَبّهَ العلماء على ضعفه» ومنه هذا الأثر عن أبي هريرة فإن 
راويه فرقد السبخي وهو لم يدرك أبا هريرة. وأيضاً فقد كان غير ثقة. 


وعلى فرض صحة الأثر عن أبي هريرة فأي شيء فيه؟ ألم يقل ما هو 
حق في كل بطن؟ إن البطن إذا شبع بطر الإنسان» وإذا جاع ضعف 
وخوى.. أليس كذلك بطن أبي رية أيضأ؟ أم يزعم أن بطنه على الحالين ‏ 
في الشبع والجوع ‏ على اطمئنان ورضى وهدوء؟. 

E‏ لال مره ري ار 
وضعوا السفرة وبعثوا إليه وهو يصليء فقال: إني صائمء فلما كادوا 
يفرغون» جاء فجعل يأكل الطعام» فنظر القوم إلى رسولهمء فقال: ما 
تنطرون؟ قد والله أخبرنا أنه صائم» فقال أبو هريرة: صدق» إني سمعت 
رسول الله بيو يقول: صوم رمضان وصوم ثلاثة أيام من كل شهرء صوم 
الدهر» وقد صمت ثلاثة أيام من أول الشهر فأنا مفطر في تخفيف الله 
صائم في تضعيف الله . ظ 

ولعمري لقد سمح أبو رية في تتبع مثالب أبي هريرة حتى لم يعد 
يدرك مواطن الظرف والمرح والمزاح في أحاديثه» وهل هذه الحادثة إلا 
دليل على ما كان يتحلى به من روح مرحة ودعابة لطيفة جعلته محببا إلى 
قلب كل مؤمن؟. 


5 شیء يجرح دين ا هريرة وعدالته وكرامته هذه الحادثة؟ أي 


)١(‏ ص۷١٠»‏ والعبارة المذكورة هى فى ۳۸۲/١‏ من الحلية. 
(؟) ص۸١٠‏ نقلا عن البداية والنهاية 4/ .١١7‏ 


۳۷۰ 


معصية ارتكبها أبو هريرة هنا حتى يشنع عليه أبو رية فيها؟ لعل كل جريمة 
أبي هريرة فيها أنه كان خفيف الروح حلو الدعابة مما لم ينسجم فيه مع 
أ رية روحاً ودعابة! ولله في خلقه شؤون! . 

هذا وقد أخرج الإمام أحمد في مسنده أن أبا ذر رضي الله عنه قد 
وقعت له مثل هذه الحادثة تماماًء وأخشى أن يتحول أبو رية بعد اطلاعه 
على هذا فيشتم أبا ذر ‏ كما شتم أبا هريرة! . 

لم قل او رية عن «خاص الخاص» للثعالبي قول أبي هريرة: 
ایت اا الت قو ر ا ووا را اها حر هن ر 
غل ا 

لنفرض أن الثعالبى حجة فيما يروي» ولنفرض أنه روى هذا الخبر 
بسند صحيح» متصل إلى أبي هريرة» فأي شيء يجرح أبا هريرة في هذا؟ 
وأي شىء يغضص من قدره عند العقلاء والفضلاء؟ إنه دعابة من دعاباته. 
نت اجرب من مرحه الذي اعتاده» ولعمري لو سمعت إنساناً ‏ مهما بلغ 
في علو الشأن ‏ يقول هذا لاستحسنته وطربت لهء فيا شيخ أبو رية إذا 
كان الله قد أنعم على إنسان بخفة الدم» وحلاوة العبارة» وجمال النكتة. 
لماذا لا يتضايق. منه إلا النقلاء؟ ! . 

١‏ - ثم نقل عن العسجدي كلاماً في حق أبي هريرة بمناسبة 
الحديث المنسوب إليه «زر غبا تزدد حبا» ما تجد الرد عليه فيما تكلمنا عنه 
حول هذا الحديث ومن العسجدي وأمثاله حتى يحتج بهم على أبي هريرة 
وتقبل شهادتهم فيه؟!. 
سابعاً: مزاحه وهذره: ) 

زعم أبو رية أن المؤرخين أجمعوا على أن أبا هريرة كان رجلا مزاحا 
مهذاراًء ثم شرح معنى الهذر بأنه الكلام الكثير الرديء الساقط . 


.١ ص58‎ 0010 


۳۷1 


أما دعواه الإجماع بأنه كان مهذاراء فهذا افتراء على الله وعلى أبي 
هريرة وعلى المؤرخين والتاريخ . 

إن أحداً قط لم يصف أبا هريرة بأنه مهذار» ونحن نتحداه بأن يأتينا 
برواية صحيحة فى هذا الشأن. ) 

وما زعمه من أن عائشة وصفت أبا هريرة بذلك في قضية «المهراس» 
فقد قدمنا الكلام عليه في مناقشتنا لأحمد أمين''' ومنه يتبين أن عائشة لم 
ترد على أبي هريرة في قضية المهراس فضلاً عن أن تصفه بالمهذارء وإنما 
ذلك فلم يرد على لسانه بأنه مهذار! . 

وعلى فرض صحة هذا النقل عن عائشة ‏ وهذا ما نتحدى أبا رية 
وصفه بالهذرء هل عائشة من المؤرخين؟ وهل هي جميع المؤرخين؟ قل أيا 
أبا رية وأنت الذي قلت فى كتابك: لعنة الله على الكاذبين متغمدين أو غير 

هذا ومزال تداك بان تاا بصحابي أو تابعي أو مؤرخ موثوق 
وض اا هريرة اهدر وإلا فانت فين الكاذنية الذين تهون قرول 
الناسى!. 

وأما مزاحه فهذا مما عرف به» وهو خلق أكرمه الله به وحببه به إلى 
الاس : جهيعا: 

وما كان المزاح في دين الله مكروهاء وإلا كانت الثقالة وغلاظة 
الحس والروح أمرأ محبوباً في الإسلام» وحاشا لله ولرسوله أن يستحبا ذلك 
وقد قال الله لرسوله: ولو ت كا علط القلب لاسو ين سك [آل 


)۱( انظر ص ”3غ 7 من هذا الكتاب . 


VY 


وما كان المزاح خلقاً معيباً عند كرام الناس» وقد كان رسول الله 
يمازح أصحابه» وكان الصحابة يمزحونء وكان فيهم مشهورود بالمزاح 
البريء في حدود الشريعة والأخلاق» ومنهم أ هريرة رضي الله عنه . 

كان فى إمارته على المدينة خلفاً لمروان يركب الحمار ويقول: خلوا 
الطريق للأمير!.. فياما أحلاه من دعابة ومزاح! . . . 
الطريق للأمير!.. فيالروعة العظمة في تواضعها!.. ويالغشاوة أبصار 
الحاقدين الذين لم يروها!.. 


وكان يدعى إلى الطعام فيقول: إني صائمء فإذا بدؤوا الأكل أكل 
معهم وهو يقول: أنا صائم في تضعيف الله » مفطر في تخفيف الله . . . ياما 
أحيلى هذا المزاح؛ وهذه الدعابة» وهذه الشخصية السمحة الكريمة!. . 
العُراق للأمير (يوهمه أن يقدم له لحماً) فينظر الضيفء, فإذا هو ثريد 
بالزيت! . . 
بحبز ولحم فأكلت اسا فيجيبه ۴ هريره : أطعمكها الله ا عل فيقول 
الشاب متابعاً: ثم دخلت داراً لأهلى فجيء بلبن لقحة فشربته ناسياًء فيقول 
له أبو هريرة. له عليك. فيتابع الشاب : ثم نمت فاستيقظت فشربت ماع 
وجامعت ناسيا. . فيقول له الشيخ المطبوع على المزاح المحبوب: إنك يا 
ابن أخي لم تعتد الصيام! . . 

أي إنسان في الدنيا يرى في هذا المزاح مهانة إلا أن يكون من 
الأفظاظ الثقلاء؟! . . 


هذا هو مزاح ا هريرة الذي أجمع عليه المؤرخون. كما قال أبو 
رية» ولكنه فاته شىء واحد خالفهم فيه جميعاء وهو مع أنهم أجمعوا على 
مزاحهء أجمعوا أيضاً على أنه مع مزاحه هذا كان كما قال ابن كثير»ء وهو 


VT 


الذي روى نكاته ومزاحه ‏ «من الصدق والحفظ والديانة والعبادة والزهادة 
والعمل الصالح على جانب عظيم"'' فلماذا خالف أبو رية إجماعهم هذا 
بعد أن حكى إجماعهم على ذلك؟! أيريد أن يدخل تحت قوله تعالى: 
وس افق سول ها كن ما بن 4 القدئ. وس عر ميل المزينن را 
Et‏ 01 4 [الشماء] ؟ 1 
وبعد فلقد أخرج البخاري في «الأدب المفرد» عن بكر بن عبد الله 
المزني قال: كان أصحاب النبي بيه يتبادحون بالبطيخ (يترامون به)» فإذا 
كانت الحقائق كانوا هم الرجال" . 


ولعمري لقد كان أبو هريرة كذلك» ولو أن أبا رية رأى في بعض 
الروايات أن أبا هريرة تبادح بالبطيخ مع بعض الرجال والشباب. ماذا كان 


وأخرج البخاري في «الأدب المفرد) 2 عن عبد الرحمن بن عوف 
قال: لم يكن أصحاب رسول الله كه متماوتين» وكانوا يتناشدون الشعر في 
مجالسهمء ويذكرون أمر جاهليتهمء فإذا أريد أحد منهم على شيء من 
امن ال ارت حال غه كان e‏ 

وأخرج البخاري يا في (الأدب المقردا عن عبك الرحمن بن 
زياد بن أنعم الأفريقي: قال: حدثني أبي أنهم كانوا غزاة في البحر زمن 
معاوية» فانضم مركبنا إلى مركب أبي أيوب الأنصاري» فلما حضر غداؤنا 
أرسلنا إليه فأتاناء فقال: دعوتموني وأنا صائم فلم يكن لي بد من أن 
أجيبكم لأني سمعت رسول الله ية يقول: «إن للمسلم على أخيه ست 
خصال واجبة» إن ترك منها شيئاً فقد ترك حقا واجباً لأخيه عليه: يسلم 


.١١١ /8 البداية والنهاية‎ )١( 
ر‎ 7 
. ۱٤ ٦ص‎ (۳) 


VE 


عليه إذا لقيه» ويجيبه إذا دعاه» ويشمته إذا عطس» ويعوده إذا مرض . 
ويحضره إذا مات» وينصحه إذا استنصحه)». قال: وكان معنا رجل مَرَاحَ 
يقول لرجل أصاب طعامنا: جزاك الله خيراً وبر فغضب عليه حين أكثر 
عليه» فقال لأبي أيوب ما ترى في رجل إذا قلت له: جزاك الله خيرأً وبرا 
غضب وشتمني» فقال أبو أيوب: إنا كنا نقول: إن من لم يصلحه الخير 
اه اله الي عليه ال ل و اا جواك ا ك و 
فضحك ورضي وقال: ما تدع مزاحك؟ فقال الرجل: جزى الله أبا أيوب 
الأنصاري ا 

هكذا كان صحابة رسول الله ڪيا ذ فمن أنكر على أبي هريرة مزاحه 
فقد أنكر أمراً من الدين مباحاء وخلقاً لدى الكرام e‏ 


ثامناً: التهكم به: ) 

قال أبو e‏ «ولقد كانوا يتهكمون برواياته ويتندرون عليها لما 
تفنن فيها وأكثر منهاء فعن أبي رافع: أن رجلا من قريش أتى أبا هريرة في 
حلة وهو يتبختر فيهاء فقال: يا أبا هريرة! إنك تكثر الحديث عن 
رسول الله كلخِ فهل سمعته يقول في حلتي هذه شيئاً؟ فقال: سمعت أبا 
القاسم يقول: إن رجلاً ممن كان قبلكم بينما هو يتبختر في حلة إذ 
خسف الله به الأرض فهو يتجلجل فيها حتى تقوم الساعة» فوالله ما أدري 
لعله كان من قومك أو من رهطكء (وأسند أبو رية هذا الخبر إلى ابن 
كثير) ثم قال: (ويبدو) من سؤال هذا الرجل أنه لم يكن مستفهماء وإنما 
كان متهكماًء إذ لم يقل له: إنك تحفظ أحاديث رسول الله» وإنما قال: 
تكثر الحديث عن رسول الله كي (وسياق) الحكاية يدل كذلك على أنه 
كان يهزأ به ويسخر منه» . 


ها هنا أمور: 


.۲۳۸ ص۲۳۷»‎ )١( 


.١ ١١ ص‎ (۲) 


۷0 


أولاً: إن السائل لم يكن من الصحابة» ولا من التابعين الذين أخذوا 
الشريعة وآدابها عن صحابة رسول الله كه وإنما كان فتى من شباب قريش 
العابثين» ومثل هذا لا ينتظر منه أن يعلم قدر أبي هريرة أو يؤخذْ عنه 
التقدير الصحيح لفضل أبي هريرة وعلمه. 

ثانياً: أنه كان فتى عابثاً مترفاً يلبس حلة غالية يتبختر فيها فشاء له 
ترفه وعبثه أن يقول لأبى هريرة: هل تحفظ شيئاً فى حلتى هذه؟ فذكر له 
حديث رسول اله إلا: «بينما رجل يمشي في حلة تعجبه نفسه إذ 
N Eg E Oa‏ 
المغرور قال له: أهكذا كان يمشي ذلك الفتى الذي خسف به؟ ثم ضرب 
بيده فعثر عثرة كاد يتكسر منها. قال أبو هريرة: للمنخرين وللفم إن 
كنك الستبزوى (02» [الحجر]. فتكون هذه كرامة من الله لأبي هريرة إذ 


سے یر 


انتقم له من هذا الفتى الماجن العابث! 

ثالثاً: إن تهكم فتى عابث برجل من حملة العلم» أمر يقع في كل 
زمان» وقد وقع للعلماء والمصلحين والأنبياء - كما قص الله علينا في كتابه 
الكريم - فمتى كان مثل هذا التهكم من السفهاء بالأنبياء دليلاً على مهانتهم 
وحقارتهم؟ وحاشاهم من ذلك. 


| 1 !+ ا 03 1 x‏ ا 0 


رابعاً: إن هذه الحادثة حادثة فردية لم يعثر «أبو رية» على مثيل لهاء 
اد كات بعال له أن محم التقوك 5 رافك كازوا 
يتهكمون» الخ..» إن لفظ «كانوا» يدل على الأمر الشائع المتكرر في 
الجماعة ولا يطلق إلا على ذلك» فهل تدل هذه الحادثة التي وقعت من 
فتى ماجن على أن الصحابة والتابعين وهم حملة العلم والدين في عصر أبي 
هريرة«كانوا» يتهكمون بروايات ا هريرة؟؟ . 


ها هنا يفتضح «أبو رية) مرة أخرى عن رجل صاحب هوى يفتش عن 


۳V 


شبهة يعلق بها ليؤكد باطله» لا عن «باحث» علمي يسعى وراء الحقيقة بكل 
تجرد وإخلاص . 

إن المرء حيث يضع نفسهء وقد شاء «أبو رية» بهذا «التحقيق العلمي الذي 
لم ينسج أحد من قبل على منواله!» أن يضع نفسه مع الكذابين والمفترين من أهل 
الريب والأهواءء فليكن له ما أراد. . أما أبو هريرة فقد برأه الله مما رماه به هذا 
المحقق العلمي الذي لم يسبقه أحد إلى هذا التحقيق! . 
تاسعا: كثرة أحاديثه: 

انتقد أبو رية على أبي هريرة كثرة أحاديثه التي بلغت على ما جاء في 
مسند بَقَى بن مخلد ٥۳۷٤‏ - مع أن طرقها إلى أبي هريرة ليس كلها محل 
0 الحديث ‏ واستغرب ذلك أبو رية مع أن أيا ww‏ 

يصحب النبي د إلا ثلاث سنين . 

وقد قدمنا فيما مضى سبب ذلك ونزيد هنا ما رواه ابن كثير أن 
مروان بن الحكم قال لأبي هريرة مغضباً حين نازعه في دفن الحسن مع 
سول الله علة : إن الحاين قد قالوا:: إتك. اكثرت علي رشنول الله عله 
الحديث» وإنما قدمت قبل وفاة النبي بيه بيسيرء فقال أبو هريرة: نعم! 
قدمت ورسول الله مَكِلٌ بخيبر سنة سبع. واناا وو مكل فك روت على التلانية 
سنه سئوات» واقمت معه حتی توفی › أذوز. نة فى بيوت نسائه امه 
o as ol,‏ ,كدق واه اع 
الناس بحديثه» قد والله سبقني قوم بصحبته والهجرة إليه من قريش 
والأنصارء وكانوا يعرفون لزومي له فيسألوني عن حديثه» منهم عمر وعثمان 
وعلي وطلحة والزبيرء فلا والله ما يخفى علي كل حديث كان بالمدينة» 
وکل من أحب الله ورسوله» وكل من كانت له عند رسول الله منزلة» وکل 
صاحب لهء وكان أبو بكر صاحبه في الغارء وغيره قد أخرجه رسول الله 
أن يساكنه''' ‏ يعرّض بأبي مروان بن الحكم ‏ ثم قال أبو هريرة: ليسألني 


)١(‏ أي كراهية أن يساكنه ويكون معه فى المدينة. 


VY 


او غ (كنية مروان) عن هذا وأشباهه فإنه يجد عندي منه علماأ 
او ل رت ما ل روات فی عن ا هرر وه ا 
ذلك ويخاف جوابه. 

وفي رواية أن أبا هريرة قال لمروان: إني أسلمت وهاجرت اختيارا 
وطوعاء و اخم زوفيو ل الله له يا يندا وان نتم أهل الدار وموضع 
الدعوة» أخرجتم الداعي من أرضهء وآذيتموه وأصحابه» وتأخر إسلامكم عن 
إسلامي في الوقت المكروه إليكم» فندم مروان على كلامه له واتّقاه ‏ اه”" . 

ولا شك في أن المتفرغ للشيء» المهتم به» المتتبع له» يجتمع له من 
أخباره والعلم به في أمد قليل» مالا يجتمع لمن لم يكن كذلك» ونحن نعلم 
من أحوال بعض التلاميذ مع أساتيذهم ما يجعل بعضهم ‏ على تأخره في 
التلمذة والصحبة ‏ مصدراً موثوقاً لكل أخبار أستاذه ما دق منها وما جل» وقد 
يخفى من ذلك على كبار تلاميذه وقدمائهم ما لا يشكون معه فى صدق ما 
يحدثهم به متأخرهم صحبة وتلمذة. فأي غرابة في هذا الموضع؟ المهم عندنا 
هو الصدق» وصدق أبي هريرة لم يكن محل شك عند إخوانه من الصحابة ولا 
عند معاصريه وتلاميذه من التابعين». هذا هو حكم التاريخ الصحيح الصادق» 
وكل ما يحكيه أبو رية من تكذيب بعض الصحابة أو شكهم في (صدقه) فكذب 
مفضوح مستقى من كتب يستحي طالب العلم أن يدعي أنها «مصادر علمية» 
فكيف بمن يدعي أنها لا يرقى إليها الشك ولا يتطرق إليها الوهن؟ . 

وإليك كشف الستار بإيجاز عن حقيقة ما زعمه في ذلك . 


١‏ - زعم أن عمر ضربه بالدرة وقال له: «أكثرت يا أبا هريرة من 
الرواية وأخربك أن تكون كاذباً على رسول الله عَلِل . 


.٠١/8// والنهاية‎ 0 01) 


هذا البحث ث الاتماء 3 ازات فلم a‏ من الإيجاز على أن تفرد ا هريرة 
رضي اللّه عه كتاباً مستق نتعهبف فيه ونمحصص أقاويل هؤلاء الطاعنين ونبين تهافتها 
وتجردها من القيمة العلمية إن شاء الله . 


VA 


ونحن نتحداه أن يثبت هذا الخبر من كتاب علمي محترم إلا أن يكون 
من تلك الكتب الأدبية التي تروي التالف والساقط من الأخبارء أو تلك 
الكتب الشيعية التي عرفت ببغض أبي هريرة والافتراء عليه» وليس لهذه 
الكتب قيمة علمية عند من يشم رائحة العلم. 

على أنه كثير الإحالة إلى الكتب التي ينقل عنها ‏ ولو كانت نقوله 
درن كي OR‏ نوي للك الما اكير الى سياد 
إلى كتاس”'' فلماذا؟ . 


1 - وزعم أن عمر. تهدده بالنفي إلى بلاده أو إلى أرض القردة إن 
استمر يحدث عن رسول الله ڪا وزعم انلك قول فن انن: .عساكر 
وابن كثير. 

أما نهي عمر عن التحديث» فلم يكن خاصاً بأبي هريرة» ولم يثبت 
أنه هدده بالنفي إلى بلاده لأن ذلك في ذلك العصر - غير جائز» وقد 
حكينا صنيع e‏ في كتابة الحديث ووا 9 صدر هذا الكتاب . 

وأما قول عمر لأبي هريرة: لألحقنك بأرض القردة. فذلك دس من 
آبي رية اة ابن كر وتال عمو ولاك الاخبارة ال الاوك 
Ne Se EE NOON‏ 
بترك الحديث عن بني إسرائيل وأخبارهم لا تهديد ا هريرة بترك الحديث 
عن رسول الله ل 


على أن ابن كثير بعد أن ذكر نهي عمر لأبي هريرة عن التحديث 
قال: وهذا محمول من عمر على أنه خشي من الأحاديث التي قد تضعها 
الناس على غير مواضعها وأنهم يتكلمون على ما فيها من أحاديث الرُخص» 
وأن الرجل إذا أكثر من الحديث ربما وقع في أحاديثه بعض الغلط أو الخطأ 
)١(‏ يظهر أنه منقول عن الإسكافي كما نقله ابن أبي الحديد في شرحه لنهج البلاغة 
۳٣۰/۱‏ وكفى بهما حجة عند أبي 5-5 


(؟) البداية والنهاية .٠١۸/۸‏ 


۲۷۹ 


فيحملها الناس عنه أو نحو ذلك» وقد جاء أن عمر أذن له بعد ذلك فى 
التتحدييق + بوذكر ابن الائ نك ذلك ما نيد خا : 


فهذا هو حقيقة موقف عمر لا كما شوّهه «المحقق العلمي» أبو رية!. 

۳ - وزعم أبو رية أن الصحابة اتهموا أبا هريرة بالكذب وأنكروا عليه 
وممن أنكر عليه عائشة» وممن كذبه أبو بكر وعمر وعثمان وعلئ... ثم 
زعم أبو رية أن قائل هذا القول هو ابن قتيبة في «تأويل مختلف الحديث)”" . 

وقد كذب أبو رية في نسبة هذا القول الفظيع إلى ابن قتيبة» وإنما 
يحكيه ابن قتيبة عن النظام وأمثاله ثم يكرٌّ عليهم بالرد والتفنيد ويدافع عن 
أبي هريرة دفاعاً مجيداً. ومن حسن الحظ أن أبا رية ليس وحده الذي 
و بنسخة من كتاب «تأويل مختلف الحديث») حتى يستطيع أن يكذب 
على ابن قتيبة وينسب إليه ما نسبه ابن قتيبة إلى النظام» ولكن الكتاب 
مطبوع متداول في أيدي العلماء» فهل تبلغ الجرأة بأحد ممن ينتسب إلى 
العلم أن يكذب هذا الكذب المفضوح ثم يزعم أنه جاء من التحقيق 
العلمي «ما لم ينسج أحد على منواله»؟ وحقاً إن أحداً لم يسبق أبا رية 
في مثل هذا الكذب وتحريف النصوص حتى المستشرقين أنفسهم. فلا 
حول ولا قوة إلا بالله. ) 

إنا نتحداه ونتحدى كل من يتجرأ على أبي هريرة أن يثبت لنا نصا 
yT‏ ار ا ار ا لا ا 
أحداً من الصحابة نسب إلى أبي هريرة الكذب في حديث رسول الله كَل 
وستنقطع أعناق هؤلاء الحاقدين دون العثور على نص من هذا القبيل 
ويأبى الله لهم ذلك. أما إن كانت النصوص من كتاب (كعيون الأخبار). 
و«بدائع الزهور»» ورواة كابن أبي الحديد والإسكافي» ومتهمين كالنظام 
وأمثاله.. فهيهات أن يكون ميدان هذه الكتب وهؤلاء الرواة وهؤلاء 
الطاعنين هو ميدان العلم والعلماء!.. 


. و(5؟) ص8 غ‎ )١( 


TA 


إن غائفة كانت اتسشغروف امن أ هريرة بعض الأحاديث لأنها لم 
تعلم بهاء فكان يجيبها أحياناً بأنها كانت تلازم البيت وتشتغل بالزينة بينما 
کان هو يدور مع رسول الله يو ویلازمه ویسمع حدیثه» فلم يسعها إلا أن 
تعترف بذلك وتقول: «لعله» وهذا أدب من أم المؤمنين واعتراف بالحق 
لأهله وفضيلة حرم منها أبو رية وأمثاله. 

واعتراض عائشة على أبي هريرة بقضية «المهراس» حققنا القول في 
أنها ليست هي التي ا وإنما هو رجل يقال له: «قين الأشجعي؛ 
من أصحاب عبد الله بن مسعود. 

واعتراضها عليه في حديث صوم الجنب واعترافه بأنها أعلم بما كان 
من رسول الله كل وهو في البيت مع نسائه فهذا هو أيضاً فضيلة لأبي هريرة 
حيث اعترف بالحق لأهله ‏ وقد حرم هذه الفضيلة أبو رية ‏ على أن أبا 
هريرة كان يروي حديثاً فبيّن أنه سمعه من صحابي آخر ‏ وقد قدمنا القول 
في ذلك - وبقول أبي هريرة قال عدد من فقهاء التابعين والمجتهدين رغم 
قول عائشة وتعقبها. 

٤‏ - ونقل أبو رية عن ابن كثير أن الزبير لما سمع أحاديثه قال: 
صدق» كذب. 

وأبو رية في هذا النقل صنع ما قص الله علينا من صنيع بعض أهل 
الكتاب الذين يؤمئنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض. . 

فابن الأثير نقل عن الزبير بعد قوله ذاك ما يلى: فقال عروة لأبيه 
الب يا أبة ما قولك: صدق» كذب؟ قال (الزبير) 5 بنى! أما أن يكون 
سمع .هذه الأحاديث عن .رسول الله ل فو أك ولكق مها ما نه فل 
مو اطيعة و ر ا 

فهل ترى الزبير هنا يكذب أبا هريرة كما يزعم أبو رية أم يعترف له 
بالعيدق؟ . 


.٠١۹/۸ البداية والنهاية‎ )١( 


١١ 


وأما قول الزبير: منها ما يضعه على غير مواضعه» أي يفهمه على 
غير ما ينبغي فهمه من وجوب أو إباحة أو ندب» ولا حرج على أبي هريرة 
في هذا. . ولا مدخل منه للطعن في صدقه وأمانته لمن يفهم الكلام 
العربي. . 

ه - ونقل أبو رية أن ابن مسعود أنكر عليه قوله: «من غسل ميتاً 
فليغتسل ومن حمله فليتوضأ» وقال فيه قولاً شديداً. ثم قال: يا أيها الناس 
لا تنجسوا من موتاكم.. ونقل ذلك عن ابن عبد البر في «جامع بيان 
العلم». 

وهذا أيضاً مما يدل على قلة الأمانة العلمية عند هذا الرجل» وولعه 
بالتضليل وتغرير القارئ وقلب الحقائق له. 

اا غور ار ا ی ا 
بعض العلماء بعضاً وما أنكر بعضهم على بعض من الفتياء وذكر في هذا 
الفصل رد أبي بكر على الصحابة حين خالفوه في قتال أهل الردة» ورد 
ا علن عمر في قوله: الميت يعذب e‏ وقالت: وهم أبو 
عبد الرحمن أف. أخظا أو نسي › وكذلك ردت عليه في عدد عمرات 
رسول الله بي ورد ابن مسعود على أبي موسى وسلمان بن ربيعة في 
TE‏ ل رن لل لسر ان 
مسعود على أبي هريرة قوله: من غسل ميتا فليغتسل ومن حمله فليتوضاً 

فأنت ترق أنه انا عريرة إلها ينعن :فى المسالة وان اين معد رة 
عليه «قوله» لا «حدیثه» فأين تكذيب ا لأبي هريرة في الحديث؟ . 


سن 


على أن عا من الفقهاء قال بقول ا هريره › فمنهم من أوجب» 


5 وقد ختم أبو رية «تحقيقه العلمى الفلٌ)!. . . بقوله: «ولاا نستوفى 
کر اا ااا وا ی ر أن اا ی غ لك 


الخ». 


TAY 


هذا من. الكذب والبهتان.. فقد تقصّى كل ما قيل عن أبى هريرة 
حتى من الكتب التى ليست لها قيمة علمية» فما الذي قصر به شأوه عن 


6 
٠ 


تتبع أبي هريرة هنا؟ . 
هريرة: إن أبا هريرة كان يفتي بظاهر ما يعلمه من حديث رسول الله َل 
من غير تأويل وكان بعض الصحابة يخالفونه فيما يفهم من ذلك الحديث 
فيردون عليه «فتواه لا. «حديثه» وهذا وقع كثيراً بين الصحابة بعضهم مع 
بعص › وفع لعمر وعلي وابن مسعود وابن عمر وأبي مو سى وعائشة ومعاد 
وغيرهم. يعلم ذلك من تتبع أخبارهم. وقل أفرد ابن عبد البر لذلك فصلا 
في كتابه «جامع بيان العلم» كما ذكرناء وما زال أهل العلم يرد بعضهم 
على بعض من غير أن يكون ذلك طعنا من بعضهم في صدق بعض أو دينه 
أو أمانته . 

وقد ذكر ابن القيم في «إعلام الموقعين» وغيره كذلك أن أبا هريرة 
اتی هرو اقل الى رورا غير صخا عن آي دة ا كان ل يعد 
ا ادت ات شريرة . 

ونحن نجزم قطعاً بأن هذه الرواية عن أبى حنيفة غير صحيحة› فالفقه 
الحنفي المأثور عن أبي حنيفة نفسه مليء بالأحكام التي لا مستند لها من 
الأحاةيت» إلا أحاديث أبي هريرة» وأما نقله عن فقهاء الحنفية بأنهم 
يعتبرول أا هريرة عير فقيه› فهذا نقل رجل لم يشم رائحة العلم والفقه› 
وقد حققنا فى ردنا على أحمد أمين أن فقهاء الحنفية متفقون على فقاهته إلا 

0١ e 

مثل عيسى بن ابان ومن وافقه . 


)١(‏ لشمس الأئمة السرخسي بحث واف في هذا الموضوع يتبين منه إجلال أئمة الحنفية 
لأبي هريرة واعترافهم له بالعدالة والضبط والحفظ . 


TAY 


6 وزعم أبو رية أن ما كان يفعله أبو هريرة ‏ وكذلك كان يفعل 
غيره كأنس ومعاذ وعبد الله بن عمر ‏ من روايتهم عن أكابر الصحابة ثم 
إسناد هذه الرواية إلى النبي ي أن هذا تدليس من أبي هريرة ثم ساق أقوال 
علماء الحديث في التدليس والمدلسين. 

وهذا لعمري تدليس - بالمعنى اللغوي ‏ قبيح من أبي رية! 

إن رواية الصحابي عن الصحابي وإسناده إلى النبي و لا تسمى 
«تدليساً» وإنما تسمى «(إرسالا» وبإجماع علماء الحديث إن مرسل الصحابي 
مقبول لأن الصحابي لا يروي إلا عن صحابي» والصحابة كلهم عدول. 
واحتمال أن يروي الصحابي عن تابعي غير وارد ولا معقول. ولذلك قبلوا 
بالإجماع ما رواه الصحابي عن الرسول يل ولو كان يرويه عن صحابي 
آخر. 

فادعاء أبي رية أن هذا تدليس ونقله ما قاله العلماء عن التدليس 
والمدلسين إنما هو التدليس بمعناه الصحيح» ولئن كان التدليس في علم 
الحديث بمعناه المصطلح عليه عندهم لا يسقط صاحبه عن رتبة العدالة ولا 
الثقة»ء وكان من المدلسين كبار أئمة الحديث» فإن تدليس أبي: رية يسقطه 
عن رتبة «العلماء المحققين» وينتزع الثقة بفهمه بعد انتزاع الثقة بأمانته . . 
وهكذا يتهافت المبطل ويكثر عثاره. . 

وما نقله عن شعبة نص محرف في الطباعة ولا يمكن أن يكون أصله 


ا 


صحيحاً ولم يرد عن إمام من أئمة الحديث ويستبعد أن يقوله طالب علم 


مبتدئ فضلا عن إمام كشعبة. 

٩‏ - وزعم أبو رية أن أبا هريرة رضي الله عنه سوغ لنفسه أن يكذب 
على رسول الله ی بأنه مادام لا يحل حراماً ولا يحرم حلالاً فإنه لا بأس 
بذلك» واستشهد لزعمهء هذا بأحاديث رويت عن أبي هريرة مرفوعة إلى 
النبي با مشل : لإذا لم تحلوا حراماً ولم تحرموا حلالاًء وأصبتم المعنى 
فلا بأس» ومثل: «من حدث حديثاً هو لله عز وجل رضىء فأنا قلته» وإن 
لم أكن قلته». ظ 


EAS 


ومثل هذه الأحاديث قد محصها أئمة السنة وبينوا واضعيها والضعفاء من 
رواتها الذين نسبوها إلى أبي هريرة» ولم يصح نسبة حديث واحد منها إلى أبي 
هريرة› فما ذنب أبى هريرة إذاًء وهل إذا كذب على إنسان بشىء ما يكون من 
التحقيق العلمي أن يسند هذا القول المكذوب إلى الذي كذب عليه! 

ومن الغريب أنه نسب إلى ابن حزم في كتاب الإحكام حديثاً من هذا 
القبيل بين ابن حزم نفسه أنه موضوع وشنع على وضعه وقد تحدثنا عنه في 
فصل سابق» فماذا نسمي صنيع أبي رية إلا أن يكون تضليلاً للقارئ غير 
العالم بالحديث ليغتر به ولو كان من كبار الأدباء؟! 

١‏ - وزعم ا رية أن أبا هريره کان ال من كعب الأخياد الحديث 


وهذه دعوى فاجرة لم يستطع أن يجد لها دليلاً سوى التخيل 
وتحريف نصوص العلماء على دأبه وعادته. 

فقد ذكر أن علماء الحديث ذكروا من رواية الأكابر عن الأصاغر رواية 
أبي هريرة والعبادلة ومعاوية وأنس وغيرهم عن كعب. 

وعبارته تفيد أنهم رووا عن كعب حديث رسول الله ككِ. وهذا كذب 
مضحك لأن كعباً لم يدرك الرسول عليه السلام فلا يعقل أن يروي صحابة 
الرسول أحاديثه عمن لم يدر ٠‏ وإنما يذكر ذلك في بيان أخذهم عن كعب 
- وغيره من علماء أهل الكتاب الذين أسلموا ‏ أخبار الأمم الماضية 
وتواريخها. وقد صح عن رسول الله با أنه قال: «لا تصدقوا أهل الكتاب 
ولا تكذبوهم» فتروى أخبارهم على جهة العظة والاعتبار لا على أنها حاكمة 
على ما جاء في القرآن أو مهيمنة»ء بل أخبار القرآن هي الحاكمة 
المي 


وذكر أبو رية ثناء كعب على أبي هريرة بأنه يعلم ما في التوراة مع أنه 
لم يقرأها وهذا إن صح.ء فلا شيء فيهء لأن كثيراً من الناس يستمعون 
الأخبار من المجالس والندوات دون أن يقرؤوا الكتب. 


TA 


وگلا امن أو رة ف عرض أدلته «العلمية» التى يحاول فيها أن 
يوقع في ذهن القارئ أن أبا هريرة كان يسمع من كعب» ثم ينسب ما 

ومن أطرف أدلته التي أوردها في مكان آخر ما رواه مسلم عن 
بسر بن سعيد قال: اتقوا الله وتحفظوا من الحديث» فوالله لقد رأيتنا 
نجالس أا هريرة فيحدث عن رسول الله عند ويحدثنا عن كعب الأحبارء 
وحديث كعب عن رسول الله » فاتقوا الله وتحفظوا في الحديث . 

أي قارئ يفهم العبارة العربية يمكن أن يفهم من هذا النص طعناً في 
أبى هريرة أو اتهاماً له بأنه كان يحدث بما يسمعه عن كعب وينسبه إلى 

إن يُسْر بن سعيد صاحب هذا الخبر يتحدث عن قوم كانوا يستمعود 
إلى أبي هريرة فيخلطون بين حديثه عن الرسول وحديثه عن كعب» فالدي 
ل هريرة » ا أبو هريرة نفسه » ولكن شيخ التحقيق العلمي الذي لم CE‏ 
أحد من قبل على منواله!. . ذكره دليلا على كذب أبي هريرة فيما يرويه 
أترى هذا قلة فهم؟ أم قلة دين وقلة حياء من الله ومن التاريخ ومن قرائه 
الأذكياء؟ . 





)١(‏ هذا هو الصواب في اسمه وكان في الطبعة الأولى (بشير بن سعيد) فصححء وهو 
بسر بن سعيد مولى ابن الحضرمي المدني العابد» روى عن سعد بن أبي وقاص 
وزيد بن ثابت وأبي هريرة وغيرهم وروى عنه أبو سلمة وزيد بن أسلم ومحمد بن 
إبراهيم التيمى وغيرهم. قال أبن معين: ثقة» وقال ابن سعيد: كان من العباد 
المنقطعين وأهل الزهد في الدنيا والورع» قال الواقدي: مات سنة ١٠٠ه‏ (الخلاصة 
للخزرجي) . 


۳A٦ 


عن أبي هريرة حديثا مرفوعا إلى النبي بي في خلق الأرض والسماوات 
ويقول نو هريرة في أوله : عل رسول الله بيذي ». ثم ينقل عن البخاري 
وابن كثير أن أبا هريرة تلقى هذا الحديث عن كعب. وهنا يظن أبو رية أنه 
أمسك بشيء وأنه أوقع جمهور المسلمين الذين يثقون بأبي هريرة في ورطة 
ما بعدها ورطة» ولو كان على شيء من العلم والفهم للنصوص لعلم أن 
البخاري واية كثين ل ييدان الحكم على أبي هريرة بالكذب ونسبته حديث 
كعب إلى رسول الله ب - فما كانا ليجراً على الله وحاشاهما أن تبلغ بهما 
مضى ثناء كل منهما على أبي هريرة واعترافهما له بالصدق والورع والأمانة 
في العلم والدين - ولكنهما حكما على الرواية ال أوردها «(مسلم» في 
صحيحه بالخطأ في نسبة رفع هذا الحديث إلى رسول الله عن أبي هريرة 
والخطأ ناشيء من روأة الحديث ولا دخل لات هريره ىه » وبذلك تنطق 
عبارة البخاري في تاريخه وابن كثير في تفسيره» وقد أفاض في هذا 
الموضوع العلامة المعلمي اليماني في كتابه (الأنوار الكاشفة)“ بما يشرح 
صدور المحققين ولا يزيد الحانقين - كأبى رة د إلا طا و گمذا. 


عاشرا: تشيعه لبني أمية: 

جمع أبو رية في هذا الموضوع كل شتائم كتب الشيعة في أبي 
هريرة» وظن آنه حصل على شيء» وزعم أنه أتى بما لم يأت به الأوائل 
ولم ينسج على منواله ناسج . . . 

ولذلك لم يتورع في سبيل الهوى الذي تملك قلبه وهو بغض أبي 


هريرة أن ينقل عنهم سب كبار الصحابة واتهام كثير منهم بالكذب على 
رسول الله إرضاء لمعاوية إلى ما هنالك من الأكاذيب المنتنة . 


.1575 - ۸ )١( 


TAY 


ونحن في عصر لا نستسيغ فيه نبش هذه القاذورات» ونرى من يعمل 
على نبشها مخرباً هداما يسعى لتفريق كلمة المسلمين ووحدتهم في عصر لم 
يبق فيه سبب للافتراق والخلاف والنزاع بين أهل السنة وبين الشيعة وغيرهم 
من الفرق الإسلامية. 


ولكن أبا رية ترويجاً لكتابه في أوساط الشيعة تظاهر بالتشيع واتهم 
كل من يتهمونهم من الصحابة والتابعين كل من يبغضونهم» وهو حر في أن 
يكون من شيعة على رضي الله عنه. وما كان ذلك ليخرجه عندنا عن دائرة 
الإسلام والعلم. لو كان عالماً حقاً.. وأبو رية حر في أن يسلك لترويج 
كتابه كل سبيل إلا أن يزعم «أنه جاء بدراسة جامعة قامت على قواعد 
التحقيق العلمي بحيث تعتبر الأولى من نوعها لم ينسج أحد من قبل على 
منوالها!»). 

لعن كان نبش الأكاذيب والافتراء على صحابة رسول الله واعتماد 
الكتب التي لم يعرف مؤلفوها بالصدق ولا بالتمحيص في الرواية» أو التي 
عرف مؤلفوها بالبغض القاتل لأبي هريرة» لئن كان هذا هو التحقيق العلمي 
الذي لم ينسح أحد على منواله فليهنأ أبو رية بعلمه وتحقيقه. وما نظن أن 
كرام إخواننا من عقلاء الشيعة يجدون في مثل هذا الرجل تثبيتاً لحق بين 
متنازعين» أو تأييداً لهم ضد إخوانهم أهل السنة» وإن الجاهل الأحمق 
المغرور ليجرّ من الأذى على نفسه وعلى أصدقائه ما يكون بلاء يستعاذ بالله 
منهء وشراً يبتعد الأخيار عن اللصوق به» وقديماً جاء في الأثر: «ذو 
الوجهين لا يكون عند الله وخا ول کن عند الذين. رفون أنفسهم 
وجيها. . 


والعقيلة الح دين اللّه بها أن أبا هريرة کان ey‏ لآل سنت 


)١(‏ هكذا يشتهر على الألسنة» وقد ذكره السيوطي في الجامع الصغير بلفظ: (ذو الوجهين 
| في الدنيا انين وم القيامة وله وجهان من نار) ثم رمر له السيوطي بعلامة الحسن 
وتعفبه المناري بأنه ضعيف . 


TAA 


رسول الله كله روى في فضائل الحسن والحسين أكثر من حديث. 
واصطدم مع مروان بن الحكم في المدينة يوم أراد المسلمون دفن الحسن 
مع جده رسول الله مَك وبذلك كانت بينهما وحشة استمرت إلى قرب وفاة 
أبي هريرة كما يعلم مما ذكرناه في هذا الكتاب وكان أبو هريرة ممن نصر 
عثمان يوم الدار كما نصره علي وابنيه الحسن والحسين» ولكنه مع هذا كان 
منصرفا إلى بث السنة وخدمة العلمء أبى أن يخوض الفتنة التي وقعت بين 
علي ومعاوية كما أبى أن يخوضها عدد من كبار الصحابة» ضناً منهم بأن 
يشاركوا في سفك دماء المسلمين» واجتهاداً منهم بأن الحياد بين الفريقين 
أرضى لله وأبرأ للذمة. هذا هو موقف أبي هريرة وما عدا ذلك فدس 
وافتراء وتعصب كان يمليه الهوى والشعوبية فيما مضى» فأصبح يمليه النفاق 
والجهل وسوء العقيدة الآن. 
كلمة مجملة في أبي هريرة رضي الله عنه: 

يتضح لنا مما ذكرناه في هذا الفصل عن أبي هريرة رضي الله عنه من 
اصوصن اللا عند أتمة التديك «وثقات المواوحين. اللحقائق. الال" 

أولا: أنه كان أكثر صحابي روى الحديث عن رسول الله مله وأنه 
منذ أسلم وصحب رسول الله يي عني بحفظ حديثه وتتبع أخباره التي كانت 
قبل هجرته إليه» ما زال يتتبع حديثه من أقرانه من الصحابة حتى أحاط 
بثروة من الحديث لم تجتمع لصحابي قط . 

ومع ما أثارت بعض أحاديثه من «استغراب» بعض الصحابة الذين لم 
يطلعوا على تلك الأحاديث» ومن استغراب بعض الناس «كثرة» أحاديثه أول 
الأمرء فقد اعترفوا له أخيراً آنه أحفظهم للحديث وأرواهم له» ولم يشكوا 
أبدا في صدقه وفي أحاديثه . 

ونذكر هنا على سبيل المثال حادثتين وقعتا له مع من استغرب بعض 
أحاديثه من الصحابة» وقد ذكرنا من قبل جوابه لعائشة أم المؤمنين جوابا 
أقنعها وأرضاها. 


۲۸۹ 


1 أخرج ابن سعد في «طبقاته)17) عن 'الوليك بن غك الرحمية أن آنا 
هريرة رضي الله عنه حدّث عن النبي كله بالحديث: «من شهد جنازة فله 
قيراط» فقال ابن عمر: انظر ما تحدث به يا أبا هريرة! فإنك تكثر الحديث 
عن النبى ميا فال اف فذهب به إلى عائشة رضى الله عنها فقال: 
اخرة کف شعت وشل الله ميو يقول». فصدفت أبا هريره › فال 1 
هريرة: يا أبا عبد الرحمن! والله ما كان يشغلنى عن النبى يله غرس الوّدى 
ولا ف لی فال ان ر ات اعا ا با ات شر 

؟ ‏ وآخرج ابن كثير في «تاريخه)"”' عن أبي البسر ينين كن عامر 
قال: كنت عند طلحة بن عبيد الله إذ دخل رجل فقال: يا أبا محمد! والله 
ما ندري هذا اليماني (أبا هريرة) أعلم برسول الله منكم؟ أم يقول على 
رسول الله ما لم يسمع أو ما لم يقل؟ فقال طلحة: والله ما نشك أنه قد 
سمع من رسول الله ما لم نسمع. وعلم ما لم نعلم. إنا كنا قوماً أغنياءء 
هو را م ل ال ليولا أهل . وإنما كانت يده مع 
رسول الله ڪا وكان يدور معه حيثما دار» فما نشك أنه علم ما لم نعلم» 
و ما لم لسمع ) قال ابن کر : وقد روآه الترمذي بنعحوه . اه. 


فهاتان الحادثتان المنقولتان نقلا موثوقاً عند أهل العلم تقطع ألسنة 
الذين يلوكون ألسنتم باتهام أبي هريرة منذ عهد النظام حتى أبي رية. . 

انا آنه نمر ق تات ی رفي م ۸ أو 2۹ ار 8ا غل 
تاذل لوو ناك و الفيي اق e e o‏ 
فى اوا وا اسمن ارد ل وا الاي لجال 
يحسب كل واحد منهم من الشرف أن يلقى أبا هريرة ويأخذ عنه حتی من 


.٠١9/8 )9( 


۳۹۰ 


الشرف الذي نال سيد التابعين وعالمهم بلا منازع سعيد بن المسيب أن 
تزوج بنت أبي هريرة ولازمه حتى توفي» وبذلك بلغ الآخذون عنه من 
الصحابة والتابعين ثمانمائة من أهل العلم كما قدمناه عن البخاري» وهو 
عدد لم يبلغ عشره الآخذون عن أي صحابي آخرء وفي هذا ما يقنع الذين 
يريدون الحق ويستجيبون لوحي ضمائرهم بأن أبا هريرة كان في المحيط 
الذي يعيش فيه» وبين من يعرفونه من الصحابة والتابعين في الذروة العليا 
ف الفيدق بعلو خرن القنك بو د وما ال ي 

الى ناكار عا داك الحا العا من ححا ورول ا 
والتابعين من صدق اللهجة» ونصرة الحق» وخذلان الباطل» وإنكار 
المنكرء والوقوف في وجه المبتدعين والمحاولين لتحريف الدين» والشدة 
على من انحرف عن سنة الرسول ييه في قول أو عمل» يجزم بأنهم لم 
يكونوا ليسكتوا عن أبي هريرة لو كان عندهم أدنى شك في صدقه» كيف 
وهو ليس ذا سلطان» وليس ذا جاه ونفوذ» فما الذي كان يمنعهم من 
الإنكار عليه ومنعه من التحديث عن رسول الله َة لو كانوا شاكين في 
وناقاه وهم الدون O E a‏ 


ثالثاً: ورأيت كيف جابه مروان بن الحكم في قضية دفن الحسن مع 
جده المصطفى يي ومروان والي المدينة» وهو أموي والدولة يومئذ 
لاد موی ومع ذلك فقد غضب أبو هريرة لتدخل مروان فى منع دفن 
الحسن عند الرسول عليه السلام» وقال: تدخل فيما لا يعنيك!.. ولما 
أراد أن يتخذ مروان من إكثار أبي هريرة للحديث سبيلا إلى إسكاته. أجابه 
ذلك الجواب الصريح العنيف» فهل ترى ذلك جواب رجل يكذب على 
رسول اللّه» متهم في دينه وإسلامه» متشيع لبني أمية كما حاول أبو رية أن 
يصوره؟ أم هو الرجل الواثق من دينه وإسلامه وهجرته إلى رسول الله 
وحديثه عن رسول الله حتى تمنى مروان أن لم يكن قد تحرش بأبي 
هريرة! 


رابعا: أنه كان مع علمه وبثه لسنة رسول الله كل عابداً زاهداء كثير 


55١ 


الذكر والصلاة والاستغفارء فقد أخرج ابن كثير في «تاريخه)”'' عن أبي 
عثمان النهدي أن أبا هريرة كان يقوم ثلث الليل» وامرأته ثلثه. وابنه ثلثه. 
يقوم هذاء ثم يوقظ هذاء ثم يوقظ هذا هذا. وأخرج أيضاً عن أبي هريرة 
قوله: إني أجزئ الليل ثلاثة أجزاء : ج لقراءة القرآن» ودا أنام فيه» 
وجزءاً أتذكر فيه حديث رسول الله كَلِةِ. وأخرج أيضاً عن أبي أيوب قال: 
كان لأبي هريرة مسجد في مخدعه» ومسجد في بيته» ومسجد في حجرته. 
وه على ااب دا اخ وى ا جا را دل ول ا 
جميعاًء وعن عكرمة: كان أبو هريرة يسبح كل ليلة اثنتي عشرة ألف 
تسبيحة» يقول: أسبح على قدر ذنبي.. وهذا لعمري منتهى العبادة 
والمراقبة لله عز وجل» وعن ميمون بن أبي ميسرة قال: كانت لأبي هريرة 
صيحتان في كل يوم» أول النهار صيحة يقول فيها: ذهب الليل وجاء 
النهار» وعرض آل فرعون على النار» وإذا كان العشي يقول: ذهب النهار 
وجاء الليلء وعرض آل فرعون على النار» فلا يسمع أحد صوته إلا استعاذ 
a‏ 

وكان يقول: لا تغبطن فاجراً بنعمة» فإن من ورائه طالبا حثيثاً طلبه: 
جهنم كلما خبت زدناهم 00 

وروى غير واحد عن أبى هريرة أنه كان يتعوذ فى سجوده أن يزنى أو 
یرف أو يكف أن ا کے فقيل لد تحاف لكك ا .ها يؤمنني 
وإبليس حي ومصرف القلوب يصرفها كيف يشاء؟ . 

وقال أبو عثمان النهدي: قلت لأبي هريرة: كيف تصوم؟ قال: أصوم 
أول الشهر ثلاثاً فإن حدث بي حدث كان لي أجر شهري. 

وكانت لأبي هريرة زنجية قد غمته بعملها فرفع عليها يوما السواك ثم 
قال : لولا القصاص يوم القيامة لأغشيتك به» ولكن سأبيعك ممن يوفيني 
ثمنك أحوج ما أكون إليه» اذهبي فأنت حرة لله عز وجل . 


.١١5 ١١٠١ /8 البداية والنهاية‎ )١( 


E 


وحسبك دليلا على ما كان يتمتع به من صلاح وتقوى في نظر القوم 
أنه كان وابن عمر هما اللذان يكبران في منى أيام العيد فيكبر الناس 
فكبيرهما وا كان هو الذي صلى على عائشة أم المؤمنين رضي الله 
عنهاء وفي رواية أنه صلى أيضاً على أم سلمة أم المؤمنين رضي الله عنها. 

ولما حضره الموت بكى» فقيل له: ما يبكيك؟ فقال: ما أبكي على 
دنياكم هذه» ولكن أبكي على بعد سفري وقلة زادي» وإني أصبحت في 
صعود ومهبط على جنة ونارء ولا أدري إلى أيهما يؤخذ بي! . 

اى هذه العبادة والصلاة والتسبيح والوعظ والبكاء وعتق الرقاب 
والخوف من الله وشدة مراقبته يتأتى ذلك كله من نفس تستبيح كبرى الكبائر 
في الإسلام وهي الكذب على رسول الله ك5 سبحانك هذا بهتان عظيم . 

خامساً: وكان مع هذا كله مقلا من الدنيا يتصدق بما يصل إلى يده 
قن هال 

قال أبو الزعيزعة كاتب مروان: بعث مروان إلى أبي هريرة بمائة دينار 
فلما كان الغد بعث إليه: إنى غلطت ولم أردك اء واي نها آردت 
غيرك فقال أبو هريرة: قد أخرجتها فإذا خرج عطائي فخذها منه ‏ وكان 
ك هن ماد واا ا و موان ارو 

وذغلكه من قول آي وة آله كال له «قاصرة والعقيق» وقضير يكذا: 
تدا فو کت ا ف لله منهء وإنما الرواية في ابن الأثير: 
وات وات فى ارا تالف “و الا اله اول عل ر ولا غل 
سعة» فلقد كان لأكثر الصحابة» بل لكل صحابى دار» وما جرؤ أحد أن 
يقول: إنهم كانت لهم اقصور)!.. نعوذ TT‏ تحريفف الكلم عن 
مواضعه . 


نايا "لو ركد بى عضر الاد رار الان ج كانت 


.١١١ - ١١١/۸ البداية والنهاية‎ )١( 
.١١5/4 البداية والنهاية‎ )۲( 


FAT 


أحاديث أبي هريرة محل عناية أئمة الحديث» ينقدونهاء فيبينون ما صح 
منهاء وينفون ما لم يصح. ويذكرون ما فيه ضعف أو وهن» واحتلت 
أحاديث أبي هريرة الصحيحة صدور مدونات السنة ومسانيدهاء لم يشذ عن 
ذلك أحد قبل أن يأتي النظام والإسكافي ومن معهما من شيوخ المعتزلة› 
والإسكافي ومن سبقه من شيوخ الشيعة. ‏ 

سابعاً: وكانت أحاديث أبي هريرة التي صحت عنه محل عناية الفقهاء 
وأئمة الاجتهاد في مختلف أمصار الإسلام» إذا صح الحديث منها لم يكن 
لأحدٍ كلام معه إلا ما روي عن إبراهيم النخعي وبعض علماء الكوفة من 
شيوخ مدرسة الرأي الذين لهم شروط معروفة في الأخذ بأحاديث الاحاد. 
ولم يوافقهم على ذلك جمهور فقهاء الأمصارء حتى أبو حنيفة الذي توجت 
به مدرسة العراق لم يصح عنه أنه وقف من أحاديث أبي هريرة موقف 
إبراهيم النخعي ومن سار على رأيه» بل يعمل بها متى صحت واستوفت 
شرائط الصحة عنده - وهي شروط مبعثها الاجتهاد والاحتياط في أمر الرواة 
غير الصحابة لا في أمر واحد من الصحابة» ومن زعم غير ذلك فهو مفتر 
كذاب» يكذبه مذهب أبي حنيفة نفسه وهو مدون مشهور. 

ثامناً: كان أول من أظهر الطعن بأبي هريرة بعض شيوخ المعتزلة 
كالنظام. ولهم موقف من أكثر صحابة الرسول» لا من أبي هريرة وحده. 
ولهم موقف من السنة استباحوا به أن يكذبوا بعض الأحاديث الصحيحة 
الثابتة عند الجمهورء وإنما أتوا من سلطان الفلسفة اليونانية على عقولهم 
حيث قاسوا بها الدين وكل ما ورد منهء ولولا الخوف من الجماهير لنقدوا 
القرآن نفسه. فإن فيه ما لا تستسيغه عقولهم اليونانية مثل ما في الحديث» 
ومع هذا فقد تأولوا القرآن بما يتفق مع عقليتهم» لقد ظنوا أن فلسفة اليونان 
هي الحق الذي لا باطل معهء ويستطيع الآن أقل طالب في المدارس 
الثانوية أن يجيبهم على هذا التأليه المضحك للفلسفة اليونانية!.. وإن زعم 
أبو رية أنهم أصحاب العقول الراجحة! أي كعقله تماما. . 


وأما الشيعة فإنهم لم يقموا من 5 هريره وحلده ذلك الموقف بل 


A6 


وقفوا من صحابة رسول الله جميعاً إلا نفراً قليلا يعد بالأصابع» موقف 
العداء والبغض والذم ووصل الأمر بأكثر فرقهم إلى تكفير جمهور الصحابة 
بما فيهم أبو بكر وعمر وسعد وخالد وغيرهم ممن أسعد الله الإنسانية بنقل 
هداية الإسلام على أيديهم. . 

وهم في هذا الموقف متفقون مع أصولهم التي التزموهاء وهي بغخض 
کل سق لم بعلي لای ر الله ع اا الي وا وا 
رسول الله ياء ولذلك لما أجمع الصحابة على تولية أبي بكر رضي الله 
عنه الخلافة مقتوهم جميعاء واعتبروهم متامرين على مخالفة وصية 
رسولهم بي حيث أوصى - في زعمهم - لعلىّ بالخلافة من بعده» ولا نطيل 
في هذا القول وليس هو من بحثنا ولكنا نريد أن نقول لأبي رية: لئن 
اتفقت أهواؤه مع آرائهم في أبي هريرة» فإنهم لا يفردون أبا هريرة بهذه 
النقمة. ولكنهم يخصون أبا بكر وعمر بقسط أكبر منها ويحكون عنهما من 

صني أبشع مما يحكونه عن أبي هريرة وهي التي اعتبرها أبو رية من 
الك الكلمية التي يصح الاعتماد عليهاء ويلزمه من ذلك أن يلتزم بكل 
ما جاء في كتبهم في حق الصحابة وهو معلوم معروف. وليس من 
المصلحة الإسلامية إثارة هذا الموضوع في هذه الظروف التي تقتضي وحدة 
كلمة المسلمين ونسيان الماضي الذي لا يد لنا فيه ولولا موقف ا رية 
لما تعرضنا لهذا البحث الذي اضطررنا إليه ردا لمفترياته وأضاليله التي زعم 
أنها هي «التحقيق العلمي الذي لم يسبق إليه»! . 

هذه كلمة مجملة فيها حقائق لاتنقض عن حياة أبي هريرة رضي الله عنه 

ومكانته العلمية في نفوس الذين عاشروه من الصحابة والتابعين» وفي نفوس 
الجماهير من أئمة الحديث وعلماء الإسلام خلال أربعة عشر قرنا. 

ونرى أن نختم هذه الكلمة بكلمة للعلامة المحقق المرحوم الشيخ 
أحمد محمد شاكرء قال رحمه الله تعالى في أوائل مسند أبي هريرة من 





مسند الإمام أحمد"'' وقد لهج أعداء السنة؛ أعداء الإسلام» في عصرناء 
85/١75 )١(‏ طبعة الشيخ أحمد محمد شاكر التي لم تتم. 


۳4o 


وشغفوا بالطعن في أبي هريرة» وتشكيك الناس في صدقه وفي روايته» وما 
إلى ذلك رادو ,زتها رادو ان هلام رعو اد الى كك الاس که 
الإسلام تبعا لسادتهم المبشرين» وإن تظاهروا بالقصد إلى الاقتصار على 
الل بالقرآن» أو الأضذ یما مح من الحديث في رأيهم وما ص من 
الحديث في رأيهم إلا ما وافق أهواءهم وما يتبعون من شعائر أوروبة 
وشرائعهاء ولن يتورع أحدهم عن تأويل القرآن» إلى ما يخرج الكلام عن 
معنى اللفظ في اللغة التي نزل بها القرآن ليوافق تأويلهم هواهم وما إليه 
يقصدون!! 

وما كانوا بأول من حارب الإسلام في هذا الباب» ولهم في ذلك 
يشعر بهم» وإما يدمرهم تدميراً. 
أصوله ومعنئأه الح ما قال أولئك الأقدمون» بفرق واحد فقط: أن أولئك 
الأقدمين» زائغين كانوا أم ملحدين» كانوا علماء مطلعين» أكثرهم ممن 
أضله الله على علم! وأما هؤلاء المعاصرون» فليس إلا الجهل والجرأة 
وامتضاغ ألفاظ لا يحسنونها يقلدون في الكفرء لو يتعالون على كلمن 

ولك وات الحاكم أبا عبد الله» المتوفى سنة ١٩٤ھ‏ حكى فى كتابه 
المستدرك )2١7:1(‏ كلام شيخ شيوخهء إمام الأئمة» أبي بكر محمد بن 
إسحاق بن خزيمة (المتوفى سنة ١١ه)‏ في الرد على من تكلم في أبي 
هريرة» فكأنما هو يرد على أهل عصرنا هؤلاء» وهذا نص كلامه: 

«وإنما يتكلم في أمر أبي هريرة» لدفع أخباره» من قد أعمى الله 


إما معطل جهمي يسمع أخباره التي يرونها خلااف مذهبهم ‏ الذي هو 


ا 


كفر ‏ يشتمون أبا هريرة» ويرمونه بما الله تعالى قد نزهه عنه. تمويهاً على 
الرعاع والسفل» أن أخباره لا تبت بها الحجة. ظ 

وإما خارجى يرى السيف على أمة محمد ياء ولا يرى طاعة خليفة 
ولزفات: a E n‏ 
هو ضلال» ولم يجد حيلة في دفع أخباره بحجة وبرهان» كان مفزعه 
الوقيعة في أبي هريرة. 

أو قدري» اعتزل الإسلام وأهله» وكمر أهل الإسلام» الذين يتبعون 
الأقدار الماضية» التى قدرها الله تعالى وقضاها قبل كسب العباد لهاء إذا 
نظر إلى أخبار أبي هريرة التي قد رواها عن النبي 5 في إثبات القدرء 
لم يجد بحجة يريد صحة مقالته التي هي كفر وشرك» كانت حجته عند 
نفسه: أن أخبار أبي هريرة لا يجوز الاحتجاج بها. 

أو جاهل يتعاطى الفقه ويطلبه من غير مظانه» إذا سمع أخبار أبي 
هريرة فيما يخالف مذهب من قد اجتبى مذهبه واختاره» تقليدا بلا حجة 
ولا برهان» تكلم في أبي هريرة» ودفع أخباره التي تخالف مذهبه» ويحتج 
بأخباره على مخالفيه» إذا كانت أخباره موافقة لمذهبه. 

وقد أنكر بعض هذه الفرق على أبي هريرة أخباراً لم يفهموا معناهاء 


ع 
2 


انا ذاكر بعة بعضها نو نمشيئة الله تعالى) . 

ثم أخذ ابن a‏ رحمه الله - يذكر بعض الأحاديث التى 
اش کلت من أحاديث أ هريره › ثم يجيب عنها . 

هذه كلمة الحق 52 أبى هريرة وأحاديثه. وهذا ما ذهب إليه ات ) 
الهدى وأعلام الدين› وكبار فقهاء الإسلام ومتشرعيه. وبيدهم الحجة» 
وبألسنتهم المنطق» ومعهم التاريخ الصحيح» ووسيلتهم البحث العلمي 
الهادئ الرصين . 
كلمة مجملة في «أبي رية» و كتابه: 
حين كتبت مقدمة الطبع لهذا الكتاب وتحدثت عن كتاب «أبي رية) 


۹۷ 


كنت قد ألقيت نظرة سريعة على كتابه فكتبت ما كتبت» ولكني بعد أن 
تذئركد ما که فن اس هويوةة: :وناقشك ها اتةه فر تزه وات 
أستطيع أن أجزم بالحقائق التالية : 

أولاً: إن الرجل غير موثوق فيما ينقل» فكثيراً ما يزيد في النص 
الذي ينقله كلمة يفسد بها المعنى» لينسجم النص مع ما يريد» دون ما يريد 
صاحبه» وكثيرا ما ينقص كلمة» وكثيرا ما يسند القول إلى غير صاحبه 
تضليلا وتمويهاًء وقد مر بنا أمثلة من ذلك خلال مناقشته لما كتبه عن أبي 
هريرة» ونحن نضع الآن بعض هذه الأمثلة أمام القارئ ليتأكد من «أمانة» 
هذا الرجل»ء و «تحقيقه العلمي»! 

: يقول”' عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه‎ ١ 

«وكان قد أصاب زاملتين من كتب أهل الكتاب» وكان يرويها للناس 
اعن النبي»؟ ثم نسب هذا القول إلى ابن حجر في «فتح الباري» ص٦١١‏ - 
ج١2‏ وعبارته في «الفتح» ليس فيها «عن النبي» وإنما زادها أبو رية ونسبها 
إلى الحافظ ابن حجر ليؤكد للقارئ الشك فى أحاديث صحابة 
رسوك اله كله الاين كانا رهم ممم إلى مسسلية امل الكتاب بتحدترة 
عن أخبار الأمم الماضية» فمنهم من كان ينقلها عنهم على أنها قصص 
تعلقة بالماضين» ولكن أبا رية يتهمهم بأنهم كانوا «ينسبونها» إلى 
النبي 85!.. ولم يكتف بذلك البهتان حتى نسبه إلى الحافظ ابن حجر 
وهو لم يقله قط ولا يقوله مسلم يعرف ما كان عليه هذا الجيل الفذ في 
تاريخ الإنسانية من صدق اللهجة واستقامة الدين ووقوف عند حدود الله فيما 
أمر ونهى» وهم يعلمون أن الله لعن الكاذبين ومقتهم» وليس أقر لعيون 
أعداء الله والإسلام من أن يرموا بما رماهم به «أبو رية». 


اح تقل" عن ابن كتير فى #البذانة والشيهاية 1:5 أن عر 


FS Ee O 
.١١9١ص‎ )0( 


۳4۸ 


رضى الله عنه قال لكعب الأحبار: لتتركن الحديث «عن رسول الله) أو 
لألحقنك بأرض القردة . 


وععيارة "ابن كثير :. لتتركنق الخدت عن الأول» وليس فيها «اعن 
رسول الله ولكن «أمانة» أبي رية أجازت له تحريف هذا النص ليثبت ما 
اغا من أن كعبا كان يحدف غة .زسول الله كله وآن"الضحابة كاتوا 
يأخذون عنه الحديث» وهذه الفرية دسها المستشرقون اليهود أمثال «جولد 
تسيهر» ليدعوا تأثير اليهودية في الدين الإسلامي!. . فتلقفها منهم «المحقق 
العلمي» أبو رية» وتبرع لهم بإثبات الأدلة عن طريق «التزوير»!. . 

دوقن *" 5 ع 6 133 إن مير 
رضي الله عنه هدد أبا هريرة بترك الحديث أو ليلحقنه بأرض دوس «أو 
بأرض القردة» . ) 

وهذه الزيادة «أو بأرض القردة» من مفتريات أبي رية على عمر وابن 
كثير معا.. وإنما قالها عمر لكعب كما مر يهدده في ترك الحديث عن 
«الأرّل) أي الأمم الماضية ج كما تقل .ذللكة ابن كثير  ٠‏ 

٤‏ نقل أبو رية في عدة مواضع من بحثه عن أبي هريرة نصوصاً في 
تكذيب عمر وعثمان وعلي وعائشة وغيرهم لأبي هريرة» ثم نسبها إلى ابن 
قتيبة في «تأويل مختلف الحديث» وترجم أبو رية لابن قتيبة في هامش كتابه 
بأنه كان لأهل السنة كالجاحظ للمعتزلة فى قوة البيان والحجة» وقصده من 
ذل Na ul E o a‏ 
يطعن في أبي هريرة هذا الطعن» دليل على صحة ما يذهب إليه أبو رية من 
تكذيب أبي هريرة فيما يرويه عن رسول الله كيا . 

مع أن ابن قتيبة ألف كتابه «تأويل مختلف الحديث» للرد على من 
طعن في أئمة الحديث منذ الصحابة حتى عصره» وأخبر أنهم هم رؤساء 


(۱) ف 


۳۹4۹ 


الاعتزال كالئّظام أمثاله وآخرين. ثم ساق ابن قتيبة شتائم النظام لأبي بكر 
وعمر وعثمان وعلي وابن مسعود وأبي هريرة وغيرهم من كبار الصحابةء 
ثم كر بالرد عليه وتفنيد ما قال عن كل واحد من هؤلاء. 

فأخذ «أبو رية» ما قاله النظام في أبي هريرة ونسبه إلى ابن قتيبة 
وتعامى عن رد ابن قتيبة على النظام» وهكذا تكون «الأمانة العلمية» عند 
هذا «المحقق العلمي»!. . 

6 ونقل"'' عن المرحوم السيد رشيد رضا كلاماً عن كعب ووهب 
ابن منبه قال فيه: «وما يدرينا أن كل الروايات ‏ أو الموقوفة منها ‏ ترجع 
إليهما» مع أن العبارة: «وما يدرينا أن كل (تلك) الروايات إلخ». فأسقط أبو 
زية “كلنية اتلك الى أشار ها السك وفيا د رجه آله إلى ,مروات: كب 
ووهب عن أهل الا لتجيء العبارة موهمة بأن كل روايات الصحابة 
ترجع إليهما. . فانظر إلى هذا الدس والتلاعب في نقل النصوص لتتفق مع 
أهوائه وأغراضه . 

هذه أمثلة لا مجال للمناقشة فيها تدل على تلاعبه فى النصوص التى ‏ 
نارين ني دشي رافيد ا 1 اعنم اعوااين أنه 
المستشرقين تعصباً ودسأء بلغت جرأته في تحريف النصوص والتلاعب فيها 
كما بغلت جرأة أب رية فماذا تقول في هذا «العلامة المحقق الأمين؟). 

ثانياً: أنه يستدل لفكرته التي يخالف بها جمهور العلماء بنصوص 
للعلماء في موضوع غير الموضوع الذي يتكلم فيهء ليوهم القارئ أنه مؤيد 
فيما يقوله من العلماء الأقدمين. 

ونضرب لذلك مثلا بما زعمه من تدليس أبي هريرة مع أن جميع 
العلماء متفقون على أن ما كان يصنعه أبو هريرة وغيره من الصحابة من 
نسبته حديثاً إلى النبي كله لم يسمعه ولكنه سمعه من صحابي آخر يسمى 


إرسالا وهو أمن متفق على جوازة وضحته ووقرعه من عدد من الضخانة 
غير أبي هريرة. 


ولكن أبا رية يسمي هذا العمل تدليساً ثم يذكر ما قاله العلماء من 
جرح المدلس وسقوط اعتباره . ليصل نر ذلك إلى أن أب هريرة - بحسب 
القواعد التو وضعها هؤلاء العلماء ‏ لا يعتبر حليثه ولا يحتج به . 


ومثلا آخر: إنه يتهم أبا هريرة بالكذب» ثم ينقل نصوص العلماء في 
سقوط الاحتجاج بمن كذب ولو مرة واحدة على رسول الله كل وأن 
بعضهم ذهب إلى تكفيره» ويريد أن يطبق ذلك على أبي هريرة.. أي أنه 
يأتي بمقدمة صغرى غير صحيحة» ومقدمة كبرى مسلمة» ثم يأتي بالنتيجة 
التي يهواها على أنه ألزم خصومه بما لا يسعهم رفضه. 

لقد قال في أول بحثه: إن أحاديث الآحاد تفيد الظن» والظن لا 
يغنى من الحق شيئأء واستنتج من ذلك أن أحاديث الآحاد لا تلزمنا 


هة 


٠ 7 لسو‎ 


استدل للمقدمة الصغرى بنصوص العلماء في هذا الشأن وهي 
صحيحة» ولكن المقدمة الكبرى غير مسلمة لأن جماهير أئمة العلم ذهبوا 
إلى وجوب العمل بأحاديث الآحادء فالنتيجة التى ذكرها أبو رية غير 
صحيحة» ومن المعلوم أن القياس لا يكون e‏ لما إلا ذا سلمت 


مقدمتاه . 

هكذا شأنه فى كل أبحاثه» ومن هنا أكثر من الاستشهاد بنصوص من 
مراجع علمية محترمة في الأوساط العلمية» لكنها لا تلتقي معه في اتجاهه. 
بل هى فى اتجاه معاکس له تماماً» وإنما حشرها بين مراجعه ليموه بها على 
القراء البسطاء» أو الذيث لا اطلاع لهم على هذه المباحث . 
الهوى لا البحث العلمي كما فعل في فهمه معنى قول أبي هريرة رضي الله 


6٠١ 


عنه: «على ملء بطني» وكما فعل في فهمه معنى قول بسر بن سعيد فيمن 
كان يحضر مجلس أبي هريرة فيجعل ما يرويه أبو هريرة عن كعب مرويا 
عن رسول اللهء وما يرويه أبو هريرة عن رسول الله مروياً عن كعب» وقد 
سبق التنبيه إلى ذلك . 

وهذا الأسلوب هو أسلوب المتعصبين من المستشرقين» وهو الذي 
اقيم من غيوة المستفترقين: المسققين المتضتين النين أترا بع 
وأضعف من الثقة بأبحاثهم . 

رابعاً: إنه في سبيل تأكيد الفكرة المستولية عليه يرفض نصوصاً أجمع 
العلماء غلى صضحهاء من يث يعتمد على .زوايات: مكذوبة فض العلماء 
على بطلانها وعلى «حكايات» تروى في مجالس الأدب» ومن مصادر غير 
موثوقة في نظر العلماء وليس لها سند ولا يعرف قائلها. 

وبهذا ليس عنده مانع يمنع من تكذيبه لما جاء في كل كتب السنة 
الصحيحة كالبخاري ومسلم والسنن الأربعة وغيرها في بسط رداء أ هريرة 
ودعاء الرسول له بالحفظ» ويذهب في تكذيب هذه الرواية إلى حد السخرية 
والاستهزاء» فى حين أنه د E‏ جاء فى كتاب «الحيوان» للدميري › 
واشرح ابن ابي الحديد).ء و«عيون الأخبار؛ء وامقامات بديع التزميان 
الهمذاني»!! . 

را و ع دلوي ارلنك المسعضية من السك نين كها أشرنا 
إلى ذلك فيما سبق» فاقتدى بهم» حذوك التّعل بالنعل. 

خامساً: اعتماده في سب أبي هريرة وتكذيبه وفي التشكيك بالسنة 
ورواتهاء على ما كتبه ان «جولد تسيهرا و ار و لفو 
كريمر» و«دائرة المعارف الإسلامية» (البريطانية) وتفاخره بأنه يأخذ عن هؤلاء 
ويتلقى عنهم دروس السب والشتيمة في جلة صحابة رسول الله كَل! . 

بل إنه كان أكثر منهم بذاءة وأطول لساناء انظر إلى «شبرنجر» إنه 
يقول عن أبي هريرة: «المتطرف فى الاختلاق ورعا». 

اا اذ هن ع ا ی ا الكل ی ای د 


۲ 


يعتبر كالتسبيح بجانب ما أضفاه أبو رية على أبي هريرة من ألفاظ السب 
والشتم والهجاء المقذع حين زعم أنه كان يختلق الأحاديث ليرضي بها 
لاون 

ثم إن «شبرنجر» يعترف بأن كثيراً من الأحاديث التي تنسبها الروايات 
إليه إنما قد نحلت في عصر متأخرء فهو (شبرنجر) لا يحمل أبا هريرة 
وزرهاء ولكن أبا رية حمل أبا هريرة وزر كل الروايات المكذوبة عليه 
واستنتج منها تلك النتائج البعيدة عن الحق . 

وقد ذكرنا لك كيف زعم أن أبا هريرة كان يستحل الكذب على 
الرسول بأنه ما دام لا يحلل حراماً ولا يحرم حلالاً فلا بأس» ثم استشهد 
N E dB AE EES e EEL‏ 
الحديث . . 

وهكذا يفوق التلميذ أستاذه.. لكن لا فى الذكاء وعمق البحث 
والأدب» بل في شيء آخر غير هذا. . | 

سادساً: أنه لم يتحل بالأدب الكريم في بحثه» فكانت له الكلمات 
النابية التي مكانها مجالس السوقة والرعاع» لا الكتب والمؤلفات. 

إنه قد ذهب في أول بحثه إلى أن الكذب هو عدم مطابقة الخبر 
للواقع سواء كان عمداً أو خطأء ثم قال: «فلعنة الله على الكاذبين متعمدين 
أو غير متعمدين» هذا مع العلم بأن كبار الصحابة» وكبار المحدثين» وكبار 
الفقهاء. وكبار العلماءء قد وقع منهم الخطأ والوهم إما في الرواية وإما في 
الفتوى وإما في رواية التاريخ› فهؤلاء جميعاً في أدب «أبي رية» قد نالتهم 
لعنة الله!. . ومن عدالة الله أنا أمسكنا بأبى رية متلبسا بجريمة الكذب العمد 
كما واس ا 

ثم انظر إلى الألفاظ البذيئة التي قالها عن أبي هريرة» ثم عن معاوية, 
ثم عن الذين سيخالفونه في نتائج «بحثه العلمي الذي لم ينسج أحد من قبل 
على منواله» كيف كال لهم السباب المقذع ووصفهم بأحط الأوصاف 
والنعوت . 


۳ 


لقد كنت أقرأ هذا وأنا أعجب كيف يتفوه إنسان يحترم نفسه بمثل 
هذه الکلمات» حتى حدثنى عنه من يعرفه شخصياً ما أزال عجبى «وكل إناء 
بالذي فيه ينضح) . ا ا 

سابعاً: إنه لم يتورع خلال بحثه ‏ ليثبت عبقريته وأنه أتى بما لم يأته 
الأوائل» وأنه اكتشف حقيقة أبي هريرة التي خفيت على ثمانمائة من حملة 
' العلم من الصحابة والتابعين ‏ من أن يتهم الصحابة ‏ وفيهم عمر ‏ بالغفلة 
والسذاحة». حيث: سمحوا لمسلمة أهن الككاتي» الذي أسلموا لندسو) على 
الإسلام» أن يكذبوا على الرسول» ثم نقلوا عنهم هذا الكذب» من غير أن 
يؤتوا ذرة من الفطنة التي أوتيها أبو رية فيعلموا أن هؤلاء مدسوسون 
دساسون» بل خدصرا ديم ولمدرا عدي وتركوهي لسوت على الدين 
ويفسدون عقائده أحرارا يسرحون ویمرحون» بل يعظمون ويقدّسون! . . 

ثم اتهم الأجيال المتلاحقة من بعدهم ‏ وفيهم عشرات الألوف من 
كبار العلماء والفقهاء والمتشرعين والمحدثين بالغفلة وعدم التيقظ لما تيقظ 
له «محققنا العلامة العبقري» وأنهم جميعاً فاتهم من معرفة الحقائق التي 
أودعها في كتابه مما كان ينبغي أن يؤلف فيها مثل كتابه منذ ألف سنة! . 
ولكنهم لم يفعلوا حتى قام هو بهذه المهمة التي ستغير وجه الدراسات 
العلمية من بعد. . 

هذا ما قاله بلسانه وسطره بقلمه» وتکاد تلمسه في كل صفحة من 
صفحات كتابه. ولا تدل هذه الدعوى والغرور والتبجح إلا على شيء 
واحد.. على عقل صاحبها.. وسبحان مقسم الحظوظ في العقول» كما 
يقسم الحظوظ في الأرزاق. 

ثامناً: زعم أبو رية أنه استكثر في كتابه من الأدلة التي لا يرقى الشك 
إليها وتزيد من الشواهد التى لا ينال الضعف منها. وحسبنا أن نلمس مكان هذه 
الدعوى في المصادر الى ادوا ماافب رأي جماهير المسلمين ' 
جيلا بعد جيل . وهي مثل هذه الكتب التي أشار إليها ونقل عنها: 

«حياة الحيوان»: للدميري . 


ال لان ر 

ااشرح نهج البلاغة»: لابن أبي الحديد. 
«المعارف»): لابن قتيبة . 

«نهاية الأرب) : للنويري . 

«البيان والتبيين»: للجاحظ . 

«(الحيوان» : للجاحظ . 

«عيون الأخبار»: لابن قتيبة. 

(رحلة ابن جبير). 

«الخطط»: للمقريزي . 

«الفخري»: لابن طباطبا. 

«معجم الأدباء»: لياقوت . 

«حلية الأولياء» : 5 لعيم . 

«تاريخ بغداد»: للخطيب . 

تاريخ دمشق»: لابن عساكر. 

«تاريخ أبي الفدا». 

«النجوم الزاهرة»: لابن تغري بردي . 
(معجم الحيوان»: لمعلوف باشا. 

«أبو هريرة»): لعبد الحسين شرف الدين. 
«خزانة الأدب»: لعبد القادر البغدادي . 
«خاص الخاص») : للثعالبي . 

ا القلوب»: للثعالبي. 

(الصداقة والصديق»: للتوحيدي . 
«نكت الهميان فى نكت العميان) : للصفدي . 


0 


ااشرح لامية العجم»: للعلواني. 

«تاريخ التمدن الإسلامي»: لجرجي زيدان. 
«العرب قبل الإسلام»: لجرجي زيدان. 
«دائرة المعارف الإسلامية» (البريطانية) . 
«الحضارة الإسلامية»): لكريمر. 


«السيادة العربية): لفلوتن. 
«حضارة الإسلام) : لإبراهيم اليازجي . 


(تاريخ العرب المطول» : لفيليب حتي» وإدوارد جرجس» وجبرائيل جبور. 

«تاريخ الشعوب الإسلامية»: لبروكلمان. 

(المسيحية في الإسلام»: للقس إبراهيم لوقا. 

ا لعقيدة والشريعة فی الإسلام) : لجولد تسيهر . 

هذا نموذج من المصادر التي أثبتها في آخر كتابه» والتي زعم أنه أتى 
ا و ال لا برت الك البهاء بوالشواهد: القن لأ ال الو 
O a‏ ` ۰ 


(1) ذكرنا في ثبت المصادر التي زعم أبو رية أنها لا يرقى إليها الشك ولا ينالها الضعف 
«تاريخ ابن عساكر» و«الحلية لأبي نعيم» و«تاريخ بغداد للخطيب» وغيرهاء ثم أنكرنا 
عليه اعتبار مثل هذه المؤلفات من المصادر التى لا يرقى إليها الشك . 
ونزيد الأمر إيضاحاً بأن كلا من الخطيب وأبي نعيم وابن عساكر - وإن كانوا من كبار 
الحفاظ فى عصرهم - لم يلتزموا في كتبهم المذكورة إخراج ما اوردوه عن طريق 
صحيح» وإنما جمعوا كل ما وصلهم مما يتصل بموضوع الكتاب الذي يؤلفونه بقطع 
النظر عن حجة السند أو ضعفه أو صدق الخبر المروي أو كذبه»ء اعتماداً منهم على 
و السفك: وبمعرفة حال رواته تعرف حال الخبر» ولهذا جاء في كتبهم المذكورة 
كثير من الأحاديث والأخبار المكذوية أو الواهية مما نص العلماء على كثير منها. 
ولذلك يقول الذهبي في «رسالة الثقات» ص١١‏ عند ذكره الخطيب: «وهو وأبو نعيم 
وكثير من علماء المتأخرين لا أعلم لهم ذنبا أكبر من روايتهم الأحاديث الموضوعة في 
تآليفهم غير محذرين منهاء وهذا إثم وجناية على السئن فالله يعفو عنا وعنهم». 


6*1 


أما النصوص الواردة في «صحيحي البخاري ومسلم)» و«مسند الإمام 
أحمد» و«الموطأ» و«سئن النسائى» والترمذي ومدونات السنة المعتبرة فقد 
كذب منها ما شاءء لأنها يرقى إليها الشك وينال منها الضعف. . 

البخاري يُشك في نصوصه.ء أما الإسكافي فيوثق بحكاياته . 

مسلم ينال الضعف رواياته» وأما الثعالبي» فلا ريب في صدقه. 

أحمد يروي الأكاذيب» ولكن ابن أبى الحديد لا ينقل إلا الصدق . 

أنا لا أقول ف عمن يقول هذا الكلام ! ولكنى أسأل الذي قرظ كتابه 
من كبار الأدباء”'؟ فأبدى إعجابه بكثرة مصادرهء أسأله وهو الذي نادى 
بالمنهج العلمي في هذه البلاد. هل يصح أن يكون قائل هذا الكلام من 
العلماء؟ أم من طلبة العلمء أم من الذين يفهمون معنى «العلم»؟!. 

ثامناً: زعم «أبو رية» أنه ألف كتابه على قواعد التحقيق العلمىّ»ء فما 
هو المنهح الذي وضعه لكتابه؟ ما هى القاعدة أو القواعد التى وضعها 
لتصحيح الأحاديث؟ ماذا نفعل بهذه الثروة من كتب السنة الموجودة؟ أنرميها ‏ 
كلها؟ أنأخذ بها كلها؟ أنأخذ بعضها ونترك بعضها؟ وما القاعدة فى ذلك؟ 


العقل الصريح؟ عقل من؟ أمثل عقله الذي كذب الروايات الثابتة» وصدق 
«الحكايات» المكذوبة؟! ورد رواية البخاري» وقبل حكاية الإسكافى؟ . 


ثم أبو هريرة ماذا نفعل بأحاديثه؟ أهي كذب كلها؟ أم بعضها كذب 
وبعضها صحيح؟ وما القاعدة في الت ها 


إن كل ما صنعه أبو رية أنه عرض علينا عبقريته في التنبه لغفلة 
العلماء الذين سبقوه عن وضع القواعد العلمية الصحيحة لنقد الحديث! ولم 


)١(‏ هو الدكتور طه حسين الذي كتب مقالاً عن كتاب أبي رية في بعض الصحف المصرية 
أبدى فيه إعجابه بكثرة المراجع التي رجع إليها في هذا الكتاب مما يدل على دأبه 
وبحثه» ومع ذلك فقد نقده نقداً لاذعاً فيما يتعلق بأبي هريرة. وكان من أمانة هذا 
المحقق أبي رية أن نشر ثناءه عليه في كثرة المصادر وحذف انتقاده اللاذع عليه. 


€۷ 


يترك طريقة للتشكيك في السنة ورواتها من الصحابة إلى التابعين فمن بعدهم 
إلا سلكهاء ثم زعم بعد ذلك أنه أراد خدمة السنة!؟ 


أفهذا هو المنهح العلمي؟ أهذه هي الدراسة التى قامت على قواعد 
التحقيق العلمي» وهي الأولى من نوعها ولم ينسح أحد من قبل على 


منوالها؟! . 


انف لاهن أن أحداً من العقلاء الذين يحترمول أنفسهم ويحترمول 
عقولهم وعقول قرائهم لم ينسج من قبل» على هذا المنوال! وحسب (أبي 
رية» هذا الشرف!.. بل حسبه من الشرف أن ينفق على كتابه جهد ثلائين 
سنة وتزيد . 


« 


ذه 
رو 


0. 


لل مل یم لأر الد 2 اين سل سيم في كليو له 
سبو آم ي شُنعًا (3)» [الكهف]. 


علمية. الأمريه a‏ 


ااا ا م وس لكام 


؟ ‏ وخلو مؤلفه من الأمانة العلميةء وَأسَهُ يَقولُ الْحَنَّ وهو يَهَرِى 
ا [الكحزات: 0372 


)١(‏ يلاحظ القارئ في نقدنا لأبي رية أنا كررنا أحياناً ما ذكرناه في موضع آخر. وسبب 
- ذلك أن المقدمة التمهيدية (للطبعة الأولى) التي خصصناها لنقد كتاب أبي رية إجمالاً 
قد كتبت قبل بضعة أشهر من كتابتنا لنقد موقف أبي رية من أبي هريرة رضي الله 
نة وقد أرسلت تلك المقدمة إلى القاهرة فون كتابعها ولبسيت عنذنا تسحة هنهاء 
فلما كتبت الفصل الخاص بأبي هريرة رضي الله عنه غاب عن الذاكرة بعض ما 
احتوته المقدمة التمهيدية» ومن هنا يتبين سن تكرار المصادر التي استند إليها أبو رية 
في كتابه في كل ما خرج منه عن جمهور المسلمين من آراء. وعذرنا هو ما 
ذكرناه . 


OS 
7 
فى تة الشنة ى اللشرتع الاشلای‎ 
وفيه ثلاثة فصول‎ 
القصضلالآول : إىمتبجة الشّنة مع الكتاب‎ 


الفصل الشتافي : كبتاشمل الآ لاالشتة 
الفصّل الثالث. : فى نسخ السمّة بالقآبن والقآف ,السّنة . 





النضل الأول 
ا م 


ھے ‏ سے فة 1 
کے ٠‏ 





أا را عل رسيو له كلاد هتن الاي ورو الال 
وشفاء لصدور الذين أراد الله لهم الشفاءء ونبراساً لمن أراد الله لهم الفلاح 
والضياء» وهو مشتمل على أنواع من الأغراض التي بعث الله من أجلها 
الرسل» ففيه التشريع والاداب والترغيب والترهيب والقصص والتوحيد» وهو 
مقطوع بصحته إجمالاً وتفصيلاء فمن شك في آية أو كلمة أو حرف من 
حروفه لم يكن مسلماًء وأهم ما يعنى به العالم المتفقه في دين الله أن 
يتعرف إلى أحكام الله في كتابه وما شرعه الله لعباده من نظم وقوانين. 

وقد تلقاه المسلمون عن رسول الله يلخ مشافهة في عصر الصحابة 
نقلا متواتراً في العصور التالية» وللرسول مهمة أخرى غير تبليغ كتاب الله 
إلى الناس» وهي تبيين هذا الكتاب وشرح آياته» وتفصيل المجمل من 
أحكامه. وبيان ما أنزله الله في كتابه من قواعد عامة أو أحكام مجملة أو 
غير ذلك . 


من هنا كان المسلمون فى حاجة إلى معرفة بيان رسول الله مع 
حاجتهم إلى معرفة كتاب اللّهء ولا يمكن أن يفهم القرآن على حقيقته وأن 
خم عراف امن كبر رمن اعد لاسكا نيه إل وال ريجرج [لقى رسر كاله عله 
الى انوك الث عليه الات لين الا عا ن الم هن ر 
الطوائف المنحرفةء» على أن سنة رسول الله يه من قول أؤ عمل أو تقرير 


٤١1 


إليها في معرفة الحلال والحرام» وقد ذكرنا في الفصول السابقة ما يدل على 
هذا في كتاب الله وقول رسوله» غير أن الذي نريد بحثه الآن» هو مكانة 
ا للكتاب» هل هي معه على استواء واحد أم هي متأخرة عنه 
فى ال 


ومما لا ريب فيه أن متن القرآن قطعي الثبوت» ثم منه ما هو قطعي 
الدلالة ومنه ما هو ظنيهاء أما السنة: فالمتواترة منها قطعية الثبوت» وغير 
المتواتر ظنيّ الثبوت في تفصيله وإن كان قطعياً في جملته» ومرتبة ظنيْ 
الثبوت في نوعيه قطعي الدلالة وظنيهاء يأتي بعد مرتبة قطعى الثبوت بنوعيه. 
الملسى ار را و واا ا فم کات 

اا E‏ ا للكتاب أو ا ا و کارت 
بياناً فهي في الاعتبار بالمرتبة الثانية عن المبيّن فإن النص الأصلي أساس 
والتفسير بناء عليه» وإن كانت زيادة» فهي غير معتبرة إلا بعد أن لا توجد 
في الكتاب وذلك دليل على تقدم اعتبار الكتاب. 

هذا ما يدل عليه النظر العقلى» وقد تأيد ذلك بجملة. من الأخبار 
والآثارء من ذلك حديث معاذ الذي أخرجه أبو داود والترمذي: «كيف 
تقضي إذا عرض لك قضاء؟ قال: بكتاب الله» قال فإن لم تجد؟ قال: 
بسنة رسول الله» قال: فإن لم تجد؟ قال: أجتهد رای 

ومما كتبه عمر إلى شريح القاضي: (إذا أتاك أمر فاقض بما في 
كتاب الله فإن أتاك بما ليس في كتاب الله» فاقض بما سن فيه 
رسول الله ية إلخ. . ٠.‏ وفي 20000 «إذا وجدذت شيئاً فی كتاب الله 
فاقض به ولا تلتفت إلى غيره» وقد بين المراد من هذا فى رواية أخرى: 
«انظر ما تبين لك في كتاب الله فلا تسأل عنه أحدا ال ن لك 
كتاب الله فاتبع فيه سنة رسول الله كوا . 


)١(‏ أخرجه أبو داود والترمذي وقال: ليس إسناده عندي بمتصل» وقد عقب ابن العربي 


بقوله: هو حديث مشهور (شرح ابن العربي للترمذي 15/5). 


۲ 


وروي عن ابن مسعود: «من عرض له منكم قضاء فليقض بما في 
كتاب الله فإن جاءه ما ليس في كتاب الله وكان عن رسول الله كله قال به . 

وقدمنا لك أن سنة الشيخين إذا عرضت لهما حادثة أن ينظرا في 
كتاب الله فإن لم يجدا حكمها فيه» نظرا إلى سنة رسول الله بل ومثل 
ذلك كثير في كلام الصحابة والتابعين والأئمة والمجتهدين . 

وقد يعارض ما ذكرناه بما روى عن بعض العلماء من أن السنة قاضية 
على الكتابس» إذ هي تبين مجمله» وتقيد مطلقه وتخصص عامه» فيرجع 
إليها ويترك ظاهر الكتاب» وقد يحتمل نص الكتاب أمرين فأكثرء فتعين 
السنة أحدهماء فيعمل بها ويترك مقتضى الكتاب. ألا ترى أن آية السرقة 
قاضية بقطع كل سارق» فخصتها السنة بمن سرق نصاباً محرزأء وهي تفيد 
قطع اليد» واليد تصدق من الأصابع إلى المرفقين» فخصتها السنة 
بالكوعين» وكذلك آيات الزكاة شاملة لكل مال فخصتها السنة بأموال 
مخصوصة. وقال الله تعالى: #أوَيصلٌ لك با ورا ذلك [النساء: 5؟] 
فخصصت السنة هذا العموم بنكاح المرأة على عمتها وخالتها ومثل ذلك 
كثير . 

وهذا من شأنه أن نقول بتقديم السنة على الكتاب» وإلا فبمساواتها له. 

ويجاب بان غتمل :السدة فى مق هه اللات تن هراد اك في 
كتابه» فهي في آية السرقة تبين أن المراد بالقطع قطعهما إلى الكوعين ١‏ 
المرفقين» وأن المراد بالسارق سارق نصاب محرز» فهي في هذه الحالة لم 
نكيت نكما يدا واا اوقت ونت بها كان ب ار م وود 
هو المراد بقول بعضهم أن السنة قاضية على الكتاب» أي: مبينة له» لا 
أنها مقدمة عليه . 

وقد يعترض أيضاً بأن الأثر عن معاذ فيه مقال كثيرء فقد قال الترمذي 
عنه: «لا نعرفه إلا من هذا الوجه وإسناده ليس E‏ وعده 


1۳ 


فی من أصول ا 


ويجاب بأن عمل أبي بكر وعمر وابن مسعود وابن عباس وعيرهم سن 
أكابر الصحابة بالنقول الثابتة عنهم» وعمل من بعدهم من علماء السلف 
كاف غد الالال على ها رل ` 


ولا شك في أن أحاديث الآحاد بما حف بها من ظنون في طريق 
را هان ال ا ا ی حت ارت راا م 
حيث الاجتهاد وفهم النصوص فلا بد من الرجوع إلى السنة قبل تنفيذ 
نصوص القرآن» لاحتمال تخصيص السنة لها أو تقييدهاء أو غير ذلك من 
وجوه الشرح والبيان التي ثبتت للسنة» فهي من هذه الناحية متساوية مع 
القرآن من حيث مقابلة نصوصها بنصوصه والتوفيق بينهماء والجمع حين 
بظهر شيء من التعارض» وهذا لا ينازع فيه أحد ممن يقول بحجية 
ال 


هل تستقل السنة بالتشريع؟ 
لا نزاع بين العلماء في أن نصوص السنة على ثلاثة أقسام : 


والتفصيل وذلك مثل الأحاديث التي تفيد وجوب الصلاة والزكاة والحج 
والصوم من غير تعرض لشرائطها وأركانهاء فإنها موافقة للآيات التي وردت في 
ذلك» كحديث: «بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن 
مسرا رسول الله » وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة» وصوم رمضان» وحج النيية 
من استطاع إليه سبلا . فإنه مزال لقوله الى #وَأَقِيمُوا الصَلودٌ واوا المكرة»# 
[البقرة: AY‏ ولقوله: «إيايها الد امنا كيب ڪه ألصيَامٌ كما كيب عَلَ 


اا لم [البقرة: ۱۸۳[ ولقوله: لول عَلَ ألنّاس ِب ليت من 
أَسَتَطَاءَ ليه ب سيلا [آل عمران: /91]. 


2 


ومثل قوله ئة : «لا يحل مال اع ا فإنه 
موافق لقوله EE‏ ويتام ارت اموا لا تأكلوا أموالم ينْتَحكم 


td 


بالطل لك ال و تک [النساء: .]١9‏ 
ثانيً: ما كان مبيئاً لأحكام القرآن من تقييد مطلق» أو تفصيل مجمل» 
أو تشحخصيص عام كالأحاديث التي فصلت أحكام الصلاة والصيام والزكاة 


والحج والبيوع والمعاملات التي وردت مجملة في القرآن» وهذا القسم هو 
أغلب مأ و السنة» وأكثرها رودا 


الثاً: ما دل على حكم سكت عنه القرآن» فلم يوجبه ولم ينفه» 
كالأحاديث التي أثبتت حرمة الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتهاء وأحكام 
الشفعة» ورجم الزاني البكر ا وريت اراي الكرى وارت الاه 
وغير ذلك . 

ولا نزاع بين العلماء في القسمين الأولين› أي في ورودهما وثبوت 
أحكامهما وكونهما الغالب على أحاديث السنةء إنما اختلفوا فى الثالث ‏ أي 
الذي أثبت أحكاماً لم يشبتها القرآن ولم ينفها - بأي طريق كان ذلك؟ أعن 
طريق الاستقلال بإثبات أحكام جديدة؟ أم عن طريق دخولها تحت نصوص 
القرآن ولو بتأويل؟ ذهب صاحب «الموافقات» وآخرون إلى الثاني» وذهب 
الجمهور إلى الأول؛ وسننقل لك عبارة الشافعي أولاًء ثم ننتقل بك إلى 
شرح هذا الخلاف. 

قال الشافعي رحمه الله" : فلم أعلم من أهل العلم مخالفاً في أن 
سنن النبي ية من ثلاثة وجوه» فاجتمعوا منها على وجهين» والوجهان 
يجتمعان ويتفرعان : 


أحدهما: ما أنزل الله فيه نص كتاب» فبين رسول الله مثل ما نص 
الكتاب» والآخر: ما أنزل الله فيه جملة كتاب» فبين عن الله معنى ما أراد. 


.4١ص الرسالة‎ )١( 


0 


وهذان الوبجهانء اللذان لم يختلفوا فيهما. 
والوجه الثالث: ما سن رسول الله فيما ليس فيه نص كتاب . 


غلمه من توفيقه لرضاه؛: أن يسن فيما ليس فيه نص كتات.. 


۲ - ومنهم من قال: لم يسن سنة قط إلا ولها أصل في الكتاب 
كينا كانت سبحفة لتبييزة. عذى الفلا :وعملها علنى. أضل جملة فرض 
الصلاة» وكذلك ما سن من البيوع وغيرها من الشرائع» لأن الله تعالى 
قال: لا تَأَكُلُوا اموک بتڪم بالطل [النساء: 19] وقال: #وَاحلّ 
أنه Me NN‏ انها أل وحم نادم Sg‏ 
عن الله كما تيق. الضنادة : 

٣‏ - ومنهم من قال: بل جاءته به رسالة الله فأثبتت سنته 
بفرض الله . 

٤‏ - ومنهم من قال: آلقي في روعه كل ما سن» وسنته الحكمة التي 
ألقي في روعه عن الله فكان ما ا في روعه سنته). أه. 

وواضح أن مراده بالخلاف في القسم الثالث ليس الخلاف في وجوده 
بل في مخرجه» هل هو على الاستقلال بالتشريع كما قال أصحاب القول 
الأول والثالث والرابع؟ أم بدخوله ضمن نصوص القرآن كما قال أصحاب 
القول الثاني؟ . ) 


حجح القائلين بالاستقلال: 

قالوا أولاً: إنه لا مانع عقلاً من وقوع استقلال السنة بالتشريع ما دام 
رسول الله معصوماً عن الخطأء ولله أن يأمر رسوله بتبليغ أحكامه على 
الناس من أي طريق» سواء كان بالكتاب أو بغيره» وما دام جائزا عقلا وقد 
وقع فعلا باتفاق الجميع فلماذا لا نقول به؟ . 


١5 


فالوا انيا إن النصوص الواودة في القرآن الدالة خلى. وجوت ابا 
الرسول وطاعته فيما يأمر وينهى عامة لا تفرق بين السنة المبينة أو المؤكدة 
أو المستقلةء بل إن في بعضها ما يفيد هذا الاستقلال مثل قوله تعالى: 
اا الین امنا ليها الله وَأليموا الول ایی الأ يدك ون كترَعْمٌ في كم 
دوه لى الکو الول إن كم ومون يالو ووم الح [النساء: 54]. والرد 
إلى الله هو الرد إلى الكتاب» والرد إلى الرسولء هو الرد إلى سنته بعد 
وفاته . 


وقال: لاوَأيئوا لَه وأطيعوا اسول درواي [المائدة: ۹۲] وسائر ما 
قرن فيه طاعة الرسول بطاعة الله فهو دال على طاعة الله ما أمر به ونهى عنه 
في كتابه» وطاعة الرسول ما أمر به ونهى عنه مما جاء به مما ليس في 
القرآن: إذ لو كان في القرآن لكان من طاعة الله. ا 


2 رم 2 


وقال: 9مَلِحْدَرٍ الَذِنَ يحَالِفُنَ عن امو أن بم ننه [النور: 517] 
ا فقد اختص الرسول عليه الصلاة والسلام بشيء يطاع فيهء وذلك 
السينة التي لم تأت في القرآن. 

وقال: #إمّن يطِع الرَسُولَ هَقَدَ أطاع أله [النساء: .]8٠١‏ 


وقسسال: ووا اند الل فد وا ك هد ا 
[الحشر :۷]. 

وقال تعالى: للا ورك لا بومنوت حى بوك یما سجر 
469 [النساء]. والآية نزلت في قضاء رسول الله كلخ للزبير بالسَّمّي 
قبل الأنصاري من شراج الحرة» وليس هذا الحكم في كتاب الله 
ا 


وهكذا كل أدلة القرآن تدل على أن ما جاء به الرسول» وكل ما أمر 
به ونهى عنهء فهو لاحق في الحكم بما جاء في القرآن فلا بد أن يكون 


EV 


اكد ل 


وقالوا ثالثاً: فقد جاءت أحاديث كثيرة تدل على أن الشريعة تتكون 
من الأصلين معاً: الكتاب والسنةء وأن في السنة ما ليس في الكتابء وأنه 
بعد الاك باق السنايى الالحكام هما ركه بيجا فى الكداي تر 
قوله كللِ: «يوشك بأحدكم أن يقول: هذا كتاب الله ما كان فيه من حلال 
أحللناه» وما كان فيه من حرام حرمناه» ألا من بلغه عني حديث فكذب 
ها ات أل ورسر ل والى خا 

وقد ذكرنا من قبل حديث «يوشك رجل منكم إلخ» وهذا دليل على 
أن فن اة غا ليس فى الكتاي” 7 


وقالوا رابعاً: لقد ثبت من قول على رضى الله عنه. «ما عندنا إلا 
كتاب الله أو فهم أعطيه رجل مسلم وما ی ھا ا إلخ. .» وجاء في 
حديث معاذ «بماذا تحكم؟ قال: بكتاب الله» قال: فإن لم تجد؟ قال: 
فبسنة رسول الله كيدا وهو واضح في أن السنة ما ليس في القران» وهو 
نحو قول من قال من العلماء: «ترك الكتاب موضعا للسنة» وتركت السنة 
5 0 


حجج المنكرين للاستقلال: 
أما الآخرونء» فقد استدلوا لرأيهم بما عبر عنه الشاطبي فيما يلي : 
السنة راجعة فى معناها إلى الكتاب فهى تفصيل مجمله وبيان 


مشكله وبسط مختصره» وذلك لأنها بيان له» وهو الذي دل عليه قوله 


.١15 ١/54 الموافقات‎ )١( 

)۲( رواه الطبراني في الأوسط عن جابر» وأورده ابن عبد البر في «جامع بيان العلم» 1/1 . 
(۳) الموافقات #/ 2.16 

.١7- ١57/5 الموافقات‎ ):( 


51 


تعالى: #وَأَرْلا إِّكَ الآِكرَ لنُبَينَ لئان ما نُيْلَ لم4 [النحل: 55]. 
فلا تجد في السنة أمراً إلا والقرآن قد دل على معناه دلالة إجمالية أو 


وأيضاً فكل ما دل على أن القرآن هو كلي الشريعة وينبوع لها فهو 
دليل على ذلك لأن الله تعالى قال: لوك لمل ي عير ©4 
[القلم] وفسرت عائشة ذلك بأن خلقه القرآن واقتصرت في خلقه على 
ذلك. فدل على أن قوله وفعله وإقراره راجع إلى القرآنء لأن الخلق 
محصور في هذه الأشياءء ولأن الله جعل القرآن تبياناً لكل شيء» فيلزم 
من ذلك أن تكون السنة حاصلة فيه في الجملة لأن الأمر والنهى أول ما 
الكتاب». ومثله قوله تعالى: ما فرَطتا فى الكتب من سىء ا 
٨۸‏ وقوله: الوم الت کم يتك [المائدة: ۳] وهو يريد إنزال 
القرآن . 


فالسنة إذن في محصول الأمر بيان لما فيه» وذلك معنى كونها راجعة 
إليه» وأيضاً فالاستقراء التام دل على ذلك“ . 


وأجابوا عن حجج الفريق الأول بما خلاصته: إننا ندعي أن السنة 
مبينة للكتاب» وما ذكرتموه من الايات التي توجب طاعة الرسول مع 
طاعة الله يقصد منها طاعة الرسول في بيانه وشرحه» فمن عمل وفق بيان 
الرسول مياو فقد أطاع الله فيما أراد بكلامه. وأطاع رسوله في مقتضى 
بيانه» ولو عمل على مخالفة البيان عصى الله تعالى في عمله على مخالفة 
البيان» إذ عمل خلاف ما أراد بكلامه وعصى رسوله فى مقتضى البيان». 
فلم يلزم من إفراد الطاعتين تباين المطاع فيه بإطلاق› ذا فليس في الآيات 
دليل على أن ما في السنة ليس في الكتاب» وما ذكروه من حكم الرسول 
للزبير ليس كما زعموا أنه لا وجود له في القرآن» بل هو داخل تحت 


.٠١ ١5/5 الموافقات للشاطبي‎ )١( 


أحكامه ونصوصه. كما سيأتي في بيان اشتمال القرآن على السنة» ونحن 
نسلم بوجود الأحكام الزائدة» ولكنها ليست زائدة زيادة شيء ليست في 
القرآنء بل هي زيادة الشرح على المشروحء وإلا لما كان شرحاء وهذا 
ليس بزيادة في الواقع» وأجابوا عن حديث المقدام «يوشك...2 إلخ. بأن 
في سنده زيد بن الحباب وقد قال فيه الإمام أحمد: إنه صدوق كثير 
الخطأء وكذلك ابن حبان» وتكلم في أحاديث له رواها عن سفيان الثوري› 
وقد تركه الشيخان لذلك. 


الخلاف لفظي: 

ويتلخص الموقف بين الفريقين في أنهما متفقان على وجود أحكام 
جديدة في السنة لم ترد في القرآن نصاً ولا صراحة» فالفريق الأول يقول: 
إن هذا هو الاستقلال في التشريع لأنه إثبات أحكام لم ترد في الكتاب. 
والفريق الثاني - مع تسليمه بعدم ورودها بنصها في القرآن - يرى أنها داخلة 
تحت نصوصه بوجه من الوجوه التي ستذكر فيما بعد. وعلى هذا فهم 
يقولون: إنه لا يوجد حديث صحيح يثبت حكماً غير وارد في القرآن إلا 
وهو داخل تحت نص أو قاعدة من قواعده» فإن وجد حديث ليس كذلك» 
كان دليلاً على أنه غير صحيح. ولا يصح أن يعمل به. 

.وأنت ترى أن الخلاف لفظي» وأن كلا منهما يعترف بوجود أحكام 
في السنة لم تثبت في القرآن». ولكن أحدهما لا يسمي ذلك استقلالاء 
واللاخر يسميه» والنتيجة واحدة. 


¥$ # 7 


200 





الفصلالشكاى 





إذا كانت السنة مبينة للقرآنء وإذا كان القرآن قد دل على كل ما فى 
السنة إجمالاً وتفضيلاً على رأي الشاطبي». ومن وافقه». أخذاً بقوله تعاك : 
ًا لكل سى [النحل: ]۸٩‏ وبقوله: لتا رطا في لكب من سر4 
[الأنعام: ۳۸] فعلى أي وجه تم ذلك مع أننا نرى أحكاماً كثيرة لم ترد 
ف اران : 

هنا يختلف العلماء في بيان ذلك على خمسة طرق : 

الطريقة الأولى : أن القرآن دل على وجوب العمل بالسنة» فكل عمل بما 
جاءت به السنة عمل بالقرآن» وهذه الطريقة كما ترى طريقة عامة؛ وممن أخذ 
بها عبد الله بن مسعودء فقد روي أن امرآة من بني أسد أتته فقالت: يا أبا 
عبد الرحمن بلغني عنك أنك لعنت الواشمات والمستوشمات والمتنمصات 
والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله» فقال: وما لي لا ألعن من لعنه 
رسول الله وله وهو في كتاب الله. فقالت المرأة: لقد قرأت بين لوحى 
ل E‏ فقال: لعن كدث:قرأتية لوجحدته؛ قال اغ [ 
وما ٤اتدکم‏ السو سَحْدُوهُ وما تينك عَنْهُ دَأنتهوأ4 27" [الحشر: ۷]. 

ومن ذلك أن عبد الرحمن بن يزيد رأى محرماً عليه ثيابه فنهاه 


6 
فقال: ائتني بآية من كتاب الله تنزع ثيابي» فقرأ عليه: ##ومآ اتلك الول 


و ورو 


فخذوهه ار 4 


(۱) الموافقات ۲٤/٤‏ وجامع بيان العلم .٠۸۸/۲‏ 
(۲) الموافقات ۲٣/۲‏ وجامع بیان العلم .٠۸۹/۲‏ 


55١ 


وروي أن طاووساً كان يصلى ركعتين بعد العصرء فقال له ابن 
عباس: اتركهماء فقال: إنما نهي 55 أن تدا سا فال اب عا 
قد نهى رسول الله ميو عن صلاة بعد صلاة العصر› فلا أدري أتعذب 
عليهما أم تؤجر؟ لأن الله تعالی قال: وما کان ممن ا مرْمسَةٍ إا قى أله 
ESI,‏ هم اله من ام [الأحزاب: 5"]. 


الطريقة الثانية : وهی هى الطريقة المشهورة عند العلماء أن الكتاب مجمل 
والسنة مفصلة له كالأحاديث الواردة في بيان ما أجمل دكرة من الأحكام» 
إما بحسب كيفيات العمل أو أسبابه أو شروطهء أو موانعه أو لواحقه أو ما 
أشبه ذلك» فبيانها للصلوات على اختلافها في مواقيتها وركوعها وسجودها 
سائر أحكامهاء وبيانها للزكاة في مقاديرها وأوقاتها ونصب الأموال 
المزكاة» وبيان أحكام الصوم مما لا نص عليه في القرآن» وكذلك أحكام 
الحج والذبائح والأنكحة وما يتعلق بهاء والبيوع وأحكامهاء والجنايات من 
القصاص وغيره» مما وقع بياناً لما أجُمل في القرآن» وهو الذي يظهر 
دخوله تحت قوله تعالی: وألا لِك لكر لين لتاس ما رل إ4 
[النحل: 45]. 


وروي عن عمران بن حصين أنه قال لرجل: إنك امرؤ أحمق» أتجد 
في كتاب الله الظهر أربعاً لا يجهر فيها بالقراءة؟ ثم عدد عليه الصلاة 
والزكاة ونحو هذا. ثم قال: أتجد هذا في كتاب الله مفسرا؟ إن كتاب الله 
ابه هذا وان ال مر دل 

وقيل لمطرف بن عبد الله بن الشخير: لا تحدثونا إلا بالقرآن» فقال 
له مطرف: والله ما نريد بالقرآن بدلآء ولكن نريد من هو أعلم بالقرآن 
9 , 


.50/5 الموافقات‎ )١( 
.٠۹۱/۲ وجامع بیان العلم‎ ۲٠/٤ الموافقات‎ )۲( 


۲ 


ومن هنا قال الأوزاعي: «الكتاب أحوج إلى السنة من السنة إلى 
الات قال أبن .غين الي يريك أنها تقضى. عليه .وتنين العراد منه. 

وسئل الإمام أحمد عن الحديث الذي روي أن السنة قاضية على 
الكفاي فال ها اجمر على .هذا أث أكولة» ‏ إن السيئة: تفمسير الكعات 
CI‏ | 


وسينة 


الطريقة الثالثة : وهي النظر إلى المعاني الكلية التي يقصدها التشريع 
القرآنى فى مختلف نصوصه. وأن ما في السنة من أحكام لا يعدو هذه 
المقاصد والمعانى . 


وتفصيل ذلك أن القرآن جاء بتحقيق السعادة للناس في حياتهمُ الدنيا 
والأخرى. وجماع السعادة فى ثلاثة أشياء : 


. الضروريات: وكين حفظ الدين والنفس والنسل والمال والعقل‎ ١ 
. كإباحة الفطر في السفر أو المرض‎ 

۳ - التحسينيات: وهي ما يتعلق بمكارم الأخلاق ومحاسن العادات. 

هذه الأمور الثلائة ومكملاتها قل حاء بها القرآن الكريم اص يندر حم 
تحتها كل ما في القرآن من أحكامء وقد جاءت بها السنة تفريعاً عن الكتاب 

ا : 5" . ش 0 : 

وتفصيلا لما ورد فيه منها' . فجميع نصوص السنة ترجع بالتحليل إلى هذه 
الأصول الثلاثة . 


الطريقة الرابعة: أن القرآن قد ينص على حكمين متقابلين ويكون 
هنالك ما فيه شبه بكل واحد منهماء فتأتى السنة وتلحقه بأحدهما أو تعطيه 


O a O 

0 ادر الان في جام يان ا وي راا ۷ ا فن ان صد الب فى 
ن اوا 

a WI O انظلر‎ 8 


CT 


ا ا وقد ينص القرآن على حكم بشيء لعلة فيه 
فيلحق به الرسول ييه ما وجدت فيه العلة» عن طريق القياس . 


أمثلة للحكمين المتقابلين: 

١‏ - إن الله أحل الطيبات وحرم الخبائث» فبقيت هنالك أشياء لا 
يدرى أهي من الطيبات أم من الخبائث» فبين عليه الصلاة والسلام أنها 
ملحقة بإحداهماء فنهى عن أكل كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب 
من الطيرء ونهى عن أكل لحوم الحمر الأهلية» كما ألحق عليه السلام 
الضب والحبارى والأرنب وأشباهها بالطيبات. 


؟ ‏ أحل الله صيد البحر فيما أحل من الطيبات» وحرم الميتة فيما 
حرم من الخبائث فدارت ميتة البحر بين الطرفين أشكل حكمهاء فقال عليه 
الصلاة والسلام: «هو الطهور ماؤه الحل ميتته»“ وقال: «أحلت لنا ميتتان 
واا لان الك الجا وا لمان الك وا 


۳ - حرم الله الميتة وأباح المذكاة» فدار الجنين الخارج من بطن 
المذكاة ميتاً بين الطرفين فاحتملهماء فقال عليه السلام في الحديث: «ذكاة 
الجنين ذكاة أمه»“ ترجيحاً لجانب الجزئية على جانب الاستقلال. 
أمثلة لما أعطى حكماً خاصاً بين شبهين: 

١‏ أحل الله النكاح وملك اليمين» وحرم الزنى» وسكت عن النكاح 
المخالف للشرعء فإنه ليس بنكاح محض ولا سفاح محض» فجاء في 
اة “لامها امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل» فنكاحها باطل» 
فنكاحها باطل» فإن دخل بها فلها المهر بما استحل منها»“. 

(۲) أخرجه ابن ماجه والحاكم والبيهقي من رواية ابن عمر. 


)۳( رواه او داود والحاكم والترمذي و حجسية ) وابن ماجه وابن حال والدارقطني . 


(€) روأه اتو داود والترمذي باختلاف يسير في بعص ألفاظه . 


CY 


۲ - جعل الله النفس بالنفس» وأقص من الأطراف بعضها من بعض› 
أما فى الخطأ: ففى القتل الدية» فى الأطراف دية بينتها السنة» فأشكل 
بينهما الجنين إذا اقلت أن ع من غيرهاء فإنه يشبه جزء الإنسان 
كسائر الأطراف» ويشبه الإنسان التام لخلقته» فبينت السنة أن ديته الغرة“ 
وأن له حكم نفسه لعدم تمحض أحد الطرفين له. 


أمثلة للإلحاق عن طريق القياس: 

١‏ حرم الله الربا. وقد كان ربا الجاهلية هو فسخ الدين بالدين, 
يقول. الطالب إما أن تقضي وإما أن تربي» ولما كانت العلة فيه إنما هو من 
أجل كونه زيادة من غير عوضء ألحقت به السنة كل ما فيه زيادة بذلك 
المعنى. فقال عليه الصلاة والسلام: «الذهب بالذهب. والفضة بالفضة» 
والبر بالبر» والشعير بالشعير» والتمر بالتمرء والملح بالملح» مثلا بمثل» 
سواء بسواء» يدا بيدء فمن زاد أو ازداد فقد أربى» فإذا اختلفت هذه 
الأصناف فبيعوا كيف شتتم إذا كان يدا بيد . 


#وَأسلٌ لم نا ويه دَلِكُمْ4 [النساء: 15] فجاء نهيه عليه الصلاة والسلام 


م 


عن الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها من باب القياس» لأن المعنى الذي 
لأجله ذم الجمع بين الأختين موجود هناء وهو ما عبر عنه في الحديث: 


«فإنكم إذا فعلتم ذلك» قطعتم آرحامکم» والتعليل يشعر بوجه القياس . 


٣‏ - حرم الله من الرضاعة الأمهات والأخوات» فألحق النبي عليه 
السلام بهاتين - عن طريق القياس - سائر القرابات من الرضاعة اللاتي 
يحرمن من المت كالعمة والخالة وبستت الأخ وبسست الأخت وأشباه ذلك 


)۱( الغرة : عد أو أمة والحديث أخرجه الستة . 
)۲( هذا حديثث مشهور روته جميع كتب السنة بألفاظ متقارية ) وما ذكرناه هنا هو من رواية 
مسلم وأبي داود وأحمد وغيرهم. 


فقال: «إن الله حرم من الرضاعة ما حرم من النسب». 


الطريقة الخامسة: إرجاع كل ما في السنة من الأحكام التفصيلية إلى 
الأحكام التفصيلية الموجودة في القرآن» ومن أمثلته : 


١‏ طلق ابن عمر زوجه وهي حائضء فقال عليه السلام لعمر: مره 
فليراجعها ثم يتركها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهرء ثم إن شاء أمسك بعد 
وإن شاء طلق قبل أن يمس» فتلك العدة التي أمر الله أن يطلق لها 
اا يعني أمره في قوله: 528 2 إا طلقم النساء وهن لِعِدَّحبِنَ # 
[الطلاق: .]١‏ 


لها سكنى ولا نفقة إذ طلقها زوجها البتة - وشأن المبتوتة أن لها 
السكنى وإن لم يكن لها نفقة - لأنها بت“ على أهلها بلسانهاء فكان 
ذلاك ا#تسييرا لقوله تغالي: ول لا حرج إلا أن يَأْتِينَ بِحِمَدَ ية 
[النساء: .]١19‏ 


٣‏ - حديث سبيعة الأسلمية إذ ولدت بعد وفاة زوجها بنصف شهرء 
فأخبرها عليه الصلاة والسلام أن قد حلت" فبين الحديث أن قوله 
ايى #والذن يوون منک ردد اوا رن بأَنفسهنَّ أرَبعَةَ هر 
وَعَكْا » [البقرة: 775] مخصوص في غير الحامل» وأن قوله تعالى: 

وَأوْدَتُ الْخَّمَالِ كَلْهُنَّ أن يصَعْنَ حَلَهُنَ » [الطلاق: 5] عام في المطلقات 
وغيرهن . 
وهذا النمط في السنة كثير» لكن نصوص القرآن لا تفي بهذا المقصود 


)١(‏ أخرجه مسلم والترمذي والنسائي والشافعي بألفاظ متقاربة. 
(۲) أخرجه الستة باختلاف في بعض ألفاظه. 

(6) أخرجه الستة إلا البخاري . 

(:) تقدم تعليل عائشة رضي الله عنها بغير ذلك. 

(0) أخرجه الستة إلا أبا داود. 


۲٦ 


بحيث تتسع لكل أحكام السنة مع التزام جانب الدقة» وإمكان تحمل النص 
ذلك حسب البيان العربي والإشارة العربية» قال الشاطبي: «وأول شاهد في 
هذا أي تعذر ذلك في كل النصوص - الصلاة والحج والزكاة والحيض 
والنفاس واللقطة والقراض والمساقاة والقسامات وأشباه ذلك من أمور لا 
تحصی › فالملتزم لهذا لا يفي بما ادعاه إلا أن يتكلف في ذلك مآخذ لا 
يقبلها كلام العرب» ولا يوافق على مثلها السلف الصالح ولا العنياء 
الراسخون في العلم»"''. 


هذه هي أهم المسالك التى سلكها العلماء للبرهان على احتضان 
وا کا رابت مالك عا ۷ ل ا على أن القراق ول غل 
وجوب العمل بها. 


ومنها: مالا ينفرد وحده بسلك جميع أحكام السنة في الطريق الذي 
اختاره . 


مجموعها 07 ا جميع أحكام - حتی التي ل 1 جديدة 
إلى نصوص القرآن» وبذلك يتم تفسير قوله تعالى: تًا رطا فی الكت من 


قصص السمنك: 


بقى من السنة ما خرج مخرج القصص والأمثال والمواعظء وهذه 
منها ما يكون تفسيراً لما ورد فى القرآن كالأحاديث الواردة في تفسير قوله 


.07/4 الموافقات‎ )١( 


تعالى: ولوا التابت سجّدًا» [البقرة: 58] قال: «دخلوا يزحفون على 
أوراكهمة”"© وفي تفسير قوله تعالى + یدل الت تا بز ع الف 
قِلَ لم4 [البقرة: 54] قال: «قالوا حبة في شعرة»“ وأمثال ذلك. 

ومنها ما لا يقع موقع التفسيرء وليس فيه تكليف باعتقاد ولا عمل. 
فلا يلزم أن يكون له أصل في القرآن» ومع هذا فهو جار مجرى القصص 
القرآنيٌ في الاعتبار من حيث الترغيب والترهيب فيعود إلى القسم الأول. 
وذلك كقصة الأقرع والأبرص والأعمى» وحديث جريج العابد» والثلاثة 
الذين التجأوا إلى الغار وغيرها. 


. أخرجه البخاري والترمذي‎ )١( 
اخرجه البخاري وغيره.‎ )۲( 








لنصتل الثكالث ‏ 2 


صر 











النسخ فى القرآن: 
لا خلاف بين العلماء في جواز نسخ الكتاب بالكتاب» إلا ما روي 
عن 2 مسلم الإ صفهاني من إنكاره وجود النسخ في القرآن» ولتحقيق ذلك 


ولا جلاف بيني انها في غ ا ل فإن كادف وا 
يشترط في نسخها أن يكون الناسخ متواترأء وإن كانت آحاداً تنسخ بآحاد أو 
متواترء ويمثلون لذلك بأحاديث كثيرة» منها: كنت نهيتكم عن زيارة القبور 
ألا فزوروها)"''. 

واختلفوا في موضعين اثنين : 

الأول: في نسخ السنة بالكتاب . 

والثانى: فى نسخ الكتانية اله 

ونحن نوجز القول فيهماء تاركين التفصيل لمن أراد ذلك في موضعه 
نسخ السنة بالكتاب: 

(أ) قال الجمهور: إن ذلك جائزء وقد وقع فعلاء ومثلوا لذلك بأمثلة 


)١(‏ رواه مسلمء وأبو داود» والترمذي» وابن ماجه بألفاظ متقاربة. 


۹ 


عدة: منها نسخ استقبال بيت المقدس باستقبال الكعبة» فمن المعلوم أن 
لمسلمين والنبي كلِِ صلوا ‏ أول هجرتهم إلى المدينة ‏ مدة بضعة عشر 
شهرأ م: مجيين الورريت المداسن : O‏ القرآن» ثم نسخ 
ذلك بقوله تعالى: لیذ رى تلب وَهک فى السماء ويك له برها 
ول تنقلت عقر اليد ال رة 144]: 


ومن ذلك ما تم في عقد صلح الحديبية من وجوب إرجاع المسلمين 
إلى قريش من جاءهم مسلماً. ثم نسخ ذلك بالنسبة للنساءء فلم يجز إرجاع 
المهاجرات المؤمنات إلى كفار قريش خشية فتنتهن عن دينهن وكرامتهن ؛ 
وقد كان هذا النسخ بقوله تعالى : لاا الین امنوأ ذا ةكم مؤت 
مدت تسوه أ آنه آعم سين ين نشوم یکت تک ترشن إل اكمار ل 
ِل 4 17م عر 426 [الممقسة» ل 

ومن أمثلة هذا شىء كثير . 


را وقال الاي رحة آل ا مخ الت بالقران: 


وعلل له بعضهم: بأن نسخ القرآن للسنة قد يفسره أعداء الرسول 
بان الله لم يرض حكم رسوله فأبدله . وهذا كلام غير وارد ولا يخطر في 
ا 


والصحيح ما علل به الشافعي نفسه ذلك حيث قال في فى الرسالة: 


«وهكذا سنة رسول الله لا ينسخها إلا سنة لرسول الله» ولو 
امي اح و لس لسر الا ليم 
أحدث الله إليه» حتى ب يبِيّن للناس أن له سنة ناسخة للتي قبلها مما يخالفهاء 
وهذا مڏکور في سنته ڳا كم استدل لرأيه هذا فقال: 

«ولو جاز أن يقال: قد سن رسول اللهء ثم نسخ سنته بالقرآن ولا 
يؤثر عن رسول الله السنة الناسخة» جاز أن يقال فيما حرم رسول الله من 
البيوع كلها: قد يحتمل أن يكون حرمها قبل أن ينزل عليه: لوأل اله 


a 


لبي وَعَرّمٌ اليَأ» [البقرة: ]۲۷١‏ وفيمن رجم من الزناة: قد يحتمل أن 
يكون الرجم منسوخاء لقول الله : #الزانية لزني فاجلدوا كى ور ينما يائ 
ج [النور: ؟] وفي المسح على الخفين: نسخت آية الوضوء المسح. 
وجاز أن يقال: لا يدرأ عن سارق سرق من غير حرزء وسرقته أقل من 
ربع دينارء لقول الله : #والسارف وَالسَارِفَةَ فطعو أْدِيَهَمَا» [المائدة: ۲۸] 
لأن اسم السرقة يلزم من سرق قليلا وكثيرأ» ومن حرز ومن غير حرز» 
ولجاز رد كل حديث عن رسول الله يي بن يقال: لم يقله» إذا لم يجده 
مثل التنزيل › وجاز رد اسن بهذين الوجهين› فتر کت كل سنة معها كتاب 
جملة تحتمل سنته أن توافقه وهى لا تكون أبداً إلا موافقة لهء إذا احتمل 
اللفظ فيما روي عنه خلاف اللفظ فى التنزيل بوجه» أو احتمل أن يكون فى 
اللفظ عنه أكثر مما في اللفظ في التنزيل» وإن كان محتملاً أن يخالفه من 
وجهه وكتاب الله وسنه رسوله تدل على خلاف هذا القول. وموافقة مأ 
.0 )1( 

فلا 


هذا ومحممقو علماء الشافعية ع الجمهور. وقد اعتذروا عن مو قف 
الشافعى بإجابات مختلفة . 


نسخ الكتاب بالسنة: 

هنالك رأيان بين العلماء : 

() قال الحنفية : يجوز نسخ الكتاب بالسنة المتواترة والمشهورة» ولا 
ينسخ بحديث الاحاد : 

وحجتهم في ذلك أن المتواتر قطعي الثبوت كالقرآن» والمشهور 
قد اكتسب من القوة نظراً لاشتهاره في أيدي العلماءء وعمل الفقهاء به 
ما يلحقه بالمتواترء وكل منهما وخيّ غير ملو فجاز نسخ الكتاب 
بهماأ. 


.١١7  ٠١8ص الرسالة» تحقيق المرحوم الشيخ أحمد محمد شاكر‎ )١( 


١ 


ومئّلوا لذلك بنسخ الكتاب بخبر المسح على الخفين''' وهو مشهورء 
وبنسخ وجوب الوصية, الوارد في الآية: کیب ڪلیکه إا حص أحدكم 
الوت إن رك حَيرًا أَلْوَصِيَة ودين وَالأَؤْيينَ بِالْمَمرُوفِ* [البقرة: ]۱۸١‏ 
بحديث «لا وصية لوارث» وهو حديث مشهور معمول به لدى جماهير 
العلماء حتى ادعى الشافعي في «الأم» أنه متواتر» فيما نقله عنه ابن حجر 
في الفتح . 

(ب) وقال الجمهور: لا يجوز نسخ الكتاب بالسنة: سواء كانت 
متواترة أو مشهورة أو آحاداً» وقد استدل الشافعي رحمه الله هود الجمهور 
بقوله تعالی: ما تسخ وا ان اتات حير 5 مشلا [البقرة: 
5 والس لست هقل 8 ولا E E o‏ 
أن ایام س تلقای یی لن انیم إلا ما سی إ4 آونس! ٥‏ فدل 
ذلك على أنه متبع لكل ما يوحى إليه» ولم يكن مبدّلا لشي يء منه» والنسخ 
تبدیل . 


وقال تعالى: لين لتاس ما رل إل ولعلهم گرو 4 [الفحر:: 
N eG E‏ 
لهم ببيانه» وفي تجويز نسخ الكتاب بالسنة رفع هذا الحكم لأن 

اذا > 


حينئذ يكون بالناسخ» فإذا كان الناسخ من || لسنة لا يكون العمل به 
بالمنزل. 

وأيضاً فمنع نسخ الكتاب بالسنة أقرب إلى صيانة رسول الله اة عن 
طعن الطاعنين فيه وبالاتفاق يجب المصير في باب بيان أحكام الشرع إلى 
طريق يكون أبعد عن الطعن فيهء وذلك أنه إذا جاز منه أن يقول ما هو 
مخالف للمنزل في الظاهر على وجه النسخ له فالطاعن يقول: هو أول 
قائل وأول عامل بخلاف ما يزعم أنه آنزل إليه» فكيف يعتمد قوله فيه؟ وإذا 


)١(‏ ذكره السرخسي في أصوله 1۷/۲ نقلاً عن الكرخي عن أبي يوسف. 


C7 


ظهر منه قول ثم قرأ ما هو مخالف لما ظهر منه من القول فالطاعن يقول: 
قد كذبه ربه فيما قال فكيف نصدقه؟ وإلى هذا أشار الله بقوله: #إوَإدًا بَدَأنَآ 
ته NNN O‏ 
11°1۱ ثم نفى عنه هذا الطعن بقوله: :8 رلم روح الان من ريلف 
بان [النحل: ١١٠]ء‏ ففي هذا بيان أنه ليس في نسخ الكتاب بالكتاب 
تعريضه للطعن» وفي نسخ الكتاب بالسنة تعريضه للطعن من الوجه الذي 
قاله الطاعنون» فيجب سد هذا الباب لعلمنا أنه مصون عما يوهم الطعن 
في . 
ولاشاف فى اا الور أرب إلى اله وط آنا ل تمد 

بالنا كين يتن سكت قرآناء وما ذكره الحنفية من المسح على الخفين 
والوصية للوارث ليسا من هذا القبيل» فالنزاع - في رأيي - من حيث الجواز 
أو عدمهء لا من حيث الوقوع» فإن ما ادعاه الحنفية من وقوع ذلك لا 
يسلم لهم أنه كان عن طريق السنة» وبالتأمل في الأدلة التي أوردوها لذلك› 
يبدو للناظر مجال للأخذ والرد الكثيرين. 

وبعد: فبهذا يتم بحمد الله ما أردناه من البحث حول السنة 
وجمعها وجهود العلماء لتنقيتها من الدخيل والطارئ» وأزلنا ما لحق بها من 
شبه في القديم والحديث» وبيّنا مرتبتها في التشريع وعلاقتها بالقرآن 
الكريم . 

ونحن نختم ذلك بخاتمة موجزة عن موقف الأئمة الأربعة من السنةء 
وبيان مكانتهم فيهاء مع ذكر تراجم مواجزة لأصحاب الكتب الستة» وفذلكة 
صغيرة عن كل كتاب . 


.٠١۸ - ٠١٦ص أصول السرخسى ۰1۷/۲ 58 وانظر الرسالة للشافعي‎ )١( 


EY 


ق الامّةالأريحة وَأصدَابٌ الكتبٌ الشمة 





6٠‏ - اه 





نسبه وعمره: 

هو أبو حنيفة النعمان بن ثابت بن زوطى» أقدم الأئمة الأربعة مولداًء 
وأكثرهم بين المسلمين أتباعاء ولد بالكوفة» واختلف في سنة مولده على 
ثلاثة أقوال» قيل: سنة 7"هء وقيل: سنة 27١‏ وقيل: 28٠‏ والمشهور هو 
الثالث» وإن كان بعض الباحثين رجح الرواية الثانية لنقول وروایات» ترجح 
لديه العمل بها" . وتوفي ببغداد سنة ١6١ه»ء‏ وقبره لا يزال هناك معروفا 
يزار في حي مسمى باسمه وهو «الأعظمية» نسبة إلى الإمام الأعظم . 


نشأته ومدرسته: 

نشأ بالكوفة» وقد كانت من أكبر الأمصار الإسلامية فى ذلك العصرء 
وأحفلها بالعلماء من كل فئة» وأشهرها بأئمة اللغة من 52206 وأدب 
وغيرهاء درس علم الكلام أولاً حتى برع فيه » وبلغ فيه مبلغاً يشار إليه 
بالأصابع» ثم التحق بحلقة حماد شيخ فقهاء الكوفة» وتتصل حلقة حماد 
بعبد الله بن مسعود» إذ هو تلقى العلم عن إبراهيم النخعي الذي تلقاه عن 
علقمة بن قيس الذي تلقاه عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه» ثم ما 
زال يداوم على حضور حلقة شيخه حماد حتى توفي »)1١١٠١(‏ فاتفق رأي 
تلامذته على استخلاف أبي حنيفة مكانه» فانتهت إليه رئاسة مدرسة الكوفة 


)01 منهم ابن حبان » وافتصر على ذلك کح کتاره «(الضعفاء)» وانظر تات الخطيب ص6 ١‏ 
فما بعدها. 


۷ 


التي عرفت بمدرسة الرآي» وأصبح إمام فقهاء العراق غير منازع» وسارت 
بذكره الركبان» واجتمع مع أشهر علماء عصره» بالبصرة ومكة والمدينة» ثم 
ببغداد بعد أن بناها المنصور» وناقشهم واستفاد منهم واستفادوا منه» وما 
زالت شهرته تتسع حتى غدت حلقته مجمعا علميا يجتمع فيها كبار 
المحدثين كعبد الله بن المبارك» وحفص بن غياث» مع كبار الفقهاء كأبي 
يوسف ومحمد وزفر والحسن بن زياد» مع كبار الزهاد والعباد كالفضيل بن 
عياض وداود الطائي» وما زال قائماً بأمانة العلم مع الاجتهاد في العبادة 
والاستقامة في المعاملة والزهد في الدنياء والنصيحة لله ولرسوله وللمسلمين 
عو اکن رف راا ا 
أصول مذهبه: 

أخرج البيهقي عن يحيى بن خريس» قال: شهدت سفيان وأتاه رجل» 
فقال ما تنقم على أبي حنيفة؟ قال: وماله؟ قال: قد سمعته يقول: «اخذ 
بكتاب الله» فإن لم أجد فبسنة رسول الله كلك فإن لم أجد في كتاب الله ولا 
سنةترضولة GS‏ بقول أصحابه من شئت منهم» وأدع قول من شئت ولا 
أخرج من قولهم إلى قول غيرهم. . فأما إذا انتهى الأمر إلى ر والشعبي 


وابن سيرين والحسن» وابن المسيب TT‏ - فقوم اجتهدوا 
تاديد كما متدرا أ وفي رواية: «فما لم افده فيه اقلت بسئة 


رسول الله ا وا الصحاح عله التي ف فشت في أيدي الثقّات) . ٠‏ إلخ. 


اک ا یی و ع ی 
صحابة » ففد كان مرجعه إل القياس › ومن ¿ أنواع القياس عله الا شت خسان 


الذي فسر بأنه قياس خفي في مقابلة قياس جلي . 


الضحة الكبرى حوله: ) 
أصول تتفق مع أصول الأئمة» وخاصة الأئمة الثلاثة الآخرين» وكان من 


."٤ص مفتاح الجنة‎ )١( 


ETA 


وعظيم خدماته للإسلام» بما وطد من أركان الفقه وما أخرج للدنيا من 
علماء أجلاء» ولكنا نرى هذا الإمام قد أثيرت فى عصره ضجة كبرى 
حوله» كما استمرت هذه الضجة بعد وفاته» وانقسم الناس في أمره بين 
معترف بفضله. مذعن لعلمه. مقر بإمامته وهؤلاء هم جمهور المسلمين 
هو سر ذلك يا ترى؟ ومن هم هؤلاء الطاعنون؟ 

أسباب هذه الضحة: 

١‏ أن أبا حنيفة كان أول من توسع في استنباط الفقه من أئمة 
عصره» وفي تفريع الفروع على الأصول» وافتراض الحوادث التي لم تقع. 
وفك كان العلماء من قله نكر هون ذلك ويرون فة قياف لر فت ومشغاة 
للناس فيما لا فائدة فيه» وقد كان زيد بن ثابت إذا سئل عن مسألة يقول: 
واقعة زمن المجتهد لكنها ستقع› وإليك ما يعبر عن وجهة نظره كما ذكر 
ا 

«عندما نزل قتادة الكوفة قام إليه أبو حنيفة» فقال له: يا أبا الخطاب 
ما تقول و رجل غاب عن أهله أعواماء فظنت امرأته أن زوجها مات». 
فتزوجت ثم رجع زوجها الأول» ما تقول في صداقها؟ وكان انود حنيفة قل 
قال لأصحابه الذين اجتمعوا إليه: لئن حدث بحديث ليكذبن» ولئن قال 
برآي نفسه ليخطئن . فقال قتادة: ويحك» أوقعت هذه المسألة؟ قال: لا. 
قال: فلم تسألني عما لم يقع؟ قال أبو حنيفة: إنا لنستعد للبلاء قبل نزوله. 


(۱) تاریخ بغداد .۳٤۸/۱۳‏ 


۹ 


يفترر ضون الوقائع بقولهم : (أرأيت لو حصل کلا|؟ أرأيت لو كان كذا؟) فقد 
سأل مالكاً رحمه الله بعض تلاميذه يوماً عن حكم مسألة فأجابه» فقال 
تلميذه: أرأيت لو كان كذا؟ فغضب مالك وقال: هل أنت من الأرأيتيين؛ 
هل أنت قادم من العراق؟ ظ 


أخرج ابن عبد البر عن مالك قال: أدركت أهل هذه البلادء وإنهم 


الكلام الذي في الناس اليوم . 
فقال له ابن شهاب: أكان هذا يا أمير المؤمنين؟ قال: لا. قال: فدعه فإنه 
إذا كان أتى الله بفرج"''2. 

وأخرج بسئده إلى الشعبى › وكان من ll‏ الجحديت 0 العراق : «والله 
لقد بغض هؤلاء القوم إليّ المسجد حتى لهو أبغض إليّ من كناسة داري» 
قلت: من هم يا أبا عمرو؟ قال: الأرأيتون (كذا بالأصل ولعل صوابها 
الأرأيتيون) قال : ومنهم الحكم وحماد وأصحابهم» اهم وحماد شيخ أن 


وأخرج عن الشعبي أيضاً قوله: ما كان أبغض إلىّ من «أرأيت»'. 
بلغت المسائل التى عرفت فى فقهه حداً کیا جدا أوصلها صاحب «العناية 
5 شرح الهداية» ا ألف ألف ومائتى ألف وسبعين ألفاً و وهو 
عدد ضخمء ولو قيل: إنه على سبيل المبالغة فالقدر الثابت على أقل تقدير هو 
(۱) جامع بیان العلم .٠٤۳١/۲‏ 


© ادرالا 0 
)۳( النكة الطريفة : ص ©8. 


E 


أكثر مما أثر عن أي إمام آخر. وقد عبر بعض الناقمين على أبي حنيفة عن 
سخطه لكثرة تفريعه بقوله: «هو أجهل الناس بما كان وأعلمهم بما لم 
یکر»'. 

۲ كان أبو حنيفة يتشدد في قبول الأخبار» ويشترط لذلك شروطا 
صعبة» نظراً لانتشار الوضع في الحديث» وكان العراق في عصره مصدر 
الحركات الفكرية والثورية في العالم الإسلامي» ومن ثم كان مصدرا خصبا 
للوضع» ومرتعاً سهلا للوضاعين» مما دعا أبا حنيفة إلى التثبت والاحتياط» 
فلم يقبل إلا الأحاديث المشهورة الفاشية في أيدي الثقات» وهو في ذلك 
يذهب إلى أوسع مما ذهب المحدثون في الاحتياط والتشدد» مما دعاه إلى 

۳ - وكان من جهة أخرى يذهب إلى الاحتجاج بالمرسل إذا كان 
الذي أرسله ثقة» خلافا لما ذهب إليه جمهور المحدثين» مما جعله يستدل 


4 - ونتيجة لتضييق أبى حنيفة من دائرة العمل بالحديث فى الحدود 
لن ا راا اها ابطر إلى اقاس اعمان ار و اد 
فيه موهبة عجيبة فذة لا مثيل لهاء ولا ريب أن استعماله القياس إلى مدى 
واسع »› باع الشقة بينه وبين أهل الحديث» كما باعد بينه وبين بعض 
الفقهاء الذين لا يستعملون القياس إلا في نطاق ضيق . 

في كان أبو نحضفة اقيق التسللكةفى, الابقباط دنه عحيية بعيدة 
N aS‏ لبر تدر 


شُُ 


وتدهس . 
أخرج ابن أبي العوام بسنده إلى محمد بن الحسن قال: كان أبو 


)01 جامع بيان العلم E‏ 


حنيفة قد حمل إلى بغداد فاجتمع أصحابه وفيهم أبو يوسفف وزفر 
وأسد بن عمرو وعامة الفقهاء المتقدمين من أصحابه» فعملوا مسألة أيدوها 
بالحجاج» وتنوقوا في تقديمهاء وقالوا: نسأل أبا حنيفة أول ما يقدم» 
فلما قدم أبو حنيفة كان أول مسألة سئل عنها تلك المسألة» فأجابهم بغير 
ما عندهم» فصاحوا به من نواحي الحلقة» يا أبا حنيفة بلدتك الغربةء 
فقال لهم: رفقاً رفقاً ماذا تقولون؟ قالوا: ليس هكذا القول. قال: أبحجة 
أم بغير حجة؟ قالوا: بحجةء قال: هاتواء فناظرهم فغلبهم بالحجاج حتى 
ردهم إلى قولهء وأذعنوا أن الخطأ منهمء فقال لهم: أعرفتم الآن؟ قالوا: 
تعم. قال: فما تقولون فيمن يزعم أن قولكم هو الصواب.. وأن هذا 
القول خطأ؟ فقالوا: لا يكون ذاك. قد صح هذا القول. فناظرهم حتى 
ردهم عن القول. فقالوا: يا أبا حنيفة ظلمتنا والصواب كان معنا. قال: 
فما تقولون فيمن يزعم أن هذا القول خطأء والأول خطأ والصواب قول 
ثالث؟ فقالوا: هذا لا يكون» قال: فاستمعوا واخترع قولاً ثالثاًء وناظرهم 
عليه حتى ردهم إليه فأذعنواء وقالوا: يا أبا حنيفة علمناء قال: الصواب 
هو القول الأول الذي أجبتكم به لعلة كذا وكذا. وهذه المسألة لا تخرج 
من هذه الثلاثة الأنحاء ولكل منها وجه في الفقه ومذهب» وهذا الصواب 


فخذوه وارفضوا ما سواه أهم. 


إن من أوتي هذه القدرة العجيبة على تقليب وجوه الرأي في مسألة 
واحدة» والقدرة على الدفاع عن كل رأي فيهاء هو بلا شك من أدق الناس 
نظراً وأعمقهم استنباطاً للنصوصء وأقواهم حجة وبياناً» حتى لا يكون 
. مغالياً فيه مثل الإمام مالك الذي قال عنه: «هذا رجل لو أراد أن يقيم 
الدليل على أن هذه السارية من ذهب لاستطاع) . 

a Ce SEN aS 
الجمهور من أهل الحديث الذين كانوا يقفون غالبا عند ظواهر النصوص›‎ 
ويكرهون تعليلها ورد بعضها إلى بعض»› خصوصاً وقد کان في غمار‎ 
المحدثين عوام يقول عنهم يحيى بن يمان: «يكتب أحدهم الحديث ولا‎ 


۲ 


يتعهم ولا يتدبرء فإذا سئل أحدهم عن ا جلس كأنه مکاتب»“ أجل لقد 
كان منهم أميون في تفكيرهم وثقافتهم» كثيراً ما أوقعتهم أميتهم في تصحيفات 
وضوء» واستدل على هذا العمل بقوله عليه السلام: (من استجمر فليوتر) 
فهم منه صلاة الوترء مع أن المراد منه إيتار الجمار عند الاستنقاء» وظل 
أحدهم لا يحلق رأسه قبل صلاة الجمعة أربعين سنة على ما فهم من حديث 
نهى رسول الله ية عن الحلق قبل الصلاة يوم الجمعة» مع أنه الجلق بفتح 
اللام» والمراد منه النهى عن عقد الحلقات المؤدي إلى مضايقة الناس يوم 
الجمعة فى المسجد» وفهم آخر من حديث (انھی أن يسقى الرجل ماءه ع 
غيره» المنع من سقي بساتين الجيران» مع أن المراد وطء الحبالى من السباياء 
وسئل أحدهم في مجلس تحديثه عن دجاجة وقعت في بئر فقال للسائل: ألا 
غطيتها حتى لا يقع فيها شيء» كما سئل بعضهم عن مسألة من الفرائض 
لا يفهمون دقة أبي حنيفة في الاستنباط» وغوصه العميق في استخراج 
الأحكام من النصوص» ومن ثم فهم أسرع الناس إلى إساءة الظن به. 
والصدٌ عنه» وإشاعة قالة السوء عن تدينه» ورميه بالاستخفاف بالأحاديث. 

- ولقد كان لأبى حنيفة أقران» وفى عصرهة فلا ومن طبيعة 
التنافس في بني الإنسان أن تضيق صدورهم بمن يمتاز عليهم بفهم» أو يزيد 
عنهم في شهرة أو يوضع له القبول عند الناس أكثر منهمء تلك طبيعة قل 
أن يخلو منها إنسان حتى العلماء إلا من رفع الله نفسه عن الصغارء وملا 
قلبه بالحكمة وأورثه هدى النبيين وطمأنينة الصديقين. 

وقد عقد ابن عبد البر في «جامع بيان العلم» فصلا خاصاً لتنافس 
العلماء وما ينتجه ذلك من أقوال بعضهم. ذكر في أوله قول ابن عباس : 


.٠١١/۲ جامع بيان العلم‎ )١( 


(استمعوا علم العلماء ولا تصدقوا بعضهم على بعض» فوالذي نفسي بيده 
لهم أشد تغايراً من ا في زربها"''. وتعرض لطرف مما رمى به 
العلماء بعضهم بعضاء من مثل قول مالك في محمد بن إسحاق» وقول 
يحيى بن معين في الشافعي» وقول حماد في أهل مكة» وقول الزهري 
كذلك في أهل مكة. 


ولقد بلغ أبو حنيفة من نباهة الشأن وعلو المرتبة وذيوع الصيت ما 
جعل بعض آقرانه يتحدثون عنه في المجالس بما لا يصح» وينقلون إلى 
الخليفة عنه ما لم يقع» حتى لقد قال أبو حنيفة في أحد هؤلاء. وهو عبد 
الرحمن بن أبي ليلى قاضي الكوفة في عصره: (إن ابن أبي ليلى ليستحل 


مني ما لا أستحله من چا 


' - لقد كان من أثر العوامل السابقة مجتمعة» أن تناقل الناس أشياء 
عن أبي حنيفة» منها ما لا ظل له من الحق» ومنها ما لم يفهمه الناس على 
حقيقته من طرائق أبي حنيفة في الاجتهاد» ولقد وصل ذلك إلى أسماع 
العلماء البعيدين عن أبي حنيفة كما بلغتهم بعض فتاويه التي خالفهم فيها 
وهم لا يعرفون وجهاً لمخالفته إياهم مع اعتقادهم بأن ما بين أيديهم من 
الآثار يخالف ما أثر عنه» فتنطلق ألسنتهم أحياناً بما ينم عن سوء رأيهم 
فيه» ولكن سرعان ما يرجعون إلى الحق فيه حين يجتمعون به ويطلعون 
على وجهة نظره» ويرون من دينه ودقة فهمه ما يحملهم على الثناء عليه؛ 
انظر إلى ما ذكره صاحب «الخيرات الحسان» من أن الأوزاعى كان يسىء 
الظن بأبي حنيفة حين بدأ يشتهر أمره. وتم كن قد عسي به بعلن مس 
قال مرة لعبد الله بن المبارك: «من هذا المبتدع الذي خرج بالكوفة» ويكنى ‏ 
أبا حنيفة؟» فلم يجبه ابن المبارك» بل أخذ يذكر مسائل عويصة وطرق 
فهمها والفتوى فيهاء فقال الأوزاعي: من صاحب هذه الفتاوى؟ فقال: شيخ 


.٠١٠/۲ جامع بيان العلم‎ )١( 
. مناقب أبى حنيفة للموفق المكى‎ )۲( 


C٤ 


لقيته بالعراق» فقال الأوزاعي: هذا نبيل من المشايخ» اذهب فاستكثر منه. 
قال ابن المبارك: هذا أبو حنيفة... ثم اجتمع الأوزاعي وأبو حنيفة بمكة. 
فتذاكرا المسائل التى ذكرها ابن المبارك فكشفهاء فلما افترقا قال الأوزاعى 
E EES E N‏ 
لقد كنت في غلط ظاهرء الزم الرجل» فإنه بخلاف ما بلغني عنه)”'' . 


ما نقل عن مالك وغيره فى أبى حنيفة: 
ويسوقنا القول عن هذه الناحية إلى التعرض لما أثر عن كبار العلماء 
في عص أبن حنيفة من أقوال متناقضة في أبي حنيفة . 


ققد روئ غن مالك والتورئ» والاوراعى» وسفيان بن ع 
وعبد الله بن المبارك» وغيرهم أقوال مختلفة في السك على أبي حنيفة› 
وتحن للك وا ليما ساتد الخطيب ا ب ووت ا 
وله غا اله ي ا عا ووو كنا تنسب إلى ما ذهب 
إليه الملك المعظم عيسى بن أبي بكر الأيوبي''' وغيره من كذب الروايات 
المنسوبة إلى الأئمة في الطعن بأبي حنيفة . 


إلا أننا لا نستغرب أن يكون قد صح عنهم شيء من هذا للسبب 
الذي ذكرناه آثفاً وضربنا له مثالاً من موقف الأوزاعي قبل أن يجتمع بأبي 
حنيفة » وموقفه بعد الاجتماع به» فهذا عندي هو المحمل الصحيح› لما قد 
يصح من أخبار في ذم أبي حنيفة من بعض علماء عصرهء وأنا لا أشك في 
أن آخر الأمرين منهم كان تحسين الظن به والثناء عليه» والإشادة بفضله. 
بعد أن كثرت رحلاته إلى المدينة ومكة والبصرة وبغدادء حتى ذكروا أنه 
حج خمساً وخمسين حجة» ولا شك أنه كان في جميعها يجتمع بالعلماء 
ويدارسهم ويبدي لهم ما عنده ويأخذ ما عندهم» ولهذا أثره بلا شك في 
فهمهم لطريقة الإمام في الاجتهاد واطلاعهم على حقيقة عذره فيما ترك من 


)١(‏ الخيرات الحسان ص”". 
(۲) في كتابه «السهم المصيب في كبد الخطيب». 


50 


أخبار :وأجادية» فليس غرسا بعد ذلك أن تقواتر شهاداتهم لهببالفقه 
واعترافاتهم» باستقامته على المحجة التي سار عليها أهل العلم من قبله. 

ومن ذلك ما أخرجه القاضي عياض في «المدارك» من أن أبا حنيفة 
ومالكاً اجتمعا ذات يوم في المدينة» ثم 533 6ا وشو صت غاا 
فقال له الليث بن سعدء أراك تعرق؟ قال مالك: عرقت مع أبي حنيفة» إنه 
لفقيه يا مصري. وقد صح عن مالك أنه كان يطالع كتب أبي حنيفة - أي 
كتب أصحابه عنه ‏ حتی جمع عنده من مسائله نحو ستين ألف مسألة» كما 
نقل ذلك عنه ابن أبي العوام السعدي» وأبو عبد الله بن علي الصيمري› 
والموفق الخوارزمي وغيرهه''' . 

وقد اعترف أصحاب مالك وكبار المؤلفين في مذهبه بثناء مالك على 
أبي حنيفة وأجابوا عما نقل عنه من ذمه وقدحه ع مختلفة» فالإمام أبو 
جعفر الداودي صاحب «النامي على الموطأ» يعتذر بأن مالكا قال ذلك في 
حالة غضب» ال ناك جين و a O‏ 
ذلك . 

أما الحافظ ابن عبد البرء فيرى بأن روايات الطعن واردة عن طريق 
أصحاب الحديث من تلاميذ مالك» أما أصحاب الفقه منهم فلا يثبتون منها 
شيكا . 

على أنه قد نفى أبو الوليد الباجي في شرحه على الموطأ نسبة هذه 
الأقوال إلى الإمام مالك وقال: «لم يتكلم مالك في الفقهاء أصلاء وإنما 
تكلم في بعض الرواة من جهة الضبط» واستدل لذلك بما بلغ من إجلال 
مالك لعبد الله بن المبارك» وقد كان من أخص أصحاب أبي حنيفة . 





أما الإمام الشافعي» فلا نشك في كذب ما نقل عنه في ذم أبي 
حنيفة 2 لأنه لم یدرکه» وقد أدرك أصحابه وخاصة محمد بن الحسن› 
واطلع على فقهه منه واعترف بأنه غادر بغداد» وقد حمل من علمه وقر 


(01<“تانيه الخطيت: عن : 


سيره كاقل أذ يتك ا حا بیو ور الذي فال درت اله 
عنه: «الناس عيال في الفقه على أبي حنيفة». 

وأما الإمام أحمد فهو أيضاً لم يدرك أبا حنيفة» وإنما أدرك أبا 
يوسف» وحضر حلقته في أول طلبه للعلم حتى روي عنه قوله: «كتبت عن 
أبي يوسف ثلاث قماطر في ثلاث سنوات6''» ونظر في كتب محمد بن 
ا حتى إنه سئل من 3 لك هذه الأجوبة الدقيقة؟ فقال: افرع کشت 
محمد نو ا 

نعم أنا لا أستغرب أن يؤثر عنه شيء في مسلك أبي حنيفة الفقهي لا 
فى شخصه. فقد كان الرجلان متنازعى المشرب فى مدى الأخذ بالسنةه 
نه اتفاقهما في مبدأ الأخذ بهاء لفك كان اش و «ضعيف الحديث 
عندي خير من رأي الرجال» بينما كان أبو حنيفة يتشدد في صحة الحديث 
ولا يقبل إلا ما فشا في أيدي الثقات. ومثل هذا الاختلاف لا يعتبر طعناً 
ولكل وجهة هو موليها. 


نتائج هذه الضجة: 

تلك الحقائق التي ذكرنا لك من أسباب الضجة الكبرى حول أبى 
عون ی غ اعت و ر ای ا الوا من کچ 
نينت إل آراء ما قالهاء وعقائد لم يعتقدهاء فهو مرجئ عند بعضص 
الناس» وقَدَرِيٌ عند بعضهم الآخرء وقائل بالتناسخ عند فريق: ومنكر 
للحديث عند جماعة آخرين» وقائل في دين الله بالرأي والهوى عند كثير 
قن الام ۰ ) 

ولقد ذهبت كل هذه الاتهامات بعد وفاة ا حنيفة وانتشار فقهه 
وتلامذته في الأقطار مع الريح» فلم يبق منها شيء. ولكن الذي بقي ولا 


() حسن التقاضي في سيرة أبي يوسف القاضي ص۲۸. 
(0) تأنيب الخطيب ص١18.‏ 


يزال حتى اليوم باقياً مما ألصقه خصوم أبي حنيفة أمران كان للعصبية 
المذهبية من جهة»ء والجهل بطرق الأئمة في الاجتهاد من جهة أخرى» أثر 
في اتهام أبي حنيفة بهماء وبقاء هذا الاتهام حتى اليوم, حتى اتخذ أعداء 
السنة من أحدهما وسيلة للتشكيك بها كما رأيت من صنيع صاحب «فجر 
الإسلام»). 

أما التهمتان فهما: قلة بضاعة أبي حنيفة من الحديث» وتقديمه الرأي 
والقياس على الحديث الصحيح» وسنبحث في أمر هاتين التهمتين 
ومستندهما من التاريخ ونعرضهما على الحقائق الثابتة في تاريخ ل حنيفة ) 
والمأثور من فقهه واجتهاده . 


هل كان أبو حنيفة قليل البضاعة من الحديث؟ 

يروي لنا الخطيب البغدادي نقولا متعددة يرمي فيها أصحابها أبا حنيفة 
بقلة البضاعة في الحديث وضعفه فيه» من ذلك ما نقله عن ابن المبارك: 
اا وا ا ا را ا ق 
الحديث»» وعن يحيى بن سعيد القطان: «لم یکن بصاحب حدیث)»» e‏ 
ابن معين: «ايش كان عند أبي حنيفة من الحديث حتى تسأل عنه؟)» وعن 
احمة وه 2 اولي له رای اا ون ای فكو انين امن 
داود: «جميع ما روي عن أبي و «الددية:دانة وحوسيون عذينا 
أخطأ في نصفها»ء وعن عبد الرزاق: ما كتبت عن أبي حنيفة إلا لأكثر به 
رجالي› وكان يروي عنه نيفاً وعشرين حديثاً» وعن ابن المديني أنه روى 
E E a‏ 

ونحن لا نريد أن ننقد هذه الروايات من جهة سندهاء فقد فندها 
المحققون وبينوا تحامل الخطيب في سردها وإيرادها"» ولكنا نريد أن ننقد 





)١(‏ هذه الأقوال مبثوثة في الجزء الثالث عشر من تاريخ الخطيب ص555» فما بعدها. 
(0) انظر «تأنيب الخطيب على ما ساق في ترجمة أبي حنيفة من الأكاذيب» للشيخ محمد 
زاهد الكوثري» فقد ناقش هذه الروايات بتكذيب نسبة هذه الأقوال إلى أصحابها. ' 


€۸ 


الفكرة التي ما زال يرددها خصوم أبي حنيفة وخصوم السنة معاًء والتي 
رددها بعض المؤرخين عن طيب قلب»› كما فعل أبن خلدون في مقدمته إذ 
ذكر ‏ بصيغة التمريض والضعف - أن مروياته بلغت - على ما يقال - سبعة 

ولا شك أن من الخطورة سمكان أن ترف اعانا من كبان أتمة 
المسلمين» صاحب مذهب من أوسع المذاهب الفقهية فروعاً واستنباطاً 
يدين بمذهبه عشرات الملايين من المسلمين في مشارق الأرض ومغاربهاء 
ثم لا تزيد ثروته في الحديث عن بضعة عشر حديثاً أو مائة وخمسين. . 
فهل هذا صحيح؟. . 

١‏ - إن أبا حنيفة رحمه الله إمام مجتهد بإجماع الموافقين والمخالفين› 
ومن شرائط الاجتهاد أن يحيط المجتهد بأحاديث الأحكام» وهي آلاف. 
وعلى أقل تقدير بضع مئات كما ذهب إليه بعض الحنابلة» فكيف جاز لأبي 
حنيفة أن يجتهد وهو لم يستكمل أهم شرط من شروط الاجتهاد؟. . وكيف 
اعتبر الأئمة اجتهاده وعنوا بفقهه» ونقلوه في الآفاق واشتغلوا به تقريراً أو 
نقداء وهو قائم على عر اا 

١‏ - إن من يطالع مذهب الإمام يجده قد وافق الأحاديث الصحيحة 
في مئات من المسائلء وقد جمع شارح القاموس السيد مرتضى الزبيدي 
رحمه الله كتاباً جمع فيه الأحاديث من مسانيد الإمام أبي حنيفة والتي وافقه 
في روايتها أصحاب الكتب الستة سماه: «عقد الجواهر المنيفة في أدلة أبي 
حنيفة». فكيف وافق اجتهاد الإمام مئات الأحاديث الصحيحة» وليس عنده 
إلا بضعة عشر حديثاً أو خمسون» أو مائة وخمسون أخطأ في نصفها؟ . 

۳ - لقد أفرد ابن أبي شيبة فى مصنفه الكبير باباً لما خالف فيه أبو 
حنيفة ما صح من الأحاديث فبلغت مائة وخمسة وعشرين مسألة» فلو سلم 
لابن أبي شيبة جميع ما أخذه على أبي حنيفة كانت بقية المسائل التي أثرت 
عنه موافقة للحديث في كل مسألة ورد فيها حديث» وإذا كانت مسائل أبي 
حنيفة على أقل تقدير ثلاث وثمانين ألف مسألة - وهنالك روايات تبلغ العدد 


2۹ 


إلى ألف ألف ومائتى ألف ‏ فهل هذا العدد الضخم الباقي من المسائل التي 
يعترف ابن أبي شيبة أن أبا حنيفة لم يخالف فيها السنة» جاءت فيها سنة أم 
لا؟ فإن جاءت فيها أو في بعضها سنة لزم ذلك أن يكون ما عند أبي حنيفة 
من الحديث مئات وآلاف» وإن لم يجيء في شيء منها سنةء لزم أن يكون 
ما ورد من السنة لا يزيد على مائة وخمسة وعشرين جديثاً فقط ولا يقول 
هذا أحد من أئمة المسلمين وأهل العلم بالحديث. 


٤‏ _ إن أبا حنيفة ممن تذكر آراؤهم في مصطلح الحديث» فكيف 
يكون قليل البضاعة فيه» ثم يعتبر عند علماء ء ذلك الفن من الأئمة الذين 
تدون آراؤهم في قواعد الحديث ورجاله» ويعتمد مذهبه بينهم ويعول عليه 
ردا أو و 

لقد كتب أبو حنيفة عن أربعة آلاف شيخ. حتى عده الذهبي في 
ا ني ل أيه الاق عدي هد مع ين كدر E‏ دخلت 
عليه فى بيت مملوء ء كتباً فقلت له: ما هذا؟ فقال: هذه الأحاديث ما 
حدثت منها إلا اليسير الذي ينتفع به. 

 "‏ إن أبا حنيفة وإن لم يجلس للتحديث كعادة المحدثين. وإن لم 
يصنف في الأخبار والآثار كما ألف مالكء» إلا أن تلاميذه جمعوا أحاديثه 
في كتب ومسانيد بلغت بضعة فر قا 

وأشهر هذه المصنفات والمسانيد «كتاب الآثار» لأبي يوسف «كتاب 
الآثار المرفوعة» لمحمد» «الآثار المرفوعة والموقوفة» له المسئل الحسن بن 
زياد اللؤلؤي»» «مسند حماد بن الإمام أبي حنيفة» وممن صنف في 
مسانيده: الوهبي» والحارثي البخاري» وابن المظفرء ومحمد بن جعفر 
العَدْلء وأبو نعيم الأصبهاني» والقاضي أبو بكر محمد بن عبد الباقي 
الأتصارق» نوانن. ابي العوام السعدي» وابن خسرو البلخي . 

ثم جمع أكثر هذه المسانيد قاضي القضاة أبو المؤيد محمد بن 
محمود الخوارزمي» المتوفى سنة (150ه) في كتاب ضخم اة «جامع 
المسانيد»» رتبه على أبواب الفقه» مع حذف المعاد وعدم تكرير الإسناد. 


6 


قال في خطبته: «وقد سمعت في الشام عن بعض الجاهلين بمقداره ‏ أي 
بمقدار أبي حنيفة - ما ينقصه ويستصخره» وينسبه لقلة الحديث» ويستدل 
على الت ی الشافعي» وموطاً مالك وزعم أن ليس لأبي حنيفة مسندء 
وكان لا يروي إلا عدة أحاديث» فلحقتني حمية دينية» فأردت أن أجمع فيه 
بين خمسة عشر من مسانيده التي جمعها له فحول علماء الحديث». إلح 
وهو كتاب مطبوع يقع في 86٠١‏ صفحة. وممن روى هذه المسانيد قراءة 
وسماعاً وكتابة» محدث الديار الشامية الحافظ شمس الدين بن طولون فى 
«الفهرست الأوسط) ومحدث البلاد المصرية الحافظ محمد بن و 
الصالحاني» وقد قال في كتابه: «عقود الجمان»: «كان أبو حنيفة من كبار 
حفاظ الحديث وأعيانهم. ولولا كثرة اعتنائه بالحديث ما تهيأ له استنباط 
مسائل الفقه. وذكره الذهبي في «طبقات الحفاظ» ولقد أصاب وأجاداء ثم 
قال فى الباب الثالث والعشرين من «عقود الجمان»: (إنما قلت الرواية عنه 
وإن كان متسع الحفظء لاشتغاله بالاستنياط» وكذلك لم يرو عن مالك 
والشافعي إلا القليل بالنسبة إلى ما سمعاه للسبب نفسهء كما قلت رواية 
أمثال أبي بكر وعمر من كبار الصحابة رضي الله عنهم بالنسبة إلى كثرة 
اطلاعهم» وقد كثرت رواية من دونهم بالنسبة إليهم» ثم ساق أخباراً تدل 
على كثرة ما عند أبي حنيفة من الحديث» ثم أطال النفس في سرد أسانيده 
في رواية مسانيد أبي حنيفة السبعة عشر لجامعيها ‏ وذكر أسماءهم ‏ تدليلا 
على كثرة حديثه» وكذلك الشمس الحافظ ابن طولون إذ ساق أسانيد تلك 
المساتيد. السبعة عكر اشا فى الفهرست الأرسطا با كان الخطب حا 
رحل إلى دمشق استصحب 3 مسند أبي حنيفة للدارقطني» ومسنده لابن 
شاهين» ومسنده للخطيب نفسه» وهذه غير تلك المسانيد السبعة عشر. 

وذكر البدر العيني في «تاريخه الكبير»: أن مسند أبي حنيفة لابن عقدة 
يحتوي وحده على ما يزيد على ألف حديث. وهو أيضاً غير تلك 
الما 

وقد قال السيوطي في «التعقيبات»: «ابن عقدة من كبار الحفاظء وثقه 


الناس وما ضعفه إلا متعصب). 


ولزفر أيضاً كتاب «الآثار» يكثر فيه عن أبي حنيفة» ونسختا زفر في 
الحديث مما ذكر الحاكم في كتابه «معرفة علوم الحديث» . 

هذا هو القول فى بضاعة أبي حنيفة من الحديث» وكما سقطت فرية 
قله ا ارات فط ار اااي الى تدع ال سے عن 
إلا بضعة عشر حديثاء فهذا القول عدا أنه لا ورود له في كتاب معتبر ولم 
نون اللاي ا اه ا اک ان لك غدة رات وها 
المعنى غير صحيح وعدا هذا فإن ما صح عن أبي حنيفة من المسانيد التي 
ذكرت أحاديثه وما روي عنه في فقهه من الحديث الذي عمل به يبلغ 
المئات كما ذكرنا مما يكذب هذا القول ويجعله فرية مكشوفة. 

ونحب أن ننوه هنا بخطأ وقع فيه بعض الكتاب' "2 وهو أنهم 
يعتذرون لأبي حنيفة عن قلة الحديث بأنه كان في الكوفة وأحاديثها قليلةء 
بك لمك :وال لحديظاه روا حا ارت ف عد ا اة ا نة 
العلمية في عصر أبي حنيفة» وعدم التنبه لرحلات أبي حنيفة العلمية إلى 
أشهر المدن الإسلامية. 

أما الكوفة فقد كانت منذ بنائها سنة ١۷١ه‏ محط رجال كبار الصحابة» 
وقد بعث عمر إلى أهل الكوفة عبد الله بن مسعود المعروف بابن أم عبد 
رضي الله عنه - وهو سادس ستة في الإسلام ‏ ليعلمهم القرآن ويفقههم في 
الدين قائلاً لهم: «وإني آثرتكم على نفسي بعبد الله»» وما ذاك إلا لكبر 
منزلة ابن مسعود في العلم بحيث لا يستغني عنه الخليفة في عاصمته. وقد 
قال عليه السلام : «من أراد أن يقرأ القرآن غضاً كما أنزل فليقرأه على قراءة ابن 


.١16 تأنيب الخطيب ص5‎ )١( 

(0) لعل منشأ قول ابن خلدون من أن محمداً روى الموطأ عن مالك وزاد فيه ثلاثة عشر 
حديثاً من روايته عن أبى حنيفةء وأربعة أحاديث من روايته عن أبى يوسف. فظن من 
لا علم له أن هذا كل ما صح عن أبي حنيفة من أحاديث» ومع ذلك فلا بد من إدامة 
البحث حتى نتأكد من المصدر الذي استقى منه ابن خلدون عبارته. 


(9) ومنهم الدهلوي فى كتابه «حجة الله البالغة» . 


t0۲ 


أم عبد» وقال عنه عمر رضي الله عنه: «كنيف ملئ علماً» والأخبار الواردة 
في سعة علمهء وجليل مناقبه في غاية الكثرة» ومثل هذا الصحابي الجليل 
تولى تفقيه أهل الكوفة بجد وعناية منذ بعثة عمر إلى أواخر خلافة عثمان» 
وتخرج عليه عدد عظيم جداً من القراء والفقهاء في الكوفة» حتى إن 
علي بن أبي طالب أعجب غاية الإعجاب بكثرة فقهائهاء فقال لابن مسعود: 
اتا ا وا ل ا او ا یا ا اف 
هم سرج تلك القرية. 

وبعد انتقال عليّ وقُرّاء الصحابة إلى الكوفة ازداد الاهتمام بتفقيه أهلها 
إلى أن أصبحت الكوفة لا مثيل لها في أمصار المسلمين في كثرة فقهاتها 
ومحدثيها والقائمين بعلوم القرآن وعلوم اللغة العربية فيها من حيث سكن 
أفصح القبائل العربية حولهاء وكثرة من نزل بها من كبار الصحابة» فكبار 
أصحاب عليّ وابن مسعود لو دونت تراجمهم في كتاب خاص لأتى كتابا 
ضخماًء وأبلغ العجلي عدد الصحابة الذين سكنوا الكوفة فقط إلى ألف 
وخمسمائة صحابي فضلا عن باقي بلدان العراق. 

قال تسروف تن الأجدع التابعي الكبير: «(وجدت علم أصحاب 
محمد ية ينتهي إلى ستة: إلى علىيّ وعبد الله» وعمرء ويزيد» وأبي 
الدرداء وأبي بن كعب» ثم وجدت علم هؤلاء الستة انتهى إلى علىّء 


وعد الله ص اف اتن و 


أا وخلات أبي حنيفة: فقد دخل البصرة عشرات المرات» وزار 
المدينة عشرات المرات» وأقام بمكة ست سنوات منذ ١7١ه‏ إلى ١75‏ كما 
قدمناء وفي هذين البلدين المباركين اجتمع أبو حنيفة بأكثر علمائها وبعض 
مشاهير العلماء في غيرهما كالأوزاعي. فضا اغد علم ابن عباس من 
تلاميذه في مكة» وعلم عمر من تلاميذه في المدينة» ولقد أخذ عن بعض 
أئمة آل البيت كزيد بن عليّ زين العابدين» ومحمد الباقرء وأبي محمد بن 


. ححسبء التقاضي‎ )١( 


غك الله السب 

وقد أخرح الخطيب في تاريخه قال: دخل أبو حنيفة يوماً على 
المنصور وعنده عيسى بن موسى» فقال للمنصور: هذا عالم الدنيا اليوم. 
فقال له: يا نعمان عمن أخذت العلم؟ قال: عن أصحاب عمر عن عمرء 
وعن أصحاب علىيّ عن عليّ»؛ وعن أصحاب عبد الله بن مسعود عن 
عبد الله» وما E‏ وقت عباس على وجه الأرض أعلم منه - أي 
aoa gy‏ 


فإمام و حنيقة چ علم اش الصحابة واستوعبه في صدره لا 
يصح أن يعتذر عنه بأنه كان في بلد قليل الحديث كالكوفة. وهى ما هى 
ف غناها بالعلماءء وامتلائها بالصحابة. وقد أقام فيها اثنان من أكابر 
الفعدارة» عة اوقل إن أبن «طاليية: ٠‏ 


هل كان أبو حنيفة يقدم الرأي على الحديث؟: 
قدمنا لك من أصول مذهبه ما يدل بأجلى بيان على أنه لا يقدم على 
حديث رسول الله کا إذا دمع وكان مما فشا كي أيدي الثقات» واا ولا 
قياساً ولا احا وأخرج اپ ا ل سئده ال أن يو سف قال : 
إذا وردت عليه المسألة قال: ما عندكم فيها من الآثار؟ فإذا 
روينا الآثارء وذكرنا وذكر هو ما عنذده ا فإن كانت الآثار في ا 
القولين أكثرء أخذ بالأكثرء فإذا تقاربت وتكافأت نظر فاختار»”' وأخرج 
الموفق الخوارزمي دسنده ال ا مقاتل حفص بن سلم السمرقندي في 
كناب 0 ل عن اي حنيفة أنه قال : e‏ شيء تكلم النبي ڪيه - 


نبى الله) . 


«كان أبو حنيفة 





. انظر مناقب أبى حنيفة للمكى‎ )١( 
.۳۳٤/۱٤ تاریخ بغداد:‎ )۲( 
.۸٦ص‎ : انت :ا : لخطيب‎ (۳) 


0¢ 


وروئ. اتن شبد البر فى «الانتقاء» عن أبى حنيفة قوله: «لعن الله من 
يخالف رسول الله يلاء به أكرمنا الله » وبه استنقذنا» . 


يقول: «إذا جاء عن النبى بي فعلى الرأس والعين» وإذا جاء عن أصحاب 
ل يه نختار من قولهمء وإذا جاء عن التابعين زاحمناهم»"''. 


وأخرج ابن عبد البر عن محمد بن الحسن: «العلم على أربعة أوجه: 
ما كان فى كتاب الله الناطق وما أشبههء وما كان فى سنة رسول الله وك 
المائووة 5 أشبههاء وما كان فيما أجمع عليه ا وها اشينة؟ وكذلك 
ما اختلفوا فيه لا يخرج عن جميعهم.ء فإن وقع الاختيار فيه على قول فهو 
علم نقيس عليه ما أشبهه. وا ات لياع قامة' المسلمية © وها اه 
وكان نظيراً له» ولا يخرج العلم عن هله الوسعوة اريف 


وذكر الشعرانى فى «الميزان» عن أبى حنيفة رحمه الله «كذب والله 
وافترى علينا من يقول: إننا نقدم القياس على النص» وهل يحتاج بعد 
النص إلى قياس؟؟2 وقد ذكر عنه أيضا «نحن لا نقيس إلا عند الضرورة 
الشديدة وذلك آنا ننظر فى وليل «المسالة هن. الكتاتة والبينة أن اقضة 
الصحابة فإن لم نجد دليلاً قسنا حينئذ مسكوتاً عنه على منطوق به) وذكر 
عنه أيضاً: «أننا نأخذ أولاً بكتاب الله ثم بالسنة ثم بأقضية الصحابة ونعمل 
بما يتفقون عليه» فإن اختلفوا قسنا حكماً على حكم بجامع العلة بين 
المسألتين حتى يتضح المعنى» ونقل عنه أيضا «ما جاء عن رسول الله ويا 
تخيرناء وما جاء عن غيرهم» فهم رجال ونحن Tb,‏ 
(۱) مفتاح الجنة ص١"‏ ولعل هذا لأنه تابعي صح أنه رأى أربعة من الصحابة أو أكثر. 


(؟) جامع بيان العلم ۲ وقد ذكرها السرخسي في أصوله وجعل الرابع: وما رآه 
المجلموة شا وما اشهة ١۱۸/١‏ : 


(9) . هذه النصوص عن الشعرانى وم ميزانه ٥۱/۱‏ وما بعدها. 


06 


وقد ذكر الإمام محمد رحمه الله في «المبسوط» فصلا للأخذ بخبر 
الآحاد» واستدل لذلك بطائفة من أخبار الرسول وعمل الصحابة» وهى التى 
ساقها الشافعي في الرسالة. ا 

هذه شذرة من النصوص الكثيرة التى تدل على أن أبا حنيفة رحمه الله 
ما كان يقدم على الحديث الم را ان بل نجد مثل ابن حزم 
ينقل عن فقهاء العراق إجماعهم على أن الحديث الضعيف يرجح على 
القياس . 

وقال ابن القيم في «أعلام الموقعين»: «أصحاب أبي حنيفة رحمه الله 
مجمعون على أن مذهب أبى حنيفة أن ضعيف الحديث عنده أولى من 
اقا وا ول لك لعي كا قد یت اا مم د 
على القياس والرأي› وقدم حديث الوضوء بنبيذ التمر في السفر مع ضعفه 
على الرائ والقياس» ومنع قطع السارق بسرقة أقل من عشرة دراهم 
والحديث فيه ضعيف» وجعل أكثر الحيض عشرة أيام والحديث فيه 
ضعيف» وشرط إقامة الجمعة المصرء والحديث فيه كذلك. وترك القياس 
المحض في مسائل الآبار لآثار فيها غير مرفوعة» فتقديم الحديث الضعيف 
وآثار الصحابة على القياس والرأي قوله» وقول أحمد بن حنبل وليس المراد 
بالضعيف في اصطلاح السلف» هو الضعيف في اصطلاح المتأخرين» بل ما 
يسميه المتأخرون حسناء قد يسميه المتقدمون ضعيفاً» ا.ه. 

قلت: ولا يلزم من أن تكون الأحاديث التي ذهب إليها أبو حنيفة 
ضعيفة عند المحدثين ولو بالمعنى الذي أراده السلف» أن تكون كذلك عند 
أبى حنيفة» بل لا بد أن تكون صحيحة عنده بناءً على أصوله العامة 
ا ا ونا ی ا افد أكون كلك 
عند إمام آخر. 

وأياً ما كان فإن اعتراف مثل ابن حزم وابن القيم» وهما من أكبر من 
يرد على الحنفية» بأن مذهب أبي حنيفة تقديم الخبر الضعيف على القياس 
مفيد فيما نحن بصدده» وأيضاً فقد قدمنا لك أن مذهب أبي حنيفة قبول 


05 


المراسيل وتقديمها على القياس عنده» بينما الشافعي لا يقبله إلا بشروط› 
الان حا ر ا ك ن اق ا حصنة افن الوت 
فو علعي ی ا ا 
صحيحاً يعتمد عليه» فمن أين - إذا - جاءت الفرية عليه بأنه كان يقدم 
الرأي على الحديث؟ . 


ينقل لنا الخطيب البغدادي في «تاريخه» عن عدد من الرواة أنهم 
واجهوا أبا حنيفة بأحاديث فلم يقبلهاء ويروي لنا عن يوسف بن أسباط أن 
أبا حنيفة رد على رسول الله كله أربعمائة حديث أو أكثرء ومع ذلك فلم 
يذكر من هذه الأربعمائة إلا أربعة أحاديث.. ويروي لنا عن وكيع قوله: 
«وجدنا أبا حنيفة خالف مائتى حديث». وعن حماد بن سلمة: أن أبا حنيفة 
استقبل الآثار والسئن» NT‏ 

ومهما يكن من صحة نسبة هذه الأقوال إلى أصحابهاء ومنهم من 
عرف بصحبة الإمام وأخذه عنه» مما يكذب نسبة تلك الأقوال إليه» فإن 
الذي لا شك فيه أن بعض المحدثين في عصره أخذوا عليه تركه لبعض 
الآثار التي صحت عندهم. 

وقد أخذ ابن أبى شيبة على أبى حنيفة مخالفته للحديث فى مائة 
وخ ور 8 أي مائة 5-5 وعشرين حديثاً» فكيف جاز ذلك 
لأبي حنيفة؟ مع ما نقل الشافعي من إجماع أهل العلم أنه لا يجوز لمسلم 
مخالفة حديث صح عن رسول الله ياء ومع قول أبي حنيفة نفسه: «ما 
جاء عن رسول الله ية فعلى الرأس والعين». 

والجواب من وجوه: 

١‏ إن الأنظار قد تختلف في تصحيح حديث أو تضعيفه من حيث 
الرواة» فمن يراه أبو حنيفة ‏ مثلا ‏ عدلا ثقة قد يجد فيه غيره مغمزاء ولا 
شك أن أبا حنيفة أدرى بشيوخه الذين أخذ عنهم؛ وهو متقدم في الؤاهوة 
عمن نقد شيوخه من بعدهء وكثيرا ما لا يكون بينه وبين الصحابي إلا 


40۷ 


راويان فقط وفي هذه الحالة يسهل عليه أن ينقد هذين الراويين لقرب عهده 
بهم ولوجود من يعرفهم فيسأل أبو حنيفة عنهم» أما غير شيوخه من رواة 
الحجاز والشام مثلاً فقد يتوقف كثيراً في أمرهم»ء وقد يرى فيهم غير ما يراه 
تلاميذهم» ومن ثم ترك العمل لبعض الأحاديث التي صحت عند غيره» . 
كما ترك غيره العمل ببعض الحديث الذي صح عنده. 


؟ ‏ إن المجتهد قد يرى في الحديث ‏ الذي صح عنده وعند غيره - 
ما يخرجه عن ظاهره إلى وجه آخر لدليل قام عنده» أو ما يدعوه لترك 2 
العمل به لعلة خفية أو معارضة لدليل أقوى منه عند المجتهد» أو لاعتقاده ‏ 
وهم الراوي أو نسخ الحديث» أو تخصيص عمومه أو تقييد مطلقه» فيترك ٠‏ 
حينئذ العمل به» فيراه المحدث أو غيره تركاً للعمل بالحديث» وقد عد 
الليث بن سعد في كتابه إلى مالك سبعين حديثاً صحيحاً ترك مالك العمل | 
بها“ وهي ا مالك في الموطأ. 

وقل. أن تجد إماماً إلا وقد ترك أحاديث صحت عنده لأدلة أخرى 
قامت فى نفسهء فهذه المواقف لا يعرفها المحدث ولا يقف على سرهاء 
ومن e‏ الفرق بينه وبين الفقيه ما قال أبو حنيفة يا «مثل من 
يطلب الحديث ولا يتفقه» مثل الصيدلاني» يجمع الأدوية ولا يدري لأي 


داء هي» حتى يجيء الطبيب› > هكذا طالب الحديث لا يعرف وجه حليثه 


حتى يجيء الفقه»". 


الور هذا بما أخرجه ابن عبد البر عن أبي يوسف صاحب 0 
ال سال ااا غ مسال وأنا .وهو لا غر فاج قال لى من 
a‏ انلك عوك الى مسي الكل ايك 
فقال لي: يا يعقوب إني لأحفظ هذا الحديث من قبل أن يجتمع أبواك, فأ 
عرفت تأويله إلى الآن. وأخرج بسنده إلى عبيد الله بن عمرو قال: كنت 





)010( جامع بیان العلم ١/١‏ . 
(۲) الموفق المكي في المناقب ۲/ ۹1. 


0۸ 


فى مجلس الأعمش فجاءه رجل فسأله عن مسألة فلم يجبه فيهاء ونظر فإذا 

أبو حنيفة» فقال: يا نعمان قل فيهاء قال: القول فيها كذا وكذاء قال: من 

أين؟ قال: من حديث حدثتناه فقال الأعمش: نحن الصيادلة وأنتم 
(Dk‏ 

.٠ الأطباء‎ 


۳ - نحن لا ننكر أن أبا حنيفة قد يكون خفي عليه شيء من السنة لم 
تصل إليه» فإن الصحابة تفرقوا في الأمصارء وفي كل مصر حديث قد لا 
يكون في المصر الآخرء ولم يدع أحد في زمن الصحابة والتابعين ولا من 
بعدهم أنه أحاط بالسنة كلهاء فهذا الشعبي تكلم شاب عنده يوما فقال له 
الشعبي : ما سمعناه بهذاء فقال الشاب: كل العلم سمعت؟ قال: لا. قال: 
فشطره؟ قال: لا. قال: فاجعل هذا في الشطر الثاني الذي لم تسمعه . 


بل لقد خفي على عدد من جلّة الصحابة كثير من الأحاديث مع 
قربهم من رسول الله» فقد خفي عن عمر حديث الجزية على المجوس› 
وحديث الوباءء حتى أخبره بهما عبد الرحمن بن عوف. وخفي عنه حديث 
الاستئذان حتى أخبره به أبو موسی» وخفي عنه وعن ابن مسعود حديث 
التيمم, وكان علمه عند عمار وغيره» وخفي على عائشة وابن عمر الى 
هريرة حديث المسح» وعلمه علي وحذيفة» وخفي على عمر وزيد بن 
ثابت حكم الإذن للحائض في أن تنفر قبل أن تطوف» وعلمه ابن عباس 
وأم سليم» وخفي على ابن عباس تحريم المتعة حتى أخبره به الصحابة» 
وخفي على طلحة وابن عباس وابن عمر» حديث الصرف» وعلمه عمر 
وأبو سعيد وغيرهماء ومثل هذا كثير وقع من الصحابة"» فلم يعبهم بذلك 
أحدء ولا رماهم بأنهم جهلة بحديث رسول الله ا وكثيراً ما حكموا 
بخلاف ما روي لهم قبل أن يبلغهم ذلك. فأبو حنيفة أحق أن يعذر في 
و 
(۱) جامع بيان العلم .٠١/۲‏ 
(0) تدريب الراوي: ص8١٠.‏ 


(9) انظر ابن حزم في الإحكام : 7/7 . 


6 


٤‏ إن لأبى حنيفة شروطاً دقيقة فى قبول الأخبار حمله عليها فسُوٌ 
الكذب فى الحديث فى عهدهء فأراد أن يحتاط لدين الله عز وجل» فتشدد 
5 قبول الأخبار»ء ومن شروطه في ذلك: 

١‏ ألا يعارض خبر الآحاد الأصول المجتمعة عنده بعد استقراء 
موارد الشرع» اا ا مذ باتو ا وفك الجر فاد 

دن آلا يعارض عمومات الكتاب وظواهرهء» فإذا عارضها أخذ بظاهر 
الكتاب وترك الخبرء عملا بأقوى الدليلين» أما إذا كان بياناً لمجمل» أو 
نصا لحکم جدید» فيأخل به. 

و ا واف أكاتع ول ار ا ا 
بأقوى الدليلين. 

٤‏ _ ألا يعارض ° مثغله. فإذأ تعارض جم أحدهما بوجوه من 
الترجيح› كأن يكون أحد الصحابيين أفقه من الآخرء أو احا فقيهاً 

ه ‏ ألا يعمل الراوي بخلاف حديثه» كحديث أبى هريرة في غسل 
الإناء من ولوغ الكلب سبعاًء فإنه مخالف لفتياه. 


3 


٦‏ _ ألا يكون الخبر منفرداً بزيادة» سواء كانت فى المتن أ 
إذ يعمل بالناقص منهماء احتياطاً في دين الله . 

۷- ألا يكون فيما تعم به البلوى» إذ لا بد حينئذ من الشهرة أو 
التواتر. 

۸ ألا يترك أحد المختلفين في الحكم من الصحابة الاحتجاج بالخبر 
الذي رواه أحدهمء إذ لو كان ثابتاً لاحتج به أحدهم. 

41 ألا يسبق طعن أحد من | لسلف فيه. 


و ال 


٠‏ الأخذ بالأخف فيما ورد فى الحدود والعقوبات عند اختلاف 


61 


١‏ - أن يستمر حفظ الراوي لمرويه منذ التحمل إلى وقت الأداء من 
غير تخلل نسيان. 

١‏ - ألا يخالف العمل المتوارث بين الصحابة والتابعين دون 

.ذلك هو أهم ما اشترطه أبو حنيفة لصحة خبر الآحاد والعمل به" 
ولا ك أن المحدثين لا يوافقونه على اکر هذه الشروط إل لم نقل كلهاء 
وغيره من الأئمة يخالفونه فى بعضهاء ولسنا هنا بصدد الدفاع عن رأيه» أو 
الانتصار لهء إنما الذي يهمنا أن نعرف عذر ا حنيفة فيما تركه من أخبار 
الآحاد. 

إذا تبين لك هذاء عرفت أن ما يتهم به أبو حنيفة من تركه السنة 
وأخذه بالرآي› إن کان ذلك عن اجتهاد. فلا مم عليه» وقد فعله كي 
قبله وأئمة بعده» وإن كان عن هوى وعناد» فحاشا لله أن يفعل ذلك أبو 
حنيفة» وهو الذي ثبتت إمامته وورعه ووقوفه عند حدود الله ورسوله. 
أمثلة عن وجهة نظر أبى حنيفة فى بعض الأحاديث: 

وإليك بعد هذاء أمثلة من اجتهاده الذي خالف فيه بعض الأحاديث». 
وبيان وجهة نظره. ظ 

| - اجتمع أبو حنيفة بالأوزاعي في دار الخياطين وتباحثا في العلم» 
فقال الأوزاعي: لماذا لا ترفعون أيديكم عند الركوع وعند الرفع منه؟ فقال 
أبو حنيفة : لأنه لم يصح فيه شىء عن النبى ياو قال الأوزاعي: كيف وقد 
حدثنى الزهري عن سالم عن أبيه أن رسول الله ية كان يرفع يديه إذا افتتح 
الصلاة وعند الركوع وعند الرفع منه؟» فقال أبو حنيفة: حدثني حماد عن 


)١(‏ انظر أصول السرخسي "74/١‏ وكشف الأسرار للبزدوي» والتقرير وشروحه» ومسلم 


الثبوت وشرحه فى بحث خبر الآحاد. 


| 


إبراهيم عن علقمة والأسود عن عبد الله بن مسعود «أن رسول الله ملو كان 

لا يرفع يديه إلا عند افتتاح الصلاة»» ولا يعود إلى شيء من ذلك» فقال 
الأوزاعي : أحدثك عن الزهري عن سالم. عن ابن عمرء وتقول: حدثنا 
حماد عن إبراهيم؟ فقال أبو حنيفة: كان حماد أفقه من الزهري» وكان 
إبراهيم أفقه من سالم» وعلقمة ليس بدون ابن عمرء وإن كان لابن عمر 
صحبة» فالأسود له فضل كبير» وفي رواية أخرى» إبراهيم أفقه من سالمء 
ولولا فضل الصحبة لقلت: إن علقمة أفقه من عبد الله بن عمرء وعبد الله 
هو عبد الله»ء فسكت الأوزاعي”''. 

۲ - واجتمع سفيان بن عيينة بأبي حنيفة فسأله : a‏ 
بأن المتبايعين ليس لهما الخيار إذا انتقلا من حديث البيع إلى حديث آخر 
غيره ولو ظلا مجتمعين في مكان واحد؟ قال: نعمء قال سفيان: كيف وقد 
صح الحديث عن رسول الله بيه : «البيعان بالخيار ما لم يتفرقا»؟ قال أبو 
حنيفة: أرأيت إن كانا في سفينة» أرأيت إن كانا في سجن؟ أرأيت إن كانا 


في سقر ؟ كبعت يفترقان؟ . أه. 


فأنت ترى أن أبا حنيفة لم يرد الحديث» ولكنه فهم من التفرق› 
تفرق الأقوال لا الأجسام» مراعاة للمقصود من العقودء وللحكمة من هذه 
الرخصة حتى تشمل كثيرين» كالمسافرين في سفينة واحدة أو في سفر 
واحدء أو الموجودين في ميعن وات د و ان ا ااا 
وشهوراًء فهل نقول: إنهما ماداما مجتمعين في مكان واحد فالبيع لم يتمء 
ولكل واحد منهما الخيار في فسخه متى شاء؟ وحمل التفرق الوارد على 
الأقوال جاتر ووارد في القرآن والسنة» مثل قوله تعالى: #وَاعْتَصِمُوا بل 
آله جیما وَل برا4 [آل عمران: ]٠١١‏ ومثل قوله عليه الصلاة والسلام: 
«افترقت اليهود. 2١‏ إلخ . فالذي لا يلاحظ دقة نظر الإمام في هذا الاستنباط 





)١(‏ حجة الله البالغة 0717/١‏ ومحاسن المساعي في سيرة الأوزاعي ص277 وفتح القدير 
لابن الهمام ۲۱۹/١‏ وعقود الجواهر المنيفة .1١/١‏ 


1۲ 


ويسمع بأن أبا حنيفة يفتي بأن المتابعين متى أوجبا العقد لا خيار لهما ولو 
كانا في مجلس واحدء يحكم لأول وهلة بأن أبا حنيفة خالف الحديث. 
لن الامو کات 


٣‏ - وإليك مثلا مما أورده ابن أبي شيبة على أبي حنيفة «أخرج ابن 
أبي شيبة بسنده إلى محمد بن النعمان بن بشيرء أن أباه النعمان نحله 
غلاماًء وأنه أتى النبي بيه ليشهده» فقال: أكل ولدك نحلت مثل هذا؟ 
قال: لاء قال: فاردده. ثم أورد لهذا الحديث طريقين آخرين بألفاظ 
مختلفة» وقال في آخرها: وذكر أن أبا حنيفة قال: لا بأس به». 

وجوابه كما في «النكت الطريفة» للعلامة الكوثري: «اختلفت ألفاظ 
الرواة فى حديث النعمان بن بشير فى النحل بحيث وسعت على أئمة الفقه 
نطاق ااا فرأى جمهورهم أن الأمر بالتسوية للندب» منهم مالك 
والليث والثوري والشافعي وأبو حنيفة وأصحابه» فأجازوا أن يخص بعض 
بنيه دون بعض بالنحلة والعطية على كراهية من بعضهم» والتسوية أحب إلى 
جميعهم» ويرى بعضهم وجوب التسوية بينهم في العطية لظاهر بعض ألفاظ 
الرواية» منهم ابن المبارك وأحمد والظاهرية» وكان إسحاق معهم ثم رجع 
إلى مذهب الجمهور. 

والإجماع على جواز هبة المرء لماله للغريب مما يؤيد رأي الجمهورء 
ولا نص حیث یکون احتمال»› فلا يكون معنى لما يقال: لا قياس في مورد 
ااا | 

وقد أورد البيهقي نحو عشرة وجوه في تأييد أن الأمر بالتسوية هنا 
اکپ انث انها سفنب ا 

وسبب اختلاف الفقهاء فى حمل تلك الأحاديث على الوجوب أو 
عل الاب هر ات ا تقول فى و و 
«أشهد على هذا غيري» وفي آخر: لأيسرك أن يكونوا في البر سواء) تذل 
غلى. الدب :وهناك: ألفاظ ترذن بالوجوت مثل. الا أشهد على معوراء: إلا 


واه 


إذا حمل الجور على مجرد الميل لقرائن قائمة» حتى قال القاضي عياض : 
«والجمع بين أحاديث الباب أولى من طرح بعضهاء ومن توهين الحديث 
بالاضطراب في ألفاظه» ووجه الجمع أن تحمل كلها على الندب» ثم بين 
وجه حملها كلها على الندب في شرحه على صحيح مسلم. 

ونحن نرى أنفسنا في غنية عن التوسع هنا بأكثر مما ذكرناء لأن 
المسألة ليست مما انفرد به أبو حنيفة» بل معه جمهور أهل الفقه» وتفضيل 
E UE ASG OSS‏ وكذا فعل 
غيرهما من الصحابة وإقدامهم 1 لك من أجلى الأدلة على أن الأمر 
بالتسوية ا 


هذا مثل مما أورده ابن أبى شيبة على أبى حنيفة من تركه العمل 
بالأحاديث في مائة وخمس وعشرين مسألة» ومن الجواب تعلم أن الإمام 
معاي ا وس به وإنما فعل ذلك عن اجتهاد منه. 
ومثله يعذر. كمأ يعذر كل إمام ف فيما يؤدي إليه رأيه 1 من اجتهاد. 

كنا ينيف أن تعلم آنا ما ذكره ابن أبى شيبة من المسائل. التي خالف 
فيها أبو حنيفة الحديث لم ينفرد وحده بما أدى إليه اجتهاده» بل أكثرها قد 
وافقه فيها إمام أو أكثر من أئمة الجمهور . 
حلقة أبى حنيفة العلمية: . 

0 بي حنيفة مع تلاميقه في الاجتهاد. 0 

أخرج ابن أبي العوام» قال: حدثني الطحاوي قال: كتب إليّ ابن أبي 
ثور قال : | أخبرني مم سفيان»› و ة بن حجمزة. : كان 


وباو الى ابه بن الراك آله كان قفي الح وة ا قان ن 


.۲۲ - النكت الطريفة ص۲۱‎ )١( 


الأريغيت:: ابو يوسف» وزفر بن الهذيل» وداود الطائي» وأسد بن عمروء. 
ویو سف بن خالد السمتي › ويحبى بن زكريا بن ان زائدة» وهو الذي كان 
يكتبها لهم ثلاثين سنة . 

ویسنده إلى نك افيا قال : كانوا يختلفون عند أبي حنيقة في جواب 
المسألة» فيأتي هذا بجواب وهذا بجواب» ثم يرفعونه إليه ويسألونه عنها 
فيأتى الجواب من كثب» آي من قرب» بوكانوا يقيمون فئ المسألة ثلاثة 
أيام» ثم يكتبونها في الديوان. 
معه في المسألة فإذا لم يحضر عافية بن يزيد قال أبو حنيفة: لا ترفعوا 
المسألة حتى يحضر عافية» فإذا حضر ووافقهم قال أبو حنيفة: أثبتوها. وإن 
لم يوافقهم قال أبو حنيفة: لا تثبتوها .اه. ) 

وقال يحيى بن معين في معرفة التاريخ والعلل عن الفضل بن دكين : 
سمعت زفر يقول: كنا نختلف إلى أبي حنيفة ومعنا أبو يوسف ومحمد بن 
الحسن» فكنا نكتب عنه» قال زفر فقال يوماً أبو حنيفة لأبي يوسف: 
ويحك يا يعقوب لا تكتب كل ما تسمع مني» فإني قد أرى الرأي اليوم 
وأتركه غداً وأرى الرأي غداً واتركه في غده .اه. 

ومن هنا تعلم صدق ما يقول الموفق المكي من أن أبا حنيفة وضع 
مذهبه شورى ولم يستبد فيه بنفسه دونهمء اجتهاداً منه في الدين ومبالغة في 
النصيحة لله ورسوله وال 

ومن هنا أيضاً تعلم طرافة ما أخرجه الخطيب”'' عن ابن كرامة» قال: 
كنا عند وكيع توا فقال رجل : اا انو حنيفة ) فقال وكيع : كيف يقدر 
کی ا زائدة وحفص بن غياث وحبان ومندل في حفظهم للحديث» 


)۱( حسن التقاضى ف 
(۲) تاریخ بغداد .٤۷/۱٤‏ 


والقاسم بن معن فى معرفته باللغة العربية» وداود الطائى وفضيل بن عياض 
في زهدهما وورعهما؟ ومن كان هؤلاء جلساؤه لم يكد يخطئ لأنه إن 
أ ردوه . اهم. 


ونحن لسنا مع وكيع في أن أبا حنيفة لا يخطىئ. ولكتنا ى عة ان 
إمامأ كأبي حنيفة اجتمع له من الأصحاب والبيئة وقرب العهد بالصحابة 
والفهم الثاقب والاجتهاد البالغ في دين الله لا يصح بحال أن تشن عليه تلك 
الحملة الظالمة التي بدأت في عصره من تنافس الأقران وجهل الرواة وتزيد 
ا ا 
القرآن» حين حمل كثير من أهل الحديث على أبى حنيفة وأصحابه فجرحه 
عضي وعيم لكر بون امي 1 لقره e‏ 
أذاقوا أهل الحديث صنوفا من العذاب والاضطهاد. وقد كان جمهور 
المعتزلة يأخذ بمذهب أبي حنيفة في الفروع» فهذا هو سر تلك الحملة 
المتأخرة» وذلك هو سر تلك الحملة المتقدمة» يقول الخطيب البغدادي : 
«ما تكلم أبو حنيفة ولا أبو يوسف ولا زفر ولا محمد ولا أحد من أصحابه 
في القرآن» وإنما تكلم في القرآن بشر المريسي وابن أبي دؤاد» فهؤلاء 
شانوا أصحاب أبي حنيفة»"'' . 


ويعجبني في هذا المقام قول الحافظ ابن عبد البر رحمه الله في 
«جامع بيان العلم)”'" : (أفرط أصحاب الحديث في ذم أبي حنيفة وتجاوزوا 
الحد في ذلك» والسبب الموجب لذلك عندهم إدخاله الرأي والقياس على 
الآثار واعتبارهماء وأكثر أهل العلم يقولون: إذا صح الأثر بطل القياس 
والنظرء وكان رده لما ورد من أخبار الأحاد بتأويل محتمل» وكثيرا منه قد 
تقدمه إليه غيره» وتابعه عليه مثله ممن قال بالرأي» وجل ما يوجد له من 


.۳۳۷ /۱۳ تاریخ بغداد‎ )١( 
.١158/5 )0( 


ذلك ما كان اتباعاً لأهل بلده كإبراهيم النخعي» وأصحاب ابن مسعودء إلا 
أنه أغرق وأفرط في تنزيل النوازل هو وأصحابه» والجواب فيها برأيهم 
واستحسانهم فأتى منه من ذلك خلاف كبير للسلف وشنع هي عند مخالفيهم 
بدع (هذا رأي ابن عبد البر) وما أعلم أحداً من أهل العلم إلا وله تأويل 
في آية أو مذهب في سنةء رد من أجل ذلك المذهب سنة أخرى بتأويل 

ئغ أو ادعاء نسخ» إلا أن لأبي حنيفة من ذلك كثيرأ» وهو يوجد لغيره 
قليل» (هذا رأي ابن عبد البر) وبعد أن ذكر ما أحصاه الليث بن سعد على 
مالك .من مخالفته للسنة» قال: «ليس لأحد من علماء الأمة يثبت حديثاً عن 
النبي يه ثم يرده دون ادعاء نسخ عليه بأثر مثله أو بعمل يجب على أصله 
الانقياد إليه أو طعن في سنده» ولو فعل ذلك أحد سقطت عدالته» فضلا 
عن أن يتخذ إمامأء ولزمه اسم الفسق» ونقموا أيضاً على أبي حنيفة الإرجاء 
(أقول: والتحقيق أن إرجاءه هو محض السنة) ومن أهل العلم ممن ينسب 
إلى الإرجاء كثير» لم يعن أحد بنقل قبيح ما قيل فيه» كما عنوا بذلك في 
أبي حنيفة لإمامته» وكان أيضا - مع هذا - يحسد وينسب إليه ما ليس فيه 
ويختلق عليه ما لا يليق» وقد أثنى عليه جماعة من العلماء وفضلوه. .. ثم 
قال بعد أن ذكر ثناء جماعة من العلماء عليه : وكان يقال: يستدل على 
نباهة الرجل من الماضين بتباين الناس فيهء قالوا: ألا ترى إلى علي بن أبي 
طالب أنه هلك فيه فئتان: محب أفرط» ومبغض فرّطء mm‏ 0 
الحديث «أنه يهلك فيه رجلان: محب مُطرء ومبغض مرا وهذه صفة افا 
النباهة ومن بلغ في الدين والفضل الغاية» والله أعلم» . 


۷ 





7 الامحام محالك 


“41 _ ۱۷۹ھ 





حياته ومكانته العلمية: 

هو أبو عبد الله مالك بن أنس الأصبحي إمام دار الهجرة ومحدثها 
الأشهرء ولد بالمدينة سنة 91ه. وذكر ابن الديبع الشيباني في مقدمة تيسير 
الوصول أن ولادته كانت سنة 45» ونشأ بها وتوفي فيها عام 4/ا١ه‏ عن 
ستة وثمانين سنة» تلقى العلم عن ربيعة الرأي وأخذ عن كبار الفقهاء من 
التابعين» وسمع كثيراً من الزهري» حتى ليعتبر من أشهر تلاميذه؛ كما سمع 
من نافع مولى ابن عمر واشتهر بالرواية عنه حتى أصبحت روايته تسمى في 
عرف بعض المحدثين بالسلسلة الذهبية» وهي (مالك عن نافع عن ابن 
عمر)» وما زال دائباً في طلب العلم وتحصيله حتى أصبحت له الإمامة في 
الحجازء وأطلق عليه عالم المدينة وإمام دار الهجرة» وانتشر صيته في 
الآفاق» فهرع إليه أهل العلم من مختلف بقاع الأرض» وكان يعقد للحديث 
مجلساً في مسجد النبي بيه في وقار وأدب وحشمة» متطيباً لابساً أحسن 
ثيابه» لا يرفع صوته فيه إجلالاً للرسول. 


أصول مذهبه: ؤ 

عرف مالك رحمه الله بالفقه والحديث ا٤‏ وقد عرف باحتجاجه 
بالموسل كاب حنيفة» وقد أخرج من المراسيل عدداً في موطئه» وكانت 
أصول مذهبه هي الأصول المعتبرة لدى الأئمة: الكتاب والسنة والإجماع 
والقياس» وزاد عليها شيئين: عمل أهل المدينة والمصالح المرسلة» أما هذه 
الأخيرة فقال: قال بها أكثر الأئمة» وأما عمل أهل المدينة فقد اعتبره حجة 


1A 


دالة على ما كان عليه النبي ييه من فعل أو حال» ولا يعتبر عملهم حجة 
إلا إذا كانوا مجمعين عليه متوارثين العمل به جيلا بعد جيل حتى عهد 
الرسول الكريم» وهو يرى أنهم لا يلتزمون أمراً ويعملون به جميعاً إلا إذا 
كان أمراً مشروعاً عمل به الصحابة في عهد الرسول وأقرهم عليه ثم توارثه 
من بعدهم ودرجوا عليه. 

وعمل أهل المدينة عنده أقوى من حديث الآحادء فإذا تعارض خبر 
الواحد مع عمل أهل المدينة رجح الثاني» ومن هنا استدرك عليه الليث بن 
سعد سبعين سنة ترك الأخذ بها وهي في موطتهء ولم يوافقه بقية الأئمة 
والعلماء من بعده على هذا. وممن ناقشه في ذلك الإمام الشافعي 
رحمه اللهء وتتالى العلماء من بعده يناقشونه فى ذلك» ومن أشهر من رد 
حجية عمل أهل المدينة ابن حزم» فقد ناقشه 1 كتابه «الإحكام في أصول 
الأحكام» نقاشا قوياء وكذلك رد عليه في بحوث متفرقة من كتابه «المحلى» 
وهو شديد الوطأة في نقاشه العلمي مع كل من يخالفهم"''. 

وقد انتشر مذهب مالك في كثير من أقطار العالم الإسلامي وخاصة 
في المغرب ومصر. 


الموطأ ‏ مكانته - رواياته وأحاديثه - شروحه: 

ولعل أشهر ما عرف به الإمام مالك رحمه اللهء كتابه «الموطأ» الذي 
ألفه بإشارة من المنصور حين حج وطلب إليه أن يدون كتابا جامعا في 
العلم يتجنب فيه شدائد ابن عمر ورخص ابن عباس» وأن يوطئه للناس» 
فألف كتابه هذاء وسماه «الموطأ» وذكر السيوطي لهذه التسمية سببا آخرء 
وهو ما روي أن مالكاً قال: «عرضت كتابي هذا على سبعين فقيهاً من فقهاء 
المدينة فكلهم واطأني عليه فسميته الموطأ» ثم جاء المهدي حاجاً فسمعه 
منه وأمر له بخمسة آلاف دينار ولتلاميذه بألف» ثم رحل إليه الرشيد في 


.٠١١ 917/١ انظر الإحكام‎ )١( 


۹ 


إحدى حججه» مع أولاده وسمعه منه» ورغب أن يعلقه في الكعبة ويحمل 
الناس على العمل بما جاء به فأجابه رحمه الله : «لا تفعل يا أمير المؤمنين 
فإن أصحاب رسول الله لا اختلفوا في الفروع وتفرقوا في البلدان» وكل 
مصيب» فعدل الرشيد عن ذلك» رواه أبو نعيم في الحلية. 

وقد وضع الله له القبول في قلوب الناس» فأقبلوا عليه دراسة 
وسماعاًء ومن أشهر الأئمة الذين سمعوه من مالك: الأوزاعى» والشافعى› 
ومحمدء ورواية محمد له هي إحدى زوانات: الحوطا المشهورة والمعتبرة 

وقد عنى مالك رحمه الله بتأليفه وتدوين الأحاديث الصحيحة فيه حتى 
لي قي NS E‏ 
السيوطى فى مقدمة شرحه للموطأ عن الأوزاعى» أنه قال: «عرضنا على 
مالك الموطأ ف ارين :يونا ل کات الف أربعين سنةء أخذتموه 
0 أقل ما تفقهون فيه»). ا 

وقد جرى في الموطأ على أن يبوبه على أبواب العلم. المختلفة. 
ويذكر في كل باب ما جاء فيه من الحديث عن النبي وُه ثم ما ورد من 
الآثار عن الصحابة والتابعين» وكانوا في جمهرتهم من أهل المدينةء لأن 
مالكاً رحمه الله لم يغادرهاء وأحياناً يفسر كلمات الحديث بعد سرده. 
ويبين المراد من بعض عباراته» وكان ينص على عمل أهل المدينة في 
الأبواب التي جاء فيها من حديث الآحاد ما يعارض ذلك العمل . 

أما درجة الموطأ في السنة فقد اختلفت آراء العلماء. 


فقال قوم: بأنه مقدم على الصحيحين لمكانة الإمام مالك رحمه الله » 
ولما عرف عنه من التثبت والتمحيص › وحسبك | ألفه فى أربعين سلنة » 
وهن دهت الى هذا الزائ ودافع عنهء ابن العربي» وهو رأي جمهور 
المالكمة . 


ومنهم من جعله مع الصحيحين في مرتبة واحدة» وإليه يشير كلام 


(V* 


الدهلوي فى «حجة الله البالغة» حيث تحدث عن طبقات كتب السنة» وجعل 
فى الطبقة الأولى منهاء الموطأ والصحيحين . 

ومنهم من رأى مرتبته دون مرتبة الصحيحين» وهو رأي جور 
صححبيح ‏ عنده وعند من يقلده على ما اقتضاه نظره من الاحتجاج بالمرسل 
والمنقطع وغيرهما) وقد عرفت عدم اعتداد المحدثين بالمرسل والمنقطع وما 
عدا المتصلء فلا جرم إن كانت مرتبة «الموطأً) ‏ عندهم ‏ دون مرتبة 
ا 

وقد أجاب أصحاب القولين الأولين عن وجود المرسل والمنقطع في 
«الموطأ» بأنها متصلة السند من طرق أخرى» فلا جرم أنها صحيحة من هذا 
الوجه . 

وممن عني بوصل ما في «الموطأ» من مرسل ومنقطع ومعضل› 
الحافظ ابن عبد البر»ء ومما قاله: اا وجميع ما فيه من قوله: «بلغنى»)» ومن 
قوله: لاعن الثقة») عنده مما لم يسئله » وأحد وستول 0000 كلها نيدن يله من 
غير طريق مالك إلا أربعة» لا تعرف وهي: 

١‏ (إني لا أنسى ولكن أَنْسَى2. 
ذلك» فكأنه تقاصر أعمار أمته ألا يبلغوا من العمل مثل الذي بلغ غيرهم 
فى طول العمر فأعطاه الله ليلة القدر». 

٣‏ قول معاذ: آخر ما أوصاني به رسول الله ية في الغِزْز”“ أن 
قال : «حسن خلقك للناس). 

٤‏ - «إذا نشأت بحرية (أي السحابة) ثم تشاءمت فتلك عين غديقة) 
ا (كثيرة الماء) : 


)١(‏ هو موضع الركاب من رحل البعير. 


۷١ 


وقد دافع العلماء عن هذه الأحاديث الأربعة بأن معاني هذه الأحاديث 
صحيحة واستشهدوا لها بما في كتب السنة» ولكن الشيخ الشنقيطي في 
كتابه «إضاءة الحالك» نقل عن ابن الصلاح أنه وصل هذه الأحاديث 
الأربعة» والذي استظهره السيوطي «إطلاق أن الموطأ صحيح لا يستثنى منه 
شيء لأن ما فيه من المراسيل مع كونه حجة عنده بلا شرط»ء وعند من 
يوافقه من الأئمة في الاحتجاج بالمرسل» فهو أيضاً حجة عندنا لأن المرسل 
- عندنا - حجة إذا اعتضد» وما من مرسل في الموطأ إلا وله عاضد أو 
عا فين 

هذا وقد زعم ابن حزم أن في الموطأ أحاديث ضعيفة, ومَّامًا 
العلماءء» وقد تعقبه اللكنوي بأنها لم تصل إلى حد السقوط والوضع» ولعل 
ما نقله ابن حزم من توهين العلماء لبعض تلك الأحاديث ناشئ من حكمهم 
عليها بالنظر إلى الطرق التي وصلتهمء أما بالنظر لطريق مالك فهي عنده 
صحيحة» وهو أولى أن يؤخذ رأيه في شيوخه ومن روى عنهم إذ هو أدرى 
بهم وأعرف . 

وفك لكك بزوايات السوظأ 'الجعداولة نتسوا من للأثين تيه من 
أشهرها: موطأ يحيى بن يحيى الليثي» وموطأ ابن بكيرء وموطأ أبي 
مصعب» وموطا ابن وهب» وموطأ الإمام محمد بن الحسن» وهذه النسخ 
تكدلقيه قبوا ا د واخ ا وو و كا ا لفن الى 
رويت فيه عن مالك» مع ما كان عليه - رحمه الله - من إدامة النظر في 
موطئه» فلا يبعد أن يزيد فيه أحياناً: وأن ينقص منه أحیانا حسبما یتراءی له 
من النظر . 

ولهذا اختلفت الأقوال في عدد أحاديث الموطأ نظراً لاختلاف النسخ 
المتداولة» فأبو بكر الأبهري يقول: «جملة ما في الموطأ من الاثار عن 
البى يلل وعن الصحابة. والتابعين» ألف وسبعمائة وعشرون حديثاًء المسند 


)١(‏ شرح الموطأ ص۸. 


V1 


ينها معوانة حنيقة. .والعرس|. انان وان وعشيروة دخا ولوف 
ستمائة وثلاثة عشر» ومن قول التابعين مائتان وخمسة وثمانون»). 

أما موطأ محمد بن الحسن وهو من أشهر نسخ الموطأ وله شهرة 
عظيمة في الحرمين والهند» فقد بلغ ما فيه من الأحاديث المرفوعة والآثار 
الموقوفة على الصحابة ومن بعدهم - مسندة» ومرسلة» ومنقطعة ‏ ثمانين 
ومائة وألا منها عن مالك خمسة وألفء ومنها عن ا حنيفة› ثلاثة 
عشر» وعن أبي يوسف» أربعة» والباقي عن غيرهما. 
شرحه الحافظ ابن عبد البر (”577) فقد ألف فيه شرحين : 

الأول لتد الها ف الموطأ من المنعانى والأسانية» وتنب فة أسماء 
الكلام على فقه الحديث مثله فكيف أحسن منه؟!). 

والثاني كتاب «الاستذكار في شرح مذاهب علماء الأمصار». وممن 
رة اشا الحافظ أبو كر خود ي الدرن. 8518:3) والجلال السيوظى 
١١1ؤه)‏ والزوفانئى» المالكى غم 11۲۲( والدهلوي(- ۰ه( والشيخ 
على القاري المكى (١‏ 5١١٠ه)‏ واللكنوي ( 5١١١ه)‏ فى كتابه «التعليق 
الممجد على موطأ الإمام محمد) . 

وقد اختصر الموطأ كثيرون» منهم أبو سليمان الخطابي ( ۳۸۸ه) 
وابن رل الي (ر ۳٤ھ(‏ وابن رشق القيرواني (۔ 5577ه). 

كما ألف في شرح عريبه وفي شواهده ورجاله واختلافاته مؤلفات 
ثيرة تدل على عناية علماء الأمة بهذا الكتاب الجليل . 


هل الموطأء كتاب فقه ام كتاب حديث؟ 
لم يختلف العلماء منذ ألف مالك موطأه حتى عصرنا على أن الموطأ 
أقدم مؤلف في الحديث وصل إلينا من مؤلفات السلف في القرن الثاني» 


ا 


وكانت عنايتهم به بالغة كما رآيت» وإذا ذكروا كتب الحديث» ذكروه معها. 
واختلفوا في مرتبته بينها كما رأيت. 

حتى إذا كان هذا العصر الذي استطال المستشرقون على تاريخنا 
وعلمائنا وصحابة رسولنا ييه كما رأيت من صنيعهم في بحث السنةء رأينا 
من يقول لنا من المسلمين: إن موطأ مالك هو كتاب فقه وليس كتاب 
حديث» ذلك هو الدكتور «على حسن عبد القادر) فى كتابه «نظرة عامة فى 
تاريخ الفقه الإسلامي» . ا ا ا 


شبهة القول بأنه كتاب فقه: 

يدعي الدكتور في كتابه المذكور”“ أن الموطأً - إذا استثنينا المجموع 
لزيد - يعد أول كتاب فقهي وصل إلينا في الإسلام» وأنه لا يمكن أن 
يعتبر أول :كتاب كبير في الحديث» رغم ما له ولمؤلفه الإمام مالك من 
مكانة في الإسلامء لأنه لم يعتبر في الأصل كتابا في الحديث» ولم يتخذ 
' مكاناً بجانب الكتب الستة ‏ باستثناء أهل المغرب - ولكن تقوى المتأخرين 
(كذا كذا) هي التي جعلتهم يدخلونه أحياناً في الكتب الصحاح. ثم أكد 
أنه ليس كتاب حديث بالمعنى الصحيح» إذ ليس غرضه الإتيان بالأحاديث 
الصحيحة فحسب» بل غرضه النظر في الفقه والقانون والعادة والعمل 
حسب الإجماع المدني المعترف به» ولهذا يذكر فيه فتاوى لأئمة معتبرين 
في مسألة موجودة ليستنتج رأيه الموافق لهاء ولو كان محدثاً لأخبرنا في 
ذلك بحديث لا فتوى. ثم يقول بعد بحث طويل: «ومن هنا نرى أن 
مالكا لم يكن جامعا للحديث بل كان زيادة على ذلك شارحا 
للأحاديث من وجهة النظر العملية» ثم يقول ‏ بعد أن ذكر أخذ مالك 
بالرأي أحياناً -: «فمن هذا نرى أن مالكاً لم يكن محدثاء وأن الحديث 
عنده لم يكن المعتمد الوحيد لديهء بدليل اتخاذه العمل المدني حجة» 
على أنه وإن لم يكن محدثاً حقيقياً فقد أعطى للمحدثين فائدة كبيرة. 


.۲٥۲ ۔-‎ ۲٤٤ص‎ )١( 


V٤ 


وأمد النقد التاريخي بأداة ثمينة ) ولم يكن الإسناد عنده أا ونا بدليل 


ما ذكره فى الموطأ من المراسيل» اه. 


هو 


ويتلشخص مما ذكرنأه مختصراء وذكره 00 ون کتابه» أمران : 
الأول: أن مالكاً لم يكن محدثا. 


والقافى: أن الموطاً ليس كتاب حديث بل كتاب فقه. 


جواب الشبهة: 

١‏ أما أن مالكاً لم يكن محدثاً فهذا تَجَنْ على الحق ومخالفة لما 
عورف العلناء .ميغ :فقن كان ماللة دعق كان المحلاتيو قن عصوةب. وكات 
اا للتحديث معروفة مشهورة» وكانوا يقصدونه من مختلف البقاع لأخذ 
حديثه ولا ينازع في هذا إلا مكابر. 


ولقد كان مع حديثه وإمامته في الحديث - فقيهاً من أئمة الفقهاءء 
فلم يكن ممن يجلس للتحديث فقط دون آن يتكلم في فقه الحديث› أو 
تكون له آراء في المسائل الاجتهادية» أي أنه لم يكن كيحيى بن معين 
والأعمش مثلاء وكذلك كان فقهاء التابعين يجمعون ‏ غالبا بين الحديث 
والفقهء فلاستدلال بأنه كان يستعمل رأيه فيما ليس فيه نص على أنه لم 
يكن محدثأ بل كان فقيهاء تجاهل لميول المحدثين منذ عصر الصحابة» 
فابن مسعود وهومن أكبر رواة الحديث كان يجتهد فيما ليس فيه نص» في 
حين كان ابن عمر ‏ وهو من كبار المحدثين أيضاً - وقافاً عند النصوص» 
فليس كل من يجتهد» ويستنبط» يخرج من دائرة الحديث» كما أنه ليس 
كل محدث لا يستعمل رأيه فيما بين يديه من النصوص» وخذ لذلك مثلا 
فى التابعين» الثوري» أو الأوزاعي. فقد كانا من أئمة الحديث» في الوقت 
ادق كاتا فيه من اعنة البق E‏ 
آتاه الله فهما وحفظا. 

أما أنه أخرج في موطته المراسيل فذلك لأن مذهبه صحة الاحتجاج 


Vo 


بالمرسل والمنقطع» لا لأنه لم يكن مَعْيِيَاً بالأسانيد كما يُعْنَى المحدثون» 
كيف وقد روي عنه «ربما جلس إلينا الشيخ فيحدث جل نهاره ما نأخذ عنه 
حديثاً واحداً». وهو القائل: «لا يؤخذ العلم عن أربعة إلخ» وقد نقلناه لك 
من قبل . 

ويزيدك ثقة بما نقول أن أقران مالك اعترفوا له بالإمامة في الحديث 
والتثبت فيه» يقول سفيان بن عيينة «كان مالك لا يبلغ من الحديث إلا 
صحيحا» ولا يحدث إلا عن ثقات الناس» وقال يحيى بن سعيد القطان: 
«كان مالك إماماً فى الحديث»» ويقول ابن قدامة: «كان مالك أحفظ أهل 
زمانه) . ا 

5 وأما أن الموطاً ليس كتاب حديث» فينقضه عناية العلماء به على 

اختلاف مذاهبهم. فهذا هو محمد بن الحسن يرويه بعناية وهو من أصحاب 
أبي حنيفة» وهذا هو الأوزاعي» يرويه عن مالك» وهو إمام مذهب معروف 
وها هو الشافعي يأخذه عن مالك أيضاء وها هم علماء من الحنفية 
والشافعية يشرحونه أو يختصرونه. نعم لقد كان للمالكية عناية به أكثر من 
غيرهم ) لآنه كتاب إمامهم وصاحب مذهبهم . 
لو کان الا کاب ف لين ي دا الم عل الحا بدن 
مختلف المذاهب. أما أن أبوابه جاءت طبقا لمقاصد الفقه وبحوثه» فهذا لا 
يخرجه عن أن يكون كتاب حديث كما فعل البخاري» وهو بالاتفاق ‏ قد 
صنف كتابه «الصحيح) ليكون كتاب حديث» ومع ذلك فقد بوبه على أبواب 
الفقه. وفعل مثل ما فعل مالك من ذكر آراء الصحابة والتابعين في 
اصحيحه»» وقل مثل ذلك في الترمذي الذي حرص على أن يذكر في كل 
باب ما فيه من الخلاف ا وتفاصيل آقوالهم» وكذلك ع أبو 
داود. 

ولا يلزم من ذكر رأي الصحابي أو التابعي في كتاب حديث أن يخرج 
الكتاب عن زمرة كتب الحديث» خصوصا عند من يرى إطلاق الحديث 
على كل ما أثر عن الرسول أو الصحابة أو التابعين. 


۷٦ 


وأما عدم عده مع الكتب الستة فلما أكثر مالك فيه من المراسيل» 
وهو وإن كان يرى العمل بهاء ولكن غيره من المحدثين لا يرون ذلك. 
فهذا هو الذي منع عده في الكتب الستةء على أن الأنظار والآراء في ذلك 
متفاوتة كما سبق» وأمامنا مسند الإمام أحمد فإنه ‏ باتفاق الناس جميعا ‏ 
كتاب حديث ومع ذلك فلم يعده كثير من العلماء من الكتب الستة. 
لاعتبارات خاصة . 

وأما أن تقوى المتأخرين هي التي جعلتهم يعدونه من كتب الصحاح› 
فهذه أساليب المستشرقين وعباراتهم» وإلا فما معنى تقوى المتأخرين هنا؟ 
ألم يكن للمتقدمين تقوى تحملهم على ذلك؟ وما دخل التقوى هنا؟ وكيف 
يصح هذا القول والشافعي هو الذي قال: «ما أعلم في الأرض كتاباً في 
العلم أكثر صواباً من كتاب مالك»» وأجاب ابن الصلاح بأن ذلك قبل أن 
يظهر كتابا البخاري ومسلم"'". أليس في هذا تقدير المتقدمين من علمائنا 
لموطأ مالك ونظرهم إليه على أنه كتاب حديث لا كتاب فقه؟ وإلا لما كان 
هنالك حاجة لأن يعتذر عن الشافعي بما اعتذر به ابن الصلاح» ولكان 
الجواب الطبيعى أن يقال: إن كتاب مالك كتاب فقهء وكان كتابا البخاري 
روسان كان حلي 


. مقدمة علوم الحديث ص۹‎ )١( 


CVV 





؟ - الإمحام الرثكافعى 


هآ١5‎  ]|6ه٠‎ 





حياته ومكانته العلمية: 


هو أبو عبد الله محمد بن إدريس بن العباس بن شافع ينتهي نسبه 
إلى قصي ويلتقي نسبه مع النبي بيه في عبد مناف. ولد رحمه الله بغزة 
فخ أعيؤال الشام سنة ١5١هء‏ وحملته أمه إلى مكة وهو ابن سنتين وبها 
نشا وقرأ القرآن الكريم»ء وأقام في هذيل نحواً من عشر سنين تعلم منهم 
اللغة والشعر حتى كان من أوثق الناس بأشعار الهذليين» وقد روي أن 
الأصمعي صحح عليه أشعارهم. وأخذ الفقه عن مسلم بن خالد الزنجي 
مفتي مكة ثم رحل إلى المدينة وتتلمذ على مالك فقرأ عليه الموطأ كله 
ورأى, فيه .مالك هن الدكاء اوقوة الذاقرة والتباهة: السشكرة ها عله بكر 
ويصله» ثم تولى الشافعي العمل في إحدى ولايات اليمن» وهناك وشي 
به إلى الرشيد فَأَحْضِرٌ إلى بغداد منّهما بالتشيّع والدعوة لآل البيت» وكان 
ذلك سنة 184١ه‏ فتدخل محمد بن الحسن عند الرشيد حتى اقتنع ببراءته 
وهناك تم له الاتصال بالإمام محمد وأخذ عنه كتب أصحابهء» حتى قال: 
#خرجت من بغداد وقد حملت من علم محمد بن الحسن وقر بعير» ثم 
عاد إلى مكةء وما زال ينتقل بين العراق والحجاز حتى أقام في مصر سنة 
۹ه وبها دون مذهبه الجديد إلى أن توفي عام 5١5٠هء.‏ بعد أن ملا 
الدنيا علماً واجتهاداً. وبعد أن جمع حوله أفذاذ طلاب العلم في مصر 
والعراق» وبعد أن ملأ القلوب بحبه وإجلاله والاعتراف بإمامته لما كان 
يتمتع به رحمه الله من علم غزير ومنطق فحل وذكاء عجيب وذهن نافذ 


7 


وادابها . 


دوره في الدفاع عن السنة: 

وللشافعى ‏ عدا مكانته الفقهية ‏ مكانة ممتازة عند أهل الحديث» فهو 
الذي وضع 50 الرواية» ودافع عن السنة دفاعاً ڪل وأعلن رأيه الذي 
يخالف فيه مالكاً وأبا حنيفة» وهو أن الحديث متى صح بالسند المتصل إلى 
النبي ية يجب العمل به من غير تقييده بموافقة عمل أهل المدينة كما 
ا مالك ار ارط الها لن ارا اي حدر نة 
جانب آهل الحديث مما جعلهم يلون عليه لقب «ناصر السنة» وفي الحق 
أن «رسالته» وبحوثه في «الأم» من أثمن ما ألفه العلماء دفاعا عن حجية 
السنة ومكانتها في التشريع بأسلوب قوي جزل وأدلة دامغة قاهرة» ولا 
ينكر كل من كتب في مصطلح الحديث وفي مباحث السنة والكتاب من 
علماء الأصول» أنه مدين للشافعي فيما كتب» ومن هنا كان صحيحاً ما 
يقوله محمد بن الحسن: «إن تكلم أصحاب الحديث يوماً فبلسان الشافعي» 
وما قاله الزعفراني : «كان أصحاب الحديث رقوداً فأيقظهم الشافعي». ومن 
هنا أجله علماء الحديث وذكروه بكل خير» فقال فيه أحمد بن حنبل: «ما 
أحد مس بيده محبرة ولا قلماً إلا وللشافعي في رقبته مِنَّة». ويقول: «ما 
علمنا المجمل من المفسر ولا ناسخ حديث رسول الله كَل من منسوخه 
حتى جالسنا الشافعي». وقال عبد الرحمن بن مهدي : «لما نظرت الرسالة 
للشافعي أذهلتني لأنني رأيت كلام رجل عاقل فصيح ناصح»› فإني لأكثر 
الدعاء له». وقال الكرابيسى: «ما كنا ندري ما الكتاب والسنة حتى سمعناه 
من الشافعي» وما رأيت ل الشافعي ولا رأى الشافعي مثل نفسهء وما 
رأيت أفصح منه وأعرف». ا 


كانت أصول مذهبه كأصول الأئمة الآخرين: العمل بالكتاب والسنة 
والقياس والإجماع. إلا أن عمله تالش كان أوسع دائرة من مالك وأبي 


7⁄۹ 


حنيفة من ناحية الأخذ بخبر الآحادء وكان أضيق دائرة من ناحية رفض 
العمل بالفرسل إلا إذا كان مورضل. كيان التابعين كسعين ين 'المسيب»: .ومة 
أصوله «الاستصحاب» وقد أخذ به الحنفية في الدفع لا في الإثبات . 

ولم ينقل عن الشافعي من الحديث كتاب مستقل إلا «مسند الشافعي» 
رواية أبي العباس الأصمء و«سنن الشافعي» رواية الطحاوي» ويظهر أنه من 
استخراج تلاميذه لا من تأليفه كما هو الحال في مسانيد أبي حنيفة» وذلك 
لأنه لم يجلس للتحديث كما هي عادة المحدثين» ولا عَنِيَ بجمع الروايات 
والطرق كما عَنُوا بذلك» وإنما هو إمام مجتهد يبحث في السنة عن كل ما 
يمكن أن يكون أصلا من أصول التشريع» فهو يطلب الحديث ليكون نواة 
لاجتهاده وفقههء. لا ليملاً به الكراريس والصحفء. وهذا هو الفرق بين 
المحدثين المنقطعين للتحديث» وبين الأئمة المعنيين بالفقه والتشريع . 


ع 





E:‏ الإممام أحشمد 


Af £4 





حياته ومكانته العلمية: 

هو أبو عبد الله أحمد بن حنبل الشيباني» ولد في بغداد سنة ١55‏ 
وبها نشا وترعرع» حضر في أول طلبه مجلس أبي يوسف صاحب الإمام 
أبي حنيفة ثم انتقل إلى طلب الحديث» وما زال يجد في طلبه ويلقى 
الشيوخ ويكتب عنهم» حتى بلغ الذروة في حفظ السنة والإحاطة بهاء 
وحتى أصبح إمام السنة في عصره غير منازع» أخذ عن الشافعي الفقه أولاء 
ثم أخذ الشافعي عنه الحديث» ومن تلاميذه البخاري ومسلم» وكان من 
الورع والزهد والأمانة والتشدد في الحق على جانب عظيم» تعرض لمحنة 
خلق القرآن وصبر عليها منذ عهد المأمون حتى المتوكل» وكان لموقفه 
العظيم أثر خالد في تثبيت قلوب الجمهور على الحق» وقد زاد ثباته على 
المحنة في نظر المسلمين» مكانته في قلوبهم واعترافهم بإمامته» وشهادات 
العلماء في حقه كثيرة متوافرة» وحسبك قول الشافعي رحمه الله: «خرجت 
من بغداد وما خلفت فيها رجلا أفضل ولا أعلم ولا أورع ولا أتقى من 
أحمد بن حنبل» وتوفي رحمه الله ببخداد سنة ۲٤١‏ ومشى في جنازته خلق 
ف 
أصول مذهبه: 

أما أصول مذهبه فهي أصول الأئمة: الكتاب والسنة والإجماع 
والقيائن 6 وكان كتير الخد جال حدق قدها فته قله «ضعف الخديت 
عندي أولى من رأي الرجال» وكان كثير الاتباع لآراء الصحابةء حتى إذا 


۸1 


كان للصحابة رأيان في المسألة أو ثلاثة كان له فيها رأيان أو ثلاثة» ومن 
هنا لم يعده بعض العلماء من الأئمة الفقهاء كما فعل ابن عبد البر في 
«الانتقاء» وابن جرير الطبري فى اختلاف الفقهاء» ولقى بسبب ذلك عنتا 
اا ی و و ی ا ا ی تاك في 
ذلك» وإن كانت صبغة الحديث عليه أغلب. ظ 
المسند: مرتبته - أحاديثه: 

وقد كان من أخلد آثار الإمام وأجزلها فائدة وأعظمها بركة على السنة 
كتابه «المسند» الذي أورد فيه نحو أربعين ألف حديث؛» منها عشرة آلاف 
مكررة» من مجموع سبعمائة ألف حديث وخمسين ألفاً كان يحفظهاء 
وطريقته في تأليفه أنه يجمع أحاديث كل صحابي في باب واحد» فما روي 
عن أبى بكر رضي الله عنه مثلا يجمعه في باب واحد» رغم اختلاف 
موضوعات الأحاديث . 

وقد اختلف العلماء في درجة المسيل:. 


فقال قوم - منهم أبو هوسى المديني - إنه كله حجة» وما فيه إلا 
صحيح» أخذا من قول الإمام في مسنده: «ما اختلفتم فيه من حديث 
رسول الك كلا فارجعوا إليهه: فإ وجاتمره إلا فليس بحا 

وقال قوم: (إن فيه الصحيح والضعيف والموضوع» وممن ذهب إلى 
ذلك ابن الجوزي فقد ذكر في موضوعاته تسعة وعشرين حديثا من مسند 
الإمام» وحكم عليها بالوضع. وزاد عليها الحافظ العراقي تسعة أحاديث 
حكم عليها بالوضع أيضاً» ورد على من قال: إن أحمد شرط الصحيح في 
مسنده» وبين أن المراد من قول الإمام السابق: إن ما ليس فيه فليس 
ببحجة» لا أن كل ما فيه حجة. 

ووقف فوم موقفاً وسطأ بأن فيه الصحيح والضعيف الذي يقرب من 
الحسن وممن ذهب إلى ذلك الذهبي» وابن حجرهء وابن تيمية› 
والسيوطي. وتعقبوا ابن الجوزي والعراقي فيما زعماه من وجود أحاديث 


CAY 


موضوعة فذكروا لها شواهد»ء ودافعوا عنها دفاعاً فيه قسط كبير من التمحل› 
حتى لم يسع ابن حجر إلا بأن يعترف أخيراً بأن في المسند ثلاثة أو أربعة 
أحاديث لا أصل لهاء واعتذر عنه بأنه مما أوصى الإمام بضربه من مسئله 
قبل أن يتوفی » فترك ا ضرت اوكتبي مهرم "تحت الضرت.: 

وإذا عرفت أن الإمام أحمد رحمه الله يتساهل في أحاديث الفضائل» 
وهو في الجرح والتعديل من المعتدلين» وأن ولده عبد الله وراويه أبا بكر 
القطيعى زادا فين الح زيادات منكرة» قل مأتى مستد الإمام» ولت 
أن الرأي ما قال به ابن الجوزي والعراقى». وهما من أمهر النقدة فى 
الحديث الذين لا يقتصرون فى نقد الحديث على السند. بل يتعديانه إلى 
المتن» وأن دفاع ابن حجر والسيوطي ليس إلا عصبية دينية دفاعاً عن إمام 
«منهاج السنة»: «شرط أحمد في المسند ألا يروي عن المعروفين بالكذب 
عندهء وإن كان في ذلك ما هو ضعيف ثم زاد عبد الله بن أحمد زيادات 
رة على السك قنيمة: إليةة:كذلك زاد أبو بكر القطيعي. وف ذلك 
الريادات: کر س الأحاديث الموضوعة فظن من لا علم فيل أن ذلك من 
رواية أحمد فى مسنده) . 


CAY 





۵ الإامتام البخحاري 


١5‏ ۵ھ 





هو أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بردزبه 
ببخارى يوم الجمعة ١‏ شوال ١95‏ وبدأ بحفظ الحديث وهو لما يبلغ 
العشر سنين» ثم دأب عليه ورحل في طلبه حتى طاف أشهر الأمصار 
الإسلامية التى عرفت بالحديث وكما قال هو نفسه: «دخلت الشام ومصر 
والجزيرة مرتين» وإلى البصرة أربع مرات» وأقمت بالحجاز ستة أعوامء ولا 
أحصي كم دخلت إلى الكوفة وبغداد مع المحدثين» وكان لا يسمع بشيخ 
6 الحديث إلا رحل إليه وا ختبره وتال عله وال منه) وكان | قي 
الحفظ وقوة الذاكرة والبصر بعلل الأسانيد ومتونهاء وقصته فى بغداد حين 
أمتحنه علماوها مشهورة تدل على مبلغ حفظه وإمامته في هذا اله وقد 
كافأه الله على صبره وجلده وتحمله المشاق في سبيل السنة بإقبال التاسن 
عليه وإشادتهم بذكره وفضله» قال محمود بن الناظر بن سهل الشافعى : 
«دخلت البصرة والشام والحجاز والكوفة ورأيت علماءهاء كلما جرى ذكر 
محمد بن إسماعيل البخاري فضلوه على أنفسهم»» وكان قد سمع مرة 
شيخه إسحاقف بن راهويه يقول لتلا ميذه : الو جمعتم كتابأ مختصراً لصحيح 
سنة رسول الله كَلِِ؟) قال البخاري: «فوقع ذلك في قلبي فأخذت في جمع 
الجامع الصحيح» وقد أمضى في خا ف مقر هاما ء 
وما وضع فيه حديثاً إلا بعد أن يغتسل ويصلي ركعتين» ثم يستخير الله 
تعالى في وضعه› ولم يخرج فيه إلا ما صح عن رسول الله م بالسند 


2 


المتصل الذي توفر في رجاله العدالة والضبط واللقياء ولم يكن يكتفي 
بإمكان معاصرة التلميذ للشيخ» بل لا بد من ثبوت سماعه منه ولقياه له. 
وبهذا كان أول كتاب فى السنة على هذه الشروط الدقيقة» تجرد من 
الأحاديث الضعيفة الي واقتصر على الأحاديث الصحيحة فقط». وقد 
بوبه البخاري على أبواب العلم والفقهء إلا أنه دقيق النظر جداً بعيد الغور 
في الاستنباط» فجاءت تراجم أبوابه وموافقة الأحاديث للترجمة غامضة في 
بعض الأحيان» فقد تطلب حديثاً في باب فلا تجده» بل تجده في باب آخر 
خط في الك يوقت زكر “فيه عرفا الموقوق والمعلق :فقاو الصا 
والتابعين 0 العلماء» كما جرى على تقطيع الحديث إلى أقسام يذكر في 
كل باب القسم الذي يناسبهء تبلغ أحاديثه على ما ذكر ابن حجر في مقدمة 
«فتح الباري» (۷۳۹۸) بالمكرر» سوى المعلقات والمتابعات والموقوفات› 
وبغير المكرر من المتون الموصولة .)۲۹٠۲(‏ ولما أتم تأليفه وتمحيصه 
عرضه على أحمد وابن معين وابن المديني وغيرهم من أئمة الحديث 
فاستحسنوه وشهدوا له بالصحة إلا في أربعة أحاديث» وقال العقيلى: 
االقول ينها فول الخاريةء .ولما احرسم للا را ورت وه طاو د 
الآفاق أمره» فهرع إليه الاتن ن كل ف ر عة ج جلع من اده 
نحو من مائة ألف› وانتشرت نسخه في الأمصار» وعكف عليه الناس حفظا 
ور وا و وكان فرح أهل العلم به عظيماً. قال الذهبي: 
«وأما جامع البخاري الصحيح» فأجل كتب الإسلام وأفضلها بعد كتاب الله 
تعالى . فلو رحل الشخص لسماعه من ألف فرسخ لما ضاعت رحلته». 


وقد انتقده الحفاظ فى عشرة أحاديث ومائة» منها ما وافقه مسلم على 
تخريجه وهو (YY)‏ يا ومنها ما انمرد بتخريجه وهو (VA)‏ حديثاً قال 
عنها الحافظ ابن حجر في المقدمة: «وليست عللها كلها قادحة» بل أكثرها 
الجواب کله ظاهر› والقدح فيه مندفع › وبعضها الجواب که محتمل 
واليسير منه في الجواب عنه تعسف» ومن راجع هذه الأحاديث التي انتقدت 


Ao 


وإنما هو نقد شكلي ناشئ عن شدة حذر العلماء ويقظتهم كاعتراضهم على 
حديث بأنه مرسل مع أن صورته صورة المرسل» أما في الواقع فهو 
موصول معروف الوصل عند المحدثين. ومثل حديث يرويه بعض الرواة 
مرسلاً وهو من رواية أقرائه متصل» ولكن البخاري يذكر الروايتين معا لدفع 
ما توهم الرواية الأولى eT‏ بأن هذه العلة غير قادحة. 

هذه أمثلة من النقد الذي وجه إلى أحاديث الصحيح» وقد بسط القول 
فيها ابن حجر في مقلمته. 

أما رجال الصحيح» فقد ضعف الحفاظ منهم نحو الثمانين» ولكن 
أكثرهم من شيوخه الذين لقيهم وجالسهم وعرف أحوالهم واطلع على 
أحاديثهم فهو بهم وبأحوالهم - أعرف ولهم أخبر» ومما يدلك على أن 
هذا النقد ‏ سواء كان للرجال أو للأحاديث ‏ لم يؤثر في قيمته العلمية 
إجماع العلماء على تلقيه بالقبول» واتفاق جمهورهم أنه أصح كتاب بعد 
كتاب الله تعالى» وقد اختلفوا فيما بينهم هل يفيد القطع بصحة ما فيه من 
الحديث؟ فجزم ابن الصلاح بحصول القطع» وخالفه النووي فقال: إنه لا 
يفيد إلا الظن» ولو بلغ أعلى درجة في الصحةء وهو مذهب الجمهورء 


توفى البخاري ر -حمه الله E‏ ا 


هذا ولم يعن علماء الإسلام بكتاب ‏ بعد القرآن ‏ كما عنوا بصحيح 
عدداً كيرا 00 وخنيلك أن تعلم أن عدد شروحه فحسب بلغت اثنين 
والفاتسة فرحا كما كر ذلك صاخب كشك الظكون). ومن أشهير هذه 
الشروح أربعة: شرح الإمام بدر الدين الزركشي واسمه «التنقيح» ( 44لاه), 
وشيخ الإسلام ابن حجر ( ۲١۸۵ه)‏ في «فتح الباري»» وهو أجل هذه 
الشروح وأوفاها وأكثرها شهرة وفائدة. والعلامة العيني الحنفي ( 4855 ه) 
2 «عمدة القاري»» والجلال السيوطي ( ١١4ه)‏ في «التوشيح». 


)١(‏ مقتبسة من مقدمة فتح الباري وغيرها. 


A٦ 





9 الإمحام مسام 





هو مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري أحد أئمة الحديث 
ومشاهيره» ولد سنة ۲٠٤‏ بنيسابور» وطلب العلم منذ الصغر ثم رحل إلى 
أقطار الإسلام فزار العراق والحجاز والشام ومصرء وأخذ عن شيوخها من 
مشايخ البخاري وغيره» وكان شديد الحب للبخاري» شديد التقدير له» وقد 
اقتدى به في وضع صحيحه» إلا أنه حصل بينهما جفاء في آخر أيامهماء 
وتوفي بنيسابور سنة 1١‏ آه. 


غا ق 

١‏ اشتراط البخاري اللقاء فين الراوي دول الاكتفاء بالمعاصرة. بینما 

؟ ‏ دقة فقه البخاري واحتواء صحيحه على استنباطات فقهية لا توجد 
اح 0 

۳ - تحرّي البخاري في أمر الرجال» حتى إن الذين تكلم فيهم 
الحفاظ ‏ على ما في كلامهم من مجال للنقاش - بلغوا ثمانين» وقد بلغ 
الذين تكلموا فيهم من رجال مسلم مائة وستين» ومع أن البخاري لم يكثر 
من إخراج حدیثهم › وأغلبهم من شيو خه الل يعرف دخائلهم أكثر من 
غيره . 


CAY 


؛) ‏ قلة الأحاديث التى انتقدت على البخاري من جهة الشذوذ 
والإعلال بالنسبة لما انتقد على مسلمء فمل بلغت عند البخاري ‏ وحده ‏ 
ثمانية وسبعين » وقد بلغت عند مسلم ‏ وحده ‏ مائة وتلا نين . 


من أجل هذاء ذهب أكثر العلماء إلى ترجيح صحيح البخاري مع 
اتفاقهم جميعاً على أن البخاري أجل من مسلم في علم الحديث وأعلى 
كعباً وقد اعترف له مسلم بذلك. وقد روى مسلم عن البخاري». ولم يرو 
البخاري عن مسلم شيئا . 
نعم يمتاز صحيح مسلم على البخاري بأمور فنية ترجع إلى التأليف. 
فمسلم لم يقطع الحديث ولم يكرر الإسنادء وإنما جمع ما ورد في 
الحديث كله في باب واحد» جمع فيه طرقه التي ارتضاهاء وأورد أسانيده 
المتعددة وألفاظه المختلفة» مما جعله أسهل تناولا على الطالب من صحيح 
البخاري كما أنه جعل لكتابه مقدمة نفيسة بين فيها ما دعاه لجمع الصحيح 
ومنهجه فيه» وما أجمل ما قيل فيهما: 
قالوا: لمسلمفضل فا الببيوشيازى اعباس 
الوا الم كرو ب فاك الك ر خاي 
بلغت أحاديثه دون المكرر أربعة آلاف» وبالمكرر .۷۲۷١‏ وقد شرحه 
كثير من الأئمة الحفاظ وذكر منها صاحب «كشف الظنون» خمسة عشر 
شرحاً من أشهرها شرح الإمام الحافظ أبي زكريا يحيى بن شرف النووي 
الشافعى ( 505 ه)» وقد اختصره اا عدد من العلماء ومن أشهر 
ا ١اتلخيص‏ كتاب مسلم وشرحه) لأحمد بن عمر القرطبي (۔ ٦٥٦ھ(‏ 
ومختصر الحافظ زكي الدين عبد العظيم المنذري ( ٦٥ھ(‏ . 


oY FF 


)١(‏ تهذيب الأسماء للنووي ۸٩۹/۲‏ ومفتاح السنة ص45. 


CAA 





۷ الإمتام النتان ننه 


A‘ _ | 





هو أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب الخراساني الحافظ» إمام عصره 
في الحديث وقدوتهم في الجرح والتعديل» ولد سنة ١١5‏ بنساء بلدة 
مشهورة في خراسان» سمع من أئمة الحديث بخراسان» والحجاز والعراق 
ومصر والشام والجزيرة» وكان شديد التحفظ والورع. بارعا فى علوم 
الحديث حافظاً متقناً حتى نقل الذهبي أنه كان أحفظ من الإمام مسلمء 
وتوفي رحمه الله بالرملة سنة ۳٣١٠ه.‏ 


لف السياتن تمكقه الفيرق 81 آولا مشتملة على الصحيح والمعلول. 
ثم اختصرها في «السنن الصغرى» وسماها «المجتبى» وهي تلي الدرجة 
کاب محتصر اة ازهر الوا على المجتبى». وكذلك اتف الحسن 
محمد بن عبد الهادي السندي الحنفى (- ۳۸١١ه)‏ اقتصر فيه على ما يحتاج 
إليه القارئ والمدرس من ضبط اللفظ وإيضاح الغريب"'' . 


)١(‏ تهذيب الأسماء للنووي 84/7 ومفتاح السنة ص9/. 


۸۹ 





۸ الامحام أبوداود سنه 





هو سليمان بن الأشعث بن إسحاق الأسدي السجستاني» ولد سنة 
05 ورحل في طلب العلم إلى العراق والشام ومصر وخراسان» وكتب 
عن شيوخها كما أخذ عن مشايخ البخاري ومسلم كالإمام أحمد وابن أبي 
شيبة وقتيبة بن سعيد وغيرهم» وأخذ عنه النسائي وغيره» أثنى عليه العلماء 
بالحفظ والعلم والفهم مع الورع والدين» قال فيه الحاكم أبو عبد الله : «كان 
أبو داود إمام أهل الحديث في عصره بلا مدافعة» توفي بالبصرة سنة ۲۷۵١‏ 
رحمه الله» انتقى سننه من خمسمائة آلف نحديث» فبلغت أربعة آلاف 
وثمانمائة حديث» وقصرها على أحاديث الأحكام وبذلك كان أول من الف 
في الأحكام من أصحاب السنن والصحاح» وسننه جامعة للأحاديث التي 
اسكدل: نينا ققيناء الأمضباد وبنوا عليها الأحكام» ولذلك قال الإمام أبو 
سليمان الخطابي في معالم السئن"'': «اعلموا رحمكم الله أن كتاب السئن 
لأبي داود كتاب شريف لم يصنف في علم الدين كتاب مثله» وقد رزق 
القبول من كافة الناس فصار ححَكماً بين فرق العلماء وطبقات الفقهاء على 
اختلاف مذاهبهم» فلکل فيه ورد» ومنه شرب» وعليه معول أهل العراق 
وأهل مصر وبلاد المغرب وكثير من أقطار الأرض» فأما أهل خراسان فقد 
أولع أكثرهم بكتاب محمد بن إسماعيل ومسلم بن الحجاج ومن نحا 
نحوهم في جمع الصحيح على شرطهما في السبك والانتقاد؛ إلا أن كتاب 


.١18ص‎ (۱) 


۹۰ 


أب داود أحسن رصفاً وأكثر فقهاً. وكتاب أبي عيسى (الترمذي) أيضا کات 
حسن ) . 

«وطريقته في تأليف سننه ما أخبر عن نفسه» كما نقله ابن الصلاح في 
0000 «ذكرت فيه الصحيح وما أشبهه وقاربهء وما كان في كتابي من 
حديث فيه وهن شديد فقد بينته» وما لم أذكر فيه شيئا فهو صالح. وبعضها 
أصح من بعض»“ وقال عنه ابن منده: «إنه يخرج الإسناد الضعيف إذا لم 
يجد في الباب غيرة لأنه أقوئ عنذه .من رأي الرجال» . 

هذا وقد شرح سننه كثير من أهل العلمء منهم الخطابي (- ۳۸۸ه)ء 
وقطب الدين اليمنى الشافعى ( ”5/اه) وشهاب الدين الرملى ( 855ه) 
واختصرها الحافظ المنذري ( 151ه) وهذب المختصر ابن القيم 51لاه) 
وقد شرحه شرف الحق العظيم آبادي وسماه «عون المعبود»» ومن 
المعاصرين الشيخ محمود خطاب السبكي في شرح مستفيض . 


#0 4 ¥ 


)۱( ص ۱۸. 

(۲) طبعت أخيراً فى القاهرة «رسالة أبى داود إلى أهل مكة» وغيرها يذكر فيها طريقة تأليفه 
السئن واختياره الأحاديث» وهذا القول وارد فيهاء [وقد طبعها فضيلة الأخ الدكتور 
محمد بن لطفي الصباغ للمرة الرابعة سئة ١417‏ وفيها زيادات كثيرة في التحقيق]. 


٤۹۱ 





۹ الإمتام اللرمدهك وجامعه 


V* _ °۹ 





هو أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة السلمي الترمذي» ولد بترمذ 
سنة 25١9‏ وذكر ابن الديبع الشيباني في مقدمة تيسير الوصول أن ولادته 
كانت سنة ١٠٠ه»‏ أخذ الحديث عن كثيرين» منهم: قتيبة بن سعيدء 
وإسحاق بن موسى» وسفيان بن وكيع» ومحمد بن إسماعيل البخاري 
وعيرهم . 

رخل إلى الآفاق 4 بواحد عن :الخراساليين والعراقيية والحجازنيةة 
حتى غدا إمامأ في الحديث جمع إلى الدين والورع الحفظ والثقة» قال أبو 
يعلى الخليلي: «ثقة متفق عليه ويكفي في توثيقه أن إمام المحدثين 
محمد بن إسماعيل البخاري كان يعتمده ويأخذ عنه)» توفي رحمه الله بترمذ 


ا ۹ 


ألف الترمذي جامعه على أبواب الفقه وغيره» واشتمل على الصحيح. 
والحسن» والضعيف. مع بيان درجة كل حديث في موضعه» وبيان وجه 
ضعفه» وبين مذاهب الصحابة وعلماء الأمصار فى كل المسائل التى عقد 
لها أبواباء ومن ميزاته أنه أفرد في آخره فصلا للعلل جمع فيه قواعد 

وقد شرحه كثير من العلماء منهم: أبو بكر بن العربي ( 57 0ه)., 
ومنهم: الجلال السيوطي› وابن رجب الحنبلي (30لاه) وعبد الرحمن 
المباركفوري الهندي (١۳١١٠ه)‏ وسماه «تحفة الأحوذي». 


.١١١/۳ تهذيب الأسماء واللغات للنووي» وميزان الاعتدال للذهبي‎ )١( 


۹۲ 





٠١‏ - الإمحام ابن مَابح هو سَلنه 





هو أبو عبد الله بن يزيد بن ماجه الحافظ› ولد سنة ۲٠۷‏ وطلب علم 
الحديث ورحل في طلبه حتى سمع أصحاب مالك والليث بن سعد» روى 
عنه خلائق كثيرة» يقول عنه أبو يعلى الخليلي القزويني: «وكان عالماً بهذا 
الشأن صاحب تصانيف منها التاريخ والسنن وارتحل إلى العراقين ومصر 
والشام»» وقال ابن كثير: «صاحب السئن المشهورة وهي دالة على علمه 
وعمله وتبحره واطلاعه واتباعه للسنة في الأصول والمروع». ويشتمل على 
انان اا والب وما باب وغل ار الف ديق كلها 
جياد سوى اليسيرة» توفي رحمه الله سنة ۲۷۳ . 
درجة سننه: 

كان كثين هخ القدماء: والمتاهرين: عدون أضول كت الحدية هة 
البخاري ومسلم والنسائي وأبي داود والترمذي» ولكن بعض المتأخرين 
أضاف إليهم ابن ماجه لأنهم رأوا كتابه عظيم الفائدة في الفقه» وأول من 
فعل ذلك الحافظ أبو الفضل محمد بن طاهر المقدسى ( ٠ا١5ه)ء‏ إلا أن 
مم خالقه في الك وان ا بحل الما كات الناوفيي». لأ ابد 
ماجه أخرج أحاديث عن رجال متهمين بالكذب وسرقة الأحاديث» وقال 
اخرون: يجب أن يحون السادس هو الموطاً لصحته وجلالته» وسنن ابن 
ماجه دون السنن الثلاثة في الدرجة» قال السيوطي في (اشرح المجتبى) : 


.67/١١ البداية والنهاية لابن كثير‎ )١( 


۹۲ 


«تفرد فيه بإخراج أحاديث عن رجال متهمين بالكذب وسرقة الأحاديث› 
وبعض تلك الأحاديث لا تعرف إلا من جهتهم مثل حبيب بن أبي حبيب 
كاتب مالك» والعلاء بن زيد وداود بن المحبّر وعبد الوهاب بن الضحاك 
وغيرهم) . 

شرح سننه كثيرون» منهم محمد بن موسى الدميري (١/ه)‏ 
والسيوطي ی ((مصباح الزجاجة على سنن ابن ماجه) . 

هذا ما أعان الله على تأليفه وتدوينه» فله الحمد فى الأولى والآخرة. 
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه م والحمد لله رب 
العالمين . 


+ # § 


منى نسد هذه الشخرة؟ 
تعد ۲ د 
لا.. يا عدو الله! 


سنطاردك بالحق حتى برغم الله أنفك 





من طالع تاريخ الإسلام منذ بعث الله به محمداً بل حتى اليوم» يرى 
ظاهرة واضحة كل الوضوح» وهي أن الإسلام ما برح يخوض معارك 
متعددة النواحى» تستهدف القضاء عليه أو تشويهه أو صرف المسلمين عنه»› 
ول کی ج ج اا ا را را المحكم كه 
تتسم من جهة المسلمين بالبراءة والغفلة عن هذه المؤامرات». والدفاع 
العفوي دون إعداد سابق أو هجوم مضادء ولولا أن الإسلام دين الله الذي 
تكفل بحفظه لكانت بعض مؤامرات أعدائه كافية للقضاء عليه وانمحاء أثره. 

ومن الواضح أن المؤامرات العدائية للإسلام تلبس في كل عصر 
لبوسهاء فهي حين يكون المسلمون أقوياء تأخذ طريق التهديم الفكري 
والخلقي والاجتماعي» وحين يكونون ضعفاء تتخذ طريق الحرب والتجمع 
وتستهدف الإبادة والإفناء» فإذا عجزت طريق الحرب عن تحقيق أهدافها 
انقلبت إلى طريق فكري خداعء تستهوي عقول الغافلين أو المغفلين» فينبت 
للإسلام في داخل أسواره نابتة تنحرف شيئاأ فشيئا عن عقيدة الإسلام 
السمحة»ء المشرقة» المحررة حتى تنتهي إلى عقائد» وأفكار تخالف المبادئ 
الأساسية للإسلام» وتحقق الأهداف الرئيسية التي يسعى إليها أعداؤه من 
حيث يبدو أنهم لا علاقة لهم بهذا التخريب والتهديم. 

إن التشكيك في السنة النبوية الصحيحة التي تذعن لها جماهير 
المسلمين» والتي أقامت صرح الفقه الإسلامي العظيم الذي لا تملك أمة 
من أمم الأرض عشر معشاره» هو مثل بارز لمحاولات أعداء الإسلام في 
القديم والحديث» فقد أخذت هذه المؤامرة طريقها إلى عقول بعض الفرق 
الإسلامية في الماضي» كما أخذت طريقها إلى عقول بعض الكتاب 


۹۷ 


الإسلاميين أمثال أحمد أمين فى الحاضرهء إنها مؤامرة لا ريب فيهاء 
فالمستشرقون اليهود واللاهوتيون المتعصبون يلحون عليها إلحاحاً شديداً في 
كل ما يكتبون» وأقسام الدراسات الإسلامية في الجامعات الغربية توجه 
أنظار طلابها المسلمين إلى هذا الموضوع توجيها دقيقأء وتأبى لأي طالب 
منهم أن يكون موضوع رسالته الجامعية دحض الافتراءات التي يملؤون بها 
| لالأسعسماء أن اتصلت 5 فتاة الا ما لته ا قسم 
الدراسات الإسلامية فى جامعة فرانكفورت تطلب إلى دلالتها على بعض 
المراجع التي تساعدها في كتابة رسالتها الجامعية التي أصر رئيس ذلك 
القتسم أن يكون موضوعها «أبو هريرة» وقد طلب إليها بحث عدة نواح في 
هذا الموضوعء منها: ما قيل عن أبي هريرة وما نسب إليه من الكذب» وما 
قالته فيه بعض الفرق الإسلامية غير أهل السنةء» وهكذا. . 


ومنذ بضع سنوات عقد مؤتمر للدراسات الإسلامية فى «لاهور) 
يعاكستان حضره علماء مسلمون من مختلف البلاد الإسلامية ومن بيهم 
علماء من سورية ومصر» كما حضره قدة قرة المستير قي وقد ظهر 
للعلماء المسلمين أن هؤلاء المستشرقين هم الذين أوصوا بفكرة عقد هذا 
المؤتمر» ودعوا إليه عدداً من تلاميذهم الفكريين في الهند وباكستان» وكان 
أشدهم تعصباً وأكثرهم جهلا ‏ باعترافه هو بعد أن ألقى بحثه - المستشرق 
الكندي االسميث) ولعله يهودېي › وكان مما ألح عليه ال قول يومئذ 
بحث السنة والوحى النبوي ومحاولة اخضاعهما لقواعد العلم كما يزعمون. 
وقد انقهدى بعص تلامذتهم ا إنكار الوحي كمصدر للوسلام واعتبار 
الإسلام أفكاراً إصلاحية من محمد كَكلَ! . . 
المثقفين المسلمين بدؤوا يدعون إلى إلغاء اعتبار السئة مصدراً من مضادر 


التشريع الإسلامي» وتبين بعد ذلك أن هؤلاء من تلاميذ ذلك المستشرق 
الكتدقع ست :. 


ولما وضع أيوب خان دستوره الذي فرضه على الباكستان جعل من 
مواده تأليف لجنة من علماء المسلمين لعرض القوانين التي يصدرها البرلمان 
الباكستاني على هذه اللجنة لتحكم إن كانت موافقة للإسلام أم لا ومعلوم 
أن هذه المادة إنما وضعت لإرضاء الرأي العام الإسلامي في الباكستان - 
ولما وضع الدستور موضع التنفيذ تألفت اللجنة المذكورة آنفا وكان كل 
أعضائها من تلامذة المستشرق «سميث» وليس من بينها عالم من علماء 
المسلمين في الباكستان . 

وحين ألّف بعض الجاهلين المغرورين كتاباً عن السنة ينتهي إلى 
التشكيك بالسنة كلها ويفيض بالحقد البذيء على أكبر رواتها من الصحابة 
وهو أبو هريرة رضي الله عنه تلقفت الجهات الأجنبية الاستعمارية هذا 
الكتاب فبعثت به إلى جميع الجامعات الغربية كما حدثني بذلك عدد من 
مختلف طلابنا المسلمين في أوروبا في الصيف الماضي . 

إن أي واع منصف يتتبع هذه الحوادث لا يشك في أنها حلقة مترابطة 
الأجزاء من سلسلة التآمر على السنة النبوية وعلى أكبر رواتها ومحدثيهاء 
ومع ذلك يلذ لبعض أفراد الفرق الإسلامية التي لها رأي خاص في أبي 
هريرة أن يكتبوا عنه في هذه الأيام كتبا خاصة تفيض بالروايات الموضوعة 
التي تجرح هذا الصحابي الجليل» كما فعل «عبد الحسين» في كتابه «أبو 
هريرة؟ . 

ونسوق مثلا آخر على يقظة أعداء الإسلام وإحكام المؤامرات عليه 
وهو استغلال الخلاف الذي وقع في صدر الإسلام بين الصحابة رضوان الله 
عليهم حول الخلافة» أن مثله يقع في كل أمة وفي كل عصرء ولكنا لم نر 
أمة من الأمم عنيت بمثل هذا الخلاف أربعة عشر قرناً!. . 

إن المؤامرة تبدأ من اليهودي الماكر عبد الله بن سبأ ثم يتلقفها قادة 
الفرس الوثنيون الذي خلص الإسلام شعوبهم من حكمهم الظالم وعقيدتهم 
الوثنية» وفتح عقولها وعيونها لرؤية النور والتعرف إلى الحق» فهؤلاء حين 
انهزموا أمام كتائب الجيش الإسلامي المنقذ لم يجدوا وسيلة للانتقام من 


۹4۹ 


هؤلاء المحررين إلا أن يشوهوا سمعتهم وسيرتهم في بث الأخبار الكاذبة 
عنهم مما يزري بمكانتهم حقاً لو صحت هذه الأخبار» ومما يحط من شأن 
هذا الدين وحضارته إذ كان هؤلاء حملته وقادة جيوشه». وليس أدل على 
ذلك من أن نقمة أولئك الحاقدين قد انصبت على مفاخر الحضارة الإسلامية 
علماً وحكماً وقيادة» أي على جميع القادة العسكريين الذين خلصوا العراق 
من حكم الفرس وعلى رؤسائهم الإداريين الذين كانوا يوجهون هذه 
الحملات التحريرية» وعلى علمائهم الذين نشروا علم الإسلام وشريعته 
وأدوا أمانة العلم إلى من بعدهم بتجرد لا يعرف أولئك الحاقدون له مثيلا 
في تاريخهم أو تاريخ غيرهم. 

لقد حصل هذا كله وأثر أثراً بالغ في تشتيت كلمة المسلمين ووهن 
قوتهم فيما بعدء وكان الظن أن يعي المخلصون المثقفون من المسلمين في 
هذا العصر هذه الدروس المؤلمة» ولكن للأسف فإن كثيراً من هؤلاء لم 
يمسكوا القلم ليرفعوا أمتنا من حضيض الجهالة والتأخرء وليدفعوها إلى 
ميادين العلم والقوة والحضارة» بل أعادوها جذعة من جديد» فاقتصرت كل 
كتاباتهم وأقاصيصهم على تصوير الخلاف القديم بأسلوب يزيد في الفرقة. 
ويؤجج نار الضغائن» ويشمت أعداء الإسلام بناء ويحقق لهم أهدافهم في 
منعنا من الالتقاء من جديد على الحب والخير والتعاون على البر والتقوى. 
ولو سألت هؤلاء الذين يزيدون النار اشتعالاًء فيم هذا الجهد الضائع؟ وفيم 
هذه المساعي التي تلهي أمتنا عن بناء المجد من جديد» وعن تحرير 
أوطانها من الاستعمار وآثاره» وتمكن للاستعمار الجديد أن يتمم رسالة 
الاستعمار القديم في إذلالها واستلاب خيراتها والحيلولة دون تجمعها 
ووحدتها؟ لو سألتهم فيم هذا كله لما كان لهم إلا جواب واحد: إننا ندافع 
عن حق سلب من أصحابه!.. هل في تاريخ العالم كله أن أمة شغلت 
بنزاع بين أجدادها مضى منذ أربعة عشر قرناً وقد انتهوا إلى ذمة الله وهو 
وحده الذي يحكم بينهم فيما كانوا فيه يختلفون؟ هل في العالم اليوم أمة 
تحترم نفسها وتغار على كرامتها تشغل بخلاف عفى عليه الزمان عن أخطار 
محدقة بها من كل مكان؟ 


هذه بعض الأمثلة على يقظة أعدائنا وسهرهم على إحكام المؤامرات 
على أمتنا وشريعتنا وتاريخناء وغفلتنا نحن عن ذلك كلهء وانسياقنا مع 
الأهواء والعراطف التي يعرف أعداؤنا كيف يثيرونها بيننا في كل عصر بما 
يلائم روح العصر ومقتضيات مصالح أولئك الأعداء. . 

ترى» كم فاض تاريخ الإسلام بهذه الظاهرة المؤلمة: يقظة أعدائه 
ودأبهم على حبك المؤامرات لتهديمه» وغفلة أبنائه عن ذلك كله فلا 
يشعرون بالخطر إلا بعد أن يقع بهم فعلاء وبعد أن تنهكهم الجهود في 
دفعه وتقليل أخطاره؟ أهو ناشيء من براءة الإسلام وخبث أعدائه؟ أم هو 
ناشئ من طبيعة الخير وطبيعة الشر في كل زمان؟ أم هي طبيعة العصور 
الماضية التي لم تكن تتقن وسائل اكتشاف المؤامرات والجرائم والخيانات؟ 
قد يكون من هذه الأمور كلهاء فهلا آن الأوان لأن تقوم فينا مجامع 
ومؤسسات لتتبع آثار المؤامرات وأهدافها ووسائل تنفيذهاء كما تقوم في كل 
دولة من دولنا الآن دوائر لتتبع آثار المؤامرات السياسية والعسكرية على 
أوطانها وشعوبها؟ 

إن استمرارنا في هذه الغفلة جريمة لا يغفرها الله» ولا يعذرنا فيها 
التاريخ» ولا يحترمنا معها الأحفاد» ولو أن دولة إسلامية خصصت عشر 
ميزانيتها لفضح هذه المؤامرات لكان لها أعظم شرف في تاريخ الإنسانية : 
شرف القضاء على الشر المتربص بالخير تربصا يؤدي إلى شقاء الإنسانية 
ودمارها. 

وهل لنا أن ننادي جميع عقلاء المسلمين ومفكريهم وكتابهم ‏ ممن لا 
يتاجرون بالخلافات المذهبية ‏ بأن يلتقوا من جديد على كلمة سواء: أن 
يدفنوا آثار الماضي كله» وأن يعملوا على ما يدفع عن أمتهم الأخطار 
المحدقة بهم من كل مكان» متعاونين بصدق وإخلاص» تعاون الذين لا 
تعرف الأهواء إلى قلوبهم سبيلاء ولا الدسائس إلى عقولهم منفذاًء وأن 
يجعلوا قدوتهم محمداً ييو وهدفهم تخليص المسلمين من أوزارهم 
وأغلالهم. وتبليغ رسالة الإسلام ونشر هدايته ونوره في العالمين» حتى لا 
تكون فتنة ويكون الدين كله لله؟ اللهم إننا بلغنا فاشهد. . 


له 





اطلعت على كتاب لرجل يدعى «محمود أبو ريه» زعم فيه أنه يمحص السنة 
مما علق بها تمحيصاً علمياً دقيقاً لم يسبق إليه! فلما اطلعت على كتابه 
هالني ما رأيت فيه من تحريف للحقائق وتلاعب بالنصوص وجهل بتاريخ 
السنة وشتم وتحامل على صحابة رسول الله ييه من كبارهم كأبي بكر وعمر 
والهداية› ذلك هو نو هريره رصي الله عنه فخلصت من فراءتي لذلك 
هدم كيان السنة النبوية». وعلى تشويه سمعة صحابة رسول الله الذين حملوا 
الا علمه وهدايته. وبذلوا في سبيل ذلك أوقاتهم وجهودهم ودماءهم 
التى ينقلها جرأة لم يصل إلى قلة الحا فا كار المس شر فين اللاهر تين 
المتعصبين» وأنه مع ذلك قليل الأدب بذيء اللسان يسعى إلى الشهرة عن 
هذا الطريق كما سعى إليها ذلك الأعرابي الذي بال في بئر زمزم في موسم 
ولو باللعنات! فحملتني أمانة العلم على أن أتعرض بلمحة خاطفة له 


م 


ولكتابه بينت فيها جهلهء وافتراءه على الله» وعلى رسوله» وعلى العلم 
والعلماء» وتحريفه لنصوصهم وأقوالهم» كما بينت أنه ليس لكتابه أي قيمة 
علمية وكيف؟ وهو مملوء بالأكاذيب والمفتريات» وكشفت عن مدى غروره 
فى زعمه أن كتابه لم يسبق له مثيل» وأنه كان يجب أن يؤلف مثله قبل 
ألف سنة!. ولكن حملة العلم من التابعين والأئمة المجتهدين وعلماء الفقه 
ورجال الحديث خلال ألف سنة لم يوهبوا ذكاء كذكائه الذي ادخره الله له 
وحده دونهم منذ الأزل ليكون له شرف هذا البحث العلمي الذي سيغير 
وجه التاريخ› ويقلب: الدراسات: الاسعلامية براسا على عقب ويجعل 
المستشرقين!» ورواد الثقافة الحديثة يتجهون إليه كمجدد مصلح للإسلام في 
آخر الزمان! . . 


وصدر كتابي حين كنت في القاهرة للاستشفاء عام ١937١‏ فصعق 
الرجل لهء لا لأنه كشف عن أخطائه وجهلهء فهو لا يهمه الصواب 
والخطأء والعلم والجهل» بقدر ما يهمه أن يستمر في أداء خدمته لأعداء 
السنة خاصة» وأعداء الإسلام عامة» من هؤلاء المستعمرين الذين ما 
برحوا يسعون لتهديم الإسلام بكل وسيلة». وقد كانت وزارة الثقافة 
والإرشاد القومي في مصر على وشك أن تطبع له في سلسلة «المكتبة 
الثقافية» ‏ كتابا مختصرا لكتابه ذاك. فلما اطلع المسؤولون فيها على ما 
كتبته في الرد عليه أبلغوه رفضهم لطبع كتابه» وبرغم كل ما بذل من ماء 
وجهه ‏ إن كان في وجهه من ماء الحياء شىء ‏ فقد باءت مساعيه 
بالفشل» وانكشف لمن كانوا يخدعون بزيه العلمي من جبة وعمامة أنهم 
قد استسمنوا ذا ورم. وأنه كان يحاول خداعهم كما حاول أن يخدع 
بكتابه جمهور المسلمين يعو الله لين ءامنا وما دعوت إل 
نشَهُمْ وكا منفقة 62 فى وهم ترس فراشم اله مسا وَلَهُمَ عَدَابُ 
آي بىا كا يكذ 4029 [البقرة]. 

وعاد الرجل إلى بيته يجتر أحقاده التي جمعها أخيراً في كتاب له 
من جديد يكرر فيه شتم الصحابي الجليل أبن هريرة رضي الله عنه» 


م 


ويصر على الباطل بعد أن حاولنا أن نردعه عنه بالحجة والمنطق 
وناقشنا أدلته وما فيها من كذب وتهافت وافتراء على التاريخ وعلى 
العلماء . 


وسأترك الرد العلمي على كتابه الجديد إلى مكانه في الطبعة الثانية من 
كتاب «السنة» التى ا أن أباشر بها قريباً حين تعن ال على بقدر من 
الصحة يمكنني 0 الإشراف عليها لتلافي الأخطاء المطبعية البالغة التي 
ظهرت في الطبعة الأولى. لكني لا بد من أن أشير في هذه الكلمة إلى 
بعض ما ورد في مقدمة كتابه الثاني . . 


لقد حمل هذا المدعىّ في كتابيه الأول والثاني على الأزهر وعلمائه حملة 
شعواء» وهاجم شهاداتهم ورماهم بالحشوية والجمود وتعفن الأفكارء وقد 
يبدو ذلك غريباً من إنسان يلبس زي علماء الأزهر ويلقب نفسه بالشيخ» 
ولكن الغرابة تزول حين يعلم ‏ كما علمت ذلك من أبناء بلده والمطلعين 
على تاريخ حياته ‏ أنه كان منتسبا إلى الأزهر في صدر شبابه» فلما وصل 
إلى مرحلة الشهادة الثانوية الأزهرية أعياه أن ينجح فيها أكثر من مرةء فلما 
يئس عرض نفسه على جريدة كانت تصدر فى بلده على أن يكون مصححا 
للأخطاء المطبعية فيهاء راسم على :لك ديري الى :وكات كان ا اف 
دائرة البلدية هناك وظل كذلك حتى أحيل إلى التقاعد (المعاش). وكان 
حين ترك الأزهر ‏ أو بالأصح حين تركه الأزهر لغبائه وكسله - يقف على 
قارعة الطريق يتحرش بطلاب الأزهر فيبدي لهم استهزاءه بهم لانقطاعهم 
إلى تعلم الدين وشرائعه» ويرى ذلك دليلا على سخف عقولهمء هذا هو 
أبو رية كما حدثنا عنه أهل بلده من العلماء ورجال الفكر والأدب» لم 
يستطع النجاح في الشهادة الثانوية» ولم يجلس إلى أستاذء ولا أخذ العلم 
عن عالم» وإنما كان صحفياًء أي يأخذ علمه من الصحف كما كان يعبر 
سلفنا الصالح» وقد كانوا لا يرون من فعل ذلك مستحقا للقب طالب 
العلمء ولا أهلاً لأن يعبأ بأقواله وآرائه. وبذلك تعرف سر حقد أبي رية 
على العلماء» وسبب جهله المخجل بفهم النصوص»› وسر جرأته في 


6 


تحريف أقوال العلماء من صحابة وتابعين فمن بعدهم جرأة يه يقدم عليها 


ثم أنه وصفني بأني «شامي» وأن الحماقة التي عرف بها قومي - يعني 
الشاميين ‏ هي التي جعلتني أقف منه هذا الموقف» وأنا لا يهمني أن 
يصفني بالحماقة» فالناس هم الذين يحكمون في هذا الموضوع لا رجل 
موتور مثلهء ولكن الذي يهمني أن أنبه إلى حقيقة دين هذا الرجل الذي 
تمكنت في قلبه الإقليمية البغيضة تمكناً جاهلياًء فلو كان مسلماً حقاً لعلم 
أن بلاد الإسلام كلها وظن :واحد» ولخجل من أن يتحدت عن نفسة .باه 
مصري ويصفني بأنني شامي» على أن الحقائق العلمية لا تقبل من أهل بلد 
وترفض من أهل بلد أخرء ولو كان من أهل العلم لعلم كم أخذ المصريون 
عن الشاميين» والشاميون عن المصريين» والمصريون والشاميون عن 
العراقيين» وهؤلاء جميعاً عن علماء الأقطار الإسلامية الأخرى» وما تعمده 
هذا الرجل هن وض القناضيين د أ سان رة ولان وفلسيطيق: والاردن 
بالاصطلاح العربي القديم وبالاصطلاح المصري المعاصر ‏ بالحمق دليل 
آخر على رقة دين هذا الرجل وحقده وإثارته من جديد ما تركته الفتن 
الدامية في صدر الإسلام من آثار تجاوزت العقائد إلى الآداب فجعلت كتب 
الأدب تطفح بالنوادر عن حماقة أهل الشام وشعب أهل العراق» ثم امتدت 
فرأينا المتنبي يهجو آهل مصر في قصيدته المشهورة» وتطورت في العصور 
المتأخرة إلى أن يهجو أهل كل بلد جيرانهم من البلد الآخرء فليعتبر القارئ 
إلى أي حد بلغ حقد هذا الرجلء وبذاءة لسانه مع أنه يدعي التزام المنطق 
العلمي» والبحث المنهجي . . 


وشىء آخر أن الرجل يكشف عما فى خبيئة نفسه من تهالك على 
الشهرة ولو في الإثم والفجور فقد ادعى أن كتابه الأول أحدث ضجة لم 
يحدثها كتاب عربي من قبل إلا كتاب طه حسين!.. ويفتخر بأن كتباً ألفت 
فى الرد على كتابه وأن مجلات تناولته بالنقد.. هذا هو أبو رية على 
ا جاهل يبتغي الشهرة في أوساط العلماء» وفاجر يبتغي الشهرة بإثارة 


0+0 


أهل الخير. ولعمري إن اش الناس من ابتغى الشهرة عند المنحرفين 


إن هذا الرجل قد اشتهر بلا شك» فكتابه الأول اشترت أكثر نسخه 
إحدى السفارات الأجنبية في القاهرة وأرسلتها لتودع في مكتبات الجامعات 
الغربية فتكون بين أيدي الحاقدين على الإسلام ورسوله وصحابته» يستندون 
إليها فيما أورده في كتابه من أكاذيب وأباطيل» وكتابه الثانى قد اختفى من 
الأسواق تماما برغم حداثة طبعه» ولم نستطع لرن عا نسخة منه إلا 
بواسطة بعض أصدقائنا الشيعة» فليهناً أبو ربة فقد صارت كتبه توزع - 
لوجه الله!. . - في الغرب والشرق» وليفتخر بهذه الشهرة بكل ما يجب من 
تيه واعتزاز» ولكن هل نسي أنه أقسم في كتابه الأول بأنه لا يريد من نشر 
كتابه إلا وجه الحق والوصول إليه؟ فهل حدثت له إرادة الشهرة وحبها وبعد 
أن اشتهر كتابه الأول؟ أم كان يضمرها من قبل ويبدي خلاف ما يظهر؟ 
ومهما يكن من أمر فالله يعلم أننا لسنا له على شهرته من الحاسدين» بل 
من المشفقين المتألمين» ولعله هو لا يصدق منا هذا الكلام» فإن تصديق 
الشيء فرع عن تصوره» وفاقد الشيء لا يعطيه» وحسبنا الله ونعم الوكيل. 


وام الت هو ها كتفت عه مدمه كاه الات سن اتات جديدة 
لحقده على فقد قال: إنه زارنى حين كنت في القاهرة عام ١51١‏ فی 
المستشفى الذي كنت أعالج فيه - وسماه بالمستشفى الإسرائيلي» مع أنه 
المستكنى: العسكرى: د :وانة اسل إليّ بعد ذلك بطاقة تهنئة بالعيد» ومع 
ذلك فلم أقدر له هذا الجميل بل عدت إلى مهاجمته في مقال نشر بجريدة 
«الأهرام» لك وهذا هو أبو رية على حميقته فی شکل اکر رجل 
على الاظل ويطيل لماش محا رسول اه اشا تدعا لاد تسکت 


005 


عنك؟ إنك حاربت الحق» وتجنبت الهدى. وأمسكت المعول فان :ان 
باستطاعتك أن تهدم صرح السنة الشامخ الثابت الدعائم» فكنت بذلك 
عدوا لله لأن الله هو الحق» وعدوا لرسول الله عد لانه رسول ‏ الهدى. 
وا لأعداء الإسلام والله ينهى عن موالاتهم ويأمر بالتنبه واليقظة 
وشعوبيين إلى نحوركم خزايا موثقين بأغلال الجريمة التي تدبرونها في 
الظلام لهذه الأمة ولدينهاء وكلما زدتم في الباطل عناداًء ازددنا بالحق 
استيثاقاًء وعليه ثباتأأ» وعنه دفاعا غير عابئين بغيظكم وحقدكم وشتائمكم. 
مفرطين ولا مستسلمين لوَإِدْ اد أله كى الدِبنَ أُونوا الكتب يسم لاس 
ولا كسمم [آل عمران: ۱۸۷]. «لا تزال طائفة من أمتى - وفى رواية 
وهم من أهل الشام برغم أنف أبي رية ‏ ظاهرين على الحق لا يضرهم من 
خالفهم حتى ا أمر اش وصدق الله ورسوله الكريم . 


بقي أن أقول كلمة عن صدر الدين شرف الدين الذي احتضن كتاب 
أبي رية الجديدء وطبعه» وقدم له واتهمني بأنني سأطعن أبا رية بالتشيع 
كما طعنته من قبل» وزعم أنه وجد فيه العالم المحقق الذي لا يشق له 
انه وقد عذرته في ذلك لأن له معنا قصة تحدثت عنها في العدد التاسع 
من السنة الأولى من مجلة حضارة الإسلام كشفنا فيها عن متاجرته 
بالعصبيات المذهبية كما هو شأن أمثاله» ولأني تحدثت في مقدمة كتابي 


)١(‏ أصل الحديث صحيح . رواه البخاري ومسلم وأحمد. وأما النص على أنها من أهل 
الشام فقد رواها البخاري في تاريخه (انظر تهذيب ابن عساكر لبدران: 55/١‏ وانظر 
أيضاً: زاد المسلم 198/0 نقلاً عن البخاري أنها من قول معاذ بن جبل رضي الله 
عنه» وانظر تخريج أحاديث فضائل الشام ودمشق للربعي للشيخ ناصر الدين الألباني 
ص۸). 


«السنة» عن كتاب أبيه «عبد الحسين» في أبي هريرة» وهو الذي انتهى منه 
إلى تكفير أبي هريرة» وأنه من أهل النار ببشارة رسول الله كَلِ! . هكذا 
فعل (عبد الحسين) مع الصحابي الذي روى أكثر من حديث عن 
رسول الله ية بحبه للحسين وأخيه» واحتضانه لهماء ودعائه لمن يحبهماء 
فلعبد الحسين من الله ما يستحق» ولقد كان كتابه عمدة أبى رية فيما كذب 
به على أبي هريرة» وفيما قاله عنه من بذيء السباب والشتائم: ولقد قلت 
هناك: إن أبا رية قد يرضي الشيعة فيما كتب ‏ ولم أقل: إن أبا رية قد 
تشيع كما زعم صدر الدين ‏ ولكنه بلا شك سيفتح عليهم باب الجدل» 
وسيثير ثائرة الجماهير في العالم الإسلامي الذين يرون في 5 هريرة أكبر 
صحابى حفظ سنة رسول الله كَل ورواها بصدق وأمانة إلى جيل التابعين» 
ا السهل عليهم أن يسمعوا هذا السباب الجارح المقذع في حقه. 
بينما يجب أن تنصب جهود المخلصين من أهل السنة» والشيعة إلى جمع 
الشتات وتوحيد الكلمة إزاء الأخطار المحدقة بالعالم الإسلامي وبالعقيدة 
الإسلامية من أساسهاء وهي تهدد بخروج شباب الشيعة عن دينهم أكثر مما 
تهدد بخروج أهل السنة» وقلت: إنه من العبث أن يتظاهر بعض الناس 
بالرغبة في الوحدة وهم يؤلفون مثل هذه الكتب المثيرة الداعية للشقاق 
والنزاع» كما فعل عبد الحسين نفسه» فقد كنت أتحدث إليه فى «صور» عن 
ضرورة وحدة الصف بين العاملين للإسلام» ووجوب عقد مؤتمر من علماء 
الفريقين لهذه الغاية فكان يبدي حماسا بالغ لهذه الفكرة» بينما كان يطبع 
كتابه عن أبي هريرة للطبعة الثانية» ويبيح لجميع الناس ترجمة كتابه 
بمختلف اللغات ابتغاء الأجر والثواب عند الله تعالى! . . 


هذا ما قلته عن عبد الحسين فى مقدمة كتاب «السنة» ولا شك أن 
لك امنيا فيد ارون 11ل مسي جا END O‏ 
أبوه معجبأ به جد الإعجاب في مقدمة كتاب ولده صدر الدين «حليف 
مخزوم» هذا الكتاب الذي جرد فيه صدر الدين أبا بكر وعمر وكبار 
الصحابة المبشرين بالجنة ممن توفي رسول الله َيه وهو عنهم راض من 


0*۸ 


فضائل الصدق والصراحة والوفاء والإخلاص للحق والغيرة على مصلحة 
الإسلام وهم اموق :سحو فظنا رتنا نر اككررها إقيرانا»: و أخليها اثارا» «وانيله] 
أخلاقاً باعتراف أشد الغربيين تعصباً على الإسلام وحضارته» واتهمهم 
بالمكر والخداع والسعي وراء المصالح الشخصية والكذب على الناس إلى 
آخر هذه الصفات التي يربأ هذا (الصدر): .أن يتحلى بها أدنى الناس منزلة 
وصلة به. وهذا مما حببه إلى قلب أبيه عبد الحسين فيقول في مقدمة 
الكتاب المذكور: «قد قرأت ولدي صدر الدين فيما يقدمه من قصة عمار 
ابن ياسر أو قصة الإسلام في هذا الكتاب» وقرأته مئات المرات قبل ذلك 
ومن مارس كاتبا وكرر قراءته ووقف من حبه والإعجاب به عند حدء فإني 
أشهد أنني مارست صدر الدين وكررت قراءته ولم يقف حبي له وإعجابي 
به عند حد» بل كنت باطراد أجده ناميا صاعداء كل سطر منه يفتح عليّ 
حباً جديداًء ويأخذني منه بإعجاب جديد شديد» بما ينشئ من افاق ويولد 
من أبكار» فالحب والإعجاب متبادلان بين الابن وأبيه» فمن حقنا أن نعذر 
الصدر إذا غضب حين يهاجم الرأس» أما إشادته بعلم أبي رية رغم افتضاح 
جهله وانكشاف كذبهء فلا يخلو بين أن يكون من الجاهلين أو المتحاملين» 
ل ك اة اله اعات الى رك حن رمه :فى البحاضن كما 
رضيت في الماضي أن تكون بالكوارث التي نزلت بهم من الشامتين . 

وأخيراً فلا ندري أي (البطلين) نغبط؟ أنحسد (الصدر) على اهتدائه 
إلى هذا الكنز الثمين والعلم الغزير في (أبو رية)؟ أم نحسد (مجدد 
الإسلام) في القرن العشرين على أنه وجد أخيرا في الا من يقدر علمه 
ويعرف له فضله. ويطبع له کتابه؟ #ومن يش عن ذ ا َيس الم 
ينا كَهوَ لم ن © م لصوم عَنِ اليل 6 نم كدو 
التاق [الزخرف]. 





يه 


3 


آم لجع اكاب 





التفسير وعلومه: 

د جامع البيان عن تأويل آي القرآن» لابن جرير الطبري (تحقيق محمود شاكر). 
ط. دار المعارف بمصر. 

- الدر المنثور في التفسير بالمأثورء للسيوطي. ط. الميمنية 5١1١ه.‏ 

- الإتقان في علوم القرآن. للسيوطي. ط. البابيى الحلبي .٠٠٠٤‏ 

الحديث وعلومه: 

- فتح الباري بشرح صحيح البخاري» لابن حجر. ط. البهية .٠١٤۸‏ 

- هدي الساري مقدمة فتح الباري» لابن حجر. ط. المنيرية .٠١٤١‏ 

- إرشاد الساري على صحيح البخاري» للقسطلاني. ط. البولاقية الخامسة. 

- الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري» للكرماني. ط. المصرية .٠١١١‏ 

- المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج» للنووي. ط. المصرية .٠١٤١‏ 

- فتح الملهم شرح صحيح مسلمء تأليف شبير أحمد الديوبندي. ط. الهند. 

- معالم السئن شرح سنن أبي داودء للخطابي. ط. العلمية بحلب. 

- المنتقى شرح الموطأء للباجي. ط. السعادة .٠١۳١١‏ 

- الفتح الرباني بترتيب وشرح مسند أحمد بن حنبل الشيباني» لعبد الرحمن البنا. 
ط. الإخوان. 

د شيدق اللسائ + “طب المصرية: 

ع سر الت 6 ط. العلمية بمصر .١71١‏ 

- نصب الراية لأحاديث الهداية» للزيلعى. ط. المجلس العلمى بالهند .١51/‏ 

- جامع المسانيدء للخوارزمي. ط. آباد بالهند YY‏ 

- تأويل مختلف الحديث» لابن قتيبة. ط١‏ بمصر .٠١۲١‏ 

- شروط الأئمة الخمسة» للحازمى. ط. القدسى .١701!‏ 

ي ار اق ااا ع او ن ر 2 


01۰ 


البيان والتعريف فى أسباب ورود الحديث» لمحمد بن كمال الدين الحسيني 
شك لقال نقلي البزاء بعلي 1 : 
مفتاح السنة» لعبد العزيز الخولي. ط. التجارية بمصر. 

عقود الجواهر المنيفة فى أدلة أبى حنيفة» للمرتضى الزبيدي. ط. الإسكندرية .٠١١۹۲‏ 
النكت الطريفة فى لذت :غد ردود ابن أبي شيبة على أبي حنيفة» لمحمد 
ل EE‏ 

معرفة علوم الحديث» للحاكم (تحقيق معظم حسين).ط. القاهرة ۱۹۳۷م . 
علوم الحديث (مقدمة ابن الصلاح). ط. الهند. 

الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث» لابن كثير» شرح أحمد شاكر. 
ط۲ حجازي بمصر. 

طرح التثريب شرح التقريب» للحافظ العراقي. ط. مصر. 

فتح المغيث شرح ألفية الحديث للعراقي» للسخاوي. ط. الهند. 

تدريب الراوي شرح تقريب النواوي» للسيوطي. ط١‏ النمنكاني .٠١۷۹‏ 

مفتاح الجنة في الاحتجاج بالسنة» للسيوطي.ط. مصر. 

توجيه النظر إلى علوم الأثرء لطاهر الجزائري. ط مصر 1778. 

قواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث, للقاسمي» ط . البابي الحلبي .٠١۸١‏ 
الرفع والتكميل في الجرح والتعديل» للكنوي . ط. الهند. 

الثقات». لابن حبان. (مخطوط بدار الكتب المصرية). 

الجرح والتعديل» لابن أبي حاتم الرازي . ط . العثمانية بحیدر آباد .٠١۷١‏ 

ميزان الاعتدالء للذهبى. ط. السعادة بمصر. 

تهذيب االوايي لانن صخر ل اله 

تذكرة الحفاظء للذهبي. ط5 النظامية بالهند. 

طبقات المحدثين» للسيوطي. (مخطوط بمكتبة الأزهر) . 

الإصابة في تمييز الصحابة» لابن حجر. ط. السعادة بمصر. 

الاستيعاب» لابن عبد البر. (بهامش الإصابة) . 

الموضوعات» لابن الجوزي. (مخطوط بمكتبة الأزهر). 

اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة, للسيوطي. ط. الحسينية بمصر ؟07١1١.‏ 
تذكرة الموضوعات» للفتني. ط. المنيرية بمصر .٠١٤١‏ 

قانون الموضوعاتء للفتني أيضاً. مطبوع مع تذكرة الموضوعات . 

جامع بيان العلم وفضلهء لابن عبد البر. ط. المنيرية بمصر. 

زاد المعاد في هدي خير العباد»ء لابن القيم. ط5 البابي الحلبي .١159‏ 


٥۱۱ 


رسالة أبي داود في وصف تأليفه لكتاب السئن. ط. الأنوار بمصر .١759‏ 
أضواء غل السنة. محمود أبو رية. ط. مصر. [ 

ظلمات أبو رية أمام أضواء السنة المحمدية» لمحمد عبد الرزاق حمزة. ط. 
السلفية .٠١۷۹‏ 

الأنوار الكاشفة لما فى كتاب «أضواء على السنة» من الزلل والتضليل 
لار له الجن المي الا ا ل 4 


العقيدة والفرق: 


منهاج السنة» لابن تيمية. ط. الأميرية .٠١١١‏ 
الفرق بين الفرق» للبغدادي. ط. مكتب الثقافة الإسلامية بمصر .٠١١۷‏ 
عفيدة الشيعة› تأليف (وايت . م. رونلدسون). 


الفقه وأصوله وتاريخه: 


الرسالة» للإمام الشافعي (تحقيق أحمد شاكر). ط . البابي الحلبي بمصر. 


إحكام الإحكام في أصول الأحكام» لا حزم . ط . السعادة بمصر . 


المستصفى» للغزالي. ط. الأميرية ببولاق .٠١۲۲‏ 

مسلم الثبوت. (بهامش المستصفى) . 

الأسنوي شرح المنهاج» للسبكي. ط. السعادة بمصر. 

أصول السرخسي . ط . دائرة المعارف النعمانية بحيدر آباد بالهند. 
التقرير شرح التحرير.ط. الأميرية ببولاق 1717. 

التيسير شرح التحرير.ط. صبيح .١١07‏ 

إرشاد الفحول» للشوكاني. ط. البابي الحلبي 1707. 
ا ا ا ا ی ی 

أعلام الموقعين» لابن القيم. ط. التجارية بمصر. 

الميزان» للشعراني. ط؛ السعيدية بمصر .٠١١١‏ 

تبصرة الحكام» لابن فرحون المالكي. ط. مصطفى محمد بمصر. 
حجة الله البالغة» للدهلوي. ط. الخيرية بمصر 2.1757 

أضول الفقه» للشيخ .محمد الخضري . ط. التجارية .٠١١١‏ 
تاريخ التشريع الإسلامي. للخضري . ط. التجارية .١7١71‏ 


مذكرة تاريخ التشريع الإسلامي» للسايس والسبكي والبربري.ط. مصر. 


61۲ 


نظرة عامة في تاريخ الفقه الإسلامي» للدكتور علي حسن عبد القادر. ط. مكتبة 
القاهرة الحديثة بمصر. 

الأم» للشافعي . ط. الأميرية ببولاق .٠١۲۷‏ 

المبسوط » للسرخسى .ط . السعادة بمصر. 

الهقاية :. للموظينائى _طاء الثاني التدلين: يضر 


التارييخ: 


تاريخ الإسلامء للذهبي. (مخطوط بمكتبة الأزهرء ودار الكتب المصرية» ودار 
الكتب الظاهرية بدمشق). 

الطبقات الكبرى› لان سعد . ط . دار صادر ودار بیروت . 

البداية والنهاية › ا کر السعادة بمصر. 


تاريخ دمشق» للحافظ ابن عساكر. (مخطوط بمكتبة الأزهر ودار الكتب 
الظاهرية بدمشق) . ظ 
مقدمة ابن خلدون. ط. مصر . 

وفيات الأعيان» لابن خلكان (تحقيق محيى الدين عبد الحميد) . ط . النهضة المصرية . 
فجر الإسلام» لأحمد أمين. ط۳ لجنة التأليف .١05‏ 

ضحى الإسلام» لأحمد أمين . ط. الاعتماد بمصر .١١07١‏ 

الانتقاء في فضائل الثلاثة الأئمة الفقهاء. لابن عبد البر.ط. القدسي بمصر. 
الخيرات الحسان في مناقب أبي حنيفة النعمان» لابن حجر الهيتمي.ط. مصر. 
مناقب أبى حنيفة» للموفق المكى. ط. الهند. 

تأنيب الخطيب» لمحمد زاهد الكوثري.ط. الخانجى بمصر. 

حسن التقاضي في سيرة أبي يوسف القاضي» لمحمد زاهد الكوثري . ط . الخانجي . 
بلوغ الأماني في سيرة محمد بن الحسن الشيباني » لمحمد زاهد الكوثري . ط . الخانجي . 
مجلة المنار» لرشيد رضا ‏ مصر. 


الأذب: 


-% 


العقد الفريدء لابن عبد ربه.ط. لجنة التأليف بمصر .١1758‏ 
ومراجع أخرى تعرف من حواشي الكتاب . 


تون 








الموضوع الصفحة 
الإهداء EDETE Sa NS a‏ 9 
نقديم الطبعة الثانية المنقحة O O‏ 
مقدمة الكتاب نيتم ا N SINET ARS LDS‏ 
تمهيد بمناسبة الطبعة الأولى E O E‏ 
الباب الأول : السنة في التشريع الإسلامي وفيه أربعة فصول : AV ei‏ 
الفصل الأول : معنى السنة وتعريفها ES‏ ل 
وجوب طاعة الرسول يك فى حياته جات خا اده نج ماسططبي ماي وان مام واس لو لز 
وجوب طاعته بعد وفاته 3 ا 00 ل م ا 1 
كيف كان الصحابة يتلقون سنة الرسول ييا E‏ 
لماذا لم تدون السنة في عهد الرسول يكه؟ وهل كتب منها شيء في حياته؟ .. ۷١‏ 
موقف الصحابة من الحديث بعد وفاة الرسول كلل E CS a‏ 
هل حبس عمر أحداً من الصحابة لإكثاره الحديث؟ NE SOS‏ 
هل كان الصحابة يشترطون لقبول الحديث شيئاً؟ 0 
رحلة الصحابة إلى الأمصار طلباً للحديث اي ا 
الفصل الثاني : في الوضع في الحديث E E‏ 
متى بدأ الوضع؟ . . o‏ الس وي و ا E SND‏ 
في أي جيل نشأ الوضع؟ ع ام اس ا ال ل ا E‏ 
البواعث التي أدت إلى الوضع O‏ ل 
أولاً: الخلافات السياسية E a O‏ 

هل كان الخوارج يكذبون في الحديث؟ E‏ 
ثانيا: الزندقة ESS ER SISE ES SAS De‏ 
ثالثاً: العصبية للجنس والقبيلة واللغة والبلد والإمام ا 
رابعاً: القصص والوعظ ESOS e‏ لي 


خامساً: الخلافات الفقهية والكلامية ....... ل 
سادساً: الجهل بالدين مع الرغبة في الخير ا O‏ 
اغا التقرب للملوك والأمراء بما يوافق هواهم ا ا م و ال له 
الفصل الثالث : : في جهود العلماء لمقاومة حركة الوضع ERE‏ 
أولاً: إسناد الحديث ا ا O‏ 
ثأنياً : التوثق من الأحاديث ل ا ل ا ل EE SE E‏ 
ثالثا : نقد الرواة» وفيه أصناف الذين ترفض روايتهم ل 
رابعا : وضع قواعد عامة لتقسيم الحديث وتمييزه E O‏ 

| ا 

2 ل 0 

الضعيف وأقسامه راتت لسن ا ل و ون بوي ا تر يه ا ا ST‏ 

الموضوع وعلاماته ا ا ا ا ا ا ا 

علامات الوضع في السند DS‏ ل ا ل 

علامات الوضع في المتن EBE O‏ 
الفصل الرابع: في ثمار هذه الجهود E‏ 
أولاً: ندوین السنة شر 2 ل SS OREO EA SA ES SR‏ لاا با انقب aS‏ 
ثانياً : ERE ES ODO VOSS Cs AEDS O‏ 
ثالثاً: علم الجرح والتعديل ا #000« 
رابعا: علوم الحديث ا ا ل ا ا EEL EEE OLE‏ 
خامسا: كتب فى الموضوعات والوضاعين ل 
سادساً: كتب فى الأحاديث المشتهرة على الألسنة ”5 
الباب الثاني: في الشبه الواردة على السنة في مختلف العصور وفيه سبعة 
فصول: ا ا ا ل ا ا 
الفصل الأول: السنة مع الشيعة والخوارج O‏ 
الفصل الثاني : السنة مع المعتزلة والمتكلمين OO‏ 
الفصل الثالث : 3 مع منكري ححيتها قديماًء حججهم ١‏ والرد عليهم N‏ 
الفصل الراب ع١‏ احاح بكري حييها جين 0 
أدلة المنكرين › وشبههم الك عار يت ان وجو ساي TT‏ ل 
الجواب عن الشبهة الأولى O‏ 0 
الجواب عن الشبهة الثانية E DC OOO CIO‏ 
الجواقة عن الكيهة lees O‏ 0 
الجواب عن الشبهة الرابعة ل 
الفصل الخامس : السنة مع منكري حجية الآحاد ووو ام SO‏ 


060515 


شبه المنكرين ١ج‏ ا بل يد اي وو او مور روا ا SS‏ 
الجواب عن الشبهة الأولى ERN‏ 
الجواب عن الشبهة الثانية والثالثة والرابعة EOE‏ 
أدلة حجية خبر الآحاد LTE DED‏ ا E‏ 
الفصل السادس : السنة مع المستشرقين ا E baa‏ 


عرض تاريخي لأغراض المستشرقين ل م 


كا الكت ا ار الا ا 
شبه جولد تسيهر © والجواب عنها: IEA SEES‏ 


١‏ موقفف الأمويين من الدين ل ا ا ا 
عت هل كان علماء المديئة وضاعين؟ SS EOL‏ 


۳ - هل استجاز علماؤنا الكذب دفاعاً عن الدين؟ yT‏ 
كت كفت دا :الكدت فن الخدريقع؟ E O‏ 
4 - هل تدخلت الدولة الأموية في وضع الحديث؟ O OTT‏ 
5 أسباب الاختلاف فى الحديث SE AE SEES‏ 
- هل تدخل معاوية في الوضع؟ 0 
۸ - هل استغل الأمويون الزهري لوضع الحديث؟ E E‏ 


الإمام الزهري ومكانته في التاريخ N O‏ 
_ أسمه وولادته وتاريخ حياته NS E SST ECE ILC RG‏ 


- أبرز أخلاقه وصماته A ESS E RECEDES TOO RR E‏ 
- اشتهاره بالعلم وإقبال الناس عليه n‏ 
- ثناء العلماء عليه بسعة العلم 0 O‏ 
ا ل O‏ 


- آثاره في علم السنة TTT‏ 
- آراء علماء الجرح والتعديل فيه 00 
- من روى عنه وخرج له مب وا O E OO E E e O E‏ قل O A‏ 
- رد الشبه الواردة على الزهري E ES‏ 
- صلة الزهري بالأمويين ۰ nnnn‏ ا ا ا ل ل 5 00 
- قصة الصخرة وحديث لا تشد الرحال ا ا ASE CE‏ 
- قصة إبراهيم بن الوليد الأموي SRE‏ 
- قول الزهري : أكر هونا على كتابة أحاديث اه 
ذهابه للقصر وتحركه فى حاشية السلطان ا 
حجه مع الحجاج ا ا ا ا ا ا ا ا 00 


5 © © همه © م6 ه» هع مهم اس اهس هوم 


LS E ES DA OSSD DEES SSS E تربيته لأولاد هشام‎ 
E O O ا‎ E O O O OT rl توليه‎ - 
yS قوط ل ما کے ال و و وح و‎ 


فان تقر الأمويية"الخياة الدينية O a‏ 1 5171 


METERS ONENESS RE O د کلت الصالحين وتدليس المحدثين‎ ٠ 
تع التاق ت الد کن ل‎ 


211111100000000 نقد ابن اعنم لاب اهريرة‎ ١ 


۳ _ الصحف المكتوبة ا ل 
الفصل السابع: السنة مع بعض المتكلمين حديثاً وهو فصل خاص للرد على ما 
كتبه أحمد أمين في (فحر الإسلام» ل OO A A A‏ 
خلاصة فصل الحديث في «فجر الإسلام» الم د بوط ب جف ا ا 


هل بدأ الوضع في عهد الرسول كَو؟ و و م 
أحاديث التسار ا ااا O O O‏ 551111 
هل استوعب البخاري كل 506 في جامعه؟ (وفيه بحث عن معنى 556 
والخبر والأثر وعدد الأحاديث المنتشرة في عصر البخاري) STDS‏ 
عبد الله بن المبارك» وهل کان مغفلا؟ AE SR EG‏ 
خدیت سك الا رات E‏ 
أحاديث الفضائل O E O‏ ا 
غا اف و ا N I‏ 
تغالى الناس فى الاعتماد على السنة O‏ 
ل اعا اا ا ايا اا 0 ه25 
هل كان الصحابة يكذب بعضهم بعضأ؟ (وفيه تحقيق لبعض الأحاديث الواردة 
فى كتب الأصول) ا ا ل ا للم ا 
اختلاف العلماء في التعديل والتجريح ل 


قواعد النقد ى الك والمتن م ا الوا اناو و م E O‏ درق ل مد 
فراع" جام ذلك ا ا 


- 


نقد أحاديث في صحيح البخاري : ا ل له 
الحديث الأول: (لا يبقى على ظهر الأرض بعد مائة. .) إلخ a‏ 
الحديث الثاني : (من اصطبح كل يوم بسبع تمرات. .) إلح e‏ 
الحديث الثالث: (الكمأة من المن وماؤها شفاء. .) إلخ 0 
الحديث الرابع: (من اقتنى كلباً إلا كلب صيد. .) إلخ e‏ 


نبذة من تاريخ أبي هريرة ا ل ا IE‏ 
شبه صاحب فجر الإسلام بأبي هريرة» والجواب عنها: م و 0 
أولاً: رد بعض الصحابة على أبي هريرة ااا ا 0 
ثانياً: عدم كتابة أبي هريرة للحديث م 
الثا: تحديثه بغير ما سمعه م ل ا م ل ا ا 
رابعاً: إنكار الصحابة عليه لكثرة الحديث E O‏ 
خامساً: ترك الحنفية حديثه أحياناً OE E an‏ 
سادساً: استغلال الوضاع كثرة حديثه E o‏ 
مع أبي رية انق ل اسه نا ا ال كان حل مسحي ووو نبو و التو لقم 
مناقشة تهمه وافتراءاته على أبى هريرة: oy‏ ا يا 10 
أولاً: الاختلاف في اسم أبي هريرة ا O‏ 
ثانيا: نشأته وأصله oa‏ ل OO DE‏ 
ثالثاً: أميته O E a‏ و ا 
رابعاً : فقره ا سنفاية نف اد ال ولق وقائية و انوا مج ون اكع يج E‏ 
خامساً: إسلامه وسبب صحبته للنبي با E‏ 
سادساً: قصة جوعه وملازمته للرسول علا O O‏ 
سابعاً: مزاحه وهذره! a a:‏ 0 
ثامنا: التهكم به! مس اهس نج واه الحم جهو سداد ماج سحي VO ASE‏ 
تاسعاً : كثرة أحاديثه ا ا ا ااا 
عاشراً: تشيعه لبنى أمية ا ا 
لح صما ل ل هريرة اا ا ار 
EN‏ أل EA LORE O ER E‏ 
الباب الثالث: في مرتبة السنة في التشريع الإسلامي وفيه ثلاثة فصول EQ...‏ 
الفصل الأول: في مرتبة السنة مع الكتاب ES‏ و وم رتك لأا 
هل تستقل السنة بالتشريع؟ ااا 
حجج القائلين بالاستقلال CEES ER SS OE O‏ 
حجج المتكرية للاستقلال CO CISC LCE a‏ 
الخلاف لفظى! يي ا 
الفصل الثانى: كيف اشتمل القرآن على السنة اا 

اراي 3 0000 200000000 

الطريقة الثانية an‏ ل 

E ay الطريقة الثالثة‎ _ 

الطريقة الرابعة يي يي ا ااا ااا ا 


أمثلة للحكمين المتقابلين 0 
أمغلة للإلحاق ل طريق القياس soon‏ 
الطريقة الخامسة 00 0 0 0 LD‏ 


فضت الب oT‏ 


O OEY الإمام أبو حنيفة‎ ١ 


نتائج هذه الضجة ESSA n‏ 
هل كان أبو حنيفة قليل البضاعة من الحديث .... 
هل كان أبو حنيفة يقدم الرأي على الحديث .... 
أمثلة من وجهة نظر أبي حنيفة في بعض الأحاديث 
ار ل ل ل ا 
yy ENE‏ 
۲ - الإمام مالك ...... 00 
حياته ومكانته العلمية E O‏ 


اله يه 


الموطأ ‏ مكانته ‏ رواياته وأحاديثه - شروحه 5 
هل الموطأ كتاب فقه أم كتاب حديث؟ AS‏ 
شبهة القول بأنه كتاب فقه ا 
جواب الشبهة انك ينف اس اجو او لام ا ل ا 
۳ - الإمام الشافعي SE‏ 
حياته . ومكانته العلمية ................ E‏ 


area O E E A aS a or ar a دوره فی الدفاع عن السنة‎ 


© © © © © © © 6 0ه هس هه ها اه هسه © ه© © سه اه هه ه 


GEH OG 6 © ©‏ ك6 © © ه06 © © ها اه اه هاه هه »© 


BEB OG © 6 ©‏ هه هس هه ه ا ه اه اه اه همه اه هه هم ه ه هاه 


© © © © تت ©0089 0ه ه 0 هه هس © همه ه ا اه ا اه ه00 0ه هه ص هاه 


O SCG OGD CGO BG CGO هه © هه‎ GHB © CO n © oO (ه‎ © © 


أصول مذهبه ل ل 
الإمام أحمد . ا 00 00000 
حياته ومكانته العلمية O O‏ ارك 
اصول مذهبه CAV OILED ISSUE NCTC REESE‏ 
لااد يي 
ه - الإمام البخاري A E‏ 
5 الإمام مسلم . وج لم و لضن لووط ان ا اق واو لامو لط DOE O‏ 
3¥ الإمام النسائي وسننه ا ا 
6 الإمام أبو داود وسننه COR NO‏ 
٩‏ - الإمام الترمذي وجامعه O E O‏ 
٠‏ الإمام ابن ماجه وسئنه م ل 
الملاحق د يا لق جاو 4 لطع طن بنجو بد بل ا لاما لول لاومو الا و وا د م مد و ا اك EVE‏ 
- متى نسد هذه الثغرة CN DONE OO OC CSCS.‏ 
لا... يا عدو الله GE ESSE CES DOGO‏ 
أهم مراجع الكتاب EES‏ ا ا اي ا 
المحتوى سر ار و OG OO O‏ اب الو وال اال و للم 


ا 
اميت 
hs‏ 
٤‏ 
2-0 
ت 
۷ 
۸ - 
۹ 
۱۰ 
١١‏ 
۱۲ 
۱۳ 
١‏ 
هم ١‏ 
5 
۱۷ 





أحكام الصيام وفلسفته . 

أخلاقنا الاجتماعية . 

الاستشراق والمستشرقون. 

السيرة النبوية دروس وعبر. 

عظماؤنا في التاريخ . 

المرأة بين الفقه والقانون. 

من روائع حضارتنا. 

هكذا علمتني الحياة . 

القلائد من فرائد الفوائد . 

شرح قانون الأحوال الشخصية .۲/١‏ 
نظام السلم والحرب في الإسلام. 
التكافل الاجتماعي ف الإسلام . 
المرونة والتطور في التشريع الإسلامي . 
مشروعية الإرث وأحكامه في الإسلام . 
الدين والدولة في الإسلام . 

أصدق الانجاهات الفكرية في الشرق العربي . 
السّنّةَ ومكانتها في التشريع الإسلامي .